تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > منتدى العلوم والمعارف > منتدى العلوم العسكرية

> السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط

  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سناقرية سنيقرة0
سناقرية سنيقرة0
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 02-12-2008
  • المشاركات : 18
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • سناقرية سنيقرة0 is on a distinguished road
الصورة الرمزية سناقرية سنيقرة0
سناقرية سنيقرة0
عضو مبتدئ
رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط
12-05-2009, 08:18 PM
وعلى الرغم من مشاهد القوة العسكرية لحلف النيتو وقوات الاتحاد السوفيتي اللتان لعبتا دوراً كبيراً في التريث لاتخاذ المواقف السياسية إلا أن هناك ما هو أخطر على الاستمرار سواء كان بالنسبة إِلى الجوانب المتعلقة بالبرامج النووية أو التسليح الهجومي والدفاعي أو السيطرة على زمام الأمور في المستعمرات الغربية أو الأمن الوطني. كلها كانت مهددة بلا هوادة بالمعركة الجاسوسية التي شهدها العالم مُنْذُ الحرب العالمية الأولى. فَقَدْ أخذ هذا السلاح مكانة لائقة في الدوائر الأمنية الغربية والشرقية وبصورة مركزة وقوية مباشرة بعد نهاية عام 1946م.
وبالنظر إِلى سوء الحالة الاقتصادية والعلمية التي تعاني منها دول الاتحاد السوفيتي فَقَدْ استنفر الاتحاد السوفيتي كُلّ قواه في الجانب المخابراتي للحصول على المعلومات الخاصة بالتصنيع النووي، وتمكن من امتصاص القوة النووية الأمريكية من خلال حصوله على الوثائق الخاصة بالتصنيع النووي. هذه الوثائق التي تمكنت المخابرات السوفيتية من الحصول عليها في داخل المنظومة الأمريكية أعطت بياناً واضحاً لكيفية تصنيع القنبلة الذرية وكيفية وتكوينها.
لَقَدْ كان ما توصل إليه الاتحاد السوفيتي في الجانب النووي بفضل مخابراته النشطة، مفاجئة كبرى لأعداء اليوم المتمثلة بالولايات المتحدة الأمريكية في حينها، وحلفاء الماضي عند الحرب العالمية الثانية وقبل إن تضع أوزارها، وذلك من خلال نجاحه في إنتاج السلاح النووي، الذي بدا طريق تصنيعه صعباً لبريطانيا في ذلك الوقت (عام 1949م). فبعد هذا الإنجاز الجاسوسي الذي حققه الاتحاد السوفيتي عام 1949م انتبهت الدول الغربية إِلى ضرورة تفعيل هذا السلاح وإصلاح أجهزتها الأمنية والمخابراتية من الأخطاء التي تجعل منفذ الجاسوسية بسيطاً إليها. فلذا دعا رئيس الوزراء البريطاني في أيلول عام 1949م رئيس العلماء في وزارة الدفاع البريطانية السير فردرك براندرت Sir Frederi ck Brundrett إِلى اجتماع ضَمَّ المقدم مالكوم كيمنك Colonel Malcolm Cumming ممثلاً عن الـ: MI5 وبيتر دكسن Peter Dixon ممثلاً عن الـ: MI6 والسير برسي سيليوت Sir Percy Sillitoe رئيس مكتب الأمن الوطني البريطاني، إضافة إِلى بعض العلماء البريطانيين. وفي الاجتماع المذكور أعلاه انتفض براندرت وبدون مقدمات تذكر معبراً بما يلي:
"سادتي: أنَّه حقّاً بات واضح لنا جداً، حسبما اعتقد، نحن الآن في منتصف الحرب مُنْذُ أحداث برلين في العام الماضي. الروس حاصروا برلين، والنقل الجوي الغربي مستمر حَتَّى يصل مستوى تعزيزاتنا العسكرية، لذا ينبغي إن تكون لنا حالة من البناء تعطينا القدرة والثقة في الدفاع عن أوربا الغربية من التهديد الروسي". ثُمّ استطرد قائلاً (70):
"سيكون القتال في هذه الحرب بواسطة الجواسيس وليس العسكر المسلح، على الأقل في السنوات القليلة القادمة. لَقَدْ أصبح عملياً من الصعب تجنيد العملاء بنجاح خلف الستارة الحديدية وذلك للخبرة الكبيرة والأداء الملفت للنظر للمخابرات السوفيتية وحلفائها من المعسكر الشرقي، فلذا يجب علينا أن نستعين بالخبراء والفنيين لمواجهة العمليات المخابراتية السوفيتية".
في خطاب براندرت، تَمَّ أحياء عملية بارتي بيس Party Piece التي شكلت عام 1938م لمراقبة الحزب الشيوعي البريطاني. إيماناً من المخابرات البريطانية بان أعضاء الحزب الشيوعي البريطاني لهم دور كبير في العمليات التجسسية لصالح الاتحاد السوفيتي. كما قام قسم آخر في وكالة المخابرات البريطانية بتصميم الأجهزة الخاصة التي تمكنهم من مراقبة تحركات الدبلوماسيين السوفيت وحلفائهم. وكانت هناك عمليات تنصت ومراقبة فنية لا نود التطرق إليها بل سوف نتطرق إليها في بحثنا القادم أن شاء الله حول "الحرب الجاسوسية ما بين الغرب والشرق"، ولكن لكي يستكمل بحثنا هذا جوانبه الأكاديمية الكاملة سوف نتطرق إِلى دور المخابرات البريطانية في كشف فصائل الجواسيس ولو باختصار.
فكما ذكرنا استناداً إِلى خطاب براندرت تَمَّ انتخاب العسكري المتمرس هيو ونتربورن Hugh Winterborn لمراقبة تحركات الحزب الشيوعي الذي كما كانت تعتقد المخابرات البريطانية لأعضائه دور كبير في نجاح المخابرات السوفيتية بتجنيد الجواسيس لصالحهم. لَقَدْ كانت كُلّ من الـ: MI5 والـ: MI6 على قناعة تامة من أن الحزب الشيوعي البريطاني قَدْ نقل معلومات هامة إِلى وكالة المخابرات السوفيتية لها علاقة بالتسليح والإنتاج النووي. ولم يكن هذا الإصرار غريباً إذ ما علمنا وكما ذكرنا مسبقاً أن بريطانيا بأجهزتها السياسية والمخابراتية قَدْ سهلت وصول مثل هذه المعلومات إِلى الاتحاد السوفيتي في فترة ما قبل إعلان الاتحاد السوفيتي امتلاكه للسلاح النووي وتهديد برلين وأوربا الغربية. وهو ما أوجد أرضية خصبة للمخابرات السوفيتية للعمل داخل بريطانيا منطلقة من تلك الأراضي لمراقبة الدول الأوربية الأخرى والولايات المتحدة الأمريكية.
خصوصاً بعد دخول تلك الدول في حلف النيتو العسكري والذي أجبرهم على الدخول في اتفاقيات أمنية ومخابراتية وصلت حدّ تبادل الملفات والآراء والتوجهات والنشاطات في بقاع العالم المتناثرة. فكانت إحدى توجهات ونتربورن هو زرع بعض عناصر طاقم العملية المخابراتية البريطانية السرية في عناصر الحزب الشيوعي البريطاني دون الاعتماد على فترة زمنية مسبقة. وبالفعل فلم تطول السنين حَتَّى تمكن أعوانه من معرفة مكان تخزين ملفات الحزب الشيوعي البريطاني السرية الخاصة بالأعضاء ونشاط الحزب، والتي كانت مخبأة في مسكن أحد أعضاء الحزب الشيوعي البريطاني الأغنياء في المي فير Mayfair. هذه المعلومات المؤكدة جعلت من ونتربورن أن يستنجد بالقسم A2 التابع للـ: MI6 للقيام بعملية اقتحام الشقة المذكورة وبدون معرفة أصحابها بحثاً عن الملفات. كما طلب مراقبة الشقة المذكورة وهواتفها ورسائلها. وبالفعل فَقَدْ داهم عناصر A2 المبنى بسرية تامة وتمكنوا من تصوير جميع الملفات التي قدرت بحوالي 55000 ملف سري. وَتَمَّ نقلها إِلى ونتربورن في مركزه بليكون فيلد Leconfield للإبقاء على سرية الملفات ريثما يتمكنوا من فحص المعلومات التي احتوتها وتحديد مدى خطورتها على بريطانيا.
كانت تلك الملفات غنية جداً بما حوتها من معلومات قيمة عن أعضاء الحزب الشيوعي البريطاني بدءاً من المعلومات الشخصية وانتهاء بالأمنيات والأسباب التي دعتهم للانتماء. كما حوت على معلومات لها علاقة بأنشطة الأعضاء وتشكيلهم الحزبي وعلاقتهم مَعَ الاتحاد السوفيتي ودور كُلّ منهم في خدمة الشيوعية العالمية. وعلاوة على هذه المعلومات فَقَدْ تمكن ونتربورن وزملائه من حصر أسماء من هُمْ يميلون للانتماء للحزب الشيوعي البريطاني وذلك من خلال الدراسة المستفيضة لِكُلِّ ما جاء في بيانات تلك الملفات. مما سهل على المخابرات البريطانية من الاتصال بهؤلاء وتجنيد بعضهم للعمل لحساب المخابرات البريطانية بعد انتمائهم للحزب الشيوعي. وتمكن وتربورن ليس من مراقبة نشاط الحزب الشيوعي البريطاني وتحركه فحسب، بل أعطته تلك الملفات معلومات عن عناصر الحزب المتوغلين في حزب العمال البريطاني واتحاد الصناعات البريطاني وشرائح الدولة البريطانية الوظيفية والمخابراتية والعسكرية. مما سهل عليهم رصد تحركات الكثير منهم وإقصائهم من وظائفهم بعد أن تبين لبعضهم علاقة مَعَ المخابرات السوفيتية بصورة غير مباشرة من خلال انتمائهم للحزب الشيوعي. وَمَعَ هذا العمل المتنامي تمكن ونتربورن من كشف بعض الجواسيس المؤثرين والذين هُمْ أعضاء بالحزب الشيوعي البريطاني كأمثال كأيّ بيركس Guy Francis Demoncy Burgess الموظف التنفيذي لوزارة الخارجية البريطانية ودونلد ماكلين Donald Maclean الدبلوماسي البريطاني وعضو الارتباط المخابراتي مَعَ الـ: MI6 وكم فليبي Kim Philby الدبلوماسي البريطاني والمخابراتي الأقدم في الـ: MI5 وروجر هولز Roger Hollis الذي شغل منصب رئيس الـ: MI5 أعوام (80,70). كما يبدو إن هناك الكثير من المسؤولين البريطانيين الذين تمكن الاتحاد السوفيتي من تجنيدهم داخل المؤسسة السياسية إلا إنّهم لم يكونوا فاعلين بالدرجة التي كان بها من ذكرناهم أعلاه.
ما أن طل عام 1955م حَتَّى تمكن ونتربورن من تحديد وتحجيم ومعرفة كُلّ بسيطة حول أيّ نشاط لأيّ عضو في تنظيم الحزب الشيوعي البريطاني. كما ساعد احتلال الاتحاد السوفيتي لهنغاريا عام 1956م على فِقْدان الحزب الشيوعي شعبيته في الشارع البريطاني. وَمَعَ النجاح الذي حققته المخابرات البريطانية إلا أن الصراع الجاسوسي استمرّ بين البلدين في العقود الأخرى ولكن ما حققه ونتربورن مكن المخابرات البريطانية من دخول نادي الجواسيس الدولي والذي من خلاله تَمَّ الوصول إِلى داخل المؤسسات الأمنية السوفيتية للاستفادة من المعلومات المستقاة منهم. وهو بلا شكّ ما خدم الغرب ونتج عنه هدم المنظومة الاشتراكية والسوفيتية على أيدي قادتهم. ولرب سائل يسأل أو معترض يعترض على ما نقول فلذا فأننا نرى وجوب تخيل ماذا سيكون لو لم تكتشف المخابرات البريطانية كيم فليبي عام 1963م والسير أنتوني بلاينت عام 1979م والسير روجر هولز وَكُلّ منهم كان له كلمة في توجيه القرار سواء كان عسكرياً أم أمنياً أو سياسياً.
فعملية الاكتشاف لهؤلاء سهل عدم الوصول إِلى مبدأ التشنج السياسي الذي يودي بالحالة إِلى إعلان الحرب وتدمير ما تَمَّ تشيده بعد الحرب العالمية الثانية. ولعل الصراع الجاسوسي الغربي السوفيتي لعب دوراً كبيراً في الحرب الباردة التي جعلت المواجهة مواجهة معلوماتية لبسط النفوذ بدلاً من إن تكون عسكرية للسيطرة على المناطق الدولية الاستراتيجية.

