الأسرة المسلمة والخوف من الفقر!!؟
28-03-2016, 10:00 AM
الأسرة المسلمة والخوف من الفقر!!؟


الحمدُ لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده؛ أما بعدُ:


وقفات معقوله تعالى:
[وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى].
هذه الآية الكريمة من جملة آيات كثيرة في كتاب الله تعالى: تعالج مشكلة من المشكلات، وآفة من الآفات التي تعتري الأسرة المسلمة والمجتمع المؤمن، ألا وهي: (قضية الخوف من الفقر!!؟).
فأكثر الناس في وقتنا هذا في:( حالة قلق واضطراب وفزع) مما سيكون في المستقبل، فنتج من جراء ذلك:" الجري وراء الدنيا وتعلق القلوب بها، حتى أفضى بهم الأمر إلى الوقوع في المحرمات، فظهر الغش والتدليس، وأخذ أموال الناس بالباطل..، وأعظم ذلك وأشنعه: (المعاملات الربوية) التي شاعت وانتشرت - نسأل الله العافية -، مع أن:" مفتاح الرزق حقيقة هو: الإقبال على طاعة الله تعالى، والصبر على عبادته سبحانه مع بذل الأسباب المشروعة المعينة على كسب الرزق الحلال".

قال تعالى: ( وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاة ).
قال العلامة السعدي - رحمه الله - في تفسيره:
"أي: حُث أهلك على الصلاة، وأزعجهم إليها من فرض ونفل، والأمر بالشيء: أمر بجميع ما لا يتم إلا به، فيكون أمرا لتعليمهم ما يصلح الصلاة ويفسدها ويكملها ":( تيسير الكريم الرحمن: 3/228).
وهذا الأمر بالصلاة: راجع إلى امتثال قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَة ).
قال غير واحد من السلف في تفسيرها: " أي: علموهم وأدبوهم ".
وهذا الشطر من الآية يدل على أصل عظيم من أصول التربية عموما، وتربية الأسرة خصوصا، وهو: "التعليم".

وقال تعالى: (وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا): والاصطبار مرتبة من مراتب الصبر.
قال الإمام العلامة:" ابن القيم رحمه الله" في:( المدارج):
"والمصطبر: المكتسب الصبر المليء به ".
قال العلامة السعدي - رحمه الله -:
"(وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا) أي: على الصلاة: بإقامتها بحدودها وأركانها وخشوعها، فإن ذلك مشق على النفس، و لكن ينبغي إكراهها وجهادها على ذلك والصبر معها دائما".( تيسير الكريم الرحمن: 3/228).
وورد (تخصيص الصلاة) في الآية بالذكر دون سائر الطاعات لأن:" العبد إذا أقام صلاته على الوجه المأمور به: كان لما سواها من دينه: أحفظ وأقوم، وإذا ضيعها كان لما سواها أضيع".( تيسير الكريم الرحمن: 3/228).
وجاء الجمع بين الصلاة والصبر، لأنهما عون على المضي في الطريق إلى الله تعالى كما قال سبحانه:
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِين ).
وقال الحافظ ابن كثير - رحمه الله - في معنى قوله اصطبر عليها: "واصطبر (أي: يا رَبَّ البيت) أنت على فعلها":( تفسير القرآن: 3/1879).
وهذا بيان لأصل ثان من أصول التربية، ألا وهو:"القدوة"، فها هو النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في الحديث الصحيح المشهور: يكون في خدمة أهله، فإذا سمع النداء: فزع إلى الصلاة، كأنه لا يعرفهم، ولا يعرفونه.
وقد كان عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - يوقظ أهل داره لصلاة الليل، ويصلي، وهو يتمثل بالآية.( الجامع لأحكام القرآن: 11/233).

وقال تعالى: (لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ).
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "أي إذا أقمت الصلاة (أتاك الرزق) من حيث لا تحتسب كما قال تعالى: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِب )...".
إذن:" فمفتاح الرزق الحقيقي: طاعته تعالى وعبادته والإيمان به، هذا مع الأخذ بالأسباب الشرعية، والتوكل على رب البرية، فإن التوكل حال النبي - صلى الله عليه وسلم - والأخذ بالأسباب المرضية من سنته.
قال تعالى: ( فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيم ).
وقال عليه الصلاة والسلام:
"يقول الله تعالى: يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنا، وأسد فقرك، وإن لم تفعل: ملأت صدرك شغلا، ولم أسد فقرك". (صحيح سنن الترمذي).
وقال ثابت - رحمه الله -: "كانت الأنبياء إذا نزل بهم أمر: فزعوا إلى الصلاة".( تفسير ابن كثير).

وقال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى).
قال العلامة السعدي - رحمه الله - في تفسير الآية:
" في الدنيا والآخرة (للتقوى) التي هي: فعل المأمور، وترك المنهي":( تيسير الكريم الرحمن: 3/228).
فدلَّ ذلك على أن العاقبة الحسنى لأهل التقوى والصلاة والصبر، ويؤكده قوله جل وعلا:
[ وَالَّذِينَ صَبَرُواْ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِمْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَأَنفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلاَنِيَةً وَيَدْرَؤُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّار].

ومضة1: مما صح من دعائه عليه الصلاة والسلام: تعوذه بالله من الفقر:
"اللهم إني أعوذ بك من الفقر، والقلة والذلة ".(صحيح أبي داود:1366).

ومضة2: عدم خشيته عليه الصلاة والسلام الفقر على أمته، وخوفه من بسط الدنيا عليهم:

عن عمرو بن عوف الأنصاري رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح رضي الله عنه إلى البحرين يأتي بجزيتها، فقدم بمال من البحرين، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف، فتعرضوا له، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم، ثم قال:" أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين". قالوا: أجل يا رسول الله. قال:" أبشروا وأملوا ما يسركم، فوالله ما الفقر أخشى عليكم، ولكن أخشى أن تبسط الدنيا عليكم: كما بسطت على من كان قبلكم، فتنافسوها كما تنافسوها، فتهلككم كما أهلكتهم".( رواه البخاريومسلم).

والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

منقول بتصرف يسير.
جزى الله خيرا كاتبه.