ما الذي أزعج الفايسبوك في صفحة جمعية العلماء!!؟
27-09-2016, 04:29 PM
ما الذي أزعج الفايسبوك في صفحة جمعية العلماء!!؟
التهامي مجوري

قبل الإجابة عن هذا السؤال، لا بد من وضع القارئ في الصورة؛ لأن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لا علاقة لها بالفايسبوك، إلا كعلاقة أي مواطن في أي موقع بالعالم به، تستعمله كما يستعمله كل الناس، وفق شروط إدارة الفايسبوك، ولكن السبب الجامع بين هذين الاسمين، والذي فرض علينا هذا التساؤل: ما الذي أزعج "الفايسبوك" في صفحة جمعية العلماء!!؟.
الهيئة الإعلامية لجمعية العلماء نشرت صورة لخريطة فلسطين التاريخية على صفحتها في الفايسبوك، وكتبت إلى جانبها عبارة باللغة الانجليزية "هذه فلسطين وليست إسرائيل"، وذلك ردا على خريطة رسمت في مقرر كتاب الجغرافيا للسنة الأولى متوسط –إعدادي-، الذي طبعته وزارة التربية الجزائرية، ووضعت اسم إسرائيل بدل فلسطين، وسحبته بعد ذلك من التداول لتصحيحه، وردا كذلك على إدارة غوغل التي فرضت على العالم خريطة إسرائيل بدل فلسطين وفق ما تشتهي الإدارة الدولية المتعجرفة ووفق ما يريد الكيان الصهيوني، رغم أنف جميع المحتجين.
وهذه العبارة من حيث المبدأ هي: تعبير عن موقف سياسي في موقع محل نزاع، باعتبار أن فلسطين مستعمرة يهودية، احتلت سنة 1948 بناء على وعد بلفور الذي كان قبل ذلك بواحد وثلاثين سنة، وهو كذلك موقف الدولة الجزائرية التي تنتمي إليها جمعية العلماء، ولكن إدارة الفايسبوك لم يرق لها ذلك، فراسلت إدارة صفحة الجمعية، مستهجنة نشر تلك الصورة بالتعليق عليها بالعبارة المذكورة، باعتبارها صورة لا تحبذها إدارة الفايسبوك، لأنها مضادة لسياستها وتنصح بإلغائها!!؟.
فالأمر في الظاهر عادي لا يحتاج إلى العبقرية لتفهمه.. حيث أن الجمعية عبرت عن رأيها في موضوع سياسي دولي محل جدل وخلاف، وإدارة الفايسبوك باعتبارها صاحبة هذا الفضاء المفتوح ومالكته: عبرت عن رأيها ونصحت بإلغاء ما لا يرضيها، وهذا فيما يبدو من حقها، فممارسة الحرية والديمقراطية هكذا تكون لإنضاج الأفكار والحوارات بين المختلفين، وللتوصل إلى القيم الإنسانية العالية.. ولكن عندما نمعن النظر في الموضوع ونغوص في أغواره ونضعه في سياقه العام، فإننا نكتشف أن طبيعة الموضوع ليست كما تبدو بسيطة، وإنما هي: أعقد بكثير مما يتصور المرء.
وإذا سلمنا جدلا بموقف الجمعية وتفهمناه، في إطار الصراع الدولي القائم، باعتبارها مؤسسة جزائرية مؤهلة للكلام عن طبيعة الاستعمار أكثر من غيرها؛ لأنها في بلد استعمر لمدة 132 سنة، وكان استعمارا استيطانيا، لا يعترف للمواطن الجزائري بشيء من حقوقه مطلقا؛ بل سن له قانونا يسمى قانون "الأنديجينا"، أي قانون الأهالي، وكان يقول عن الجزائر "الجزائر الفرنسية"، مثلما يفعل الصهاينة بالفلسطينيين تماما؛ بل ربما كانت الصيغة أسوأ وأفظع!!؟، وهذا الموقف قد يشاركها فيه الكثير من الناس من العرب والمسلمين وغيرهم؛ بل يوجد من اليهود أنفسهم من يرفض إنشاء دولة إسرائيل؛ لأنهم يعتقدون دينيا: أنهم لا يجوز لهم أن تكون لهم دولة يهودية خاصة بهم.