الفصل السادس
النشاط السوفيتي والمخطط الغربي الجديد للشرق الأوسط

لم تنتهِ الصراعات ما بين الغرب والاتحاد السوفيتي بل لم يصاحبها البرود قَطّ، وإنَّما بدأت تزداد يوماً بعد يوم بدءاً من انتهاء الحرب العالمية الثانية وحَتَّى بلوغ أوجها في منتصف ونهاية الخمسينات. وبدأ الشموخ السوفيتي يعلو ويزدهر في منطقة الشرق الأوسط وتمكنت المخابرات الروسية من أيجاد أرضية لا بأس بها في إيران مَعَ بداية الخمسينات. والتي توجت أعمالها بانقلاب مصدق الذي أطاح بحكم بهلوي. ولولا تدخّل المخابرات الأمريكية مباشرة لإعادة بهلوي لبقي المَدّ السوفيتي في إيران. وكانت حالة عدم الاكتفاء المزمن عند المخابرات السوفيتية هي أساس النجاح، ففشلها بإيران وإبقاء الأخيرة ساحة غربية جعلها تبحث عن خيوط أخرى لتمد خطوطها، مستفيدة من أيّ موقف متأزم أو أية فجوة داخلية في بلد حليف للغرب. فما أن تأزم الأمر أكثر بين الأتراك والأكراد في تركيا حَتَّى راح السوفيت يأخذ دوره معهم، فجندت العديد من قادة الأكراد ودربت ميليشياتهم في الاتحاد السوفيتي للوقوف بوجه الحكم التركي. الذي يعتبر ركيزة أساسية للحلف الغربي الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط.
ومما زاد الأمور أكثر ريبة عند الأمريكان والغرب هو اكتشاف عدد من الإسرائيليين السوفيتي الأصل يعملون كجواسيس للاتحاد السوفيتي. وكان من بينهم مدير مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي بن كوريون الذي زود الاتحاد السوفيتي بكافة المعلومات الخاصة بالمشروع النووي الأمريكي البريطاني المشترك المزمع أقامته في إسرائيل (70,72,73). كُلّ هذه الأمور جعلت الارتباك يدب في نفوس منتسبي وكالات المخابرات الغربية التي باتت مصالحها في الشرق الأوسط مهددة نتيجة لنشاط الاتحاد السوفيتي في مرحلة الخمسينات. والذي تمخض بدخولهم علناً من بوابة مصر التي عانت من التزمّت الغربي القابض للأنفاس. والذي لم يحله الهجوم الثلاثي عام 1956م، بل زاد الأمور تأزماً وجعل من الاتحاد السوفيتي الأمل الحقيقي والمنقذ الملهم للمستعبدين من الاستعباد الغربي. ونتيجة لتلك الهواجس التي لا تتوقف، استنفرت المخابرات الغربية كُلّ قواها خلال مرحلة أزمة القناة لإبعاد الدول العربية والإسلامية المتعاطفة مَعَ مصر للخروج من اللعبة.
فتارة بواسطة الضغط على الحكومات كما حدث مَعَ العربية السعودية والعراق والأردن، وَمَرَة بتجنيد عملائها المندسين في قيادات الأحزاب المسماة بالوطنية والقومية كما حدث في سوريا. حَيْثُ لعب أكرم الحوراني ونديم البيطار وميشيل عفلق دوراً كبيراً بتوجيه الشعب العربي السوري، وإقناعه بضرورة الوقوف بوجه الأعداء القادمون من إسرائيل لغزو سوريا بعد الانتهاء من الانقضاض على مصر، والواجب علينا الدفاع عن سوريا وترك مصر للمصريين الدفاع عن أرضهم. مما دفع الشعب العربي السوري وبلا غرابة يشدّ الأزر لحماية أراضيه السورية ومسانداً مصر بعواطفه وشموخه. في الوقت الذي كانت الجموع الثائرة مصممة على التطوع للاستشهاد على أرض مصر، تمكن الحوراني ورفاقه من إدارة الكفة وامتصاص النقمة الشعبية على الغرب بالإيحاء من خلال الخطب الرنانة الخبيثة المبطنة بان الضربة ستكون مما لا شكّ فيه موجهة لسوريا وليس مصر. متذرعاً بتهديد ما يسمى بحلف بغداد وبالتالي ضمن الغرب انفراد مصر بشرياً وعسكرياً للوقوف بوجه العدوان الثلاثي عام 1956م (70).
لَقَدْ حقق الحوراني وميشيل عفلق أول مخططات العزل العربي القطري الذي أراده الغرب من خلال تشطير القضية العربية وتحديد بعدها الاستراتيجي، نحو قيام كيان شرق أوسطي وليس عربي. وهو ما كانت تراهن عليه الولايات المتحدة الأمريكية لعدة أسباب. أولاهما عدم تمكن العرب من إن يكونوا كتلة سياسية وبشرية واقتصادية مناهضة في المستقبل. وثانيهما الحَدّ من التوغل السوفيتي إِلى المنطقة من خلال دعم القضية العربية شمولياً. وثالثهما تنفيذ المخطط الذي يمكن من خلاله دمج إسرائيل في المنطقة وإلغاء المفهوم العربي وإبداله بالمفهوم الشرق أوسطي.
فحسابات المخابرات البريطانية وأعوانها كانت توحي بأن الحسم سيكون بالعدوان على مصر، وإن إسرائيل سوف تدخل المنطقة كقوة استراتيجية قوية يمكن الاعتماد عليها في المستقبل. لكن تلك التكهنات ما فتئت أن فشلت مرحلياً وتبين إن شعوب العالم مصرة على استنكار الهجوم على مصر. مما عزز مكانة الشعب العربي في كُلّ مكان وباتت الانتفاضات ذات الشعور الوطني تنطلق هنا وهناك غير قادر حلف بغداد ولا غيره على ردعها. مرغمة قادة الأحزاب في بلادهم لاتخاذ موقف وطني موحد ضدّ الاستعمار والمستعمر فكانت الوحدة العربية ما بين سوريا ومصر الذي هتفت لها الجموع وأصبحت حقيقة رغم كُلّ الميول والاتجاهات التي يكنها البعض. وتوالت الانقلابات العسكرية ضدّ الاستعمار البريطاني وتنشطت الثورة الجزائرية وأخذ البعد الفلسطيني مفهوماً استراتيجياً آخر في التفكير العربي السياسي مرغماً.

وخوفاً من السقوط الجماهيري الذي لا رجعة فيه راح الكثير ممن لا يؤمن بمفهوم الوحدة العربية يؤيدونها، حَتَّى لا تنحسر أحزابهم جماهيرياً. غير مبالين من النتائج لاطمئنانهم من مساندة المخابرات الأمريكية والبريطانية لهم للانقضاض على تجربة الوحدة الجماهيرية سواء كان ذلك عاجلاً أم أجلاً (70,72,73). واستمرّت الانتكاسات الغربية في المنطقة العربية الواحدة تلو الأخرى من خلال تبني الاتحاد السوفيتي مبدأ تحرير الشعوب وريادة عبد الناصر ليس للمنطقة العربية وحدها بل دول العالم الأخرى التي ترضخ تحت الاستعمار. وبينما كان الشعب العربي في مصر وسوريا يهتز له كُلّ طرف للوحدة العربية والخيبة والانكسار يدب في وجه الغرب وأعوانهم، راح العراق معلناً ثورته التي أطاحت بكل طامع وكسرت كُلّ هياكل الاستعباد المتمثلة بحلف بغداد. مما جعل الغرب يتأكد من زوال مصالحه إذ لم يتخذ أية سياسة تجاه المنطقة التي أوعز اندلاعها لقوة الجبروت السوفيتي فيها.
كان لابُدَ للغرب من أن يبدأ التخطيط لسياسة جديدة في المنطقة العربية خاصة والشرق الأوسط عامة، تكون مبنية على أسس تضمن النفوذ الغربي في المنطقة وتحارب الامتداد السوفيتي من التحرك أبعد مما ينبغي أن تكون حدود نفوذه، خصوصاً بعد أن تبين إن الاتحاد السوفيتي، على الرغم من دعمه لمصر عسكرياً وثقافياً وتكنولوجياً لا يرغب بالوحدة العربية. إذ أن الاتحاد السوفيتي وضمن المنظور الشيوعي يؤمن بالأممية وقيام الوحدة ما بين وسورية ومصر لا يعزز الأهداف المرسومة. لكن الاتحاد السوفيتي على الرغم من آرائه تلك وانحسار ضوء الحزب الشيوعي في كلا البلدين لم يعرف أنَّه ناهض وأراد قمع الوحدة العربية، بل استمرّ في دعمه لمصر وسورية وبدأ يخطط لمنع دخول أية دولة عربية أخرى للجمهورية العربية المتحدة.
كانت الخطوة الأولى لبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية وبعض من حلفائها لإيجاد إستراتيجية جديدة للمنطقة العربية بعد قيام الجمهورية العربية المتحدة والثورة العراقية، هو التخطيط لدراسة واقع الشرق الأوسط. فبعد فشل حلف بغداد كان لابُدَ من تحديد مكامن ضعف السياسة الغربية في المنطقة العربية، ومن أجل دراسة جدوى التخطيط السياسي الجديد فَقَدْ انتخب في الثاني من آب عام 1958م البروفيسور دي دبليو بروكن Professor D. W. Brogan لهذه المهمة (81)، والتي سوف نرى من خلالها كيف رسم الغرب ملامح وصفات الحكم والعاملين عليه في الشرق الأوسط وخاصة المنطقة العربية، لما يضمن مساراً سلساً للمخططات المستقبلية للغرب. وعليه، فمهمة البروفيسور بروكن لم تكن مجرد توصيات أَو حَلّ لمشكلة بسيطة يراد الخلاص منها تكتيكياً بقدر ما هي رسم لواقع المستقبل في المنطقة وكيفية تنفيذ التوصيات، بعد إن يتم دراسة واقع المنطقة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وإيجاد الثغرات المهمة التي من خلالها يمكن الدخول إِلى المنطقة بصورة سرية تضمن مصالح الغرب لنصف القرن القادم.
وهنا لابُدَ إن ننوه إِلى مسألة مهمة جداً اتسمت لنا من خلال مراجعة دراسة البروفيسور بروكن والتي تتضمن حقيقة مرة وهي إن الغرب للحفاظ على مصالحه يحاول دائماً مراقبة مناطقنا عن كثب ويوجد الدراسات الإستراتيجية نحوها ويطبقها ضمن ما يضمن بقاءه فيها، حَتَّى ولو كانت النتيجة إبادة شعب بالكامل. وهو ما حدث فعلاً للعراق من خلال الحروب التي زجّ بها بغباء دكتاتوريته التي حكمته بأوامر الأسياد في الغرب والولايات المتحدة الأمريكية.

