أخيرًا: ثانويات وأقسام متخصصة!!؟
06-09-2018, 05:02 PM
أخيرًا: ثانويات وأقسام متخصصة!!؟
أبو بكر خالد سعد الله
أستاذ جامعي قسم الرياضيات / المدرسة العليا للأساتذة- القبة


كان الوزير الأول قد أصدر يوم 22 جويلية الماضي مرسوما في الجريدة الرسمية حول تأسيس نمط من الثانويات أطلق عليها اسم “الثانويات المتخصصة”، وقد استغربنا: كيف أن وسائل الإعلام لم تتعرض إلى هذا الموضوع رغم أهميته البالغة في الشأن التربوي ومستقبل البلاد المرتبط برأس المال البشري!!؟.
فالخطوة في حد ذاتها تعتبر إيجابية على أكثر من صعيد، غير أن هذه الإيجابية قد لا تكون: إذا لم يتم ترتيب الأمور بإحكام، والأمثلة على فشل سلطاتنا في عدة مبادرات من هذا القبيل تدعونا إلى التخوف والتحذير.
انظر مثلا إلى دور:( مجمع اللغة العربية، والأكاديمية الجزائرية للعلوم والتكنولوجيا، والمدارس التحضيرية، وثانوية الرياضيات…)، فكلها مؤسسات لم يرق دورها:(إن كان لها نشاط يُذكر!!؟) إلى المستوى المرجو منها.

متطلبات الثانويات المتخصصة:
جاء في نص المرسوم:" يُقصد بالثانوية المتخصصة: المؤسسة العمومية للتربية والتعليم التي تضمن تعليما ثانويا عاما وتكنولوجيا موجها إلى التلاميذ ذوي المواهب المتميزة …”.
ويُفهم من بقية النص: أن هذا النوع من الثانويات يمكن أن يفتح في عدة مناطق عبر الوطن. وهذا جميل لو كان ممكنا!.
لكن وضع ثانوية الرياضيات بالعاصمة -التي تعتبر ثانوية متخصصة بهذا المفهوم- يبيّن أن الوزارة غير قادرة على توفير أفضل المكونين لمثل هذه الثانويات إن تعددت، ولعل أهم عائق في هذا الموضوع هو: العامل المادي، والكل يعلم ما تدرّ الدروس الخصوصية من أموال على الأساتذة، وهؤلاء غير مستعدين للتضحية بوقتهم من أجل تكوين النخب: ما لم تعوضهم الإدارة ماديا بما يكون بديلا لما يكسبونه من الدروس الخصوصية.
إنه وضع محزن: أن يتهرب المتميّزون من تكوين المتميزين، ولذا فالأمر يتطلب من الوزارة معالجة حكيمة كي لا تفتح ثانويات متخصصة لتصبح شبيهة بالمؤسسات العادية أو أسوأ منها.
وبخصوص اختيار الأستاذة المكونين لهذه الثانويات يوضح المرسوم الكيفية، فيقول :“يُنتقى أساتذة الثانوية المتخصصة والأقسام المتخصصة من بين الأساتذة المبرزين، والأساتذة المكونين في التعليم الثانوي…”. والفئة الأنسب -حسب التجربة الفرنسية الناجحة في هذا المجال- هي فئة الأساتذة المبرزين الذين تُدفع لهم أجور تعادل أجور أساتذة الجامعات.
والسؤال المطروح هنا ذو شقين:
الشق الأول: أين هم المبرزون؟، وهل هناك نية لتكوينهم؟، علما أن العملية انطلقت منذ نحو 20 سنة بالتعاون مع المدارس العليا للأساتذة، ثم توقفت قبل تخرج الدفعة الأولى!!؟.
الشق الثاني: هل السلطات مستعدة للتعامل مع هؤلاء ماديا بشكل مغرٍ كما هو الشأن في فرنسا!!؟.


