تَكْرِيمُ المَرْأَةِ فِي الإِسْلَامِ وَدَوْرُهَا فِي بِنَاءِ المُجْتَمَعِ
06-09-2018, 05:08 PM
تَكْرِيمُ المَرْأَةِ فِي الإِسْلَامِ وَدَوْرُهَا فِي بِنَاءِ المُجْتَمَعِ
مُحَمَّد بن سَعِيد
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّـهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَسَلَّمَ-، أَمَّا بَعْدُ:
فَإِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُاللَّـهِ، وَخَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّـهُ عَلَيْهِ وآلِهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.
أَمَّا بَعْدُ:
دِينُالإِسْلَامِدِينٌتَامٌّ كَامِلٌ
تَكْرِيمُالنِّسَاءِ مِن أَعْظَمِالحَسَنَاتِ فِي دِينِالإِسْلَامِ
لَيْسَ هناك امرأةٌ تَتَمَتَّعُ على ظَهْرِ الأرضِ بمِيزَةٍ سواءٌ كانت في دينِالإسلامِ أمْ في غيرِ دينِالإسلامِ حتى عند أربابِ المِللِ والنِّحَلِ والعباداتِ الكافرةِ والمُلحِدةِ، كلُّ ذلك أَثَرٌ مِن آثارِ أنوارِ الإسلامِ فيما آتاهُ اللهُ –تبارك وتعالى- النساءَ مِن تلك المِنَحِ والعطايا، التي لا يستطيعُ إنسانٌ أنْ يُحْصِيهَا وَلَا أنْ يَعُدَّهَا.
مِنَحٌ عظيمةٌ جدًّا، أعطى اللهُ –تبارك وتعالى- المرأةَ حقَّهَا وأعادَهَا إلى ما ينبغي أنْ تكونَ عليه؛( إنسانةٌ: لها قلبٌ تُحِسُّ وتَشعَرُ، وتُحِبُّ وتكرَهُ، وتَرِثُ)؛ لأنه إلى هذا العصرِ الحديثِ عند الإنجليز: ليس للنساءِ نصيبٌ في الميراثِ –كما هو معلومٌ عندَهُم-، بل وليس للأولادِ الذين يأتون بعد الابنِ البِكْرِ مِن نَصِيبٍ في المِيرَاثِ!!؟، يَصِيرُ المِيرَاثُ كُلُّهُ إلى الابْنِ البِكْرِ، ولا يَرِثُ أَحَدٌ بعد ذلك شَيْئًا لا مِن الرِّجَالِ ولا مِن النِّسَاءِ!!؟.
وَأَمَّا عِنْدَنَا في دينِالإسلامِالعظيمِ، فَقَدْ وَضَعَ اللهُ –تبارك وتعالى- الحقوقَ وفصَّلَهَا، ومِن أَعْظَمِ ما آتاهُ اللهُ –تبارك وتعالى- أفرادَ هذه الأُمَّةِ: ما أعطاهُم اللهُ –تبارك وتعالى- مِن حقوقِ النساءِ.
حَالُ المَرْأَةِ فِي العَصْرِ الجَاهِلِيِّ
المرأةُ في هذا الوقتِ كانت تعيشُ حياةً عصيبةً جدًّا، خصوصًا في المجتمعِ العربيِّ، كان الرجالُ يكرهونَ وِلادةَ البناتِ –كما هو معلومٌ وكما وصفَ اللهُ –تبارك وتعالى-، يَكْرَهُونَ وِلَادتَهَا، فمنهُم مَن كان يدفنهَا وهي حيَّةٌ، كانوا يدفنونَ البنات أحياء، ويجعلونَ هذا الأمرَ –يعني لو أنَّ البنتَ ظلَّت حيَّةً- يجعلون ذلك مؤديًّا إلى حياةِالمَذَلَّةِ والمَهَانةِ، قال اللهُ –تبارك وتعالى-: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَالْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)﴾ [النحل].
﴿أَيُمْسِكُهُ﴾: يعني يُبْقِيهَا مِن غَيْرِ أنْ يَدْفِنْهَا حيَّةً، يدفنهَا حيَّةً، تصوَّر هذا!!، يحفرُ لها القبرَ، ولم تكُن القبورُ كقبورِنَا نحن –حُجُرات مَبْنِيَةٌ على ظهرِ الأرضِ- وإنما كانت تُحفَرُ، فكان يحفرُ لها القبرَ بيدِهِ، ثم يَضَعُهَا حيَّةً مِن غيرِ أنْ يقتلهَا، يجعلهَا حيَّةً، ثُمَّ يُهيلُ فوقَهَا الترابَ ويمضي.
