حلم أزمة السيولة وجميل بن عبد الله بن مَعْمَر العُذْري القُضاعي
24-01-2021, 07:28 PM
مع أزمة السيولة وقبل يومين من عيد الأضحى المبارك أصابني قلق شديد أدخلني في متاهات من الوساوس أنغصت عني نهاري وطردت النعاس ليلا من عيني, وبقيت واجما أتسأل كيف سأشتري أضحية العيد وليس عندي ثمنها ؟ وأنا على هذه الحالة أطارد أطياف أفكاري وأجمع فتاتها وشتات أطرافها وأحاول الخروج بحل حتى حملني النعاس الي غفوة بين الثقل والخفة أدخلتني في عوالم زمن لا يشبه زمني, رأيت نفسي في بادية شاسعة وخيام على مد البصر منتشرة تحتويها الأرض ويضللها السماء, بينما أنا تائه في هذه الصورة الجميلة البانورامية,التي زادت لقلبي إنشراحا, لفت انتباهي كهل في الأربعين من العمر جالس يفترش الأرض وفي حالة يرثى لها, ثيابه ممزقة وشعره كثيف على شكل ضفائر تتدلى تغطيه عمامة بيضاء تميل الي اللون البني, ذو لحية طويلة يداعبها الشيب, تقاسيم وجهه توحي برفعة وعلية, ليس بالطويل ولا القصير, عيناه غائرتان, لهما بريق يروي تعاسة قاتلة, سلمت عليه, فرد السلام ولم يعيرني أى اهتمام كانت عيناه باتجاه الأرض وكأنه يحدق في شئ أمتلك عقله ووجدانه فسألته من يكون الرجل؟ قال : أما عرفتني, قلت وكيف لي أن أعرفك وأنا التقيك لأول مرة.
قال:أنا جميل ابن معمر, قلت له أنت إذا من القوم اللذين إذا أحبوا ماتوا, فقال لي كيف عرفتني؟ قلت له : من خلال كتب الأدب, ولكني لا أحفظ من شعرك سوى بيتين أو ثلاثة وهما:
وَأَوَّلُ ما قادَ المَوَدَّةَ بَينَنا بِوادي بَغيضٍ يا بُثَينَ سِبابُ
وَقُلنا لَها قَولاً فَجاءَت بِمِثلِهِ لِكُلِّ كَلامٍ يا بُثَينَ جَوابُ
وبيت شعري أخر تقول فيه :
فَهَل لِيَ في كِتمانِ حُبِّيَ راحَةٌ وَهَل تَنفَعَنّي بَوحَةٌ لَو أَبوحُها
قال لي وأنت من تكون؟ قلت له أنا من بئر العاترأرض الرجال الصناديد والكرم المديد والشهامة والفزعة ورد الشاردة في حالك الظلام والرصاص يغني ويزمجر بالوعيد , وجئت الي هذه البادية علني أجد شخصا يبيعني أضحية العيد, حتى تنتهي أزمة السيولة وأسدد ديني. قال لي عد أدراجك فشتتاتكم وتفرقكم لا يؤهلكم للعيش معنا ولا حتى للتكرم عليكم. قلت له: الم تعرف دولتكم الأموية شتاتا وتفرقة.
في الشام دولة وفي مكة خلافة وكذلك للخوارج الأزارقة لهم خلافة وجيش, حاربوكم لثلاث سنوات, وبعدها ثورة إبن الأشعث, قطعتم الرؤوس وحملتموها تقطر دما في طبق مزخرف ومعطر, رميتم الكعبة بالمنجنيق وقتلتم عبدالله أبن الزبير وأخاه مصعب أمير العراقين ورملتم زوجته سكينة ابن الحسين رضي الله عليه, ولم يكفكم هذا بل قطعتم رأس عبد الله ابن الزبير وصلبتموه, ولم تشفع دموع أمه أسماء أبنت صاحب رسول الله له عند أمير الجيش الحجاج, حتى قالت عندما رأت إبنها مصلوبا أما أن لهذا الفارس أن يترجل, ثم قطعتم الكثير من الؤوس من بينهم رأس التابعي الجليل أبن جبير.
لا تلمني ولا تنهاني عن سلبية وأنت تعيش أحداثها, أنتم من أورثتمونا هذا الداء, لم تصمودوا في عزتكم وعزكم, نثرتم المال العام أمام المداحين المادحين والقتلة المأجورين وأشتريتم الذمم, سكنتم القصور وأعجبتكم مفاتن النساء والمغنيات , تتأكلون يوما بعد يوم حتى وصل هذا الداء الخبيث الينا وجعلنا حطاما مقسما الي فروع والفروع الي شتات, لقد زدت الهم الي همي ولم أستفد منك شيئا سوى الأنين, أنظر الي حالك بثينة تزوجت وأنت حطام هائم مع أنك كنت فصيحا محترما جامعا للشعر والرواية, اصلح نفسك وأفق وبعد ذلك تكلم عن حالي وترحالي وإقامتي لو سرت هكذا على هذه الحالة في بئر العاتر لرجمك الأطفال بالحجارة حتى تستفيق من جنونك.
نظر الي وقال كيف عرفت كل هذا وأنت الغريب عنا؟
قلت: علمنا التاريخ الذي يجب أن يكون كما كان, لا نزيد عليه قولا أو سجعا أو وصلة تمديد.
أفقت خائفا مفزوعا من صوت طبق أسقطه القط الذي دخل من النافذة, وجدت نفسي متعرقا وكأنني كنت أجري, تعوذت من الشيطان الرجيم, تذكرت الحلم وعلمت أنني كنت قاسيا على الرجل, ترحمت على روحه ورجوت من الله أن يرحمه ويحسن اليه, وبقيت على حالي أفكر في أزمة السيولة وأضحية العيد الي أن أتاني اليقين ووجدت من زودني بها الي غاية إنتهاء أزمة السيولة ويعود البريد لحالته الهادئة التي كان عليها سابقا.
بلخيري محمد الناصر