على سفح الجبل
17-10-2020, 08:40 PM
على سفح الجبل
أخلد إلى النوم بعد أن أجهده الإرهاق والتعب وشح الطعام أيضا.....
لم يحفل بالأذى الناجم عن الصخرة التي اتخذها وسادة. ولم يكترث بالحصى الذي افترشه للتو... كل همه هو أن يريح جسده الناحل و يعيد إليه بعض النشاط الذي تبدد طيلة النهار بين الحصى و الصخور وسط هذه "المحجرة" العتيقة .
هنا يفجرون الجبل لاستخلاص الحجارة والحصى والرمال التي ترسل إلى ورشات البناء ...
هنا في "المحجرة" سلخ حسان سنوات شبابه الطويلة وسط الغبار ولفح الشمس و هدير الآلات و رعب المتفجرات...
لم تكن الدنانير الهزيلة التي يقبضها حسان بداية كل شهر كافية لتسديد ثمن اللبن ومصاريف أجرة البيت و كلفة المدارس و....
صاحب "المحجرة" شيخ جشع كان من السهل أن تقتلع احدى عينيه على أن تقبض دينارا واحدا من يده.
"المحجرة" بالنسبة له منجم ذهب لا ينضب. أصيبت يوما أذنه اليمنى نتيجة انفجار قوي وسط صخرة كبيرة.
نصحه الطبيب بالقيام بعملية جراحية عاجلة ... لكن الشيخ حين علم بالتكلفة الباهظة للعلاج آثر الصمم على أن يزعج جيبه بهذه "المصاريف العبثية" وقال يومها وسط ذهول العمال وتعجبهم:
" الحمد لله الذي منحني أذنين. فإذا رحلت اليمنى بقيت لي اليسرى"... في هذه "المحجرة" يتغذى الشيخ على عرق العمال ويمتص دماءهم ويتكسب من آلامهم و أوجاعهم.
عمل متواصل وضوضاء لا تتوقف مند بزوغ الفجر إلى أن تأذن الشمس بالرحيل..
لقد كاد الشيخ أن يطرد عاملا عندما عثر عليه قرب المراحيض وهو يحاول استراق غفوة قصيرة... لكن توسلات رفاقه حالت دون حدوث الفاجعة... لقد كان العامل فتى كادحا و ينفق على أبوين معوزين و قد وعد فتاة حسناء بالزواج.
في شيخوخته المتقدمة لا يزال الشيخ يحيا حياة المراهقين. فهو يسعى الى اللذة و يغشى بيوت البغايا خفية عن أولاده.
لكن تلك الأسرار الخادشة للحياء لم تكن لتخفى على عمال المحجرة. فهم يتسامرون حول تلك الأسرار و يلتقطون مغامرات الشيخ اللعوب..
(دممممممم) انفجار رهيب يبدد غفوة حسان فجأة... إنتفض الرجل مثل عصفور مذعور وهو يفرك جفنين مترعين بالنعاس .وسرعان ما أخذ يصب كل ألوان اللعنات والشتائم على هذه "المحجرة "وعلى المتفجرات وعلى الشيخ البخيل أيضا...
لقد تعود حسان على مثل هذا الصوت الرهيب منذ سنوات. فهو السمة التي تتميز بها هذه "المحجرة "البغيضة.
لكن حسان رمق من بعيد ثلة من العمال يتقاطرون حول الموضع الذي تقع فيه كسارة الأحجار العملاقة .كأنهم حشود من النمل.
لقد كان صوت الانفجار هذه المرة مختلفا عن الإنفجارات المعهودة. ارتفع الصخب و الصياح بين رفاقه...( لم يكن هناك جرحى أو خسائر في الأرواح لحسن الطالع) هتف أحدهم...
(لقد تفجرت كسارة الحجر وتحولت إلى كومة من الحديد في لحظات) صاح آخر...
(تلك الكسارة اقتناها الشيخ من أسواق دبي بملايين الدولارات، لقد لمحت للتو صاحب المحجرة مغميا عليه من هول الخبر) أردف آخر.
بعد غياب دام أسبوعا كاملا، شوهد صاحب "المحجرة" على كرسي متحرك... يقوده أحد أولاده وهو يتفقد الأشغال كالمعتاد . و بين عينيه ارتسمت مسحة من الإصرار. .
التعديل الأخير تم بواسطة أبو المجد مصطفى ; 24-10-2020 الساعة 04:07 PM