6.1 إعادة تقييم السياسة الأوربية للمنطقة العربية
لم تكن مهمة البروفيسور بروكن سهلة، بل صعبة وحساسة للغاية وذلك لأن اجتماع الحلفاء الأوربيين المزمع عقده في السابع من أيلول عام 1958م في برسل سوف يعتمد على دراسته وعلى ما سوف تحتويه من معلومات وإيضاحات لأسباب التخبط الغربي في المنطقة العربية. فلذا قَدْ حرص بروكن على دراسة كُلّ الجوانب المتعلقة بالمنطقة العربية دون إسقاط أيا منها، بانيا دراسته على الأسس المعنوية والثقافية والاقتصادية والسياسية والعسكرية وذلك لكي يصل إِلى تقييم حقيقي للواقع الغربي وأثره في المنطقة، وليتمكن من خلاله وضع الحلول المناسبة لِحَلّ تلك المسألة التي باتت شائكة ومعقدة، وتنذر بخروج السيطرة الغربية تدريجياً من المنطقة العربية وربما الاتحاد السوفيتي إذ ما قُدر للوحدة العربية أن تكبر فتصبح معسكراً بذاته ينافس المعسكرين الرئيسيين في العالم (70,81)، خاصة وإن كُلّ مستلزمات ومقومات الدولة الكبرى يمكن أن تكون في اتحاد الجانب الشرقي من المنطقة العربية.

فبروكن بدأ دراسته وتقييمه للموقف ضمن عناوين مهمة يمكن إجمالها في السطور التالية من هذا البحث. والتي نعتبرها من الدراسات المهمة العاملة على تقييم الموقف ليس في تلك المرحلة بالذات بل لربما مازالت تلك الدراسة ونتائجها تعتبر أساساً لإدامة السيطرة على المنطقة العربية، إذ ما تمكنا من حَلّ ألغاز ما يحدث في أيامنا هذه.

أولاً: الجانب المعنوي
معنوياً يرى بروكن، أن الشعب العربي وبصورة عامة بدأ تَماماً يَفْقِدُ ثقته بالغرب، وذلك من خلال تمثيله بالإمبريالية المتسلطة المستعبدة لشعوب العالم تحت ذريعة الحماية من الانتقام السوفيتي. ومن خلال دراسته الميدانية للمنطقة العربية بالذات، لاحظ بروكن عند العرب نضج وضوح صورة التطرف الغربي الداعي إِلى الانتقام المثير للحروب بين الدول، غير مكترث من الحرب النووية التي قَدْ باتت تهدد السلام العالمي. ثُمّ يبين أنَّه لم يكن البغض للغرب قَدْ جاء من فراغ، بل نابع من الأحداث المتتالية التي بدا فيها الغرب صاحب اليد العليا للضرب والانقضاض على الشعوب مثل ما حدث في فلسطين والجزائر وقناة السويس وكينيا وقبرص وكوريا وغيرها من دول العالم. كُلّ هذه الأمور يرى بروكن قَدْ جعلت من الشعب العربي يتعاطف مَعَ الاتحاد السوفيتي ضدّ الغرب والولايات المتحدة الأمريكية. وهو ما جعل الوضع بالنسبة لهم في المنطقة العربية في موقع ضعيف وهزيل فاقد الثقة ويُتهم بالجبروت والخداع، وهي حالة لم يعهد عليها مُنْذُ قرن ونصف (81).

ثانياً: الجانب الثقافي
ويبدو حسب تعبير بروكن أن للغرب في هذا المضمار معاناة حقيقية، فَفِي الوقت الذي كان فيه العرب يتلقون دراساتهم وتمريناتهم في دول التحالف الغربي المحتكر للتقدم العلمي بدون منازع يذكر، باتت أنظار العرب والآسيويين تتوجه إِلى الاتحاد السوفيتي الذي بهرهم بتقدمه العلمي والتكنولوجي. وأخذت الآداب والعلوم الإنسانية والتطبيقية الروسية تأخذ قيمتها الحقيقية بين العلوم الأوربية الأخرى. وهذا ما يعني أن العرب باتوا متأكدين أكثر من أيّ وقت مضى من عزل الغرب لهم في تلك الجوانب سوف لم يمنع انقطاع وصول مصادر الثقافة والعلوم عنهما حَتَّى ولو كانت بكفاءة أقل من الثقافة والعلوم الغربية. وعلى الرغم من أن الثقافة هي المصدر الوحيد الذي تمتلكه الدول الغربية دون منازع ويجب أن يستعمل كسلاح أمام أيّ منافس، فهناك صراع ثقافي ما بين الاتحاد السوفيتي والغرب لتغذية المنطقة العربية للاستحواذ عليها من خلال البرتوكولات الثقافية المعقودة مَعَ مصر. فمع مطلع عام 1957م منح الاتحاد السوفيتي لمصر ستة بروتوكولات ثقافية قدرت قيمة كُلّ منها بـ: 200 مليون دولار.
ولم يتوقف التعاون الثقافي العلمي ما بين العرب والاتحاد السوفيتي عند هذا الحَدّ فحسب، بل مَعَ نهاية تموز عام 1958م منح الاتحاد السوفيتي الجمهورية العربية المتحدة 610 بعثة دراسية علمية وتدريبية كان 300 منها في الاتحاد السوفيتي والبقية موزعة على دول المنظومة الاشتراكية الأخرى (81). وهو بالتالي يعتبر تغيراً محسوساً تجاه العرب من جانب الغرب ككتلة معادية والاتحاد السوفيتي ككتلة صديقة حليفة لمستقبل مشرق في الثقافة والعلوم والتكنولوجية والتقدم الحضاري.

ثالثاً: الجانب الاقتصادي
يعتبر العامل الاقتصادي من العوامل المهمة التي افتقدها الغرب في المنطقة العربية، فَفِي الوقت الذي ليس للعرب سوقاً غير السوق الغربية، على الأقل في العصر الحديث، نرى فجأة يبرز سوق بديل قادر على تزويدهم بالمكائن المنتجة والسلع الاستهلاكية والمواد الأولية التي يحتاجونها في بناء صناعتهم الفتية. فعلى سبيل المثال كان التبادل التجاري بين مصر والمملكة المتحدة يصل حدّ 60% سنوياً من إجمالي التعامل التجاري وانخفض في منتصف عام 1955م حَتَّى وصل عام 1956م إِلى 25%. وهذا ما يعني أن الغرب لا يمكنه محاصرة العرب اقتصادياً وهي حقيقة مرة قَدْ تؤدي إِلى تغيير كُلّ السياسات الغربية المقترحة في المنطقة حَتَّى عام 1970م (81.82,83). إن خسران الغرب لمصالحه في المنطقة له مردود اقتصادي سيئ كبير. خصوصاً بعد أن أممت القناة وألحقت المنشئات الفرنسية والبريطانية بالشركة الوطنية المصرية.
إذ يعني لا استثمار للشركات الغربية في المنطقة العربية وتكون العلاقة الاقتصادية العربية الغربية متقوقعة في مجال استخراج وتصنيع البترول والذي يُعَدّ نقطة الضعف عند الغرب، مما يجعل كفة اللعبة بيد العرب بعد أن كانت بيد الغرب. علاوة على خسران الغرب عقود تطوير وبناء المدن والتي يدخل من ضمنها تأسيس خطوط السكك الحديدية والبنايات الكبيرة والسدود ومشاريع الري والكهرباء والمعامل الإنتاجية الصغيرة والكبيرة والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات. فدول المعسكر الاشتراكي بدأت تقوم بتنفيذها بدلاً عن الشركات الغربية التي بعضها قَدْ انقضت العقود معها. إضافة إِلى استبدال الفنيين والخبراء الغربيين بسوفيت أو بمواطني الدول الاشتراكية الأخرى. كما بدا العرب يرفضون أية فكرة اقتصادية للتحديث في المنطقة العربية نابعة من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب وهو ما سبب فشل مشروع ليزيز فير Laissez-Faire الاقتصادي الحرّ في الشرق الأوسط عام 1958م إذ لم يلقى تجاوبا إلا من لبنان فقط وبدفع فرنسي.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية سناقرية سنيقرة0
سناقرية سنيقرة0
عضو مبتدئ
  • تاريخ التسجيل : 02-12-2008
  • المشاركات : 18
  • معدل تقييم المستوى :

