استقلال القانون الاداري
13-02-2008, 01:31 PM
إستقلال القانون الإداري



إذا كانت النظم الأنجلوساكسونية لا تعترف بالقانون الإداري بالمفهوم الفني، فإنها لا تخلوا من نصوص خاصة تنظم هيكل الإدارة و تحكم نشاطها، كما يمكن أن تحدث عمليات نزع الملكية و الإستيلاء أو المصادرة... إلا أن هذه القواعد و المؤسسات تشكل إستثناءات أو مخالفات للقانون المشترك المطبق مبدئيا في الدول الأنجلوساكسونية، لهذا يقال أنه يوجد فيها قانون واحد و قاض واحد.
و بالعكس، فإن المفهوم الفرنسي يقوم على أساس أن النشاط الإداري يخضع لقواعد خاصة و قاض خاص، و هو نادرا ما يخضع للقانون المشترك أو القانون الخاص و للقاضي العادي.
لقد صيغت فكرة إستقلال القانون الإداري بصورة واضحة و لأول مرة في قرار بلانكوا الشهير، و قررا محكمة النقض الفرنسية أن "المسؤولية التي يمكن أن تقع على عاتق الدولة من جرّاء الأضرار المسببة للأفراد ... لا يمكن أن يبت فيها بالإستناد للمبادئ القائمة في القانون المدني الخاص بالعلاقات بين الأفراد".
كما أن لجوء القاضي الإداري إلى بعض أحكام القانون الخاص لا ينفي مسألة إستقلال القانون الإداري.


أسباب إستقلال القانون الإداري


لقد حاول الفقه خاصة في فرنسا إبراز الحكمة من إستقلال القانون الإداري، و أهم المبررات لإثبات تميّزه و ذاتيته ما يلي :
1. مبدأ سيادة الدولة : لقد دافع كثير من رجال الفقه على مبدأ سيادة الدولة كأحد أهم الأسباب الدّاعية إلى إستقلال القانون الإداري، فقيل أن الدولة و الهيئات التابعة لها و هي تمارس مهامها و تهدف إلى تحقيق المصلحة العامة لا يمكن أن تخضع لقواعد القانون الخاص و لا يمكن أن تمثل في منازعاتها أمام القضاء العادي.
هذا فضلا على أن القانون الخاص يجعل أطراف العلاقة في مرتبة واحدة و لا يميّز طرفا عن الآخر.
ملاحظة :
النظم الأنجلوساكسونية و تجسيدا لمبدأ سيادة القانون تفرض أن تكون جهة القضاء واحدة تفصل في كل المنازعات و تخصيص قضاء مستقل لللإدارة يعني تحيّز القضاء لصالح الإدارة على حساب القانون.
النقد :
* فكرة السيادة المعتمد عليها، ليست فكرة مطلقة فسيادة الدولة لا يعني عدم خضوعها لأي قاعدة أو قانون.
* عدم المساواة بين أطراف العلاقة القانونية الواحدة لا يميّز روابط القانون العام وحده، بل قد يمتد مجالها للقانون الخاص. (عقد العمل : صاحب العمل، العامل).
2. طبيعة المنازعات الإدارية : إن القضاء العادي يجهل الكثير عن عالم الإدارة مما ينجر عنه عدم قدرته على إخضاعها لقواعد تلائم طبيعتها و تراعي هدف نشاطها، و من هنا وجب الإعتراف لجهة الإدارة بقضاء خاص متميّز من شأنه مراعاة مثل هذه الأمور.
* من المؤكد أن إستقلالية القضاء الإداري عن القضاء العادي قد ساهم في إرساء دعائم القانون الإداري و تثبيت قواعده و أحكامه المتميّزة عن قواعد القانون الخاص.
3. مبدأ طبيعة الخدمة العامة : إن سبب تميّز القانون الإداري و فصله عن القانون العادي يعود بالأساس لطبيعة الخدمة العامة، فالسلطة العامة تحتاج للقيام بمهامها (أداء الخدمة العامة) إلى وسائل قانونية تختلف عن تلك المعهودة في مجال روابط القانون الخاص.
مثلا : نزع الملكية للمنفعة العامة، سلطة معترف بها فرضتها طبيعة الخدمة العامة.
سبب آخر، إمتيازات السلطة العامة :سلطة فرض التعليمات ، سلطة إجبار المواطنين على أداء بعض الخدمات، إمتياز الأولوية، إمتياز التنفيذ الإداري، كل هذه الإمتيازات لخدمة السلطة العامة.


حدود إستقلال القانون الإداري


حتى الحرب العالمية الثانية كان المذهب التقليدي يدعم بقوّة فكرة الإستقلال التام للقانون الإداري عن القانون الخاص، و هذه الفكرة لا تتفق تماما مع الحقيقة لأنه توجد تداخلات عديدة بين فرعي القانون، و بشكل خاص بين القانون الإداري و القانون المدني و التجاري.
إن قواعد القانون الإداري تتفق أحيانا و قواعد القانون الخاص، رغم أنها تبقى متميّزة عنها، و يبرز هذا التشابه بوجود مبادئ عامة تهيمن على كل فروع القانون و تشكل القاعدة الأساسية لكل نظام قانوني.
مثلا : - مفهوم القوة القاهرة يستعار من القانون المدني.
- مفهوم الخطأ في المسؤولية (رغم تميّز الخطأ الإداري كثيرا).

إن هذا لا يمنع أن يكون لهذه الفروع خصوصياتها التي تمنحها أصالة ما بالنسبة لبعضها البعض، دون أن يؤدي ذلك لجعلها فرعا علميا منفصلا تماما.
إن إستقلال الفرع القانوني بالنسبة للآخر يبدوا إذن كأحد مظاهر المناقشات الخاطئة و العديدة بين رجال القانون. [1]
إن القانون الإداري ظهر في وقت متأخر جدا، و هذا يتفق تماما و عملية الإنتقال من تشكيلة إقتصادية و إجتماعية إقطاعية إلى تشكيلة إقتصادية و إجتماعية رأسمالية.
فالتمييز بين القانون العام و القانون الخاص مرتبط إذن بقدوم الدولة الليبرالية و بدورها على الصعيد القانوني و السياسي.


***************************


[1] د. أحمد محيو
( الرجال أربعة رجل يدري ويدري انه يدري فسلوه ورجل يدري ولا يدر انه يدري فذاك ناس فذكروه ورجل لا يدري ويدري انه لا يدري فذلك يسترشد فعلموه ورجل لا يدري ولا يدري انه لا يدري فذلك جاهل فارفضوه ) .



سقوط الإنسان ليس فشلاً، ولكن الفشل أن يبقى حيث سقط.:p :)

V I V E L' A L G E R I E