كيف شوه فيلم الفك المفترس صورة القرش الأبيض؟
12-06-2015, 09:00 AM


يوصف فيلم الفك المفترس بأنه أحد أفلام الرعب وأفضلها من حيث تحقيق الإيرادات كما أنه شكل طريقة أسهمت في رسم الكثير منا طريقة رؤيتنا لأسماك القرش، لكن هذا الكائن قد لا يستحق هذه السمعة الشريرة التي اكتسبها، وفقا لرؤية ماري كولويل في متن التقرير التالي.
في صيف عام 1975 أصبح إطعام سمكة الزينة الذهبية الصغيرة أمرا محفوفا بالمخاطر. وكان هناك توترا واضحا من النزول إلى مياه البحر بعد أن أصبحت الموسيقى التصويرية للفيلم تثير الرعب في النفوس.
فمنذ 40 عاما ظهر فيلم "الفك المفترس" في دور العرض السينمائي التي امتلأت بالجمهور في كل مكان، وسادت فكرة أن سمك القرش الأبيض الضخم يتسم بالعدوانية وسيصل إلى الشاطئ القريب.
ويقول أوليفر كريمين، المتخصص في الأسماك في متحف التاريخ الطبيعي في لندن لأكثر من 40 عاما :"فيلم الفك المفترس كان نقطة تحول في تاريخ القرش الأبيض الضخم".
وأوضح أنه لمس تغييرا كبيرا في التصور العلمي ولدى الجمهور العادي لأسماك القرش عندما صدر كتاب الفك المفترس لبيتر بينشلي ثم تحول بعد ذلك إلى فيلم.
وتسبب الفيلم في أزمة كبيرة تمثلت في تصوير أسماك القرش في صورة كائنات انتقامية، وتمحورت القصة حول قرش واحد يبدو أنه اتخذ موقفا عدائيا ضد أشخاص وتوجه نحوهم بدافع القتل.
واعتمد الفيلم على قصة حقيقية وقعت عام 1916، عندما هاجم قرش أبيض ضخم سباحين على طول ساحل نيوجيرسي.
ويروي جورج بيرجيس، مخرج برنامج فلوريدا لأبحاث القرش في جانسفيل، أن آلاف الصيادين خرجوا لصيد أسماك القرش كغنيمة بعد مشاهدة فيلم الفك المفترس.
وقال :"كان صيدا جيدا، فلا تحتاج لقارب كبير أو معدات صيد حديثة، ولم تكن هناك رحمة فالجميع كان يرى أنها تقتل البشر".
تراجع الأعداد



وكان بيتر بينشلي، مؤلف الكتاب، منزعجا جدا من ذلك الأمر.
وقال بعد أعوام من عرض الفيلم "لو كنت أعلم ما سيجري لما ألفت الكتاب أبدا على الإطلاق، فالقرش لا يستهدف البشر، وهو بالتأكيد لا يحمل أي ضغينة".
وقضى المؤلف غالبية حياته بعد ذلك ينظم حملات لحماية أسماك القرش.
ويشير بيرجيس إلى أن عدد أسماك القرش الكبيرة تراجع بنسبة 50 في المئة على طول الساحل الشرقي للولايات المتحدة، خلال الأعوام التي تلت عرض فيلم الفك المفترس.
وكشف البحث الذي أجرته عالمة الأحياء جوليا بوم، أن المنطقة الواقعة شمال غربي المحيط الأطلنطي شهدت في الفترة ما بين 1986 و 2000 تراجعا في أعداد أسماك قرش "رأس المطرقة" بنسبة 89 في المئة، وبلغ التراجع 79 في المئة للقرش الأبيض الضخم، وانخفضت أعداد قرش "النمر" 65 في المئة.
ولا يرجع هذا التغير إلى ممارسة رياضة الصيد، والتي تعد محدودة التأثير مقارنة بعمليات قتل القرش لأسباب تجارية ولصنع حساء زعانف القرش الذي يحظى بشهرة كبيرة في آسيا.
لكن منذ فترة تسعينيات القرن الماضي نشطت عمليات حماية القرش الأبيض في العديد من المناطق حول العالم بما فيها كاليفورنيا بالولايات المتحدة واستراليا و نيوزيلندا وجنوب أفريقيا، مما ساعد في زيادة أعدادها نوعا ما، لكن مازال الشوط طويلا للوصول إلى معدلات ما قبل عام 1975.
وقال جون مالاركي، أستاذ السينما والتلفزيون في جامعة كينغستون :"كانت أسماك القرش في السينما قبل عام 1975 كائنات مختلفة. وبعد ظهور سلسلة أفلام الفك المفترس، أصبح هذا المخلوق الهائل الذي يصل طوله من 20 الى 30 قدما ويمكن أن يلتهمك بالكامل بمثابة اكتشاف غريب للخيال العام".
وقال إدوارد وليسون، العالم الشهير في علم الحيوان بجامعة هارفارد :"نحن لا نخاف من الحيوانات المفترسة، بل يشلنا الخوف منها. نحن عرضة لنسخ القصص والأساطير والحديث عنها بلا نهاية، نحن نحب وحوشنا."
حواس فائقة



