أربعة أسباب أخرى للتوقف عن «الإعجاز العلمي»
18-07-2014, 08:32 PM
انتقد البعض مطالبتي بالتوقف عن الكتابة في الإعجاز العلمي في مقال نشرته قبل أيام.. انتقدوه ليس بسبب نقص الدليل أو ضعف الاستشهاد، بل لأنهم أشخاص طيبون مؤمنون يميلون لتصديق كل من يدعي شيئا من مظاهر الإعجاز.. عواطفهم النبيلة منعتهم من التفكير في خطورة التلاعب بالنصوص الشرعية وفتح الباب للطعن فيها (في حال اتضح فبركة الإعجاز أو عدم توافقه مع المسلّمات العلمية)..
والحقيقة هي أنني لم استعرض في المقال السابق سوى معضلة واحدة فقط من المعضلات المترتبة على "ادعاءات الإعجاز العلمي"..
فبالإضافة الى احتمالات التناقض والتعارض (وهو السبب الأول الذي خصصت له المقال السابق كاملا) هناك على الأقل أربعة أسباب أخرى تدعونا للتوقف عن البحث والكتابة في الإعجاز العلمي:
- فالسبب الثاني هو:
أن علوم الرياضيات تؤكد إمكانية استنتاج (أي شيء) من أي نص يتجاوز حدا معينا من الضخامة - بما في ذلك رواية الحرب والسلام، وألف ليلة وليلة، ومذكرات الدجال الفرنسي نوستراداموس.. بل إن قائمة الاحتمالات (في النصوص المكتوبة) تفوق بملايين المرات احتمالات فتح أي حقيبة دبلوماسية بثلاثة أرقام سرية؛ فوجود آلاف الكلمات والاشتقاقات في الكتب الضخمة يسمح بخلق أي فكرة نريدها من خلال مبدأ الانتقاء والاستثناء والتوفيق والمقابلة - وهي ظاهرة تعطينا فهما جديدا لقول علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "القرآن حمال أوجه"..
- أما السبب الثالث:
فهو أن هذه الحقيقة الرياضية أتاحت لكافة الديانات الأخرى - حتى الوضعية منها - استخراج معجزاتها الخاصة من كتبها المقدسة.. فمن كتاب الفيدا مثلا (وهو كتاب الهندوس) تم استخراج فترة الاستعمار البريطاني، وتاريخ وفاة غاندي، وموقع بناء محطة القطارات الرئيسية في دلهي.. أما في الغرب فيؤمن المتدينون بوجود "شفرات مقدسة" وضعها الله في الانجيل والتوراة ولديهم خبراء لكشفها ومحطات كاملة للحديث عنها... وابحث بنفسك في النت عن: رموز الإنجيل (Bible codes) أو الرسائل السرية في التوراة (hidden messages in the Torah)
- أما السبب الرابع:
فهو أن الإعجاز العلمي (حتى في حال تأكده) لا يثبت غير تخلفنا وضعفنا وعدم ثقتنا بأنفسنا.. فما معنى أن ننتظر أوروبا وأمريكا كي تعلنا عن اكتشاف علمي خارق، ثم نسارع نحن لادعاء وجوده في القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرنا (!).. أين كنا عنه طوال هذه الفترة؟ لماذا لم نستفد منه قبل بقية الأمم؟ لمن يعود الفضل في اكتشافه؟.. لمن عمل وبحث واجتهد، أم لمن انتظر وتربص وادعى!؟
الحقيقة هي أن هذا التصرف لا يثبت غير عدم أحقيتنا لا في الاكتشاف العلمي، ولا حتى في الاكتشاف الإعجازي الذي لم نكن لنتعرف عليه لولا جهود الدول المتقدمة!!
- أما سببنا الأخير (ولولا ضيق المساحة لكان الأوسط):
فقد يدعي البعض أن الأمر لا يتعلق هنا بتخلفنا العلمي، بل بحقيقة أن المظهر الاعجازي ذاته يجذب الآخرين للدخول في الإسلام...
أنا شخصيا لا أعتقد ذلك - لأسباب كثيرة - من أهمها أن معظم من يدخلون الاسلام لا يجيدون أصلا قراءة القرآن والسنة ناهيك عن تفسيرهما وإدراك مكامن الإعجاز فيهما.. كما أن إحصائيات الدعوة تثبت أنهم يعتنقون الاسلام بسبب مبادئه السامية وليس توافق نصوصه الشرعية مع اكتشافات معهد باستير أو وكالة ناسا الفضائية.. أضف لهذا أن (غير المسلمين في العالم) أما ملحدون لا يؤمنون أصلا بأي كتب مقدسة، أو متدينون يؤمنون بوجود معجزات أكبر في كتبهم المقدسة!!
.. ومن كل هذا ندرك أن إيغالنا في هذا المجال ومبالغتنا في ادعاءات الإعجاز العلمي لا تفتح الباب فقط (لغير المسلمين) للطعن في النصوص الشرعية، بل ولا تخدم الدعوة للإسلام بالدرجة التي نتصورها..
.. وبالتأكيد هناك من سيتجاهل كل هذا ويعود للعزف على عواطفك النبيلة!!



فهد عامر الأحمدي


http://www.alriyadh.com/856112