حـُبٌّ مِـنْ طَـرَفٍ وَاحِـدٍ..!!
18-10-2019, 12:01 PM


تلك العيون الباسمة ذات الملامح الهندية تشده ببريقها الساحر..وذاك القدّ المائس الفتان يعصف بروحه بعيدا في متاهات سحيقة..من أول نظرة انطلقت شرارة حب موقدة ألهبت كيانه.. تخيلها بطلةً لمسلسل هندي ترفل بخطى راقصة في ثوبها الزاهي الفضفاض على وقع النغم الأصيل..
التحاقها أخيرا بفرقته الموسيقية أثلج صدره.. ما كان يجرؤ أبدا على مفاتحتها في الموضوع بحكم تعاملها مع فرقة أخرى وإجلالا لإرادتها.. هزته فرحة القدوم بعد أن انطلقت ترانيم صوتها الرخيم صداحة ملء السمع..
إن كان ذلك بمحض إرادتها، فالاختيار اختيار صائب وله بلا أدني شك ما يبرره .. وليكن التبرير ما يكون.. الأهم من كل ذلك أن يرى الجسد الناعم يمتلئ حيوية وأريحية وأن ينعم بروعة اللقاء ودفء الاحتضان.. أليس بالإمكان أن يكون الدافع على النقيض مما يرى ليكون هو ذاته استثناء..؟ تمنى ذلك وليته يكون..
ثوران في دخيلته لا يطاق ولا يكاد يهدأ منذ اللحظات الأولى من إطلالتها البهية وإشراقة الوجه الصبيح : ارتياب، توهم، حلم، حيرة غموض وارتباك في استجلاء ما وراء حجب خبايا ومكنونات الروح : لِمَ هي مستعصية إلى هذا الحد...؟ لِمَ الصدود وإغراق هذا الطرف الكحيل في غور غضاضة لا تُضَاهَى.. إن لم يكن تأويله في توازٍ وتوافق مع توقعاته ، فهل تبادله نفس المشاعر وذات الانطباع...؟
هو يدرك تمام الإدراك أن النماذج البشرية على شاكلتها مهما تكن طبائعها يستحيل أن تقول ما لا يمكن أن يقال في حضرة الرجل.. إنّ جبلتها ومورثاتها الجينية تستدعي ذلك صونا لكبريائها.. والمصارحة خط أحمر بالنسبة إليها وخروج عن المعهود إلا أن يكون انقيادها لجبروت الحب الكامن في أعماقها الطوق الأخير للنجاة..
سهام العشق المنغرسة في الأحشاء ولواعج الهيام الساكنة في الجوانح مافتئت تشتعل وتزداد سورتها التهابا كما البركان الهائج على مر الأيام.. ما عاد يطيق العيش في غيابها ولا بمقدوره تحمّل مرارة الانتظار لساعات معدودات.. كاد أن يفقد صوابه..
كلما وطد العزم على المصارحة أحس بقوة خارقة تداهم مسعاه وتحد من عزيمته وتشل إرادته لتزداد عقدة لسانه انغلاقا...
على حين غرة تصفعه النفس اللوامة في عز انفعالها الشديد: سحقا لك يا رجل...! مجرد كلمة واحدة فينتهي الصراع...!!
يتناهى إلى بؤرة اعتقاده أن البوح أمر مرير ومغامرة عواقبها غير محسوبة.. فليتلذذ إذن بعذابات الصمت الرهيب.. وليطل من أمده إلى ما شاء الله، فذاك على الأقل خير من أن تداهمه مرارة صدمة تحيله إلى أشلاء ...
من أنامل سحرية لعازفين مهرة تنطلق الألحان في إيقاعات بديعة داخل قاعة التداريب.. محركا عصا القيادة، بدا كما لو أنه يبعث لها بقبلات حارة ويواصلها برسائل أثيرية دافئة.. تغوص بصوتها الرنان في دواخله لتهتز فرائصه ويزداد كمدا.. يسترق النظر إليها بين حين وآخر في إيماءات وإيحاءات وخطاب رمزي يحمل بين طياته أسمى عبارات الوجد والهيام .. ترتسم على محياها ابتسامة عابرة مواجهةً إياه بردود فعل عَدَّها باهـتة وغير ذات معنى...
راودته فكرة غريبة : أن يخط لها بيمينه خطابا غراميا يبث فيه شكواه ويصارحها بمكنونات ما يكابده من حرقة وألم ممض .. في البداية عـدَّ الأمر سخيفا، لكن بعد تأمل وتردد، كتب : « أيتها الآخذة بتلابيب قلب مقروح .. أنا أعلم أنك في مثل سن ابنتي.. لكن تيقني أن سطوة الحب أقوى وأعظم من جذوة الأعمار والسنين ، واعلمي أن الفن لا سن له ولا عمر.. إن كان لغيري سلطان على هواك، فتحمليني صديقا أمينا على الأقل في الظرف الراهن فربما استحالت الصداقة على مر الزمن عند الوصال إلى حب حميمي لا يفنى....!!».
قرأ الرسالة عدة مرات.. في نهاية المطاف، اجتاحه طيف ابتسامة ساخرة تنم عن سخافة وامتعاض.. مزقها قطعا وألقى بها في سلة المهملات...
تتوالى الأيام وتمر الشهور فإذا فتاته تقرر مغادرة الفرقة بلا سابق إشعار.. يتبخر الصوت الرخيم ويتلاشى معه الأمل الأخضرعلى حين غرة وتنقطع أخباره.. وقع المفاجأة أذهل الجميع.. انتابته حيرة غير معهودة واستبدت بكيانه مرارة يأس لا يوصف .. طفق يبحث ويسأل عنها كالتائه الشريد في كل الأماكن والدروب بلا جدوى، إلى أن جاءه الخبر اليقين ذات صبيحة : صاحبة الصوت الرخيم تودّع حياة العزوبية لتعقد قرانها على فنان من شباب إحدى دول الخليج...



التعديل الأخير تم بواسطة صالح اهضير ; 18-10-2019 الساعة 12:05 PM سبب آخر: رسالة تقول ينبغي تجاوز 10 احرف..علما باني كتبت النص كاملا