وإذا تفهمنا ذلك، فإنه يصعب علينا تفهم رسالة الفايسبوك في نفس السياق الذي يفرزه الصراع القائم بين الدول والثقافات والحضارات في العالم، باعتبار أن الفايسبوك مؤسسة تشرف على موقع تواصل، أهم وظيفة له هي: التواصل بين الناس عموما بالحوار والنقاش، وتبادل الآراء ووجهات النظر، والتعبير عن المواقف فيما يجري في العالم، بحيث لا يجوز لهذه الإدارة أن تتدخل ولا أن تطالب أحدا أو تشير عليه بشيء إلا بما أجمعت الإنسانية على إدانته، كالدعوة إلى العنف والاتجار في السلاح والمخدرات والترويج لكل ذلك... أما أن يكون الموضوع رأيا سياسيا في أمر محل جدل دولي، فلا يحق للفايسبوك –بأي حال من الأحوال- أن يمارس هذا الضغط، إلا أن تكون لهذه الإدارة غايات أخرى نحاول استشفافها بالإجابة عن هذا التساؤل، ما الذي أزعج "الفايسبوك" في صفحة جمعية العلماء؟.
إن الفايسبوك مؤسسة تجارية، تمارس التجارة فيما يحتاج إليه الناس، وهو هذا الفضاء المفتوح الذي يلتقي فيه ملايير من الناس.. فهم محتاجون للتواصل، وهو يستثمر في هذه الحاجة وما يترتب عنها من علاقات، وليس مجرد فضاء يلتقي فيه الناس ويتواصلون بجميع وسائل الاتصال المتاحة فيه، فهو مالك لمساحات واسعة، معروضة للبيع لكل من يطلبها، في إطار الإشهار والترويج للأفكار والمنتجات الاقتصادية وغيرها، وهو مالك أيضا لكم هائل من المعلومات عن الناس المسجلين فيه، وما يتداولون من معلومات خاصة وعامة، مكتوبة وصوتية وربما مصورة أيضا، كل ذلك يعرضه الفايسبوك للتسويق، مع الدول والمؤسسات الأمنية والاقتصادية والأفراد، ومن بين المعلومات المعلن عنها هذه الأيام أن إدارة الفايسبوك وقعت اتفاقا مع إسرائيل لمنع كل ما يضر بإسرائيل من أفكار ومصطلحات مثل: مصطلح الجهاد والمقاومة وتداول الألفاظ المماثلة لهذه المعاني....، ولعل الرسالة الموجهة للجمعية من الأمور التي يشملها هذا الاتفاق، لا سيما وأنها تمس بجوهر الدولة الصهيونية "خريطتها الجغرافية".
والمؤسسة التجارية مفتوحة على كل من يحتاج إليها، ولا تهمها الأفكار والقيم، إلا بالقدر الذي يخدم المؤسسة في تحقيق غاياتها التجارية، ومن ثم المتوقع: أنه يتعامل مع كل من يحتاج خدمته...، وعلى رأس المحتاجين لخدمته: المؤسسات الأمنية ووكالات الاستخبارات ومراكز الدراسات والمراكز البحثية، وكذلك الدول العاجزة عن إقناع العالم بطروحاتها، فتضطر إلى التعامل مع الناس عبر الفعل المخابراتي، وجوهر الفعل المخابراتي المعلومة، وهي متوفرة في الفايسبوك، وهو مستعد لبيعها لكل من يطلبها كما أسلفنا، ولذلك نجد أن الكثير من الأمور التي حجبها الفايسبوك لا تستند إلى ميثاقه في التعامل، وإنما لأن جهة ما دفعت مقابلا لذلك الإلغاء..، وقد نشرت الزميلة خديجة بن قنة على صفحتها في الفايسبوك ذات يوم أن الصفحة تعرضت لـ20 ألف بلاغ، وربما التهديد بإغلاق الصفحة بسبب مناصرة المسلمين في بورما التي تتعرض للتصفية العرقية، كما أبلغتها أن الصفحة تتعرض للبغاة بسبب أن الصور المتعلقة بما يجري في بورما مخالفة للنشر....، وما وقع لبن قنة وقع ما يشبهه للزميل سليم صالحي عندما أراد أن يدعم موقفا سياسيا مناهضا لموقف رسمي فرنسي، وأراد أن يمول حملة عبر صفحته مضادة لفرنسا، فرفضت إدارة الفايسبوك؛ لأن فرنسا دولة والدولة تدفع أكثر بطبيعة الحال..، والمتتبع لهذا الفضاء يلاحظ الكثير من القضايا المماثلة، فالواحد منا يرى مشهدا أو يقرأ خبرا ثم يعود إليه بعد يوم أو ساعات وربما بعد ساعة فيراه قد اختفى... لأن جهة ما لا تريد لذلك الأمر البقاء، ولذلك تجد الكثير من الناس يعقب على ما ينشر بقوله "قبل أن يحذف" لا سيما في الأمور المتعلقة بالصراع الدائر في العالم، بين الشعوب المستضعفة والنظم المستكبرة.
