انضمام الحجاز والجزائر إلى الدولة العثمانية
07-07-2021, 01:06 PM


انضمام الحجاز إلى الدولة العثمانية، وتنظيم أمور الشام: (1517-1518م)

في أثناء وجود السلطان سليم الأول بالقاهرة أرسل شريف مكة بركات الهاشمي ابنَه الشريف محمد أبو نُمَي رسولًا إلى السلطان يُعلن تأييده له، ودخول الحجاز تحت رعاية الدولة العثمانية[1]، وكانت هذه إضافةٌ مهمَّةٌ جدًّا للدولة؛ فإنه فضلًا عن الفوائد الاقتصادية بالإشراف على التجارة في المنطقة ورعاية الحجيج، وفضلًا عن الفوائد العسكرية والاستراتيجية بالتواجد في سواحل البحر الأحمر الشرقية بالحجاز، فإن الفائدة الدينية والعاطفية تفوق كلَّ الفوائد؛ فالدولة الآن صارت ترعى كلَّ المدن المقدَّسة عند المسلمين، أعني مكة، والمدينة، بالإضافة إلى القدس، فهذه قيادةٌ دينيَّةٌ تضمن ولاء معظم الشعوب الإسلامية، كما تُعطي الدولة العثمانية الحقَّ في التحدُّث باسم المسلمين قاطبةً أمام القوى العالمية المختلفة، بالإضافة إلى العلاقات الدبلوماسية الواسعة التي يمكن للدولة أن تُحقِّقها برعاية وفد الحجاج القادمة من شتَّى أقطار الأرض.

جاءت السفارة في 6 يوليو 1517م، ومعها مفاتيح مكة، والبردة النبوية، والراية الشريفة، ووثائق بخطِّ عثمان بن عفان رضي الله عنه، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقد أرسلها السلطان سليم جميعًا إلى إسطنبول، وما زالت كلُّ هذه الأمانات المقدَّسة محفوظةً في سراي توب كابي. صار الحجاز بذلك ولايةً تابعةً للدولة العثمانية بطريقة إدارتها القديمة نفسها، وبإقرار السلطان سليم الأول لقيادة الشريف بركات لكلِّ الحجاز، مع إرسال حاميةٍ عسكريَّةٍ تابعةٍ للبحرية العثمانية لحفظ الأمن، وكان مقرُّها في مدينة جدة[2].

غادر السلطان سليم الأول القاهرة في 10 سبتمبر 1517م إلى الشام. مكث في دمشق، وحلب، وعنتاب، حوالي تسعة أشهر يُنظِّم أحوال القطر. عُيِّن جان بردي المملوكي واليًا على الشام[3] مكافأةً له على خيانته لقنصوة الغوري! صار الشام بذلك ولايةً «تابعة» للدولة العثمانية تُدار بالمماليك، وبآليَّات الإدارة المملوكيَّة مع تعديلاتٍ عثمانيَّة؛ أي يتمتَّع بما يُشبه الحكم الذاتي، تمامًا كالوضع الذي آلت إليه مصر. قفل السلطان راجعًا إلى إسطنبول فوصلها في 25 يوليو 1518م؛ لتكون هذه الحملة هي أطول حملة همايونية في التاريخ العثماني، حيث بلغت مدَّتها سنتين وشهرين[4]!

انضمام الجزائر إلى الدولة العثمانية: (1519م)

بعد سقوط الأندلس حرصت إسبانيا على احتلال عدَّة موانئ في شمال إفريقيا؛ وذلك لتأمين قوافلها في البحر المتوسط، وخاصَّةً إلى صقلية. نجحت إسبانيا في أواخر القرن الخامس عشر، وأوائل السادس عشر في احتلال عدَّة مدنٍ في المغرب، كمليلة، وفي الجزائر، كالمرسى الكبير، وجزيرة رباط الخيل، وحجر باديس، وبجاية، ومدينة الجزائر نفسها، ووهران[5]، بل وصلت الأساطيل الإسبانية إلى ليبيا واحتلوا طرابلس عام 1510م[6]! كانت هذه الاعتداءات تتمُّ للأسف بتعاون مع بعض الحكام المسلمين، مثل زعيم الحفصيين في تونس، وزعيم بني زيان في غرب الجزائر، وكانت هذه الدول الإسلامية في أطوار حياتها الأخيرة.

شهدت المنطقة مقاومةً إسلاميَّةً جيِّدة، وبرز عددٌ من القباطنة قاموا بحملاتٍ مضادَّةٍ ضدَّ الأساطيل التجاريَّة والعسكريَّة الإسبانيَّة، وكذلك على الموانئ الإسلاميَّة المحتلَّة في شمال إفريقيا، و-أيضًا- على بعض الموانئ الأوروبية في إسبانيا، وفرنسا، وإيطاليا، ومالطة. كان من أبرز هؤلاء القبطان بابا عرُّوج، وهو من أصل ألباني على الأغلب[7]، وقد أطلق عليه الأوروبيون لقب: «بربروسا» Barbarossa، وتعني بالإيطالية: صاحب اللحية الحمراء[8].