الأقسام المتخصصة:
ثم جاء في المرسوم:” تفتح أقسام متخصصة عند الحاجة في الثانويات، للتكفل بالاحتياجات الخاصة للتلاميذ ذوي المواهب المتميزة …”.
نعتقد أن فتح الأقسام المتخصصة من هذا القبيل عبر التراب الوطني (لنقلْ قسما واحدا في كل ولاية في بداية الأمر بنحو 20 تلميذا) إجراء بالغ الأهمية، لأن ذلك سيجعلنا نكوّن نخبة تتألف من ألف تلميذ سنويا، ثم نضاعف العدد بعد التحكم في زمام الأمور، ولا شك أبدا بأن التركيز على فتح أقسام متخصصة بهذا الشكل: أفضل بكثير من تعدد الثانويات المتخصصة، وأقل تكلفة وعناء للإداريين.

ما الفائدة من البكالوريا الدولية!!؟:
كما نص المرسوم على التالي:“ يمكن أن يرخص للثانوية المتخصصة، بطلب منها، بضمان تعليم مكمل مطابق لبرنامج شهادة دولية يخول الحق في الحصول على بكالوريا دولية، إضافة إلى البكالوريا الوطنية …”.
هنا نسأل: ما الفائدة من البكالوريا الدولية التي أحدثت عام 1968 لتسمح للتلاميذ بمواصلة تعليمهم في بعض البلدان مباشرة دون الحاجة إلى إعادة إجراء بكالوريا تلك البلدان؟.
نلاحظ أن الجامعات المرموقة التي ينبغي أن يلتحق بها المتفوّقون جامعات يهمها المستوى العلمي للطالب، وليست الشهادة.
إذا اعتبرنا البكالوريا الفرنسية مثلا، فأي فرق بينها وبين بكالوريا الجزائر؟، إذ قاربت نسبة الحاصلين عليها في فرنسا 90%، وقد روى لنا زملاء يعملون في فرنسا سلوكات لا تُصدق تقع خلال مداولات البكالوريا الفرنسية من حيث التساهل مع التلاميذ، وإنقاذهم بتضخيم علاماتهم حتى تصل نسبة النجاح إلى هذا المستوى.
أما الالتحاق بالجامعات الأمريكية أو البريطانية وأمثالها، فهو يتطلب بوجه خاص مستوى عال في اللغة الانكليزية من النادر أن يتمكن منه تلميذ بمجرد حصوله على البكالوريا، ولذا لا نعتقد أن البكالوريا الدولية لها من الأهمية ما يجعلنا نوليها الأولوية، والأجدر أن نعدّ التلاميذ إلى الدخول إلى أقسام امتياز داخل جامعاتنا خلال السنوات الأولى.

دور وزارة التعليم العالي:
ومن بين ما تسعى إليه السلطات من خلال الثانويات والأقسام المتخصصة هو:“دعم وتطوير القدرات الابتكارية والإبداعية لدى التلاميذ …”، وكذا تحضيرهم:“للالتحاق بالمدارس العليا للتعليم العالي”.
أما الشطر الأول من مادة المرسوم حول دعم قدرات التلاميذ، فلا نقاش فيه. وأما الشطر الثاني الخاص بالتحاقهم بالمدارس العليا، فهذا يتطلب من وزارة التعليم العالي أن تعتني أكثر بمستوى هذه المدارس.
علينا أن ندرك بأن ما يسمى لدينا بـ:”المدارس العليا للتعليم العالي” لا تستحق معظمها هذه التسمية، فشأنها شأن المدارس التحضيرية التي كان من المفترض أن يكون فيها أفضل الطلبة وأفضل الأساتذة وأفضل الإدارات. لكن أين نحن اليوم من كل هذا “التفضيل”!!؟.
كما أشار المرسوم إلى ضرورة:“تدريب التلاميذ الذين يثبتون تفوقا ملحوظا في مادة أو تخصص لتمثيل الجزائر في المنافسات العلمية الدولية”.
بطبيعة الحال، فهذا سيكون من المحفزات البارزة للتنافس على التحصيل العلمي، وهو تنافس لن يمس شريحة ضيقة، بل ستصل تداعياته الإيجابية إلى بقية التلاميذ عبر الوطن.
أملنا كبير: أن يفتح هذا المرسوم باب التنافس العلمي على مصراعيه لدى تلاميذنا، وأن تعتني وزارة التعليم العالي بالمؤسسات التي ستستقبل هؤلاء المتفوقين، ليحقق هذا المشروع الوطني غايته.