    0

  • سناقرية سنيقرة0 is on a distinguished road
الصورة الرمزية سناقرية سنيقرة0
سناقرية سنيقرة0
عضو مبتدئ
رد: السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط
12-05-2009, 08:19 PM
من هنا نرى أن الغرب أوجس خيفة من إصرار الدول العربية على النهضة الاقتصادية الوطنية غير الموجهة منهم. فَفِي مصر مثلاً أصبحت السيطرة على الاقتصاد وبتوجيه وطني يخدم مصر حدّاً عالياً لم يسبق له أن وصل مُنْذُ فشل جهاز مُحَمَّد على الاقتصادي عام 1841م. وفي سوريا بدت الدولة مسيطرة تَماماً على صناعة النسيج وهو ما يدعو للقلق. حَيْثُ ليس هناك أيّ سبب يمنع الدول العربية الأخرى من أن تحذو حذو مصر وسوريا والعراق في القريب العاجل إذ لم تتخذ الخطوات اللازمة لإنقاذ الموقف. ولم يكن هذا التغيير المفاجئ في بناء الاقتصاد السوري والمصري والعراقي نابع من لا شيء بل كان نتيجة للنهوض الاقتصادي الكبير الذي حظي به الاتحاد السوفيتي في الوقت الذي كانت فيه الدول الغربية الأوربية مازالت تعتمد على مساعدات الولايات المتحدة الأمريكية في إعادة بناء اقتصادها وتسليح جيوشها. في حين كان الاتحاد السوفيتي ومن أجل إبعاد النفوذ الغربي عن المنطقة العربية ولإيجاد موضع قدم فيها، يدعم الدول العربية التي ترغب في بناء مجالها الصناعي الوطني (81).

4 : الجانب العسكري
التدهور التدريجي في القوة العسكرية الغربية قَدْ ساعد بلا شكّ على انحسارها من المنطقة العربية، مما سبب فِقْدانهم السيطرة على زمام الأمور حال حدوث أيّ حدث، كما صار مَعَ ثورة 14 تموز عام 1958م في العراق. فحوالي 80% من القواعد العسكرية البريطانية والفرنسية في المنطقة قَدْ تَمَّ التخلي عنها مستعينين بقواعد الأطلسي التي تتواجد على الأراضي التركية وبعض الجزر في المحيط الهندي. وبالتالي فأن القوة العسكرية العربية تشكل بتجمعها كماً كبيراً قياساً بالقوة الغربية المتواجدة بالقرب منها، بالرغم من تجهيز قوة الأطلسي بالأسلحة النووية الفعالة. والتي لا يمكن استعمالها لتغيير موقف سياسي في بلد تعج فيه المصالح الغربية. إضافة إِلى عدم المقارنة ما بين حجم القوات الغربية المتمثلة بحلف النيتو وحجم القوات السوفيتية القريبة من المنطقة التي تتداخل فيها مصالح المعسكرين.
ما يؤدي لتفعيل العامل النفسي بين القوتين الكبيرتين مما قَدْ يسبب إشعال فتيل أزمة، لا ترى الدول الغربية حاجة لها على الأقل في تلك الآونة. فعلى سبيل المثال، في العشرين من تموز عام 1958م وعلى ضوء أحداث ثورة تموز العراقية عام 1958م قامت القوات البريطانية بتعزيز قواتها في طبرق بما يقارب 400 عسكري بريطاني جوي وقامت الولايات المتحدة الأمريكية بإنزال 8000 عسكري أمريكي في لبنان و 6000 عسكري أمريكي في الأردن وتحريك الأسطول السادس الأمريكي قرب السواحل اللبنانية. وردا على تلك الأحداث التي عززت فيها كُلّ من بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية قواعدها في المنطقة، تمكن الرئيس جمال عبد الناصر من إقناع الاتحاد السوفيتي في الثاني والعشرين من تموز عام 1958م بأجراء مناورات عسكرية كبيرة قرب الحدود التركية الإيرانية.
اشترك بها نحو 500 ألف عسكري سوفيتي من الصنوف العسكرية السوفيتية. وتمكن عبد الناصر من استحصال اعتراف بالجمهورية الجديدة (الجمهورية العراقية) خلال أربعة وعشرين ساعة من كامل دول المعسكر الاشتراكي ودول العالم الثالث الأخرى. مما جعل الولايات المتحدة الأمريكية تقلل تواجدها في المنطقة تدريجياً حَتَّى سحبت أخر قطعة من قطعاتها بعد شهرين من المناورات السوفيتية التي أثبتت مدى دعمها ورئيسها خروشوف لعبد الناصر وطموحاته التحررية في المنطقة (81,85).

