في التحذير من التشاحن والتقاطع
07-02-2016, 02:13 PM
في التحذير من التشاحن والتقاطع






الحمدُ لله نحمدُه، ونستعينُه ونستهدِيه، ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شُرور أنفُسِنا وسيِّئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مُضلَّ له، ومَن يُضلِل فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحابته، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أمَّا بعدُ: فيا عبادَ الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واحذروا عواقب التشاحُن والتقاطُع، والتباغُض والتدابُر، فقد كثُر ذلك بين المسلمين، وأصبح الحبُّ والبغض عند الأكثرين من أجْل الدنيا لا الدِّين، ولا شكَّ أنَّ ذلك من علامات النقص والخذلان، والتفكك والضعف والحِرمان.

عباد الله:
لقد ظهر العداء بين المسلمين، وبين القبيلة والقبيلة، وبين القريب وقريبه، وبين الأخ وأخيه، وجُلُّ ذلك من أجل حُطام الدنيا، وحبِّ الانتصار، والعلو، وقلَّ التسامُح في شيءٍ من ذلك، نجد النزاع يحتَدِم ويطول بين شخصين أو أشخاص، وقد يُؤدِّي إلى إيصال الضرر إلى النُّفوس والأبدان لأحد الطرفين أو كليهما، ومَن له علاقةٌ بذلك النزاع؛ كالزوجات والأزواج، وهذا ممَّا أصيب به المسلمون من ضعْف الإيمان، ونسيان أو تناسى حُقوق المسلمين بعضهم على بعض؛ يقول - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].
ويقول - جلَّ وعلا -: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ﴾ [الفتح: 29].
ويقول نبيُّنا - صلواتُ الله وسلامُه عليه -: ((لا تباغَضوا، ولا تحاسَدوا، ولا تدابَروا، ولا تقاطَعوا، وكونوا عبادَ الله إخوانًا، ولا يحلُّ لمسلمٍ أنْ يهجر أخاه فوقَ ثلاث))[مسلم].

عباد الله:
إنَّ البُعد والغَفلة عن تعاليم الإسلام وآدابه وأخلاقه، قد أوقَعَ المسلمين فيما وقعوا فيه من تقاطُع وتنافر، وتعكُّر صفو، وتعب في الحياة، ونسيان حتى في التفكير فيما يعودُ عليهم بالصالح في أمور دِينهم ودُنياهم، فنجد المحاكم والدوائر تغصُّ بالمعاملات والمراجعين من هذا القبيل، ولا نجد معاملة لشخصٍ سواء كان مسؤولًا أو غير مسؤول في تخلُّف شخْص عن الصلاة، إنها مصيبةٌ أنْ يُنسَى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإصلاح المسلمين، وينشغل الناس بما يُورِث البغضاء والعداوة بين المسلمين.
الذهاب إلى المساجد سهل، لا كلفة فيه، وعاقبته تجارة رابحة في الدُّنيا والآخرة، وما أقلَّ المتنافسين على ذلك! والذهاب إلى أرضٍ قاحلة قد لا تكون صالحة ولا يُستفاد منها، يحتاج إلى كلفة ومشقَّة، والذهاب إلى بلدٍ من البلدان لإحضار بعض السلع التجارية يحتاجُ إلى نفقة ومخاطرة، ومع هذا نجدُ ذلك سهلًا، ومُستهانًا عند الكثير من الناس، ونجد لديه استعدادًا للمُداعاة والمرافعات، وإنفاق النفقات، حتى ولو لم يستَفِد إلا القليل من هذا الحطام الفاني.

عباد الله:
اتَّقوا الله - تعالى - واحذَروا عواقبَ ما يعودُ عليكم بالضرر في أمور دِينكم ودُنياكم، واحذَروا عواقبَ الشحناء والبغضاء.
في الحديث عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: ((تُفتَح أبوابُ الجنَّة يوم الاثنين ويوم الخميس، فيُغفَر لكلِّ عبدٍ لا يُشرِك بالله شيئًا، إلا رجلًا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيُقال: أنظِرُوا هذين حتى يصطَلِحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطَلِحا، أنظِرُوا هذين حتى يصطَلِحا)) ؛ رواه مسلم.
فما قيمة الدنيا بحَذافِيرها مع خسارة الآخرة؟! وما أشقى حياة من أطاع هواه وشيطانه، وابتعد عن أخلاق دينه، وتوجيهات نبيِّه!

عباد الله:
لُوموا أنفسكم فيما وقعتُم فيه من تعب نفوس، ومشقَّة أبدان، وارجِعُوا إلى ما فيه طمأنينةُ النفوس، وراحة الأبدان، خُذوا بتعاليم ربِّكم، وهدي نبيِّكم تجدوا السعادة في هذه الحياة، والفوز في الآخرة.
قال الله العظيم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21].
واعلَموا - رحمكم الله - أنَّ التشاحن والتقاطع من أسباب نزْع البركات، وقلة الخيرات، وذهاب الأمم، وتسليط الأعداء، وأنَّ التحابَّ والتعاون على الخير من أسباب جلب الخيرات، وقوَّة المسلمين.
في حديثٍ عن أبي هريرة - رضِي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((لا تدخُلوا الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابُّوا، أوَلا أدلُّكم على شيءٍ إذا فعلتُموه تحاببتم، أفشوا السلامَ بينكم))؛ رواه مسلم.
فاتَّقوا الله في أنفسكم يا عبادَ الله، وتعاوَنوا على البرِّ والتقوى، وأصلِحُوا ذاتَ بينكم، وأزيلوا ما يُوجِب قطيعةَ الرحم، والوقوع في الآثام، فكم من نزاعٍ وتشاحُن أدَّى إلى ذلك، تدبَّروا كتاب ربكم.
قال - جلَّ وعلا -: ﴿ فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ * أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 22 - 24].

فاتَّقوا الله، يا عبادَ الله.
الشيخ:" عبد العزيز بن محمد العقيل".