حاتم الطائي في سطور...
05-12-2014, 08:59 PM
[frame="1 90"]حاتم الطائي
توفي 577 م

هو حاتم بن عبد الله بن سعد الحشرج بن طىء . أمه عتبة بنت عفيف بن عمرو بن أخزم . كانت ذات يسار وسخاء، حجر عليه إخوتها ومنعوها مالها لمنعها من تبذيره. نشأ ابنها حاتم على غرارها بالجود والكرم .

كان حاتم من ابرز شعراء الجاهلية ، وكان جوّاداً يشبه شعره جوده . وكان حيثما حلّ عرف منزله ، واذا قاتل ظفر، وذا غنم أنهب ، وذا سئل لم يبخل جواباً ، واذا سابق سبق ، واذا أسر أطلق . وقد تداول الرواة نوادر عديدة في عفته وشجاعته وكرمه . فهو لا يغزو غزوة ولا يخطو خطوة الا ويجد لها سبيلاً من سبل الكرم والانفاق . ولم يزل على حاله في إطعام الطعام وإنهاب ماله حتى ولى . ويذكر الرواة ان اولاده كانوا على كرمه ونبل أخلاقه .

يدور معظم شعر الطائي حول الكرم والعطاء والانفة وبعد الهمة والحفاظ على الجار . فهو يحفظ الود ولا يظلم احداً، أكان قريباً ام بعيداً . وهو الى ذلك فارس شجاع وصعلوك فذّ ، يجمع الصعاليك ويغدق عليهم ويتولى رعايتهم. ولعل شعره ، كما تصرفاته ، يصدر عن موقف نفسي خاص من الحياة وقيمها . فالانسان في نظره اعظم من ان يكتفي بامور الطعام والملبس فحسب ، بل يجب ان تكون له غاية مثل اقتحام الصعاب والنهوض الى المطامح الكبرى .

حاتم الطائي شاعر إيجابي من الناحية الخلقية ، يعبر عن الايمان بالحياة وحكمتها ولا يقف منها موقف الرفض . فهو شاعر اليقين . وقد جاء شعره رديفاً للفروسية يتوسل به ليطلق آراء الناس . وقد تغلبت في شعره الصفة النفسية على الصفة الفنية ، تتعاظم لديه الهموم البشرية فيما تتضاءل الهموم الجمالية . الفاظه ابنة نفسه وحدسه المباشر . هي اقرب الى البديهة منها الى الصفة ، والى الطبع وليس التطبع .

قال ابن كثير في “البداية والنهاية“: ((وهو حاتم بن عبد الله بن سعد بن الحشرج بن امرئ القيس بن عدي بن أحزم بن أبي أحزم واسمه هرومة بن ربيعة بن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيء أبو سفَّانة الطائي والد عدي بن حاتم الصحابي، كان جواداً ممدحاً في الجاهلية، وكذلك كان ابنه في الإسلام، وكانت لحاتم مآثر وأمور عجيبة وأخبار مستغربة في كرمه يطول ذكرها، ولكن لم يكن يقصد بها وجه الله والدار الآخرة، وإنما كان قصده السمعة والذكر‏.‏

قال الحافظ أبو بكر البزار في مسنده‏:‏ حدثنا محمد بن معمر، حدثنا عبيد بن واقد القيسي، حدثنا أبو نصر هو الناجي عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر قال‏:‏ ذكر حاتم عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏

‏(‏‏(‏ذاك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏ حديث غريب‏.‏

قال الدارقطني‏:‏ تفرد به عبيد بن واقد عن أبي نصر الناجي، ويقال‏:‏ إن اسمه حماد‏.‏

قال ابن عساكر‏:‏ وقد فرق أبو أحمد الحاكم بين أبي نصر الناجي، وبين أبي نصر حماد ولم يسم الناجي، ووقع في بعض روايات الحافظ ابن عساكر عن أبي نصر شيبة الناجي، والله أعلم‏.‏

وقال الإمام أحمد‏:‏ حدثنا يزيد بن إسماعيل، حدثنا سفيان، عن سماك بن حرب، عن مري بن قطري، عن عدي بن حاتم قال‏:‏ قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ إن أبي كان يصل الرحم، ويفعل ويفعل فهل له في ذلك‏؟‏ يعني من أجر‏.‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك طلب شيئاً فأصابه‏)‏‏)‏‏.‏

