السيرك الشرقي
31-05-2017, 12:50 AM
السيرك الشرقي
الرمال الذهبية أخذت تتطاير بين حوافر الأحصنة بلا توقف..
حلبة السيرك الشرقي كانت مترعة برمل لين تشوبه الرطوبة الأمر الذي جعل الجياد تختال بأريحية فوقه.
صدح جوق السيرك بمقطوعات موسيقية شهيرة و راحت المصابيح الملونة ترسل أضواء براقة في فضاءات السيرك...
و سرعان ما اجتاحت السيرك عاصفة قوية من التصفيق. كانت الجماهير متحفزة لمشاهدة المزيد من العروض الشائقة.
صاح مدرب الأحصنة و هو يلوح بسوطه الجلدي في الهواء :
- ماكسيمو جاء دورك...هوب...هوب...هوب-
لم يكن ماكسيمو سوى حصانا أبيضا ذو بنية قوية جدا. يناديه مدربه أحيانا " ماكسيمو عميد الفرقة " فهو أكبر الخيول سنا و خبرة..
بقية الأحصنة لونها أسود فاحم و عددها عشرون. جلبها المدرب منذ سنوات من عند تاجر أحصنة في اقليم القوقاز.
تعهد المدرب تلك الخيول الفتية بالرعاية و التدريب و الاستحمام . لقد كانت تستحم كل يوم ثم تخضع للتدليك ثم تلتهم وجبة فاخرة من الشعير و الجزر و الذرة...
ماكسيمو هو أحب الجياد إلى قلبه. لقد جاء إلى الدنيا قبل ابنته كلارا بساعة واحدة.
لهذا السبب كان المدرب يردد دائما " كلارا و ماكسيمو توأمان رائعان"
الحصان الرائع سوف يسلخ عشرين سنة في الصيف القابل. لا زال رشيق القوام و أجمل ما فيه حوافره البنية الجميلة...
فجأة خفتت الأضواء و انطفأ صهيل الموسيقى و أمسكت الخيول عن الدوران.
وثب ماكسيمو برشاقة على الحافرين الخلفيين و راح يلوح برأسه الضخم في الهواء..
ارتفع ستار أحمر و دخلت الحسناء كلارا إلى حلبة السيرك في كامل أناقتها..و راحت تختال في فستان أبيض من الدانتيل. استطاع أنفي أن يرصد شيئا من عطرها الذي غشي المكان بقوة.
انتعش أنفي المنكوب أخيرا...منذ قليل و أنا استقل الميترو نحو السيرك الشرقي قعد بجانبي زنجي من أفريقيا الوسطى من العاملين في " شركة الدهان و الطلاء".
رائحة بغيضة كانت تتسلل من قميصه. شعرت أن رائحة العرق تلك تثقب أنفي و توشك أن تثقب طبقة الأوزون أيضا..
بحركة كما البرق امتطت كلارا صهوة ماكسيمو و انطلق الثنائي البارع في رحلة دوران و رقص على رمال السيرك. و سارت على خطاه بقية الأحصنة...
صدحت الموسيقى ثانية و لوح المدرب بسوطه في الفضاء قائلا:
- ماكسيمو تحرك....سارع...توقف....أقفز...خلف دور...هوب ...هيا-
و راحت كلارا الجميلة تقفز فوق صهوات الخيول برشاقة فائقة و تناغم لذيذ كما تصنع الفراشة حين تطوف حول الورود و الرياحين و الغصون المورقة...
عيون الجماهير كانت ذاهلة و أفواههم فاغرة أمام هذا العرض السخي و المفعم بالإثارة و الذوق الراقي و الفن.
ماكسيمو قدم رقصات باهرة. انه مايسترو الفرقة بلا منازع...لقد كان يتصبب عرقا.
و ضج الجمهور بصيحات لا تنتهي " برافووووووووووووووووو"
وقف المدرب و ابنته كلارا لتحية الجماهير الهائجة و طأطأت الخيول رؤوسها احتراما للمشاهدين.
" بااااااااااااااااااااااااااااااافففففففف" لكن جسما ثقيلا سقط فجأة فوق الرمال الرطبة.
سكتت تصفيقات الجماهير و جلبتهم مرة واحدة و هبوا جميعا من مقاعدهم لاستطلاع الأمر...
ماكسيمو كان مستلقيا على الأرض و أنفاسه تتلاحق بصعوبة.
كان ينفث مخاطا أبيض من فمه و منخريه الكبيرين...
هرول المدرب ملتاعا نحو الحيوان و هو يهذي بصوت غير مسموع و جفنين دامعين :
- ماكسيمو يا رفيق الدرب ماذا أصابك ؟؟؟-