5 : الجانب السياسي
ثُمّ يعقب بروكن في تقريره فيصل إِلى استنتاجاته بالاستناد إِلى ما جاء أعلاه ليصل أنَّه ليس هناك أية مفاجئة تذكر حول العلاقة السياسية العربية الغربية. فَفِي السنوات العشرين الماضية كان للغرب رهبة في المنطقة العربية، فحال نزول أية قوة عسكرية خارجية نرى الاتجاه السياسي لدول المنطقة يتغير بصورة مفاجئة. أما اليوم ونظراً لوجود القوة السوفيتية النووية المناهضة للغرب، ومدى تأثير عبد الناصر على شعوب المنطقة من جانب وعلى المعسكر الاشتراكي من جانب أخر، نرى دول المنطقة غير مكترثة لنزول أية قوة عسكرية غربية في الخليج العربي أو شرق البحر الأبيض المتوسط، وَكُلّ ما يدور في الشارع كما هو على لسان الساسة إن تلك القوات ستنسحب آجلاً أم عاجلاً. فَفِي تموز عام 1958م عندما وصل الأسطول الأمريكي السادس للسواحل اللبنانية قال الساسة العرب أن الغرب سوف ينسحب خوفاً من التصادم مَعَ الاتحاد السوفيتي. وبمعنى أخر ليس هناك أي تأثير غربي على الساحة العربية السياسية. وعليه فالسياسة الغربية يجب أن تبنى على أساس إزاحة هذا الغبار من المنطقة في أيّ تخطيط جديد للمنطقة (81,82,83).
ونتيجة للتطورات التي حصلت في المنطقة جعلت الشعب العربي في كُلّ من مصر وسوريا والعراق يصل حدّ عدم المقدرة على إجباره على طاعة ما يملى عليه من الساسة المحسوبين على الغرب. وبالتالي فالقوى الداخلية في تلك البلدان لا يمكن الاعتماد عليها للنهوض ضدّ حكوماتهم. فَفِي هذه البلدان الثلاثة أصبح الجيش الآن متضامناً مَعَ الدولة وبأوسط سيطرته على كُلّ جوانب الحياة الأخرى. وهذا لا يعني أن الشعب بجموعه متوافق مَعَ حكوماته بل هناك إشارة لعدم اقتناع بعضهم عما يحدث وخاصة ممن كانوا ضمن الدائرة الغربية الاقتصادية. فالصلابة التي تتمتع بها تلك الحكومات الثلاثة المعادية للغرب والمتضامنة مَعَ الاتحاد السوفيتي كانت نتيجة لما يلي (81):
1. امتطاء قادة الجيش الكبار موجة الوطنية والثورة الاجتماعية التي بدأت تنسج خيوطها في المنطقة العربية بدفع سوفيتي وحماية عبد الناصر تحت غطاء العدالة والحرية.
2. ليس هناك أحزاب منظمة سياسياً بحجم يمكنها من الوقوف بوجه العسكر.
3. القضاء على الملكية وانحسار سلطة رجل القبيلة.
4. فِقْدان هيبة رجال الدين المسلمين مما يجعلهم في موقع لا يمكنهم من الوقوف أمام تلك الحكومات.
واستناداً إِلى تلك النتائج أصبح واضحاً للمجاميع الصغيرة المتواجدة في البلدان الثلاثة مدى خطورة المواجهة حَتَّى ولو كانت هناك مساندة من الخارج لإيمانهم بتسلط ورجحان كفة الأغلبية.
بعد عرض جوانب تقرير بروكن لابُدَ أن نؤكد في البداية على نقطة مهمة جداً تتلخص بكون دراسته كانت مبنية حول منطقة عربية محددة وهي منطقة الشرق العربي التي تَضُمّ مصر وسوريا والعراق وفلسطين ولبنان والأردن ودول الخليج العربي. تلك المنطقة التي باتت تهدد الطغيان الغربي في المنطقة لقربها من دولة صهيون وحلفاء الأطلسي المتمثلين بإيران وتركيا. حَيْثُ تمكن بروكن في نهاية دراسته في الوصول إِلى تحديد أهداف ما يحدث في تلك المنطقة والتي لخصها بما يلي (81,83,85):
1. من الأمور المهمة التي تسعى إليها تلك الدول التي هي طَيّ البحث، هو العمل على إزالة مواقع قوى الغرب في المنطقة سواء كان ذلك بصورة مباشرة مثل التواجد البريطاني في عدن، أو بصورة غير مباشرة مثل التواجد الغربي في الأردن.
2. هناك إلحاح شعبي على قيام وحدة عربية بين أقطار المنطقة وما الاختلاف والحوار سوى حول الصيغة الواجب اتّباعها لقيام الوحدة العربية كما أن هناك اتفاق جماهيري كبير وواسع على قبول قيادة مصر للمنطقة العربية وبالأخص عبد الناصر.
3. هناك إصرار عربي واسع النطاق للانقضاض على إسرائيل وإنهاء مشكلة فلسطين لقناعة الجميع بكونها الركيزة الأولى للغرب في المنطقة العربية. ولا يمكن أن يبقى الفلسطينيون في المخيمات وأرضهم مغتصبة.
4. بروز فكرة تنفيذ الانقلابات العسكرية الوطنية المشابهة للثورة المصرية والعراقية، وهذا ما يعني إسقاط الحكومات الملكية المتبقية في المنطقة المدعومة من قبل الغرب.
5. الرغبة الكبيرة للسيطرة على المصادر الغنية في المنطقة، كالبترول مثلاً ومما لا شكّ فيه قَدْ سجل مؤشراً متضمناً رغبة دول المنطقة في القيام باستخراجه وتصنيعه وطنياً مما يبعد كُلّ الشركات الغربية عن المشاركة في استثماره.
6. الرغبة ببناء اقتصاد جوهري ديناميكي مستند على الاكتفاء الذاتي ومتماسك اجتماعياً.
فالأهداف أعلاه هي التي يطمح إليها الشعب العربي وفق ما جاء بتقرير بروكن الخاص بدراسة أسباب ضعف النفوذ الغربي في المنطقة العربية. واستناداً إِلى تلك التفاصيل توصل بروكن إِلى نتيجة مهمة واحدة هي وجوب العمل من أجل إفساد تلك الأهداف من أجل حماية المصالح والنفوذ الغربية في المنطقة بانيا تحليله على ضرورة الالتزام بما يلي (81,85):

1 : المحافظة على الشرق الأوسط من السيطرة السوفيتية:
إن المحافظة على الشرق الأوسط من السيطرة السوفيتية لا يمكن أن تتم إلا عن طريق الاحتلال المباشر، وهو ما لا يحمد عقباه، لكون تلك الطريقة ربما تشعل حرب عالمية أخرى يكون سببها الصراع ما بين الغرب والشرق على منطقة الشرق الأوسط. ولكن يمكن اتّباع أسلوب المراقبة من الداخل وبإشراف غربي عملي جدير بالدراسة والمتابعة، بحيث يمكن من خلاله اتخاذ القرارات السياسية التي تتجانس مَعَ أسلوب تفكير المواطنين في تلك الدول. ومما يجعل هذا الأمر سهلاً علينا هو ثقتنا الكاملة بحقيقة لا يختلف عليها اثنان وهي أن القادة العرب ليسوا شيوعيين أو من المتعاطفين مَعَ الشيوعية وإن أعداد العرب الشيوعيون مازالت قليلة قياساً بالجموع الأخرى. وفي اعتقادنا أَيضاً أن الوطنيين العرب هُمْ الأقوى في الساحة وما اعتمادهم على الاتحاد السوفيتي إلا لغرض الحماية من الاعتداءات الغربية. فلذا على الغرب والولايات المتحدة الأمريكية أيجاد طريقة ما تحاول من خلالها إقناع العرب بان الغرب سوف يقوم بحمايتهم من الأطماع السوفيتية الشيوعية التي لا تنسجم مَعَ مبادئ الدين الإسلامي.
ثُمّ ذهب بروكن مسترسلاً بتحليل اسباب انحسار النفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط وفق ما جاء أعلاه راح متهماً الغرب بالأخطاء الجسيمة التي ارتكبها بحَقّ العرب مما جعلهم يرتمون في مدار الاتحاد السوفيتي معللاً ذلك بقوله (81,84):
"ليس العربٌ مخطئين إذ ما تمكنا من إعادة حساباتنا وعرفنا خطأنا بإقامة حلف بغداد والمحاولة لإجبار الأردن في الدخول في هذا الحلف وسحب الموافقة على قرض بناء السدّ العالي والعدوان الثلاثي على مصر ودكتاتورية سياسة أيزنهاور في تحجيم دول المنطقة وتعظيم أمور الخلاف مَعَ الاتحاد السوفيتي وما إِلى ذلك من بطش وسوء إدارة الغرب لتلك البلدان".