كانت حملات هذا القبطان ناجحة، وحقَّق عدَّة انتصاراتٍ على الإسبان، ووصل به الأمر إلى تحرير مدينة الجزائر من الإسبان، وأقام حكومةً مستقلَّةً في شرق الجزائر، وجعل عاصمتها مدينة دِليس Dellys، ثم ضمَّ مدينة تلمسان المهمَّة في غرب الجزائر إلى دولته[9].

انزعجت إسبانيا جدًّا من هذا النموِّ المطرد لبابا عروج، فوجَّهت إليه جيشًا قويًّا حاصر تلمسان، وتمكَّنت من قتله في عام 1518م[10]. أصاب مقتل المجاهد الكبير بابا عروج المسلمين في الجزائر بخيبة أمل، لكنهم سرعان ما تعافوا من أزمتهم، واختاروا أخاه خضر، ولقبه «خير الدين»، حاكمًا عليهم، وقد اشتهر الرجل بلقب أخيه الشهيد: «بربروسا»، فصار خير الدين بربروسا.

كان موقف المقاومة الإسلامية في الجزائر ضعيفًا، بين ضغط الإسبان وعمالة الزعماء المسلمين لهم، فلجأ خير الدين بربروسا إلى الدولة العثمانية، وطلب في رسالةٍ إلى السلطان سليم الأول دخول الجزائر في تبعيَّة دولته[11]. في أواخر 1519م وافق السلطان سليم على الطلب الجزائري، ومَنَحَ خير الدين بربروسا رتبة بكلر بك، أي والي الجزائر، وأرسل إليهم فرقة من الإنكشارية[12]، مع مساعدات عسكرية واقتصادية، وبذلك صارت الجزائر ولاية «تابعة» للدولة العثمانية؛ ليكون هذا هو أول تواجد عثماني في المغرب العربي، وصار خير الدين بربروسا من القادة البحريين العثمانيين المشهورين، بل هو أشهرهم، وسيكون له شأنٌ كبيرٌ في عهد السلطان سليمان القانوني[13].



[1] دحلان، أحمد بن زيني: خلاصة الكلام في بيان أمراء البلد الحرام، المطبعة الخيرية، القاهرة، الطبعة الأولى، 1305هـ=1888م.صفحة 50.
[2] أوزتونا، يلماز: تاريخ الدولة العثمانية، ترجمة: عدنان محمود سلمان، مراجعة وتنقيح: محمود الأنصاري، مؤسسة فيصل للتمويل، إستانبول، 1988 الصفحات 1/233-235.
[3] Peters, F. E.: The Hajj: the Muslim pilgrimage to Mecca and the holy places, Princeton University Press, New Jersey, USA, 1994., p. 147.
[4] أوزتونا، 1988 صفحة 1/235.
[5] Riley-Smith, Jonathan: The Atlas of the Crusades, Times Books, London, 1990., p. 162.
[6] بازامه، محمد مصطفى: ليبيا في عشرين سنة من حكم الإسبان (1510-1530)، منشورات مكتبة الفرجاني، طرابلس–ليبيا، 1965م. صفحة 55.
[7] Bozbora, Nuray: Osmanlı yönetiminde Arnavutluk ve Arnavut ulusçuluğu'nun gelişimi (in Turkish), Boyut Kitapları, 1997., p. 16
[8] Lane, Kris; Lane, Kris E & Levine, Robert M.: Pillaging the Empire: Global Piracy on the High Seas, 1500-1750, Routledge, New York, USA, 2015., p. 9.
[9] التر، عزيز سامح: الأتراك العثمانيون في أفريقيا الشمالية، ترجمة: محمود علي عامر، دار النهضة العربية، بيروت، الطبعة الأولى، 1409هـ=1989م.صفحة 62.
[10] سبنسر، وليم: الجزائر في عهد (رياس) البحر، تعريب وتقديم: عبد القادر زبادية، دار القصبة للنشر، الجزائر، 2006م.صفحة 43.
[11] المدني، أحمد توفيق: حرب الثلاثمائة سنة بين الجزائر واسبانيا 1492 – 1792، الشركة الوطنية للنشر والتوزيع، الجزائر، الطبعة الثانية، 1976م. الصفحات 196، 197.
[12] ريمون، أندريه: المدن العربية الكبرى في العصر العثماني، ترجمة: لطيف فرج، دار الفكر للدراسات والنشر والتوزيع، القاهرة، الطبعة الأولى، 1991م.صفحة 21.
[13] دكتورراغب السرجاني: قصة الدولة العثمانية من النشأة إلى السقوط، مكتبة الصفا للنشر والتوزيع، القاهرة، مصر، الطبعة الأولى، 1442هـ= 2021م، 1/ 405- 407.