يقولُ اللهُ –تبارك وتعالى-: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ﴾ [التكوير: 8].
فالتي تُدفنُ حيَّةً تُسمَّى مَوْءُودَةً: ﴿وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (8) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ (9)﴾ [التكوير].
الْمَوْءُودَةُ: البِنْتُ التي تُدْفَنُ حيَّةً حتى تموتَ تحت الترابِ، إنْ سَلِمَت مِن المماتِ وظلَّت في الحياةِ فَتعيشُ حياةَ المهانةِ؛ ليس لها حظٌّ مِن الميراثِ مهما كبُرَت، ومهما كَثُرَت أموالُ المُوَرِّثِ، لا تأخذُ مِن نصيبِهَا في الميراثِ شيئًا، ومهما عانَت مِن الفقرِ والحاجةِ لا يصلُ إليها شيءٌ، يَخُصُّونَ بالميراثِ الرجالَ دونَ النساءِ، بل كانت هي نَفْسُهَا -المَرْأَة- توَرَّثُ عن زوجِهَا الميتِ كما يُوَرَّثُ مالُهُ، وكان الجمعُ الكثيرُ مِن النساءِ يعِشْنَ تحتَ زَوجٍ واحدٍ –يعني كان يُمكنُ للرجلِ أنْ يتزوجَ بغيرِ عددٍ قبل أنْ يأتي النبيُّﷺ.
لم يَكُن الرَّجُلُ يَجِدُ في ذَلِكَ العَصْرِ في هذا الأمرِ غَضَاضَةً، يَتَزَوَّجُ مَا شَاءَ مِن النِّسَاءِ، وَيَجْمَعُ في بَيْتِهِ مَا شَاءَ مِن النِّسَاءِ عَدَدًا كَثِيرًا، وكانت المَرْأَةُ إذا مَاتَ زَوْجُهَا، فَإِنَّهَا لا بُدَّ أنْ تَعتَدَّ في بَيْتِهَا سَنَةً كَامِلَةً، وفي هذه السَّنَةِ عندما يَمُوتُ عنها زوجُهَا تَعْتَدُّ في بيتِهَا، لا تَقْرَب طِيٍّبًا، ولا تَمْتَشِط، ولا تُغَيِّرُ ثِيَابَهَا -لا تُبَدِّلُ الثِّيَابَ-، عندما مَاتَ الزَّوْجُ وهي في ثيابٍ تظَلُّ عليها ثيابُهَا سنةً كاملةً، ولا تَغْسِلُ رَأْسَهَا، ولا تَضَعُ المَاءَ على جَسَدِهَا.
فإذا مَا مرَّ العام، فإنها تخرجُ مِن هذا الحِدادِ، ثم بعد ذلك تغتسل، تَمْتَشِط، تُغيِّرُ الثيابَ، وتُورَثُ، يَرِثُهَا مَن هنالك ممن يَرِثُ الميِّتَ، يَرِثُهَا كما يَرِثُ المتاعَ، كما أنَّ الميتَ تَرَكَ حيوانًا، كأنه تركَ حيوانًا!!؟، يُورَثُ كما يُورَثُ الحيوانُ ما هنالك من النساءِ مهما بَلَغْنَ مِن العددِ!!؟.
هذا ما كان عليه الحالُ قَبْلَ دِينِمُحَمَّدٍﷺ، وأمورٌ أَسْوَأُ مِن هذا بِكَثِيرٍ جِدًّا.
تَكْرِيمُالإِسْلَامِلِلْمَرْأَةِوَرَفْعُالمَظَالِمِعَنْهَا
لمَّا جاءَ الإسلامُ رَفَعَ هذه المَظَالِمَ عن المَرْأَةِ، وَأَعَادَ لَهَا الاعتبارَ في الإنسانية بدءًا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى﴾ [الحجرات: 13].
فهنا: تساوٍ في الإنسانية في أصلِ الخِلقةِ.
*الإِسْلَامُسَوَّى بَيْنَ الرَّجُلِ والمَرْأَةِ فِي الثَّوَابِ وَالعِقَابِ عَلَى العَمَلِ:
وذكرَ اللهُ –تبارك وتعالى- أنها: شريكةٌ للرجلِ في الثوابِ والعقابِ على العملِ، فسَوَّى اللهُ تبارك وتعالى- بين الرجلِ والمرأة في الثوابِ والعقابِ على العملِ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ [النحل: 97].
فسَوَّى في قاعدةِ الثوابِ والعقابِ بين الرَّجُلِ والمَرْأَةِ، لا فَارِق.