2 : تأمين استمرار تدفق البترول العربي لأوربا وأمريكياً.
صمام الأمان لاستمرار تدفق البترول العربي للغرب يحتاج إِلى فعالية مستعجلة وإيجابية تمكن الغرب الاستفادة من الظروف العامة التي تتمتع بها السلطة الغربية في المناطق النفطية العربية. فالبترول مازال لِحَدّ الآن مضمون تدفقه نتيجة لسيطرة الشركات الغربية سيطرة كاملة على عمليات الاستكشاف والحفر والتنقيب والتصدير. كما أن القوات الغربية تتمتع بتواجد منقطع النظير لا أحد يزاحمها في هذه المنطقة. و مَعَ هذه الظروف لا أحد يمكنه أن يضمن تدفق البترول بالصورة المناسبة للغرب والولايات المتحدة الأمريكية في المستقبل. حَتَّى ولو عُدلت العقود المبرمة مَعَ حكومات دول المنطقة الغنية بالبترول وَتَمَّ منحها حصة لا بأس بها من واردات البترول لإيقاف المَدّ الوطني. فعليه فسياسة شاملة ودقيقة يجب أن ترسم للحفاظ على حال المناطق البترولية العربية كما هو عليه الآن. ولتحقيق هذا الهدف فَقَدْ حدد بروكن لذلك الاحتمالات التالية للعمل بها:
1. الحوار والاتفاق ما بين الاتحاد السوفيتي والغرب حول تقسيم مناطق النفوذ في الشرق الأوسط.
2. ضرب قلب الوطنية العربية في مصر مثلما حدث عام 1956م وتقويض الحركات الوطنية في المناطق العربية الغنية بالبترول. ولكن هذا الاحتمال غير واقعي لفشل استعماله في حرب 1956م فعليه من الغباء القيام بضرب مصر أو العراق في الوقت الحاضر للأسباب الآتية:
- الضربة العسكرية لأيّ بلد عربي لها عقبات كثيرة قَدْ تسبب انشقاق دولي ضدّ الغرب وتدهور في أوضاع الدول التي تحت سيطرة الغرب وربما تقوم بعض الدول بقطع البترول إضافة إِلى خطر تدخّل السوفيت.
- إن أيّ فعل عسكري في المناطق الكبيرة كالمنطقة العربية، ربما يعطي حَلاً لفترة قصيرة من الزمن ثُمّ يتمكن الوطنيون من الانقضاض عليه.
3. عزل وتحديد مركز الوطنية العربية ومنعها من الانتشار إِلى مناطق أكبر من تواجدها. فمن المحتمل باستعمال هذا الأسلوب نتمكن من عزل أنظمة مصر وسوريا والعراق سياسياً واقتصادياً فيكون فشل الإدارة السلطوية عاملاً أساسياً لإسقاطهم بنظر الدول العربية الأخرى. وهنا لابُدَ من التأكيد على خطورة ثورة 14 تموز عام 1958م في العراق فهي ليست امتداد للثورة الوطنية في مصر لتؤثر على المناطق العربية النفطية فحسب، بل غيرت موازين القوى في منطقة الشرق الأوسط. علاوة على التخوف من إمكانية انتشارها حَتَّى تشمل الأردن والعربية السعودية. ولحل هذا الأشكال لابُدَ من اتخاذ التدابير إلآتية:
- منع التحاق العراق بالجمهورية العربية المتحدة بشتى الوسائل المتاحة،. ونظراً لعدم إيمان الحزب الشيوعي بمبادئ الوحدة العربية فكرياً، فيمكن دعمه بالوسائل المتاحة للسيطرة على الشارع العراقي وعدم المطالبة الشعبية بالالتحاق بالجمهورية العربية المتحدة. فالعراق يشكل عنصراً مهما لديمومة الجمهورية العربية المتحدة إذ ما إنظمّ إليها. لكونه يمثل حالة اقتصادية واستراتيجية بحتة.
- النظر، بجدية، في إدامة التفاوض مَعَ عبد الكريم قاسم الذي بدأته بريطانيا، لإقصاء الساسة الذين يؤمنون بمبدأ الوحدة مَعَ الجمهورية العربية المتحدة. ودعمه مخابراتياً في هذا الجانب للحفاظ على بقاء حكمه طالما بقيت الجمهورية العربية المتحدة.
- تفعيل دور الأحزاب الإسلامية في العراق على غرار ما حدث في مصر وسورية للحفاظ على التوازن ما بين التواجد الشيوعي والإسلامي في العراق. وإيجاد الأرضية المناسبة التي لا تسمح برجحان كفة أحدهما على الأخر.
- دعم خلايا حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق المناهضة للوحدة المصرية - السورية واعتبارهم حالة يمكن تأهيليها مستقبلاً للاستفادة من شعاراتها الوطنية القومية والتي لا يؤمن قياديها في تنفيذها كما إتضح في سوريا.
بعد هذه الدراسة التي تمكن فيها بروكن من تحديد الخطوط العريضة لأسباب فشل السياسة الغربية في المنطقة العربية ومنازعات الاتحاد السوفيتي لها للاستحواذ على الآبار البترولية التي تشكل العمود الفقري للدول الصناعية التي مازالت تعاني من ويلات الحرب العالمية الثانية، بعد هذا كُلّه تمكن بروكن من أن يتوصل إِلى ضرورة تعديل السياسة الغربية للمنطقة ضمن الضرورات والمؤثرات الحديثة مُؤكِّداً على وجود طريقين لا ثالث لهما للمحافظة والدفاع على ما تبقى من المناطق البترولية في المنطقة العربية مهما كانت الظروف الدولية ومهما كانت تطورات الأحداث لصالح الوطنيين العرب وهما (81):
1. السيطرة التامة والإمساك بقوة على المملكة العربية السعودية والإمارات البترولية الغنية في منطقة الخليج العربي وخاصة الكويت وقطر والبحرين وأبو ظبي. والإعلان بصورة شديدة وواضحة عالمياً بان أيّ منافسة خارجية على تلك المنطقة سوف يصد بصرامة وإن أيّ ثورة داخلية أو هيجان شعبي سوف يقمع بالحديد والنار دون رأفة. وللحيلولة دون حدوث ما يعكر صفوة تلك المنطقة يستوجب على الغرب الاحتفاظ والسيطرة على قواعده في المنطقة الخليجية ومهما كانت الصعوبات وخاصة في عدن وعبادان وعُمان. إضافة إِلى ضرورة دعم الحكومات العربية التي مازالت تدين بالولاء للغرب والمحيطة بالدول العربية التي يسيطر عليها الوطنيون العرب الأحرار. ولكن لِكُلِّ سياسة ردودها السلبية التي ربما لم تكن في الحسبان، فاتّباع مثل هذه السياسة وخاصة عندما يكون الغرب يحتفظ بقوات كبيرة في الخليج العربي يعني إعلان القضاء على الوطنية العربية. وبالتالي يكون اتجاههم نحو الاتحاد السوفيتي أقوى وهذا هو جوهر المشكلة، علاوة على احتمال فِقْدان الغرب تعاطف شعوب أفريقيا وآسيا إذ ما نفذت تلك السياسة.