هذا عندما نتكلم عن مؤسسة الفايسبوك كمؤسسة تجارية تحرص على الربح، ولا تريد أن تعرض نفسها للخسارة، فهي تنشط وتتفاعل مع كل من يدفع أكثر؛ بل قد لا تحرص على القبض المالي بقدر ما تحرص على تضخيم أسهم المؤسسة في البورصة، كأن تنشر معلومة ويطالب أحد بإلغائها بمقابل مالي لا يرتقي إلى مستوى ما يحققه بقاؤها، لأن بقاء المعلومة يؤمن للإدارة كما هائلا من زوار الصفحات، ومن ورائه كما مضاعفا لملايين المرات من المعلومات التي يتداولها الزوار، ومن ثم فإن إدارة الفايسبوك لا تعبأ بمن طالب بالإلغاء؛ لأن بقاء المعلومة يخدم المؤسسة أكثر من إلغائها، هذا في عالم "البزنس" بعيدا عن الأيديولوجيا.. أما عندما ندخل عوامل أخرى خاضعة للقناعات والمعتقدات والخيارات العقدية والثقافية والسياسية، فإن الأمور تأخذ مناحي أخرى، منها: الخوف من العصب المتحكمة في العالم، مثل اللوبيات الصهيونية والماسونية ونوادي الروتاري وغيرها من القوى "الناظمة" للدول العظمى والشركات متعددة الجنسيات.
فإدارة الفايسبوك إذا هي: مؤسسة تجارية ولكن تحكمها جملة من القيم، فهي تبحث عن الربح في أمور، وتبحث عن إرضاء قوى نافذة في العالم في أمور أخرى، وتعمل بخوف من قوى أخرى من أن تؤذيها، وتناصر فئات أخرى لأنها مقتنعة بطروحاتها ومؤمنة بها.
ومن ثم فإن ما أزعج الفايسبوك هو: نشر الخريطة الأصلية لفلسطين ما قبل 1947، لا سيما وان خريطة فلسطين ما بعد أوسلو تختلف عما قبله بسبب فعل التطبيع الذي شمل الكثير من المنبطحين ابتداء من الفلسطينيين أنفسهم، وجمعية العلماء بقيت خارج هذا الواقع المفروض، والكيان الإسرائيلي بكل المقاييس له من القدرة على التحكم في الفايسبوك: أكثر من غيره...، فهو يدفع دفع من لا يخشى الفقر ويخيف ويؤثر....، وإذا أرادت الشعوب المستضعفة أن تتجاوز التحكم في هذا الفضاء الفعال، ما عليها إلا أن تشجع شبابها على اقتحامه وخوض معاركه بتأسيس مواقع التواصل، إذ أن هذا الفضاء المفتوح فيه من مساحات ممارسة الحرية: أكثر مما فيه من مستنقعات الاستعباد الذي يستظل به عالمنا الإسلامي المغبون.