وهكذا رواه أبو يعلى عن القواريري عن غندر، عن شعبة، عن سماك به‏.‏

وقال‏:‏ ‏(‏‏(‏إن أباك أراد أمراً فأدركه‏)‏‏)‏‏.‏

يعني الذكر‏.‏

وهكذا رواه أبو القاسم البغوي، عن علي بن الجعد، عن شعبة به سواء‏.‏

وقد ثبت في الصحيح في الثلاثة الذين تسعر بهم جهنم منهم‏:‏ الرجل الذي ينفق ليقال إنه كريم فيكون جزاؤه أن يقال ذلك في الدنيا، وكذا في العالم والمجاهد‏.‏

وفي الحديث الآخر في الصحيح أنهم سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن جدعان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة فقالوا له‏:‏ كان يقري الضيف، ويعتق ويتصدق فهل ينفعه ذلك‏؟‏ فقال‏:‏

‏(‏‏(‏إنه لم يقل يوماً من الدهر رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين‏)‏‏)‏‏.‏

هذا وقد كان من الأجواد المشهورين أيضاً، المطعمين في السنين الممحلة والأوقات المرملة‏.‏

وقال الحافظ أبو بكر البيهقي‏:‏ أنبأنا أبو عبد الله الحافظ، حدثني أبو بكر محمد بن عبد الله بن يوسف العماني، حدثنا أبو سعيد عبيد بن كثير بن عبد الواحد الكوفي، حدثنا ضرار بن صرد، حدثنا عاصم بن حميد، عن أبي حمزة الثمالي، عن عبد الرحمن بن جندب، عن كميل بن زياد النخعي قال‏:‏

قال علي بن أبي طالب‏:‏ يا سبحان الله‏!‏ ما أزهد كثيراً من الناس في خير عجباً لرجل يجيئه أخوه المسلم في حاجة فلا يرى نفسه للخير أهلاً، فلو كان لا يرجو ثواباً ولا يخشى عقاباً لكان ينبغي له أن يسارع في مكارم الأخلاق، فإنها تدل على سبيل النجاح‏.‏

فقام إليه رجل وقال‏:‏ فداك أبي وأمي يا أمير المؤمنين أسمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ قال‏:‏ نعم، وما هو خير منه‏:‏ لما أتى بسبايا طيء وقعت جارية حمراء لعساء زلفا عيطاء، شماء الأنف، معتدلة القامة والهامة، درماء الكعبين، خدلجة الساقين، لفاء الفخذين، خميصة الخصرين، ضامرة الكشحين، مصقولة المتنين‏.‏

قال‏:‏ فلما رأيتها أعجبت بها وقلت‏:‏ لأطلبن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجعلها في فيئي، فلما تكلمت أنسيت جمالها لما رأيت من فصاحتها، فقالت‏:‏ يا محمد‏:‏ إن رأيت أن تخلي عني ولا تشمت بي أحياء العرب فإني ابنة سيد قومي، وإن أبي كان يحمي الذمار، ويفك العاني، ويشبع الجائع، ويكسو العاري، ويقري الضيف، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، وأنا ابنة حاتم طيء‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يا جارية هذه صفة المؤمنين حقاً لو كان أبوك مؤمناً لترحمنا عليه، خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، والله تعالى يحب مكارم الأخلاق‏.‏

فقام أبو بردة بن ينار فقال يا رسول الله‏:‏ والله يحب مكارم الأخلاق‏؟‏

فقال رسول الله صل الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة أحد إلا بحسن الخلق‏)‏‏)‏‏.‏

وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا‏:‏ حدثني عمر بن بكر، عن أبي عبد الرحمن الطائي – هو القاسم بن عدي – عن عثمان، عن عركي بن حليس الطائي، عن أبيه، عن جده، وكان أخا عدي بن حاتم لأمه قال‏:‏ قيل لنوار امرأة حاتم حدثينا عن حاتم قالت‏:‏ كل أمره كان عجباً، أصابتنا سنة حصت كل شيء فاقشعرت لها الأرض واغبرت لها السماء، وضنت المراضع على أولادها، وراحت الإبل حدباً حدابير ما تبض بقطرة، وحلقت المال، وأنا لفي ليلة صنّبر بعيدة ما بين الطرفين إذ تضاغى الأصبية من الجوع‏:‏ عبد الله، وعدي، وسفانة، فوالله إن وجدنا شيئاً نعللهم به، فقام إلى أحد الصبيان فحمله وقمت إلى الصبية فعللتها، فوالله إن سكتا إلا بعد هدأة من الليل‏.‏ ‏

