الأمازيغ بين (الماك ) و (المكاك ) .
13-11-2015, 01:22 PM
الأمازيغ بين (الماك) و(المكاك) .


معزوفة الماك MAK للمغني القبائلي فرحات مهني لم تأتي من فراغ ، وإنما جاءت من شمولية قاتلة للتنوع ، ومن نظام قلب ظهر المجن لمنطقة كانت رائدة في كل المقاومات ، وسجلُّها البطولي لا زال دمه لم يجف بعد في أقرب مقاومة للإستدمار الفرنسي ، فعندما نقرأ أعمدة صحائفنا البارحة واليوم نجدها غالبا تنظر للماك نظرة خيانة ، كيف تحوّل هذا المغني الذي هو (ابن شهيد) من وطني إلى لا وطني ، من وحدوي إلى انفصالي ، من مساير لسياسة النظام إلى مقارع لها ، لعل في معارضة الماك ما يشبه تطلع قردة (المكاك Macaque berbère ) الذين يعيشون أحرارا طلقاء في البرية في غابات جرجرة ، أو أن جينوم المكاك في الحرية انتقل وراثيا من قردة المكاك إلى الإنسان القبائلي حسب نظرية النشوء والإرتقاء لداروين ، فكما أن قرد المكاك المعروف محليا ( بزعطوط )، سريع الحركة ، متمرد، يندمج بسهولة ذكي في تعاملاته ، فكذلك القبائلي يرث من تلك الصفات ، لعل ذلك من سحر الطبيعة وتأثيرها على الكائن الحي ، و في رواج أسطورة 1 (فلوس اللبن يديهم زعطوط) ما يشير إلى علائق الماك بالنظام الحالي .

°°°نضال القبائل الأمازيغ قديم في الحركة الوطنية وهو ما أبانته أزمة حزب الشعب الهوياتية في 1949 التي سميت خطأ با(لأزمة البربرية) تماهيا مع ما سُمي كذلك ب(الظهير البربري ) في مراكش 1930 ، فسعيُ مصالي الحاج إلباس الجزائر لباس(الهوية العربية ) كهوية شاملة أحدث تمزقات في النسيج الإجتماعي رد عليه طيف اليسار بشعار ( الجزائر الجزائرية ) ، وإن تمكنت الثورة التحريرية من كتم التوجه القومي و إرجائه إلى حين الإستقلال لمعالجته ، فإن جماعة تلمسان التي تغذت من [الفكر العروبي الناصري] لا ترى من شعب الجزائر سوى كما بشريا تابعا للشرق العربي ، فأصبح شعبنا كله ينضوي قسرا تحت يافطة الجزائر (العربية المسلمة ) .

°°°فجبهة ( الأففاس FFS) شقت عصا الطاعة ، ورأت أن الإستقلال الوطني لم يكتمل ،والنهج الديمقراطي لم يُحترم وأن جهدنا الكفاحي سُرق ...ولا بد من إعلان الحرب ضد الذين استولوا على السلطة بالسلاح ، فكان التأليب السياسي والتخوين سلاح فتاك ضد منطقة القبائل ،لا لشيء سوى أنها رفضت منطق سرقة الحكم التي انتهجها جماعة تلمسان .
فبالمنظور القبائلي لازلنا لم نستقل بعد ، وهو ما برهنت عنه أفعال جند النظام في إخماد ( ثورة الأففاس ) ، فقد اقترف جندنا في حق أهالينا جرما فاق جرم فرنسا نفسها ، لذا نكّت أحدهم بقوله ( لو عاد زمن الإستعمار سأحكي له ما فعل بنا زمن الإستقلال ).

°°°قد يتساءل المرء عن أي إضطهاد تتحدث يا رجل ؟ فالجواب يكون أن أكبر الإضطهاد هو أن يُحارب الإنسان في هويته وفي عقر داره، فنحن يا سادة لم نحارب الإستعمار لنؤسس لاستعمار جديد يقمع إرادتنا في الحياة ويقتل هويتنا عن تخطيط وقصد ببينة بينونة كبرى توضحت في نهج تعريبي قاتل لكل ما هو أصيل في هذا البلد .

الربيع الأمازيغي 20 أفريل 1980 .

كرونولوجيا النضال الإمازيغي بدأت شرارته عندنا في القبائل في تيزي وزو قبل غيرها من دول المغرب الكبير الذي كبله الفكر العروبي بأجندة مشرقية غذاها أبناؤنا عن دوافع إديولوجية مهيمنة ، فقد مُنع (مولود معمري ) من إلقاء محاضرة حول الأدب الأمازيغي في جامعة تيزي وزو ، ففجر النظام بسلوكه نقمة تحولت إلى مسيرات واحتجاجات قُمعت بقوة ، فقد كان الحديث بالأمازيغية جُرما يعاقب عليه القانون .... فقد تغاضى الإعلام آنذاك عن كشف المستور من التجاوزات ، واستمر النضال الأمازيغي عبر تأسيس الحركة الثقافية البربرية MCB و ما أتي بعدها في أحداث 5 أكتوبر 1988 .