2. إيقاف المعاداة للوطنيين العرب ومنحهم حقوقهم وتمكينهم من تحقيق أهدافهم وهذا ما يتضمن ردود فعل مذهلة ربما تصل حدّ مطالبة الغرب بالتخلي عن القواعد العسكرية والمراكز السياسية في المنطقة العربية، وبذلك يكون الغرب قَدْ أذعن للتنازل عن البترول أَيضاً. وتلك سياسة لا يمكن أن تتبنى مُطلقاً لأنها لا تعني فقط قتل القوة الغربية وجعلها غير قادرة على الدفاع عن مصالحها في المنطقة فحسب، بل ستكون المنطقة العربية وبكامل مصادرها الغنية بيد أناس لا يمكن للغرب أن يتعامل معهم مُطلقاً. فعدم التعامل مَعَ الغرب لم يكن نابعاً من عدم الارتياح للحضارة الغربية أو عدم ارتياحهم للأطماع الغربية الشرسة ولكن العرب كمثل كُلّ اللذين ينحدرون من السامية يعانون من عقدة ما يسمى بشمشون الجبار الذي يلح ويصر على الانتقام والدمار لأيّ عدو لهم حَتَّى ولو كان الدمار يَلْحَق بهم أَيضاً، فالعرب يؤمنون بقولهم الشهير "عليَّ وعلى أعدائي". ثُمّ استطرد بروكن معلقاً بقوله: "وهذا لا يعني أن العرب لا يهتمون باقتصادهم وتقدمهم ومصالحهم، بل هُمْ على عكس ذلك أكثر حرصاً من غيرهم ولكن بدون استعباد".
وَمَعَ كُلّ الجوانب والمقترحات لم يتمكن بروكن إلا أنَّه من إبراز ما يؤمن به من سياسة يستوجب العمل بها داخل المنطقة العربية. فتقريره يبدو جملة نصائح متناقضة تَصُبّ بمواضيع التخوف من امتداد التيار الوطني للمنطقة العربية والخطر السوفيتي الذي بدا أكثر نشاطا من أية فترة ماضية. إضافة إِلى التركيز على استمرار تدفق البترول للغرب والذي هو صلب كُلّ المواضيع السياسية والعسكرية ما بين المعسكر الغربي والشرقي. فلهذا نرى أن بروكن ذلك البروفيسور المهتم بدراسة الواقع السياسي والعسكري لمنطقة الشرق الأوسط ينهي تقريره بالإشارة إِلى صعوبة تبني أية سياسة مطروحة في دراسته هذه. ويقترح إيجاد حلّ يحمي العالم من كارثة حربية قَدْ تتطور إِلى مستوى يصعب وصفه. وَمَعَ كُلّ ما طرحه فَقَدْ أنهى دراسته بالتأكيد على ما يلي:
1. على الغرب بناء قوة كبيرة لا تضاهى، يمكن من خلالها التعامل مَعَ العرب وبدون تهديد الاتحاد السوفيتي. إن هذا في الواقع طموح تبنته السياسة الأمريكية منفردة مُنْذُ دراسة بروكن حَتَّى تحقق لها ذلك في بداية التسعينات حين استقل غرباتشوف قطار الانحلال وضياع القوة المواجهة للولايات المتحدة الأمريكية.
2. بناء وتطوير بديل عن الطاقة البترولية وبكلفة إنتاجية أرخص من البترول العربي، كالعمل على تطوير الطاقة النووية للاستخدامات السلمية. وهو ما عجز عنه الغرب إذ مازالت أوربا تستورد 70% من احتياجاتها البترولية من المنطقة العربية تشاركها الولايات المتحدة الأمريكية بواقع 60% من احتياجاتها مَعَ بداية العقد الأخير من هذا القرن. وبالتالي فَحَبّ السيطرة على مناطق الموارد البترولية سياسة أمريكية جديدة لتقود بها الدول الأوربية الغربية الصغيرة النفوذ منها والكبيرة النفوذ لكونها الآن هي صاحبة اليد العليا على ما موجود في بواطن أرض الخليج العربي.
3. البحث عن البترول في المناطق الأفريقية والآسيوية. فعلى الرغم من اكتشاف البترول في بعض تلك المناطق إلا أنها لا تشكل إلا جزء يسير من كمية البترول الواجب تخزينها أو استعمالها ضمن الخطط الاستراتيجية الغربية.
4. التركيز على مشاريع البحث العلمي الخاصة باستخراج البترول من الفحم. وهي مشاريع باءت كلها بالفشل بالرغم من رصد الأموال الكبيرة لإنجاح المشروع.
5. التركيز علمياً على تقليل كلفة إنتاج البترول الحجري وجعل قيمته الإنتاجية على الأقل مقاربة من قيمة الإنتاج للبترول العربي. وهو ما فشل الباحثون فيه فَشلاً ذريعا بعد عمل متواصل دام أكثر من أربعين سنة لتحقيق إنجاز معين في هذا المضمار.
6. العمل على بناء أساطيل حربية غربية تعمل بالطاقة النووية ومجهّزة بدبابات حديثة لاستعمالها كقوة لإنهاء النزاع في المنطقة العربية لإعادة احتلال قناة السويس وتأمين مَدّ الأنابيب البترولية إِلى حوض البحر الأبيض المتوسط. والواقع أن الأحداث التي تحيط بنا الآن كفيلة بان تجيب الجاهل والعاقل عن ماهية هذه الفقرة وهل حقق الغرب ما يريد إذ ما وضع أمر الاحتمال السالف الذكر قيد التنفيذ، خصوصاً وإن المناطق المعنية في بحث بروكن لم تشهد استقراراً مُطلقاً مُنْذُ الحرب العالمية الثانية ولحد الآن. كما إننا وبخصوص هذه النقطة سوف نسلط الضوء لاحقاً على قوة الانتشار السريع الأمريكية ودورها في قلب موازين القوى السياسية والعسكرية.
7. عزل منطقة الخليج العربي عن المنطقة العربية الشرقية تَماماً من الناحية الاقتصادية والثقافية والاجتماعية وجعلها بحاجة إِلى الغرب في رسم خططها المستقبلية وربط حكامها بمعاهدات لا يمكن تجاوزها. وهو ما تَمَّ بالفعل والأحداث السياسية خير دليل على ما هو حالي. خصوصاً بعد حرب الخليج الثانية والثالثة وما تَمَّ من إنجاز عسكري أمريكي خلالهما، انتهى باحتلال العراق وتثبيت الولايات المتحدة الأمريكية قواعدها بالمنطقة الخليجية، مستغنية بذلك عن تواجدها في قواعدها بألمانية.
8. جعل دول محيط الخليج العربي بحالة غير مستقرة سياسياً لضمان عدم التدخّل في شؤونها. ونتوقع أنَّه يقصد بذلك اليمن والعراق وإيران، وإذ ما نظرنا لحالة الدول الثلاثة تاريخياً نرى لم تمرّ تلك الدول داخليا بالاستقرار والبناء السياسي قط.

