العربية لغتنا الأجنبية!!؟
03-10-2016, 08:54 AM
العربية لغتنا الأجنبية!!؟
صالح عوض
في زمن فائت كان الأديب المصري الرصين فاروق شوشة يقدم برنامجا في الإذاعة المصرية بعنوان "لغتنا الجميلة"، وكان الأديب الجزائري الأصيل محمد فارح يقدم من إذاعة الجزائر برنامجه البديع "لغتنا الجميلة".. كأني أحس أنهما كانا عبارة عن صرخة الحياة في وجه الموت القادم من كل الجهات يخنق اللغة العربية.. فها نحن نكتشف مع الزمن أن العربية أصبحت لغتنا الأجنبية.. أو لغتنا الضحية. والأمر يمكن تتبعه على ضفاف النيل او على بوابات الموانئ في شمال إفريقيا وأدغالها أو في بلاد الشام ومدارسها مع الحملات الاستعمارية الغربية الفرنسية البريطانية أو مع حملات المتغربين المستلبين.
في دراسة أخيرة عن إمكانات الطفل العربي والطفل الأجنبي والمقصود هنا طفل أوروبا الغربية في مجالات عديدة تم إظهار حقيقة تراجع مذهل لدى الطفل العربي في تمكنه من اللغة وتفوق نظيره الأوروبي، ففي الوطن العربي لا يزيد عدد مفردات الطفل العربي "من 6 سنوات الى 12" عن ثلاثة آلاف مفردة هي خزينة البيت والمدرسة في حين يتحرك نظيره الأوروبي في مجال ستة عشر ألف مفردة.. وهذا يكشف عن الدائرة التي يتحرك فيه كل من العقل العربي والعقل الأجنبي وأدواتهما في التعبير.
فكيف وصلنا إلى هذا المستوى؟.
يجيب على ذلك الكاتب البريطاني "جانيس" في كتابه "الإسلام الثوري" الذي سطره في بداية الثمانينات، حيث يشير إلى جهود مكثفة من قبل المستشرقين وأصحاب الفكر الاستعماري في بريطانيا وفرنسا لتفسير ظاهرة قوة الشخص العربي والمسلم التي تجلت في قدرته على الاندفاع في الأرض شرقا وغربا وتمكنه من إعادة صياغة المناطق التي يصلها في بوتقة حضارية خاصة.. فانتهى الأوروبيون الفرنسيون والانجليز إلى نتيجة ان السبب في ذلك هو المنهج التعليمي للطفل العربي والمسلم.. والمتمثل في التقاط الطفل من عمر "3-6" أعوام في الكتاتيب ليحفظ القرآن الكريم فيخرج بحصيلة 50 ألف كلمة في عقله بكل ظلالها ونطقها وحركاتها وهمساتها وإيحاءاتها.. وبعد ان ينهي حفظ القرآن يدرس ألفية مالك ليقعد اللغة ويعرف كيف يكون جملته وكيف يتلقى سواها وهكذا يصبح الطفل العربي والمسلم قبل 7 أعوام قويا بلغة تستطيع أن تمنحه الفرصة للتعبير عن نفسه وحاجاته بكل ما فيها من قيم وأفكار ودقة وفنون.. فمن المعلوم ان اللغة حاملة ثقافة وحياة ومناخ نفسي.
من هنا: جاءت المؤامرة لتدمير نظام الكتاتيب وإلغائه في إفريقيا، ومحاصرته في بلاد الشام، وإيجاد بديل عنه في مصر.. وجاء مستشاروهم ليفتحوا المدارس لأبناء الخاصة بلغة انجليزية وفرنسية دون مستوى اللغات التي يتعلمها أطفالهم، ودفعوا بإنشاء نظام تعليمي لأطفالنا يبدأ من عمر 6 سنين في مدارس سطحية ليصل إلى 12 سنة، وتكون محصلته ضحلة يمعن في إسفافها: ما يدور من مفردات في البيت والشارع!!؟.
ضاعت العربية الفصحى من أبناء العرب، ففي البيت والشارع والمدرسة لغة مكسرة فقيرة محدودة المفردات، فتكثر الحركات المعبرة عن رغبة أو فعل أو فكرة وتحل الكلمات المهجنة بلا قيم ولا اصول على الألسنة وهكذا أصبحت لغتنا العربية اللغة الأجنبية أو اللغة الضحية او اللغة الشعبية..
أما الثقافة والعلوم والسياسة والاقتصاد، فأصبح لابد من لغة يتمكن فيها الباحث والمتعلم، ويتحصل على مفرداتها وكثيرا ما تنتابه مناخاتها النفسية لتحدث الانفصام الحضاري في نفسه وروحه..
فهل نعود لتزويد أبنائنا بـ50 ألف مفردة هي مفردات القرآن الكريم قبل دخوله المدرسة؟، وهل نقرر في مدارسنا ألفية مالك في العام الأول من الابتدائية؟.
إن ذلك يعني أننا خطونا الخطوة الأولى نحو القوة..
تولانا الله برحمته.