الجزائر بعد الكورونا ... بين الأمل والرجاء *** بقلم الاستاذ عياش اليزيد – تربية بدنية - ***
13-06-2020, 06:30 PM
الجزائر بعد الكورونا ... بين الأمل والرجاء *** بقلم الاستاذ عياش اليزيد – تربية بدنية - ***
ما ان استبشر معظم الجزائريين بظهور بوادر انفراج أزمة سياسية كادت تعصف بالبلاد والعباد ؛ أزمة سياسية كان سببها نظام سياسي مفلس طولا وعرضا ، نظام جثم على صدور الجزائريين سنوات طويلة قاربت العشرين سنة عاث في البلد فسادا على جميع المستويات الاخلاقية والفكرية والقانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ... الخ ، الى ان جاءت القطرة التي أفاضت الكأس وجعلت من الشعب ينتفض في مسيرات سلمية مباركة أبهرت العالم في سلميتها وحضاريتها في تحد صارخ لهاته المنظومة السياسية التي ضاق منها الشعب ذرعا ، هذه القطرة تمثلت في محاولة يائسة من هذا النظام الفاسد لتمديد عمر حكمه من خلال اعلان التوجه لفرض عهدة خامسة رغما عن الكل ، في ظل استمرار غياب من يحكم وسيطرة مجموعة متنفذة في سرايا الحكم على دواليب الحكم وختمه وحكمها باسم هذا الحاكم المغيب ، هذه القطرة مثلت تحديا للشعب الذي كما قلنا لم يتأخر هاته المرة في الوقوف ضد أطماع هؤلاء الفاسدين الذين عاثوا في مقدرات البلاد فسادا ، فأهلكوا بذلك الحرث والنسل ووصلت بهم الجرأة أن دخلوا في خيانة مع عدو الماضي والحاضر والمستقبل فرنسا من أجل لعب آخر اوراقهم لعلها تساعدهم في الحفاظ على استمرارهم في حكم البلد ، وبالتالي الحفاظ على مصالحهم فيه من خلال افشال هذه الانتفاضة المباركة التي قامت ضدهم واسكات كل هاته الاصوات المنادية بحتمية رحيلهم نهائيا ومحاسبة المتورطين منهم مقابل المزيد من التنازلات لفرنسا ، لكن كل هذا الذي فعلوه راح أدراج الرياح بسبب اصرار الشعب بكل فئاته على ضرورة تغيير هذا النظام الذي أفسد كل مظاهر الحياة ، ان على مستوى الدولة او على مستوى المجتمع ، من خلال اسقاطه لفكرة تمرير العهدة الخامسة ودحر كل انصارها وجر الكثير من رؤوس الفساد نحو سلطان العدالة وغياهب السجون في مشهد هتشكوكي يصعب تخيل حدوثه في الجزائر ، لكن ما ان استرد الشعب انفاسه واستقر نوعا ما المشهد السياسي من خلال انتخاب رئيس جديد للدولة واستبشر الناس بغد أفضل أملا ورجاء يحسن من أوضاع البلد ومن أوضاعهم ، حتى طلع بين أظهرهم فايروسا يسمى بفايروس - كوفيد 19 - قلب حياتهم المعتادة رأسا على عقب ، بل صارت حياتهم تشبه الكوابيس المرعبة التي يراها الانسان احيانا في أحلامه ، ففرض عليهم نمطا معيشيا مختلفا عما اعتادوه الى درجة وصل به الأمر الى حد تهديدهم في حياتهم وأرزاقهم وفطرتهم الاجتماعية التي فطروا عليها ، مما جعل الكثير منا وتحت ضغط استمرار هذا الفايروس في انتشاره وعدم ظهور بوادر مشجعة تعطي للناس الأمل في اختفاء هذا الفايروس قريبا جدا من حياتهم ، مع استمرار عجز العالم بعوالمه المختلفة وعلى رأسهم العالم المتقدم في اكتشاف لقاح أو دواء علاجي او استشفائي أو وقائي من هذا المرض ينقذ البشرية جمعاء