ثم عدنا إلى الصبي الآخر فعللناه حتى سكت وما كاد، ثم افترشنا قطيفة لنا شامية ذات خمل، فأضجعنا الصبيان عليها، ونمت أنا وهو في حجرة والصبيان بيننا، ثم أقبل علي يعللني لأنام وعرفت ما يريد فتناومت، فقال‏:‏ مالك أنمت‏؟‏ فسكت‏.‏ فقال‏:‏ ما أراها إلا قد نامت، وما بي نوم‏.‏

فلما ادلهم الليل، وتهورت النجوم، وهدأت الأصوات، وسكنت الرجل، إذ جانب البيت قد رفع فقال من هذا‏؟‏ فولى حتى قلت إذاً قد أسحرنا أو كدنا‏.‏ عاد فقال من هذا‏؟‏ قالت‏:‏ جارتك فلانة يا أبا عدي، ما وجدت على أحد معولاً غيرك، أتيتك من عند أصبية يتعاوون عواء الذئاب من الجوع‏.‏

قال‏:‏ أعجليهم عليّ‏.‏ قالت النوار‏:‏ فوثبت فقلت ماذا صنعت أضطجع والله لقد تضاغى أصبيتك فما وجدت ما تعللهم فكيف بهذه وبولدها‏؟‏ فقال‏:‏ اسكتي فوالله لأشبعنك إن شاء الله‏.‏

قالت‏:‏ فأقبلت تحمل اثنين، وتمشي جنبتيها أربعة كأنها نعامة حولها رئالها، فقام إلى فرسه فوجأ بحربته في لبته، ثم قدح زنده وأورى ناره، ثم جاء بمدية فكشط عن جلده، ثم دفع المدية إلى المرأة، ثم قال‏:‏ دونك‏.‏

ثم قال‏:‏ ابعثي صبيانك فبعثتهم، ثم قال‏:‏ سوءة أتأكلون شيئاً دون أهل الصرم، فجعل يطوف فيهم حتى هبوا وأقبلوا عليه، والتفع في ثوبه ثم اضطجع ناحية ينظر إلينا، والله ما ذاق مزعة وإنه لأحوجهم إليه، فأصبحنا وما على الأرض منه إلا عظم وحافر‏.‏

وقال الدارقطني‏:‏ حدثني القاضي أبو عبد الله المحاملي، حدثنا عبد الله بن أبي سعد، وحدثنا عثيم بن ثوابة بن حاتم الطائي، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ قالت امرأة حاتم لحاتم‏:‏ يا أبا سفانة أشتهي أن آكل أنا وأنت طعاماً وحدنا ليس عليه أحد، فأمرها فحولت خيمتها من الجماعة على فرسخ، وأمر بالطعام فهيأ وهي مرخاة ستورها عليه وعليها، فلما قارب نضج الطعام كشف عن رأسه ثم قال‏:‏

فلا تطبخي قدري وسترك دونها * علي إذن ما تطبخين حرام

ولكن بهذاك اليفاع فأوقدي * بجزل إذا أوقدت لا بضرام

قال‏:‏ ثم كشف الستور، وقدم الطعام، ودعى الناس فأكل وأكلوا، فقالت‏:‏ ما أتممت لي ما قلت فأجابها لا تطاوعني نفسي، ونفسي أكرم علي من أن يثنى علي هذا، وقد سبق لي السخاء ثم أنشأ يقول‏:‏

أمارس نفسي البخل حتى أعزها * وأترك نفس الجود ما أستثيرها

ولا تشتكيني جارتي غير أنها * إذا غاب عنها بعلها لا أزورها

سيبلغها خيري ويرجع بعلها * إليها ولم تقصر عليها ستورها

ومن شعر حاتم‏:‏

إذا ما بت أشرب فوق ري * لسكر في الشراب فلا رويت

إذا ما بت أختل عرس جاري * ليخفيني الظلام فلا خفيت

أأفضح جارتي وأخون جاري * فلا والله أفعل ما حييت

ومن شعره أيضاً‏:‏

ما ضر جاراً لي أجاوره * أن لا يكون لبابه ستر

أغضي إذا ما جارتي برزت * حتى يواري جارتي الخدر

ومن شعر حاتم أيضاً‏:‏

وما من شيمتي شتم ابن عمي * وما أنا مخلف من يرتجيني

وكلمة حاسد من غير جرم * سمعت وقلت مري فأنقذيني

وعابوها علي فلم تَعِبْني * ولم يعرَق لها يوما جبيني

وذي وجهين يلقاني طليقاً * وليس إذا تغيب يأتسيني

ظفرت بعيبه فكففت عنه * محافظة على حسبي وديني

ومن شعره‏:‏

سلي البائس المقرور يا أم مالك * إذا ما أتاني بين ناري ومجزري

أأبسط وجهي إنه أول القِرى * وأبذل معروفي له دون مُنْكَري

وقال أيضاً‏:‏

وإنك إن أعطيت بطنك سؤله * وفرجك نالا منتهى الذم أجمعا

وقال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكرياء الجريري‏:‏ حدثنا الحسين بن القاسم الكوكبي، حدثنا أبو العباس المبرد، أخبرني الثوري، عن أبي عبيدة قال‏:‏ لما بلغ حاتم طيء قول المتلمس‏:‏

