"إسرائيل".. بين خسائر الانتفاضة و"مغانم" إضطرابات الإقليم
22-02-2016, 11:19 AM


أجبرت الأوضاع الحالية بالشرق الأوسط "إسرائيل" أن تعيد حساباتها من جديد، حيث باتت تشعر أن نظرة العالم لها أصبحت مضطربة.

كما أن فقدان قدرتها على الردع والتحديات والمخاوف التي تواجهها وتزداد يوما بعد يوم، بسبب أطماعها في الهيمنة على منطقة الشرق الأوسط جعل منها كيانا غير مستقر ومهدد أمنيا.

تلك المخاوف رصدتها دراسة للكاتبين أودي ديكل وعومر عناب، أجراها معهد الأمن القومي الصهيوني تحت عنوان "إسرائيل في الشرق الأوسط.. التحديات والفرص أمام إسرائيل في العالم القريب"، والتي قام قسم الترجمة والرصد في "المركز الفلسطيني للإعلام" بإلقاء الضوء عليها ورصد أبرز اتجاهاتها.

معركة مصيرية لشرق أوسط جديد

تبدأ الدراسة برصد الواقع الإقليمي بعد مرور خمسة أعوام على اندلاع (الربيع العربي) وما تبعه من اضطرابات إقليمية دراماتيكية والواقع الجديد الذي خلفته، قائلة إنه من الواضح أن هذا هو الواقع سيرافقنا في المستقبل القريب، وذلك بعد ظهور الصراعات المتعددة إقليميا.

وأشارت إلى أن السياسة "الإسرائيلية" كيفت نفسها مع تلك التغيرات المتواترة، ولكن في ذات الوقت ظلت "إسرائيل" ثابتة عند قدرتها على بناء روافع تأثير على الأقل في محيطها الاستراتيجي القريب، وهي مستمرة في البناء على منطقيات وقواعد لم تعد سارية المفعول؛ لذلك التحدي والفرصة الأكثر أهمية بالنسبة لإسرائيل في العام القريب، اعتماد طرق تفكير مستحدثة، وفهم أنها تعيش ذروة معركة مصيرية لرسم معالم وجه الشرق الوسط.

ولفتت الدراسة؛ إلى أن تقديم مصالح "إسرائيل" يكمن في تصميم جدول أعمال إقليمي، لفهم الصلة الوثيقة بين الخطوات والتوجهات في المساحات الجغرافية المختلفة، على نقيض الشرق الوسط ما قبل العام 2011، فمن غير الممكن اليوم مواجهة التحدي على ساحة دون ربطها بساحة أخرى، والمطلوب تسخير لاعبين مختلفين رسميين وغير رسميين ليصبحوا شركاء.

وتؤكد الدراسة على ضرورة أن يتذكر صُناع القرار في "إسرائيل"، أن محيطها القريب هو "منظومة معقدة كثيرة الأوجه والمنطقيات، والتي تتميز بانتماءات وتأثيرات متبادلة"، لكن المطلوب من "إسرائيل" أن تستعد لاحتمال تفكك النظام الرسمي القائم في الشرق الأوسط.

وتابعت "من أجل ذلك من الصواب، على إسرائيل أن تفتح علاقات سرية وعلنية أيضا مع مجموعات عرقية ومع أقليات ولاعبين آخرين غير معادين لإسرائيل، ويتوقع أن يكون لهم دور بناء ومستقر في رسم معالم وجه الشرق الأوسط في المستقبل".

الساحة الفلسطينية

أما على الساحة الفلسطينية فذكرت الدراسة أن اندلاع "العنف" الفلسطيني في أكتوبر 2015 (انتفاضة القدس) فاجأ الشعب والقيادة في "إسرائيل" بسبب نمط العمليات، وكذلك عقب اعتماد واختيار وسائل الطعن والدهس في غالبية الأماكن.

وقالت إن النظرة المدروسة الآن تشير إلى أن الحديث لا يدور عن مفاجأة استراتيجية إنما يدور عن حلقة متسلسلة من الدفعات "الإرهابية"، فطنجرة الضغط لم تعد بوسعها أن تتحمل تراكم الأوضاع المتردية من جميع النواحي الاجتماعية والقومية في أوساط الشعب الفلسطيني، كذلك عدم وجود أفق للمحادثات السياسية، وبقاء قطاع غزة خرابا لأكثر من عام بعد "الجرف الصامد" بينما ظلت الوعود بإعادة الإعمار في مهب الريح دون غطاء.

