هل حان الوقت لقضاء استراحة طويلة من العمل؟
31-12-2014, 11:01 AM
من إعداد : روب بادن - كاتب صحفي



بعد فترة وجيزة من بلوغه الخمسين من العمر، أدرك مارك بريتون أنه يحتاج إلى القيام بتغيير ما في حياته.
ويقول بريتون، الذي كان مدير إدارة في شركة تعمل في مجال تجديد وإعادة تأثيث المكاتب "لقد كنت بائسا للغاية. كنت آتي إلى العمل ولا أشعر بأنني منخرط فيه بشكل كامل، انغمس في خضم تلك العملية التي تشمل مواصلة العمل ومواجهة أعباء المعيشة. في نهاية المطاف، نظرت في المرآة وقلت إنني أريد تغيير شيء ما."
جاء هذا التغيير في صورة عطلة استمرت عدة شهور، وجولة قام بها بريتون على متن دراجة جاب بها العالم بأسره تقريبا؛ وشملت مناطق في شمال أمريكا وجنوبها، وكذلك بقاعا أخرى في جنوب شرق آسيا.
ويقول بريتون "لقد عدت. وأنا الآن أكثر حماسة وتركيزا عما كنت من قبل".
ويعمل بريتون في الوقت الحاضر خبيرا استشاريا في مجال عمله، ويجني من عمله القدر نفسه من المال الذي كان يجنيه سابقا، لكن الفارق أنه لا يعمل حاليا سوى ثمانية أشهر من كل عام. أما الشهور الأربعة المتبقية، فيستغلها بريتون في إشباع هوايات تهفو إليها نفسه؛ مثل التزلج وركوب الدراجات.
بريتون ليس إلا واحدا من بين العديد من المديرين التنفيذيين الكبار الذين قرروا الحصول على عطلة من أعمالهم، وذلك في الأغلب لإعادة النظر في المجال المهني الذي اختاروا العمل فيه. وفي بعض الأحيان، تستهدف هذه الخطوة ببساطة أن يعيد هؤلاء الأشخاص شحن بطارياتهم، مخالفين بذلك المفهوم القائل بأن خروج المرء من الحلبة يعني أنه سيُنسى بسرعة.
وفي واقع الأمر، وبحسب ما تقول سوزان غريفث، مؤلفة كتاب "السنة الترويحية لكبار السن"، فإن هناك زيادة في عدد من يقررون أخذ ما يمكن وصفه بـ"استراحة مهنية"، وهو مصطلح يشير إلى اختيار الموظف أخذ عطلة من العمل لفترة يكرسها لتنمية قدراته الشخصية أو المهنية.
وتقول غريفث إن هذه الزيادة تُعزى جزئيا إلى أن "الأشخاص ممن هم في الخمسينيات والستينيات من أعمارهم يشعرون بأن لديهم لياقة أكبر، وكذلك روح مغامرة تفوق ما كان لدى أقرانهم في الأجيال السابقة".
وتتوقع غريفث أن تؤدي التقارير الخاصة بتعافي أسواق العمل والتوظيف إلى "إلهام عدد أكبر من الأشخاص للخروج من طاحونة العمل"، نظرا لأن مثل هذا الانتعاش سيقلل خوف الناس من إمكانية أن يواجهوا خطر عدم توافر وظائف شاغرة لهم، حينما يقررون العودة إلى وظائفهم التي تركوها من أجل هذه "الاستراحة المهنية".



ويتفق مع هذه الرؤية دان كليمنتز، وهو مؤلف كتاب "الفرار 101: الأسرار الأربعة للحصول على فترة استراحة مهنية دون أن تخسر مالك أو عقلك".
ويقول كليمنتز إنه بحسب ما يُروى فإن النمو الاقتصادي يفضي إلى زيادة في الإقبال على أخذ ما يُعرف بـ"فترات التفرغ الاختيارية"، إذ يؤثر المديرون التنفيذيون الابتعاد قليلا عن وظائفهم، تماما كما فعل بريتون.
أكثر من ذلك، فإنه من المرجح أن يكون لدى الأشخاص - الذين نجحوا في ترسيخ أقدامهم بشكل أكبر في وظائفهم وترقوا في المناصب - الموارد المالية التي تُمكنهم من اتخاذ مثل هذه الخطوة. ففي أغلب الأحيان يوفر هؤلاء الأشخاص الأموال اللازمة لذلك من خلال مدخراتهم، والاستثمارات التي راكموها على مدار حياتهم المهنية الناجحة.
توقف لا انهيار
بجانب الحالات التي تحدثنا عنها، هناك أشخاص آخرون من بينهم آماندا ترْنبْل، وهي منتجة سينمائية وتليفزيونية استرالية، ممن يعملون على توفير نفقات رحلاتهم من خلال عائدات المشروعات التي يقومون بها خلال أسفارهم.
وبينما تستغل ترْنبْل مدخراتها لكي توفر مسبقا الجانب الأكبر من نفقات رحلاتها، فإن الأعمال التي تقوم بها خلال هذه الرحلات تساعدها على تقليص ما تكلفه إياها تلك الأسفار.
وفي الوقت الراهن، باتت هذه السيدة وشريكها آلان الذي يعمل مصمما للجرافيك، على وشك بدء العام الثاني لتطبيق فكرة "الاستراحة المهنية". وخلال الفترة الماضية، تنقلت ترْنبْل بين وسط أوروبا وشرقها، كما زارت المكسيك. وفي الوقت الراهن، يخطط الاثنان للسفر إلى آسيا.
وبحسب ترْنبْل، فإن اتخاذ قرار بنيل "استراحة مهنية" لا يعني تقويضا من قبل المرء لمسيرته المهنية برمتها. وترى هذه السيدة أن لديها "عددا كبيرا من المهارات التي يمكن نقلها للآخرين، وكذلك قدرا معتبرا من الخبرة العملية"، بما يجعل بمقدورها تأمين فرصة الحصول على وظيفة لنفسها حينما تعود إلى استراليا.