من هذا الكابوس الذي أرق الجميع ، والجزائريون جزء منهم في ظل تضارب الاقوال والاحاديث وكثرة اللغط حول حقيقة الفايروس وفعالية البرتوكول العلاجي المستخدم حاليا في علاجه وانقسام العالم حوله ، وأمام هذا المشهد السوداوي الذي قدمناه سنحاول أن نقدم مشهدا آخر يبعث الأمل والتفاؤل في النفوس مستئنسين بآية من كتاب الله اذ يقول فيها عز من قائل : * فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * (الشرح: 5، 6 ) ، فلنتأمل كلنا هاته الآية الكريمة التي فيها من المعاني والدلالات الباعثة في النفس الأمل والتفاؤل بأن بعد العسر سيكون هناك يسران لا يسر واحد فقط ، هذا وعد الله لنا ، فلنكن في مستوى وعده ولنثق به تمام الثقة بأن الله منجز وعده لنا ولو بعد حين ، لهذا سأقدم لك صورا تفاؤلية ودروسا مستخلصة من هاته الجائحة التي ألمت بنا ، والتي تمنح لنا الأمل وتجعلنا أكثر تفاؤلا بأن غدنا كجزائريين سيكون أفضل بإذن الله ، والبداية بصور التضامن والتكافل الاجتماعي التي غزت مجتمعنا وقوت أواصره أكثر فأكثر وجعلتنا نحس كلنا أننا فعلا كالجسد الواحد اذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ، اضافة الى ذلك كله نجد صورة اخرى تبعث على التفاؤل أكثر فأكثر وهي صورة اكتشاف الطاقات الابداعية التي يزخر بها المجتمع ، والتي برزت أكثر عند فئة الشباب الذين هم بمثابة الطاقة والقوة الحقيقية لكل أمة تنشد النهضة ( نهضة الروح والعقل ) ؛ هذا الشباب الذي كان ينظر اليه بالأمس القريب بعين الربية والاحتقار ، صار بفضل جائحة الكورونا مبدعا ومساهما بمجهوده الفكري الابداعي وبإمكانياته الخاصة في مساعدة دولته وشعبة في تجاوز أزمة كورونا ، أما عن الدروس المستخلصة من هذه الجائحة فنجد على سبيل المثال أن هذه الجائحة علمتنا أهم درس الا وهو أن قوة الأمم مكمنه في قوة طاقاتها العلمية والابداعية ، فعلى سبيل المثال في جائحة الكورونا لجأنا لأهل العلم في هذا التخصص لمواجهة آثارها وأخطارها ، الى جانب تخصصات علمية أخرى ، وهذا ما يقودنا الى اعادة النظر جيدا في سلم أولوياتنا بعد مرور هذه الاخيرة ان اردنا أن نحقق انطلاقة صحيحة تقودنا الى التربع على قمة المجد من خلال امتلاك المعرفة الابداعية في شتى مجالات الحياة ، والقدرة على التأصيل لنهضة حضارية منتجة لوسائلها وأدواتها وفكرها ؛ حضارة منافسة ومساهمة في الارث الانساني والعالمي .
في الأخير اذكركم ونفسي أيها الجزائريون أن مفكركم مالك بن نبي رحمه الله ترك لنا من وصاياها الحضارية وصية ثمينة لكل متأمل وراج للتغيير أن يتحلى بشيء مهم جدا يعتبر من الأسس الجوهرية في التأسيس والتأصيل لأي نهضة حضارية منشودة الا وهو التحلي بالتفاؤل مهما كانت الظروف المحيطة بنا ، اذكركم أننا كما استطعنا تجاوز التحدي الأول وتحديات أخرى في مسار عمر الدولة الجزائرية ، فان بإمكاننا كسب هذا التحدي والخروج به نحو بر كسب الرهان المنشود والمأمول من الجميع ، الا وهو رهان بناء جمهورية جديدة كما تمناها شهدائنا الابرار .... تولانا الله برحمته