واللهُ –تبارك وتعالى- يقولُ: ﴿لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ﴾ [الأحزاب: 73].
فالعقاب يصلُ إلى الرجلِ والمرأةِ على حدٍّ سواء عندما يكونُ هناك عَمَلٌ فاسدٌ وطالحٌ.
*حَرَّمَاللهُ فِي دِينِالإِسْلَامِالعَظِيمِ أَنْ تَكُونَ المَرْأَةُ مِن جُمْلَةِ المَوْرُوثَاتِ:
حَرَّمَ اللهُ –تبارك وتعالى- على الرجالِ في دينِالإسلامِالعظيمِ -وكان هذا معمولًا به قبل أنْ يأتيَ النبيُّ الأمينُﷺ-، حَرَّمَ أنْ تكونَ المرأةُ مِن جُمْلَةِ المَوْرُوثَاتِ، يقولُ اللهُ –تبارك وتعالى-: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُواالنِّسَاءَكَرْهًا﴾ [النساء: 19].
هذه الآيةُ ما معناها؟:
معناها: أي لا يحِلُّ لكم أنْ تأخذوهنَّ بطريقِ الإرْثِ، فيموتُ الرجلُ عن المرأةِ، فيأتي ابنُهُ مِن غيرِهَا فيرِثُهَا، فتُصبِحُ ميراثًا له، إنْ شاءَ بقيَت عندَهُ وإنْ شاء سَرَّحَهَا، فيقولُ اللهُ –تبارك وتعالى-: لا يحِلُّ لكم أنْ تأخذوهُنَّ بطريقِ الإرثِ، فَتَزْعُمُونَ أنكم أحقُّ بهن مِن غيرِكُم، وتحبِسُوهنَّ لأنفُسِكُم كما كان أهلُ الجاهليةِ يفعلون، هذا ممنوعٌ.
* حقُّالنِّسَاءِ فِي النَّفَقَةِ:
وأعطى اللهُ –تبارك وتعالى- المرأةَ حقَّهَا وردَّ عليها كرامتَهَا، حتى كانت نساءُالنبيِّﷺ يُرَاجِعْنَهُ –يُرَاجِعنَ الرسولَﷺ- ويسألْنَهُ النَّفَقَةَ، حتى إنَّ الرسولَﷺ لَمَّا أَكْثَرْنَ عَلَيْهِ في هذا الأمرِ اعْتَزَلَهُنَّ ﷺ، وهو أَطْيَبُ الخَلْقِ خُلُقًا وَأَحْسَنُهُم شِيمَةً ﷺ.
عُمَرُ -رضوان اللهِ عَلَيْهِ- عندما جاءَ، وظَنَّ ﷺ -والظنُّ هاهنا الاعتقاد- أنَّ اللهَ –تبارك وتعالى- لن يُضَيِّعَهُ، فإمَّا أنْ يبقينَ عنده وإمَّا أنْ يُطَلِّقَهُنَّ ﷺ، جاءَ عمرُ –رضوان الله عليه- وكان قد ظنَّ عَمَرُ أنَّ النبيَّﷺ طلَّقَ نساءَهُ، فلمَّا عَلِمَ أنه لم يُطلِّق النساءَ بعدُ، والمسلمونَ جالِسون يبكونَ أنَّ النبيَّﷺ طلَّقَ نساءَهُ، دخلَ عُمَرُ على النبيِّﷺ، قال: يا رسولَاللهِ –لأنهن يُراجِعْنَ النبيَّﷺ وهو يعلم-، فدخلَ على النبيِّﷺ، وقال: يا رسولَاللهِ، لو رأيتني وابنةُ خارجة –يعني زوجتَهُ، زوجة عُمَر- تسألُني النفقةَ وأنا أجَأُ في عُنُقِهَا حتى استلقت لقفاهَا، فظلَّ النبيُّﷺ يضحكُ.
النبيُّ لم يكن يفعل ذلك، وأمَّا عُمَرُ –رضوان اللهِ عليه- يقول: هي وقفَت تقول لي: أُريد كذا وكذا، واليوم نستطيع أنْ نشتري مِن السوقِ كذا وكذا، تسألُهُ النفقةَ وهو يجأُ بأصبعَيْهِ في عُنُقِهَا –بأصبعَيْ عُمَر رضوان الله عليه-، وأنا أَجَأُ في عُنُقِهَا بأصبعَيْ هاتيْن حتى استلقَت لقفاهَا، فضَحِكَ النبيُّﷺ، النبيُّﷺ أرفقُ الخَلْقِ ﷺ.
يتبع إن شاء الله.