وحتى تحافظ على سيرتها الذاتية مُحدثةً ومواكبة لمتطلبات سوق العمل، تعمل ترْنبْل خلال رحلاتها في ما وراء البحار، ولكن ذلك لا يكون دائما مدفوع الأجر.
وتضيف أنها اكتسبت مهارات جديدة خلال فترة "الاستراحة المهنية" التي تقضيها حاليا، بما في ذلك القدرة على تبني نظرة تنظيمية وتجارية على نحو أكبر للأمور.
استراحة قسرية؟
بطبيعة الحال، لا تأتي كل هذه "الاستراحات المهنية" باختيار أصحابها. ففي بعض الأحيان، تُلغى بعض الوظائف، ولذا يجبر شاغلوها على نيل راحة إجبارية.
وحدث ذلك بالأخص خلال الأزمة المالية العالمية الأخيرة وبعد اندلاعها، فحينذاك حصل آلاف من المديرين التنفيذيين، خاصة في القطاع المصرفي، على "استراحة مهنية" لم يكونوا راغبين فيها، وذلك بعدما فقدوا وظائفهم.



وفي هذا السياق يتذكر جون بَر، وهو شريك في شركة "بويدن غلوبال إكسكتيف سيرش"، التي تعمل في مجال التوظيف ومقرها نيويورك، قصة مسؤول بارز يعمل في القطاع المصرفي، توقف عن العمل لمدة ثمانية أشهر، قضاها مُبحراً على متن يخت من هونغ كونغ إلى المملكة المتحدة. والآن أصبح هذا الرجل يشغل منصبا رفيعا آخر.
قصة أخرى بطلتها آناليزا بيكنل، والتي كانت مديرة سابقة لقسم المبيعات في أحد المصارف الأمريكية. ففي عام 2008 قررت هذه السيدة، وبمباركة من المسؤولين عن المصرف، نيل راحة من العمل لمدة ستة شهور للعمل لحساب جمعية "إيرث ووتش"، وهي مؤسسة خيرية تُعنى بالبيئة ومقرها مدينة بوسطن الأمريكية.
ولكن عندما قررت بيكنل العودة إلى وظيفتها السابقة، كان ذلك بعد أسابيع قليلة من انهيار مصرف "ليمان برازرز"، وبالتزامن مع بدايات دخول الولايات المتحدة في أزمة مالية قاسية. حينذاك، لم يكن بوسع المسؤولين عن المصرف الذي كانت تعمل به هذه السيدة عرض أي وظيفة عليها.
وتستذكر بيكنل تلك اللحظات بالقول "كان ذلك صادما بحق، وكنت غاضبة ومحبطة بشدة".
وعندئذ، عملت بيكنل لستة أشهر أخرى لحساب "إيرث ووتش"، دون أن تتقاضى على ذلك أجرا، كما استغلت تلك الفترة أيضا في ممارسة هواياتها الرياضية، وكذلك تأليف كتاب عن شجرة عائلتها.
في تلك الآونة، استغلت بيكنل مدخراتها للإنفاق على معيشتها، بل وأقامت في بعض الأحيان لدى أقاربها بهدف التحكم بأقصى قدر ممكن في نفقات المعيشة.



وفي هذا الإطار، تقول بيكنل "لم أشعر بالندم ولو لدقيقة واحدة أو ليوم واحد، لأنني استفدت كثيرا. الآن صرت أعلم أن بوسعي الإقدام على مجازفات، وأنا أقدم على ذلك بالفعل. لست خائفة الآن على نحو مفرط، أو مُحاصرة بمفهوم من قبيل 'نحن قمنا بهذا الأمر دوما على تلك الشاكلة'".
وتقول بيكنل، التي أصبحت الآن مسئولة عن قسم المبيعات والعمليات المصرفية المتكاملة في خدمة السندات بمصرف (بي إن بي باريباس) في لندن، إنها حينما تكون بصدد توظيف عاملين جدد "ستنظر بشكل إيجابي لأي شخص حصل من قبل على فترة تفرغ من العمل".
ويقول خبراء إن تلك الاستراحات يمكن أن تعود بالفائدة كذلك على أرباب العمل، خاصة إذا ما عاد الموظف الذي يحصل عليها إلى ذات الشركة التي كان يعمل فيها قبلا.
ويقول كليمنتز "بالنسبة لأصحاب الأعمال، فإن الحصول على فترة تفرغ قد يشكل الخطوة التي تعطيهم فرصة كافية للارتقاء بمشروعاتهم إلى مستوى أعلى. وهو أمر غير بديهي بالنسبة للعديد من رجال الأعمال".
أما بالنسبة للموظفين، فإن الحصول على "استراحة مهنية" قد يعني عودتهم إلى أعمالهم، وقد تجدد نشاطهم وباتت لديهم أفكار جديدة، ولديهم حماسة جديدة ووجهات نظر مختلفة تنعكس إيجابا على وظائفهم.