في الواقع تهاجم بعض الأنواع الكبيرة من أسماك القرش الإنسان، ويموت نحو 10 أشخاص سنويا، وغالبا تقتله أنواع القرش البيضاء وأنواع قرش النمر. ونادرا ما تأكل الأسماك ضحاياها، بل يموتون من الصدمة.
وهناك سببان شائعان وراء مهاجمة القرش للإنسان، أولا تخطئ أسماك القرش وتعتقد أن السباحين فريسة لها مثل أنواع الفقمة، لاسيما إن سبحوا وهم يرتدون أشياء لامعة تشبه جلد السمك. ثانيا، تأخذ أسماك القرش عضة استكشافية لتحديد ما إذا كانت تمثل غذاء مناسبا لها أم لا وعندما تكتشف أن طعمنا غير ملائم، تبصقنا بعيدا.
وتناول بعض الباحثين قضية مثل هذه وقالوا إن أسماك القرش لديها رؤية جيدة للغاية وتتمتع بحاسة شم فائقة لا تخلط بيننا وبين الفقمة، كما أنها حيوانات مفترسة في محيط واسع الأرجاء وليس من المحتمل على الإطلاق أن ترتكب خطأ.
كما تتمتع أسماك القرش بحواس غير متوفرة في أغلب الحيوانات الأخرى، فلديها مسام حساسة للضغط منتشرة فوق رأسها وأسفل جسدها وهو ما يعني أنها تكتشف أدق التغيرات في الضغط، وتمكنها من أن تفطن لأصغر الحركات وتستشعرها حتى وإن كانت الحواس الأخرى محدودة، مثل الرؤية في الماء العكر.
كما تمتلك أسماك القرش مستقبلات كهربائية تساعدها في التركيز على المجالات الكهربائية الصغيرة الموجودة حول جميع الكائنات الحية، حتى المخلوقات المدفونة في الرمال.
فمثل هذه الحيوانات المتطورة للغاية ليس من المحتمل أن تخطئ في شئ كبير بحجم الإنسان. والأكثر من ذلك، حسبما يعتقد العلماء، أن أسماك القرش مثل الأنواع البيضاء الكبيرة ترى الإنسان كزميل في الافتراس بحيث يمكن أن تنافسه من أجل الغذاء.
فعندما تشن هذه الأسماك هجوما علينا فهي لا تهتم بالتهامنا كغذاء، فهي ترغب في أن نترك المكان.



ودرس علماء الكثير من هجمات القرش وقالوا إن هذه الأسماك قبل أن تستهدف الإنسان، تظهر بعض العلامات العدوانية كتحذير لنا، وعندما نتجاهل هذه الرسالة تتخذ موقفا معاديا.
وتؤكد الاحصاءات هذه الحقيقة، فمتوسط هجمات القرش في الولايات المتحدة يصل إلى 19 هجمة سنويا، في حين تسجل حالة قتل واحدة كل عامين.
وبعد مرور 40 عاما على ظهور أفلام الفك المفترس التي غيرت رؤيتنا للمحيط، أصبح هناك زيادة في الحرص على حياة أسماك القرش وفهم أوسع للمخلوقات كحيوانات خيالية ورائعة.
كما زادت نبرة الدعوة لحمايتها، وعلى الرغم من صعوبة تكيف العديد من البشر على حب هذه الكائنات، إلا أن أسماك القرش أصبحت تتمتع باحترام أكبر. وليس من المحتمل أن نرتكب جرائم بحقها والأكثر من ذلك أننا نتقبل وجودها.