6.2 تعزيز النفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط
لم تمرّ أيام على انتهاء البروفيسور بروكن من إعداد تقريره السالف الذكر حَتَّى التقى رئيس وزراء بريطانيا السير هارولد مكماهون والرئيس الأمريكي أيزنهاور والرئيس الفرنسي شارل ديكول في واشنطن في السابع من تشرين الأول عام 1958م لمناقشة ما جاء في التقرير ووضع الخطط والسبل اللازمة من أجل إرجاع قوة النفوذ الغربي في منطقة الشرق الأوسط. وَمَعَ تلهف المجتمعين إِلى معرفة ما اقترحه بروكن كان أيزنهاور غير متزن حَتَّى وصل حدّ اتهام بريطانيا وفرنسا بضياع المنطقة بقوله:
"لولا ما حدث من عدوان على مصر ما قامت الوحدة ولا ثار العراقيون وأصبحت إسرائيل على حافة الانهيار"
فراح معربا عن خيبته بما جاء في دراسة بروكن واعتبر ذلك مضيعة للوقت، في حين كان مكماهون وديغول متعاطفين جداً مَعَ ما جاء من نصوص في ذلك التقرير. لَقَدْ أصر أيزنهاور على ضرورة اتخاذ موقف عاجل وصارم ضدّ ما يحدث في المنطقة العربية حَتَّى ولو كلف هذا الأمر الدخول في حرب مَعَ الاتحاد السوفيتي. بينما كان كُلّ من مكماهون وديغول يتحدثان بهدوء ويؤكدان على ضرورة التفكير بطريقة سياسية تمنع الاتحاد السوفيتي من التدخّل لصالح الدول العربية المسببة لتلك الأزمة ويقصد بذلك سوريا والعراق ومصر. وعليه واعتماداً على بعض ما ورد من معلومات في تقرير بروكن الخاص بمنطقة الشرق الأوسط فَقَدْ تَمَّ الاتفاق مبدئياً ما بين الرؤساء الثلاثة على ما يلي (81,86,87):
1. التعاون الكامل ما بين المؤسسات الاستخباراتية للبلدان الثلاثة لغرض دراسة الموقف الغربي السياسي تجاه ما يحدث في الشرق الأوسط.
2. العمل المكثف لإفشال الوحدة ما بين مصر وسوريا ومنع أية دولة عربية أخرى للانضمام إِلى الجمهورية العربية المتحدة. والتركيز على إبقاء العراق خارجا عنها من خلال دعم الحزب الشيوعي وعبد الكريم قاسم.
3. تقوية القواعد العسكرية في تركيا وإيران وعدن وعُمان والبحرين ورفدها بأجهزة مراقبة حديثة.
4. تحديد دور الثورة العراقية ومنعها من التسرب جنوبا نحو الخليج العربي وغرباً نحو الأردن. وكتم نفس الشارع الداعي للانضمام للجمهورية العربية المتحدة.
5. إرسال مساعدات فورية عسكرية واقتصادية واستخباراتية إِلى إسرائيل.
6. العمل على بناء علاقات متينة مَعَ الدول المحيطة بالعراق وسوريا ومصر وليبيا والسودان والأردن ولبنان والعربية السعودية واستعمال تلك الدول كمحطة انطلاق لضرب قلب الوطنيين العرب وكذلك إنقاذهم من الانخراط في وحدة مصر وسوريا.
تعتبر النقاط أعلاه ما هي إلا الآلية المقترحة من رؤساء الدول الثلاثة التي يمكن لأتباعهم ودوائرهم المسؤولة من الالتزام بخطوطها العريضة. والتي بدون أيّ تعقيد تحتوي على ضرورات إجهاض الوحدة العربية ما بين مصر وسوريا وإنهاء الثورة العراقية الجماهيرية والإمساك والمحافظة على دول الخليج الغنية بالبترول.

تابع الموضوع كاملاً هنا:
السياسة النووية الدولية وأثرها على منطقة الشرق الأوسط
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 
أدوات الموضوع


الساعة الآن 08:13 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى