الأسد باقٍ.. لكن الحرب في سوريا لن تنتهي قريباً
28-09-2017, 09:31 AM



رأت ليز سلاي، مراسلة صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، أن الحرب السورية التي اندلعت منذ ست سنوات بهدف الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد تشرف على النهاية، ولكنها تترك العديد من التساؤلات من دون إجابة، فضلاً عن معارك كثيرة لا يزال يتعين خوضها.

ولفت التقرير إلى أن انتصار بشار الأسد في ساحة المعركة كان واضحاً منذ سنوات، وتحديداً منذ عام 2015 حينما تدخلت روسيا لدعم جيشه الذي كان على وشك الانهيار، وربما قبل ذلك بوقت طويل بعد أن أخفقت المعارضة في استثمار الزخم الذي كانت تتمتع به مع بداية الانتفاضة ضد الأسد.

وعلاوة على ذلك، لم يكن المجتمع الدولي حريصاً على منع انتصارات الأسد، ويتضح ذلك مع فشل محادثات السلام الأولى في عام 2014، ونجاح نظام الأسد في استعادة سيطرته على مدينة حلب في ديسمبر (كانون الأول) الماضي، وهو ما كان مؤشراً على انهيار دبلوماسية إدارة أوباما.

نهاية اللعبة وتقسيم الكعكة
ويعتبر التقرير أن مثل هذه الحقائق الواضحة الآن تعكس الخطوط العريضة لنهاية اللعبة. وينقل عن جو ماكارون، المحلل السياسي في مركز السياسة العربية في واشنطن، إن "الحرب التي نعرفها قد انتهت، وما تبقى الآن هو تقسيم الكعكة".

ويقول التقرير: "ولكن بحسب السيناريو الذي يلوح في الآفق، يظل الأسد في السلطة إلى أجل غير مسمى، ولا توجد تسوية سياسية جادة لعزله عن السلطة أو حتى استبداله، وتشتد ضراوة الحرب، إنها نظرة قاتمة تنذر بأن سوريا ستكون غير مستقرة وغارقة في صراعات لسنوات قادمة، وفي الوقت نفسه تعاني مدنها وبلداتها من الخراب ويعيش شعبها مرارة الفقر، كما يعاني اقتصادها من غياب التمويل اللازم لإعادة إعمار البلاد".

مصير نظام الأسد
ويضيف التقرير أن مصير نظام الأسد بات واضحاً إلى حد كبير؛ فهو الآن ليس تحت ضغوط كافية لتقديم التنازلات أو تنفيذ الإصلاحات، وربما للمرة الأولى منذ عام 2012 يسيطر على الجزء الأكبر من البلاد بما يفوق الفصائل الأخرى التي تنافسه على الأراضي.

ويلفت التقرير إلى بعض الدلالات التي توحي بأن الحرب السورية أوشكت على الانتهاء، أو على الأقل دخلت المرحلة التي لم يعد فيها بقاء الأسد في السلطة موضع شك، وأبرزها قرار إدارة ترامب بقطع المساعدات عن المعارضة السورية وتلميحات المجتمع الدولي بالتخلي عن الإصرار على العملية الانتقالية التي تقود إلى رحيل الأسد، وكذلك النجاح النسبي للمبادرة الروسية لوقف إطلاق النار.

وعلى الرغم من ذلك، فإن المعارك المتبقية لا تزال قادرة على الزج بسوريا في مسارات غير متوقعة؛ بعدما تحول القمع الوحشي ضد المتظاهرين السلميين إلى حرب أهلية مستعرة جعلت سوريا مسرحاً للتنافس الدولي للنفوذ على أطراف البلاد التي لا تزال خارج سيطرة نظام الأسد.

الأكراد .. مستقبل غامض
وعلى سبيل المثال، ربما يكون مصير المنطقة الشمالية الشرقية لسوريا التي يسيطر عليها الأكراد (وتنتشر فيها القوات العسكرية الأمريكية وتتضمن القاعدة الأمريكية لمحاربة داعش) هو الأكثر غموضاً، بحسب "واشنطن بوست"، حيث أن الولايات المتحدة لم تلتزم بالبقاء في سوريا بعد دحر داعش من أجل حماية المنطقة الكردية الموسعة، بينما تعهد نظام الأسد باستعادة السيطرة على هذه المنطقة حتى إذا استلزم الأمر محاربة قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد والولايات المتحدة.

