السيف البتّار في نحر الشيطان نزار!
29-03-2016, 08:14 PM






عدة فلاحي

باحث في* ‬الإسلاميات

لو بقي الشاعر الراحل نزار قباني حيا اليوم بيننا، ماذا كان بوسعه من نظم الشعر الذي يليق بالخراب والدمار الذي لحق بمسقط رأسه سوريا وما حولها وهوالذي سبق وإن ذاق مرارة الخراب في لبنان الذي احتضنه واحتضن أشعاره، ولكن أخذ حبيبته زوجته بلقيس بسبب الفتنة والحرب الطائفية التي عادت بأكثر قوة وعنفا في أوطاننا اليوم.
ماذا كان بوسع نزار القول اليوم ونحن نستقبل ربيع هذه السنة مثل السنوات الماضية، ربيعاً من دون أزهار وإنما أشواك محيطة بنا من كل جانب تحاصر ليلنا ونهارنا، ربيع ودياته دماء ودموع، غاب عنها اللحن الجميل لعبد الحليم حافظ وشجن نجاة الصغيرة.
ولكن ونحن في معركتنا ضدّ ثقافة الموت والحزن والتكفير التي هيمنت على حياتنا، لا بد من التذكير من ان هذه الغارة ليست وليدة اليوم، فلقد سبق وأن تعرض شاعرنا نزار لأبشع أنواع التكفير بسبب أشعاره التي وُصفت بأنها تمثل تارة "تحديا للذات الإلهية والاستهزاء بها والتقليل من الاحترام لها"، وتارة تمثل "زندقة وإلحادا" بسبب "تنكرها لما هو معلوم من الدين بالضرورة"، وتارة تمثل "فجورا" لأنها "تحث على الفسق والفساد والتمرد على الأخلاق والقيم وعلى ارتكاب الفواحش والمحرمات"...
ومن خلال هذه السلسلة من المحاكمة البعيدة عن مقاييس الإبداع، ألّف المدعو ممدوح السهلي الحربي كتابا خاصا بنزار سنة 2000 أي بعد أربع سنوات من وفاة نزار، بعنوان "السيف البتّار في نحر الشيطان نزار، ومن وراءه من المرتدّين الفُجّار"، ولقد استهل صاحب "السيف البتار" كتابه بعبارات فيها كثير من التشفّي والوعيد في حق رجل ودّع الدنيا ولقي ربه، جاء فيها:
ورحلت وحدك يا نزار..
كل الذين يصفقون ويضحكون ويهتفون..
تقهقروا..
تركوك وحدك يا نزار..
ولِنِصْف قرن كنت تشبع فيهم..
جوع العواطف تنتشي..
وتذوب في دنس وعار..
قد كنت تنشدهم وكانوا يحلمون ويشربون..
ويرقصون..ويغرقون..
ورحلت والعشاق همٌ عاجزٌ..
لا يملكون سوى البكاء..
ولسوف تبقى بعد عودتهم إلى الدنيا الجميلة!
وحدك يا نزار..
أيقظت في أطفالنا حبّ التحرر من قيود الخير..
وزرعت في أعماقهم معنى الشعار..
ورحلت والأجيال تلعق ما نزفت من النقيع الشعر..
ونزعت في صلف حياء حرائر.. أثراؤهن خزائن الأجيال..
ورحلت وحدك يا نزار..
شوّهت معنى الحب في وجداننا.. ورسمته في صورة ممقوتة..
غاياتها كأس تدار..
ورحلت وحدك والحروف الجمر تشعل دائماً كل الصفات المنكرة!
يا ليت أحرفك الأنيقة يا نزار..
هذي الحروف البكر واللغة الجميلة..
كانت تشعّ مبادئاً غراء في دنيا الفضيلة..
لرحلت في ثوب من الحب المطرز بالدعاء..
ورحلت وحدك يا نزار..
ودفنت وحدك يا نزار..
ولسوف تبعث والمعاني بين جنات ونار..
نعم هكذا يتم التعامل مع الأدباء والمبدعين بـ"السيف البتار" من طرف الذي نصّبوا أنفسهم وكلاء عن الله والموقعين باسمه، ولكن وفي كل الحالات ومهما قال فقهاء السلطان والشيطان نبقى في حاجة الى رقة أشعار نجّار المليئة بالحب وبالوجع الإنساني، أليس هوالقائل:
من قارورة العطر خرجت
أدمنت أحزاني
فصرت أخاف أن لا أحزنا
وطعنت آلافا من المرات
حتى صار يوجعني, بأن لا أطعنا
وما دام الأمر ذلك فليعلم الذي يطعنون في نزار إنما هم يريحونه من الوجع، ونحن كذلك ولو كره الدواعش، ورحم الله نزار الذي أربك الوزيرة بن غبريط حينما نسبت إحدى قصائده للشاعر محمود درويش، ورحم الله نزار الذي قال عن المجاهدة جميلة بوحيرد في قصيدة له بأنها "امرأة دوّخت الشمس" ورحم الله نزار الذي كانت الجزائر كبيرة وعظيمة في وجدانه.