قليل المال تصلحه فيبقى * ولا يبقى الكثير على الفساد

وحفظ المال خير من فناه * وعسف في البلاد بغير زاد

قال‏:‏ ماله قطع الله لسانه حمل الناس على البخل فهلا قال‏:‏

فلا الجود يفني المال قبل فنائه * ولا البخل في مال الشحيح يزيد

فلا تلتمس مالاً بعيش مقتر * لكل غد رزق يعود جديد

ألم ترَ أن المال غاد ورائح * وأن الذي يعطيك غير بعيد

قال القاضي أبو الفرج ولقد أحسن في قوله‏:‏ وإن الذي يعطيك غير بعيد، ولو كان مسلماً لرجي له الخير في معاده، وقد قال الله في كتابه‏:‏ ‏{‏وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ 32‏]‏‏.‏

وقال تعالى‏:‏ ‏{‏وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ 186‏]‏‏.‏

وعن الوضاح بن معبد الطائي قال‏:‏ وفد حاتم الطائي على النعمان بن المنذر فأكرمه وأدناه، ثم زوده عند انصرافه جملين ذهباً، وورقاً غير ما أعطاه من طرائف بلده فرحل، فلما أشرف على أهله تلقته أعاريب طيء، فقالت‏:‏ يا حاتم أتيت من عند الملك وأتينا من عند أهالينا بالفقر‏!‏ فقال حاتم‏:‏ هلم فخذوا ما بين يدي فتوزعوه، فوثبوا إلى ما بين يديه من حباء النعمان فاقتسموه‏.‏

فخرجت إلى حاتم طريفة جاريته فقالت له‏:‏ اتق الله وأبق ِعلى نفسك، فما يدع هؤلاء ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً‏.‏ فأنشأ يقول‏:‏

قالت طريفة ما تبقي دراهمنا * وما بنا سرف فيها ولا خرق

إن يفن ما عندنا فالله يرزقنا * ممن سوانا ولسنا نحن نرتزق

ما يألف الدرهم الكاري خِرقَتَنا * إلا يمر عليها ثم ينطلق

إنا إذا اجتمعت يوماً دراهمنا * ظلت إلى سبل المعروف تستبق

وقال أبو بكر ابن عياش‏:‏ قيل لحاتم هل في العرب أجود منك‏؟‏ فقال‏:‏ كل العرب أجود مني‏.‏ ثم أنشأ يحدث قال‏:‏ نزلت على غلام من العرب يتيم ذات ليلة، وكانت له مائة من الغنم، فذبح لي شاة منها وأتاني بها، فلما قرّب إليّ دماغها قلت‏:‏ ما أطيب هذا الدماغ‏!‏

قال‏:‏ فذهب فلم يزل يأتيني منه حتى قلت‏:‏ قد اكتفيت، فلما أصبحت إذا هو قد ذبح المائة شاة وبقي لا شيء له‏؟‏ فقيل‏:‏ فما صنعت به‏؟‏ فقال‏:‏ ومتى أبلغ شكره ولو صنعت به كل شيء‏.‏ قال‏:‏ على كل حال فقال أعطيته مائة ناقة من خيار إبلي‏.‏

وقال محمد بن جعفر الخرائطي في كتاب ‏(‏مكارم الأخلاق‏)‏‏:‏ حدثنا العباس بن الفضل الربعي، حدثنا إسحاق بن إبراهيم، حدثني حماد الراوية، ومشيخة من مشيخة طيء قالوا‏:‏ كانت عنترة بنت عفيف بن عمرو بن امرئ القيس أم حاتم طيء لا تمسك شيئاً سخاءً وجوداً‏.