وقد يقود تصاعد التوترات بين قوات سوريا الديمقراطية المدعومة أمريكياً وحلفائها المحليين وقوات النظام المدعومة من روسيا وإيران في الصحراء الشرقية لمقاطعة دير الزور إلى مواجهة واسعة؛ وبخاصة إذا فشلت محادثات تقسيم ساحة المعركة بين الولايات المتحدة وروسيا.

إسرائيل وتنظيم القاعدة
ويشير التقرير إلى أن موقف إسرائيل لا يزال غير واضح؛ إذ تضع في اعتبارها احتمال وجود إيران على حدودها الشمالية مع سوريا إلى أجل غير مسمى من خلال المستشاريين الإيرانيين والميليشيات الشيعية المتحالفة مع إيران. وهي عمدت إلى تصعيد الضربات الجوية ضد حزب الله وبعض الأهداف الإيرانية في سوريا خلال الأسابيع الأخيرة، وامتنع نظام الأسد عن الرد حتى الآن، ولكن هذا الموقف ربما يتغير إذا أصبح الأسد أكثر نفوذاً.

وعلى الأرجح أن وجود آلاف المقاتلين الذين ينتمون إلى تنظيم القاعدة الإرهابي في محافظة إدلب الشمالية من شأنه أن يسفر عن اندلاع معارك رئيسية؛ إذ يسيطر بعضهم على جيوب من الأراضي حول سوريا، في ضواحي دمشق وعلى طول الحدود الأردنية، وسوف تتعين استعادة تلك الأراضي أو إجبارها على التوصل إلى تسوية، ولكن من الصعب أن تؤثر مثل هذه المعارك على سيطرة الأسد على دمشق، الذي يسيطر حالياً على جميع المدن الكبرى و70% من السكان، ويشعر بالطمأنينة لتحالفه مع روسيا وإيران.

تحديات إعادة الإعمار
ويلفت التقرير إلى أن الأسد نفسه أصبح حريصاً على عدم إعلان النصر، وفي خطاباته الأخيرة يؤكد التهديد المستمر من أعداء سوريا الغربيين وحلفائهم "الإرهابيين"، وضرورة مواصلة القتال حتى تتم استعادة سوريا بأكملها. ويرى خبير الاقتصاد السوري، جهاد يازجي، أن السلام سيحمل ضغوطاً جديدة على الأسد لتحقيق مكاسب لأنصاره من خلال إعادة الإعمار وإحياء الاقتصاد، وهو تحدّ يفوق الفوز في الحرب، ولكن التطورات المفاجئة، مثل المعارضة بين مؤيديه، قد تدفع بمسار مختلف.

ويقول يازجي: "إذا فاز الأسد وأصبح ناخبوه واثقين من أن الحرب انتهت، ستكون لديهم توقعات جديدة لن يستطيع الأسد تلبيتها؛ وبخاصة لأننا لن نحصل على أي شيء قريب من المصالحة، ولا توجد أموال".

ويخلص تقرير "واشنطن بوست" إلى أنه في ظل غياب عملية سلام دولية جادة، فإنه ليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن الأسد سوف يشعر بأنه مجبر على تقديم تنازلات سياسية أو التخلى عن سلطته ونفوذه، وبعد فشل عملية السلام في جنيف عام 2012، يتم ملء الفراغ من خلال مبادرة بقيادة روسية تتكشف ملامحها على بعد آلاف الأميال في أستانة، عاصمة كازاخستان، وأسفرت هذه المحادثات بالفعل عن مجموعة من اتفاقات تخفيف التصعيد.

الخطة الروسية
وتضغط موسكو لتنفيذ بعض الإصلاحات التي تشمل انضمام أعضاء المعارضة إلى الحكومة ومنح الثوار درجة من الحكم الذاتي في المناطق التي يسيطرون عليها حالياً وإعادتهم في نهاية المطاف إلى رعاية الحكومة المركزية من خلال عملية تصالح.

وبموجب هذه الخطة الروسية، سيقوم الأسد بترشيح نفسه لولاية ثالثة مدتها سبع سنوات عند موعد الانتخابات المقبلة في عام 2021؛ إذ تسعى روسيا للتوصل إلى تسوية سياسية وفتح المجال للحصول على التمويل الدولي لإعادة الإعمار، وإضفاء الشرعية على بقاء الأسد في السلطة والدور الروسي في سوريا.

ولكن الولايات المتحدة وحلفاءها يصرون على أن توفير عملية سياسية جوهرية تقوض على الأقل سلطة الأسد هو شرط مسبق للإسهام في جهود إعادة الإعمار الضخمة التي تحتاجها سوريا بشدة، وقد أيدت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي هذا الشرط.