°°°من ربيع ... إلى ربيع أسود .

اغتيال الشاب ( ماسنيسا قرماح ) على يد الدرك أحدث شرخا بين النظام وساكنة القبائل ، فانفجر غضب عاصف تسبب في شل المنطقة وترهيبها برجال الكومندوس وقُتل المئات من شبابنا على يد جُندنا بلغ 126 شهيدا... ودخلنا زمن ( العروشية ) و (أرضية القصر) و(المسيرة المليونية ) السلمية باتجاه العاصمة في 14 جوان 2002 التي أجهضت بأساليب دنيئة ، وخبث إعلامي ، ولمسات المخابرات ، المهم أن تلك النضالات حققت نوعا من الإعتراف بالمكون الإمازيغي عبر دسترة الأمازيغية كلغة وطنية في 2002 .

°°°إصرار النظام في حكمه الشمولي مبعث قلق ؟

°°°لا شك وأن إجهاض النظام للنضال القبائلي في مسيرته أمام صمت الجماعة الوطنية مؤشر سلبي ، لذا عمد واحد من الشخصيات الفنية ( فرحات مهني ) التي كان لها مساهمة النضال عبر كل الطيف الأمازيغي انتهاء بفكرة ( الحكم الذاتي لمنطقة القبائل) منذ سنة 1995 .
فقد أحس هو وجماعته بالغبن الهوياتي ، هذا الغبن الذي طال ولم يتحرر ، فعمد إلى المطالبة بالحكم الذاتي ، الذي تطور إلى التوجه الإستقلالي بحكومة مؤقتة ، وعلم ، وسلام وطني مميز ، ومرد ذلك هو خصوصية بلاد القبائل المتمردة دوما ، و اقتصار النضال عليها دون غيرها من مناطق الجزائر الواسعة ، وكأن شرارة الشعور بالظلم بدأت عند القبائل لتنتشر عند غيرهم ، فكثير من الأمازيغ اندمجوا مع الطرح العروبي ولم يشعروا بأي حيف هوياتي لحد الآن ....؟ !، وإن بدت هذه الحركة قزمية في نظرنا ولكن لا ينبغي استصغار شررها ، فهم قلة عددية ، عبثية لكنها مقلقة نشطة ، فكثير من الأفكار بدأت صغيرة وانتشرت عبر الزمن .
وقد حدثت تطورات خطيرة في نفس المنحى آخرها مساندة المغرب (للماك) واستعدادها لفتح سفارة لها في الرباط ؟ وما سيرافق ذلك من تمزقات اثنية فقد بدت ظاهرة في تقليد المسعى بظهور شعار ( M. A.M ) عند المزابيين ( M A .C ) عند الشاوية ......

مفصلة القول :

وإن كنت ضد هذا السياق وتطوره الإستقلالي المزعج المفكك لوحدة الأمة الجزائرية ، إلا أن استبداد النظام وإفلاسه السياسي وتنكره الدائم للحقوق الهوياتية هو السبب الرئيسي في الأزمة التي تعصف بالبلاد ، فالحفاظ على كينونة الدولة الجزائرية يحتاج إلى رجال أقوياء متشبعين بالوطنية متفهمين لطبائع شعبهم المتنوعة ، فالنظم السياسية ما خُلقت إلا لتكون معبرة عن وعي شعوبها ، وسيأتي يوم يخاطبنا رئيسنا باللغة التي يفهما كل طيف من شعبنا .
_______________
___________________________________
1 يحكى ان قردا يدعى (زعطوط) تربطه علاقة صداقة بلبان(بائع لبن)كان يتابع باهتمام صديقه قرب الشاطئ وهو يمزج اللبن بالماء بالقدر نفسه.ليبيعه ويجني أرباحا مضاعفة.وفي يوم من الأيام باغت القرد اللبان وسرق منه النقود التي جناها من عمله.وتوجه صوب الشاطئ وجلس ثم أخد كيس النقود.وفي حركة متوازية كان يضع قطعة نقدية بجانبه ويرمي بالأخرى في الماء.حسرة البائع على نقوده التي لم يستطع أخدها من القرد وهو يرى جهده في جمع المال يذهب سدا. لم يجد أنسب طريقة للتعبير سوى بالقول(فلوس الماء يديهم الماء وفلوس اللبن يديهم زعطوط)