حادثةٌ فيها عبرة أو الحَميَّة الطرقيَّة بقلم: الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله
31-10-2012, 04:25 PM
حادثةٌ فيها عبرة أو الحَميَّة الطرقيَّة
بقلم:
الشَّيخ سمير سمراد – حفظه الله


مبحث مستل من الكِتاب الفذّ :
مَواقِفُ المُصْلِحِينَ الجَزَائِريِّينَ مِنْ رُسُومِ المتُصَوّفِينَ وَأَوْضَاعِ الطُّرقيِّينَ



بسم الله الرحمن الرحيم



حدث ذلك للشَّيخ أحمد بوشمال (1) – عضد الإمام ابن باديس وأمين سرِّه والمدير العلني لصحيفة "الشهاب" ، خليفة "المنتقد" حيث اجتمع في بلدة "الجلفة" بالشَّيخ السعيد بن عبد السلام آغة ، بغرض جمع اشتراكات مجلة "الشهاب" – فكان منه اعتراضٌ ومن بوشمال دفاعٌ – في هدوء – عن الخطة الدينية التي انتهجها ابن باديس وإخوانه وتلاميذته ، فإذا برجل قد شابت لحيته " متوسم بوسام العلم ونشاني الافتخار والاحترام عُلِمَ بعد ذلك أنه قاض يحكم بين الناس ويصلح بين المتخاصمين !... ومؤلف أيضًا !..." ، ظهرت منه أخلاق سيئة ،وآداب منحطة ، خاض معهما في الحديث بعناد وتكبر ، وَصْفَ "مَنْ لا يرى الحق إلاَّ لجانبه" ، سأل ذاك الباش آغة بوشمال قائلاً : " وما قولكم في مسألة تجديد العهد ؟ .... لما أحس بوشمال أن الفهامة معه "عسيرةُ النَّـوَال" ، قال له متباعدًا عن النزاع : إن " وظيفتي الآن هي تحديد اشتراككم ، وأعمدة "الشهاب" تتشرف بنشر سؤالكم وهي رحبة لردود الرادين " ، ثم التفت للموصوف المزين الصدر بالأوسمة ، ورغب منه تشريفه باسمه ، فأجابه بعنف : لا أعطي اسمي للمتعجرفين – لماذا متعجرفين ؟ فنطق أحد – دخيل أيضًا – بأبيات معناها أن كلَّ من أتى بنكرة جديدة فهو يدعى زنديق ! فأجابه : " لا مذهب جديدًا نريد نشره ولا غاية للشبيبة إلاَّ إصلاح الأمة وجمع كلمتها على الصالح العام ... " ، ثم قال : " ثم هممت بكتابة وصل السيد الباش آغة وفي ذمته أربعة أشهر فقال : هذه الجريدة انْتَاعْكُمْ يأخذها ..." فأجاب صاحب الدكان الذي نحن فيه جالسون : أمالاَ ... على ضلال !؟
قال : هذا هو مذهبكم ، قال : هذا هو مذهبكم ، فختم بوشمال هذا المجلس بقوله : " لا مذهب لنا جديدًا " ، وإنما الذي جلب على الأمة هذا الشقاق والتفرق ، إنما هو : " هذا الافتراق الطرقي الذي نحن بصدد إزالته ووجلنا لأجله هذا الطريق الصعب وقلنا الحق الذي أغضب كثيرًا من الناس ، أفلا يكونُ المسلم مسلمًا إلاَّ إذا جدَّدَ العهد وصار تابعًا أو خادمًا لأحد الأشياخ ؟ إيه ...! إنا نرى ونسمع – وقد رأينا وسمعنا – أعمال وأقوال الذين جددوا هذا العهد ....! "
فما سمع هذا الكلام ذاك المخلوق ، حتى قام ووجه إليه ضربتين لولا أنه تباعد عنهما لوقعتا عليه ، " وأخذ يقول : لا تستحي تسبّ الأولياء وتقول هذا الكلام أمام الباش آغة وشرع في سرد ألفاظ السب والبذاءة على مسمع من الناس مجتمعين أمام الدكان " حملهُ على ذلك : " غَيْرَتُهُ المرابطية وحميته الطرقية " وكاد أن يسلط عليه مجموعةً ليفتكوا به (2)
وعَوْدًا على بدءٍ : أقولُ : لو زعم زاعمٌ أن طريقته ، أو نسبته لأحد شيوخ الطرق ، تخلو من تلكم الشرور في الدنيا ، فهل هي خاليةٌ من الشرور الأخرى المتعلقة بالدين – مما ذكره الدكتور الهلالي - ؟! ، ولو سلمت من كل ذلك ! ، فإنه يحرمُ عليه التلبسُ بهذه الأوضاع لا لشيءٍ إلاَّ لبدعيتها ، فهل يَفْهَمُ هذا مَنْ يَرُومُونَ إصلاح الطرق مع إقرار بها !!
فإذا أبطل "الإصلاح السَّلفيُّ" هذه البدعة ، يكونُ بذلك قدْ نَسَفَ "الطرقية" من أساسها ، وقضى عليها القضاء المبرم ، ومحاها من الوجود .

الحواشي :
(1) : هو الأستاذ أحمد بوشمال : مدير مجلَّة "الشهاب" وصاحب امتيازها إلى أن توقَّفَت ، ولدَ في مدينة قسنطينة في عام 1898م ونشأ فيها ، حفظ القرآن العظيم ، وكان في الرعيل الأول من تلامذة الإمام عبد الحميد بن باديس ، وأصبح من خواصِّه وملازميه ، بل أمين سرِّه ، رافقه وناصره في نضاله منذ بدأ الإمام ابن باديس مسيرته في "الجامع الأخضر" إلى أن توفي في سنة (1940م) ، اعتُقِلَ أثناء الثورة ، في 13 سبتمبر 1957م ، ولم يظهر له أثرٌ – رحمه الله - ، انظر : "شهداء علماء معهد ابن باديس" لأحمد حماني :(ص:45) ، "ومن أعلام الإصلاح في الجزائر" (1/169-171) للحسن فضلاء .
(2) : "الشهاب" ، العدد (87) ، 6 رمضان 1345هــ موافق 10 مارس 1927م ، (ص:11-14) ، مقالة : (عجز عن القول فاضطر للضرب ،شأن الأوباش)
التعديل الأخير تم بواسطة السني الجزائري ; 01-11-2012 الساعة 02:19 PM