وكان إخوتها يمنعونها فتأبى، وكانت امرأة موسرة فحبسوها في بيت سنة، يطعمونها قوتها لعلها تكف عما تصنع، ثم أخرجوها بعد سنة وقد ظنوا أنها قد تركت ذلك الخلق، فدفعوا إليها صرمة من مالها وقالوا‏:‏ استمتعي بها، فأتتها امرأة من هوازن وكانت تغشاها فسألتها فقالت‏:‏ دونك هذه الصرمة، فقد والله مسني من الجوع ما آليت أن لا أمنع سائلاً ثم أنشأت تقول‏:‏

لعمري لقِدماً عضني الجوع عضة * فآليت أن لا أمنع الدهر جائعا

فقولا لهذا اللائمي اليوم أعفني * وان أنت لم تفعل فعض الأصابعا

فماذا عساكم أن تقولوا لأختكم * سوى عذلكم أو عذل من كان مانعا

وماذا ترون اليوم إلا طبيعة * فكيف بتركي يا ابن أمي الطبائعا

وقال الهيثم بن عدي، عن ملحان بن عركي بن عدي بن حاتم، عن أبيه، عن جده قال‏:‏ شهدت حاتماً يكيد بنفسه فقال لي‏:‏ أي بني إني أعهد من نفسي ثلاث خصال، والله ما خاتلت جارة لريبة قط، ولا أوتمنت على أمانة إلا أديتها، ولا أوتي أحد من قبلي بسوء‏.‏

وقال أبو بكر الخرائطي‏:‏ حدثنا علي بن حرب، حدثنا عبد الرحمن بن يحيى العدوي، حدثنا هشام بن محمد بن السائب الكلبي، عن أبي مسكين – يعني جعفر بن المحرر بن الوليد – عن المحرر مولى أبي هريرة قال‏:‏ مر نفر من عبد القيس بقبر حاتم طيء فنزلوا قريباً منه، فقام إليه بعضهم يقال له‏:‏ أبو الخيبري فجعل يركض قبره برجله‏.‏ ويقول‏:‏ يا أبا جعد اقرنا‏.‏ فقال له بعض أصحابه‏:‏ ما تخاطب من رمة وقد بليت‏؟‏ وأجنهم الليل فناموا، فقام صاحب القول فزعاً يقول‏:‏ يا قوم عليكم بمطيكم فإن حاتماً أتاني في النوم وأنشدني شعراً وقد حفظته يقول‏:‏

أبا الخيبري وأنت امرؤ * ظلوم العشيرة شتّامها

أتيت بصحبك تبغي الِقرى * لدى حفرة قد صَدَت هَامَها

أتبغي لي الذنب عند المبيت * وحولك طيء وأنعامها

وإنا لنشبع أضيافنا * وتأتي المطي فنعتامها

قال‏:‏ وإذا ناقة صاحب القول تكوس عقيراً فنحروها، وقاموا يشتوون ويأكلون‏.‏ ‏

وقالوا‏:‏ والله لقد أضافنا حاتم حياً وميتاً‏.‏ قال‏:‏ وأصبح القوم وأردفوا صاحبهم وساروا، فإذا رجل ينوه بهم راكباً جملاً ويقود آخر‏.‏ فقال‏:‏ أيكم أبو الخيبري‏؟‏ قال‏:‏ أنا‏.‏ قال‏:‏ إن حاتماً أتاني في النوم فأخبرني أنه قرى أصحابك ناقتك، وأمرني أن أحملك وهذا بعير فخذه، ودفعه إليه))‏.‏

المرجع: البداية والنهاية لابن كثير

من قصائده:..

أبلغ الحارث بن عمرو بأنني
ألا أبلغا وهم بن عمرو رسالة
هل الدهرُ إلا اليوم، أو أمسِ أو غدُ
أبَى طُولُ لَيلِكَ إلاّ سُهُودا
بكَيتَ، وما يُبكيكَ مِنْ طَلَلٍ قفرِ
حننتُ إلى الأجبال، أجبال طيءٍ،
أماوي! قد طال التجنب والهجر،
صَحا القلبُ من سلمى ، وعن أُمّ عامرِ
ألا إنني هاجني، الليلة ، الذكرْ
ألا أرِقَتْ عَيني، فبِتُّ أُديرُها
ولقد بغى ، بجلاد أوس، قومه
أرَسْماً جديداً، من نَوَارَ، تعَرّفُ
مهلاً نوار، اقلي اللوم والعذلا،
وإنّي لَعَفُّ الفَقْرِ، مُشترَكُ الغِنى
أتَعْرِفُ أطْلالاً ونُؤياً مُهَدَّما
وما مِنْ شيمتي شَتْمُ ابنِ عَمّي
إلا أخلقتْ منك المواعد،
[/frame]