في المقابل على "إسرائيل" أن تواجه سياسة التحريض عليها نتيجة اتهامها بالجمود السياسي ومهاجمة سياسة البناء في المستوطنات، والتي يعتبرها المجتمع الدولي دليلا على عدم توجه "إسرائيل" إلى السلام والحل.
وأشارت إلى أن أحد تداعيات ذلك هو قرار الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات مستوطنات الضفة الغربية، قائلة إنه على "إسرائيل" أن تفهم أن هذه بمثابة نداء تحذيري آخر في سلسلة من المقاطعات والقيود والعقوبات التي ستُفرض عليها إذا ما تمسكت بالوضع الراهن، وما لم تعمل على تجديد العملية السلمية.

ويقول كاتبا الدراسة: "إن المصلحة العليا للدولة اليهودية الديمقراطية ستكون في خطر كبير إذا ما اندفعت إسرائيل للعملية السلمية من خلال الضغط الدولي، والمطلوب بلورة عاجلة لحل مشكلة "الإرهاب" الفلسطيني، تقوم على أساس الاعتقاد أنها مشكلة أمنية عسكرية فقط، إذ بالفعل هي مشكلة معقدة، و"الإرهاب" أحد صورها".

وبناء عليه؛ يرى كاتبا الدراسة أن "إسرائيل" ملزمة باقتراح بدائل للشعب الفلسطيني؛ الأول: القيام ببذل مجهودات حثيثة كرد على "الإرهاب" في المستويات الأمنية، وفي هذا الإطار يجب أن يكون التركيز على تحسين الوضع الاقتصادي والبنيوي للفلسطينيين في الجزء الشرقي من القدس والضفة الغربية وقطاع غزة.

الثاني: عرض برنامج سياسي لتقديم ترتيب بين "إسرائيل" والفلسطينيين وإصرار حقيقي على الانطلاق في طريق الاتفاق، ويجب العمل على التحدث مع القيادة الفلسطينية بهدف واضح لخلق أفق سياسي.
الثالث: مساعدة من وراء الكواليس للسلطة الفلسطينية أو لجهات نافذة في المجتمع الفلسطيني بوضع أفكار خلاقة وجذابة ضد السلفية الجهادية التي تحاول أن تحتل قلوب الشباب في الضفة وقطاع غزة من خلال الاستخدام المدروس لجهاز التعليم والبرامج التعليمية للشباب، ومشاريع تشغيل وتدريب للشباب، وكذلك تحقيق الشعور في أوساطهم بأنهم يستطيعون التأثير بشكل إيجابي على مستقبلهم.

خطر التصعيد

ويختم كاتبا الدراسة بالقول: "على "إسرائيل" كلاعب سياسي في المنطقة، التحرك في الضباب وعلى خلفية الفوضى الإقليمية، ومن المفترض أن يترجم هذا الفهم في خلق فرص مقابل الاستعداد لمواجهة التهديدات، والصدمة الأولى للاضطرابات الإقليمية أصبحت الآن وراء ظهورنا، والتهديدات كذلك معروفة جيدا، وما هو مطلوب هو أن نستعد ونحاول جني غلال الأوضاع الاستراتيجية الإيجابية الكامنة فيها".

وتابعت "الحرب هي سيناريو متطرف يستخدم أساسا لبناء القوة العسكرية وإعدادها، لكن خطر التصعيد نحو الحرب في العام القريب خطر قليل، لذلك يجب تركيز العمل الأمني في المعركة الحالية، في سبيل تحسين وضع "إسرائيل" الاستراتيجي، وليس من خلال تعزيز صورة ردعها فقط".

وأضافت "أيضا تقديم عطايا ايجابية في محيطها الاستراتيجي بمجالات الاقتصاد والطاقة والتقنية والمياه وغيرها، بالإضافة إلى تعزيز المكونات الدفاعية، وسيما على طول الحدود، ومن المفضل بناء روافع نفوذ في المناطق فيما وراء الحدود، ويمكن فعل ذلك من خلال التعاون مع دول السلام ومع لاعبين براغماتيين، وبدراسة إيجاد عمق استراتيجي من الداخل يستبعد التهديدات ويقلص تكاليف العمل المباشر".