أفتّانٌ أنت؟
15-07-2016, 06:28 AM



9
محمد الهادي الحسني


من مميزات هذا الدين الإسلامي الحنيف، بل من مزاياه الجليلة التيسير على الناس، فقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: "يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر". "سورة البقرة الآية 185"، وقال الإمام القرطبي عن هذه الآية في كتابه القيِّم "الجامع لأحكام القرآن": "وهي – الآية– مما خصّ الله بها هذه الأمة". كما أن من مميزات هذا الدين الإسلامي العظيم، بل من مزاياه التخفيف عن الناس، وجاء في القرآن الكريم في هذا الشأن قول الله سبحانه وتعالى: "يريد الله أن يخفف عنكم". (سورة النساء، الآية 28)، وعلق الإمام القرطبي في كتابه المذكور على هذه الآية قائلا: "هذا في جميع أحكام الشرع"، وجاء في الآية السادسة من سورة المائدة قوله –عز من قائل: "ما يريد الله ليجعل عليكم في الدين من حرج".
وزاد هذه المعاني والمبادئ توضيحا وتبيينا قول رسولنا الكريم، عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم: "دين الله يسر"، فأمر المؤمنين أن لا يخرجوه عن طبيعته التي تضمن له البقاء والصلاح، فقال: "يسِّروا ولا تُعسِّروا"... لكن بعض الإخوة الأئمة – سامحهم الله– يتصرفون تصرفات تجعلك تظن أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض، ويتمسَّكون ببعض السُّنة ويعرضون عن بعض.
من ذلك أن أحد الإخوة الأئمة خطب في الناس في عيد الفطر الماضي خطبة كادت لطولها تُخرج أرواح بعض الناس، بل إن بعضهم غادر المسجد ولم يصبر على البقاء فيه حتى نهاية الخطبة.. ولعل لهم أعذاراً.

لا ريب في أن هذا الإمام المحترم يعرف مما عُلم أن هدى المصطفى – عليه الصلاة والسلام– هو التخفيف عن الناس، ولا شك أن هذا الإمام – هدانا وإياه الله– يعلم أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم– خطب خطبة في حجة الوداع، أو حجة البلاغ لو قرأها فضيلته علينا لما جاوزت بضع دقائق، رغم أنه –صلى الله عليه وسلم– توقع فيها أنه قد لا يلقى المسلمين بعد عامه ذاك.. وذاك التوقع مظنة للتطويل لكي يوصي -صلى الله عليه وسلم- بأكبر قدر من الوصايا والأوامر. وفعلا، فقد كانت تلك خطبة وداع، إذ لم يحجّ صلى الله عليه وسلم بعدها، فقد جاءه اليقين في ذلك العام.
ومعروفة قصة ذلك الصحابي الذي صلَّى خلف معاذ بن جبل – رضي الله عنهما– وطوّل معاذ فشكاه إلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم– الذي خاطب معاذا قائلا: "أفتّان أنت يا معاذ؟". ولعله –عليه الصلاة والسلام– في هذه الحادثة قال ما معناه من أمّ الناس فليخفف، ومن صلى وحده فليطوّل ما شاء.
وقضيَّة أخرى أثارها هذا الإمام، وأحدث "فتنة" في أذهان الناس، وهي أنه خطب خطبة واحدة.. فـ"خالف ليُعرف"، حيث أن 99.99% من أئمة المسلمين من جميع المذاهب، بمن فيهم من يصفون أنفسهم بـ"السلفية" يخطبون خطبتين. وهاهي الشاشات المختلفة تنقل لنا خطبتي العيد من الحرمين المكي والمدني.. وإماماهما مظنة الحرص أكثر من غيرهما على السنة القولية والفعلية والتقريرية.
لا ننفي أن هناك قولا بالاكتفاء بخطبة واحدة في العيد، ولكن الذي اعتاده الناس وكان عليه أئمة المسلمين الراسخون في العلم قديما وحديثا هو الخطبتان المفصول بينهما بجلسة خفيفة.
إن مما يحرص عليه الإخوة الواصفون أنفسهم بـ"السلفية" هو طاعة وليِّ الأمر في المنشط والمكره، وإن "وليَّ أمرنا" لم يأمر وزيره المفوّض في القطاع الديني بإلزام الأئمة بخطبة واحدة. إننا نعلم أن الأخ محمد عيسى، وزير الشؤون الدينية الحالي، يحمل أعلى شهادة – الدكتوراه– في الفقه الإسلامي، وفي الوزارة حاملون للشهادة نفسها، فلو كان القول بخطبة واحدة راجحا لما غشّوا الأمة، ولبيّنوا ذلك..
فاتقوا لله في هذه الأمة التي تردّت إلى الدرك الأسفل بسبب إذلال الحكام لها، وإضلال العلماء.. وكفاكم أيها "المتفيقهون" عبثا بهذه الأمة المسكينة..
لقد صلينا وراء علماء أجلاء في الجزائر وفي غيرها فما رأيناهم إلا متبعين لسنة الخطبتين، فلماذا جئتم في الأخير لتُحدثوا فتنة أخرى بهذه "الخطبة" ذات "الذنب الطويل"؟


الشروق اون لاين