رزيقة.. بأي ذنب دُهِست؟
28-11-2015, 06:08 PM
أماني أريس


قبل أشهر؛ عندما تم تنفيذ الحكومة لمقترح قانوني مقدم من طرف جمعيات حقوقية وعدد معتبر من البرلمانيين؛ يقضي بتعميم تجريم التحرش في الفضاءات العامة، تعالت الأصوات المناهضة للقانون، وندّدت بما اعتبرته تحيزا للجنس اللطيف، وأشهروا فيتو الاعتراض مطالبين بتجميده.

وكانت التبريرات المقدمة للمعترضين محض ديماغوجية، تعزف على وتر المصلحة الاجتماعية ونخوة الجزائري ورجولته، وبات كل واحد من بين هؤلاء يلعب دور الوصي على المرأة الجزائرية ملغيا وجهة نظرها في مزايدة فوقية واضحة، وطالب البعض بسن قانون مضاد يقضي بتجريم التبرج الذي اعتبروه السّبب الأول للتحرش.
لكن الغريب أن هذه الأصوات تغيب تماما عندما يتعلق الأمر بتحرش دموي إجرامي، على شاكلة ما حدث مؤخرا مع الشابة رزيقة من ولاية المسيلة التي تحرش بها شاب ثلاثيني، وعندما دافعت عن نفسها دهسها بسيارته وانهال على جثتها المضرّجة في دمائها ركلا حسب ما أفاد به شهود عيان.

هذه الجريمة ليست الأولى من نوعها، بل هي رقم مضاف لآلاف جرائم التحرش، الذي أسفر عن وجهه السادي الآخر، و الفاضح لأنواع الشذوذ والانحراف، فعندما تكشف مصالح الأمن عن إحصائيات مرعبة تقدر بآلاف حالات الاعتداء ضد الأطفال سنويا؛ فهذا يعني أن القضية أكبر من أن تُحصر في تبرج النساء.

في الستينات؛ غُداة استقلال الجزائر، كان الحجاب يقتصر على النساء الكبيرات في السن خصوصا في المناطق الحضرية، بينما ترتدي المسنّات الحايك أو الملاية، لكن لم يكن أبدا تبرج المرأة يثير الرأي العام كما غدا في يومنا هذا ذريعة يبرر بها المثقلون بعقدهم الذكورية الفوقية سقطاتهم، بل ما شهد به لأولئك الرجال هو احترامهم الكبير للمرأة، ونظرتهم إليها تتجاوز كونها سلعة للاستهلاك الغريزي، وحرص مثقفوهم على تعليمها و إشراكها في ثورة التنمية والإعمار، ولعل الأرشيف الوطني للصور لا يزال يحتفظ بصور العلامة والمصلح الكبير محمد البشير الإبراهيمي وسط مجموعة من تلميذاته الشابات وهن سافرات، فلو كان التبرج جريمة وعيبا وذنبا بالعظمة التي يريد بعض الذكران تصويرها لنا لما كان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رحمه الله ليرضى اِلتقاط صورة وسط طالباته وهنّ متبرجات، وهو أكبر ما يلقم حجرا كل من جعل من ساق فتاة أو ذراعها شماعة يعلق عليها انحرافاته وإفلاسه في ترويض غرائزه.

كلامي هذا ليس تشجيعا على التبرج فهندام المرأة حتى لو خالف الشريعة فضرره لا يصل إلى ضرر التحرش الجنسي الذي لم تمنع منه المتحجبة والمتبرجة والطفل وحتى المسنين، كما أن أملي لا يقف عند الردع القانوني للمتحرشين من الجنسين فحسب، لأن العقوبة على سلوك منحرف مستفحل لا يضمن استئصالا جذريا للمشكل، بل قد يؤدي إلى انحرافات من نوع آخر أكثر خطورة، إذا لم يتم إتباع الإجراءات القانونية بدراسات عميقة تبحث في كل أسبابه؛ ومن ثم بذل مجهودات جادة لعلاجه.