هل أنصف الإسلام المرأة؟
12-09-2018, 12:43 PM
ما أكثر ما تناول الكتاب و المفكرون و العلماء هذا الموضوع بين مدافع عن الإسلام و معالجته لقضية المرأة وبين مناهض له يرى أنه قد حرمها من كثير من حقوقها الإنسانية كجنس يشكل نصف المجتمع، ويقوم على تربية و تنشئة النصف الآخر، لكن معظم هذه الكتابات اصطبغت بصبغة عاطفية تأخذ موقف الدفاع أو الهجوم، بعيدا عن منهج العلم الذي يقتضي الموضوعية في الطرح و المعالجة. لذلك فقد حاولت في الصفحات التالية أن أعرض بحياد لهذا الموضوع القديم المتجدد.
لتقييم موقف الإسلام من هذه القضية الشائكة، كان لابد من مقارنته مع واقع المرأة في الحضارات القديمة، و في الديانات التي سبقت الإسلام، و مع وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، و في العصر الحديث و في الحضارة المعاصرة، ثم تطرقت إلى ما يقوله العلم الحديث حول البنية البيولوجية و تصميم دماغ المرأة و كيف ينعكس ذلك على أداء و طريقة تفكيرها مقارنة بطريقة تفكير الرجل، و هل المرأة ناقصة عقل حقا أم أن هناك ما يجب أن يقال بهذا الخصوص؟ و بالنتيجة، كيف عالج الإسلام قضايا المرأة ؟ و هل هناك فرق بين ما جاء به الإسلام و بين ما حدث و يحدث على أرض الواقع في بلاد المسلمين؟ و قد جزأت الموضوع إلى فصول متتابعة، تاركا الإجابة مفتوحة لرأي القارئ الكريم.
1. المرأة في الحضارات القديمة:
كي نكون منصفين فعلا للفكر النسوي علينا أن نأخذ الفروق البيولوجية بين الجنسين بالاعتبار، فكما هو معلوم تقضي الأنثى قسما كبيرا من حياتها البالغة متأثرة بأعراض الطمث، كما تقضي جزءا هاما من حياتها الأخرى في تلبية متطلبات الأمومة من حمل و إرضاع و رعاية للطفل، الأمر الذي يؤدي إلى ضعفها البيولوجي مقارنة بالرجل من ناحية، و إلى انشغالها عن متطلبات الحياة العامة و ما يناط بها من مسؤوليات من ناحية أخرى.
لقد استُغلت هذه العوامل البيولوجية التي تميز المرأة عبر العصور أسوأ استغلال، فاحتقرت المرأة و أهينت، بل حرمت من تأدية بعض الشعائر في كثير من الأديان، و لا عجب في ذلك طالما أن القوة العضلية و الصلاح البيولوجي كان هو المؤشر في انتقاء من يقود و يسود المجتمع.
ليست هناك معلومات متوفرة عن مكانة المرأة أو حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة ما قبل التاريخ ولا يمكن الذهاب في معرفة العلاقات بين الرجل والمرأة إلى أبعد من عشرة ألاف سنة إذ لا يمكن الاعتماد على الحفريات التي خلفتها الأزمان الغابرة قبل ذلك، لكن ما خلفته بعض الحضارات القديمة كالفرعونية و الإغريقية و الرومانية، و حضارة ما بين النهرين أضف إلى ذلك الشرائع و الكتب السماوية التي سبقت الإسلام تعطينا فكرة واضحة عن دور المرأة و مكانتها في المجتمعات التي عاصرت تلك الحضارات. فعند الهنود لم يكن للمرأة في شريعة (مانو) حق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو حتى ولدها، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها، وهي قاصرة طيلة حياتها، لم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موته، وأن تحرق معه وهي حيّة على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر. وكانت المرأة تُقدَّم قرباناً للآلهة لترضى وتأمر بالمطر والرزق ... إلى ما هنالك من معتقدات ترسّخ دونية المرأة في المجتمع.
أظهرت الديانة الهندوسية عنصرية تجاه المرأة، فقد كان عليها أن تكون في كنف والدها أو زوجها أو أخيها ويجب أن تخضع لطوعهم بالمطلق، فجاءت البوذية لترفع قليلا من شأن المرأة:
تقول الباحثة (ديانا بول) بشرت البوذية أول ما ظهرت بدور أفضل للمرأة في شؤون المجتمع و إن بقي هذا الدور أقل شأنا من دور الرجل. و بالرغم من ذلك فقد علق البعض على تعاليم ( بوذا) بأنه أظهر المرأة مسؤولةً عن سقوط الجنس البشري، و أن مفهوم التمايز بين الجنسين يمكن أن يكون عائقا أمام تحقيق السكينة، أو التنوير.
و في الصين و منذ أسرة هان الملكية (206 ق.م إلى 220 م) وحتى العصر الحديث (1840 - 1919)، أنشأ الفقهاء والحكام مجتمعًا يُهيمن عليه الذكور. وشددت الكونفوشيوسية (نسبة إلى الحكيم كونفيشيوس)، و هي العقيدة التي قام على أساسها المجتمع الذكوري في الصين، على الفروق بين الجنسين ودورهما داخل الأسرة.
استمرت هذه الأيديولوجيات خلال عهد أسرة (تانغ) ؛ فنشأت الفتيات من سن مبكرة جدًا على الخضوع لآبائهن، ثم إلى أزواجهن، وأخيرًا إلى أبنائهن. وعلاوة على ذلك، وفي عهد أسرة سونغ، طوّر فقهاء الكونفوشيوسية التقاليد الذكورية و أضافوا المزيد من القيود على الإناث، بما في ذلك ربط الأقدام للبنات في سن مبكرة جدًا، و ربط القدم هي العملية التي يتم بها كسر قوس أقدام المرأة ولفّ أصابع القدمين على القدم لخلق قدم أصغر مع قوس حاد، وكانت القدم الصغيرة جذابة ومُثيرة بالنسبة للرجال، و مُررت هذه الممارسة كشرط مُسبق للزواج من الأم إلى الابنة عبر الأجيال. كانت عملية ربط القدم مُؤلمة وغالبًا ما ألزمت النساء في غرفهن.
مُقارنة بين قدم امرأة عادي، على يسار الصورة، وقدم امرأة مربوط.
و في اليابان، كما في الصين قامت كثير من العلاقات الاجتماعية على الأفكار الكونفشيوسية، فلم تكن المرأة اليابانية أسعد حالاً من قرينتها الصينية، فهي دائماً مغلوبة على أمرها، مستسلمة لمصيرها المحتوم، دون تبرم أو ضجر، فالمرأة اليابانية كيان فاقد للشخصية في اتخاذ القرار الملائم لحياتها، و الطاعة هي أظهر وأبرز سمات المرأة اليابانية، و قد استمر هذا التقليد حتى عصرنا الحاضر، وكان تعليمها منذ القدم، يسير وفقاً لمبدأ الطاعات الثلاث: طاعتها لأبيها قبل الزواج، ولزوجها عندما تتزوج، ولابنها بعد موت زوجها، وهي لذلك تشب على أنها أقل شأناً من الرجل.
و اليابانيون كغيرهم من الأمم السابقة: يعتبرون المرأة متاعاً، يتصرف بها الرجل كيف يشاء، حتى أن شريعتهم سمحت للرجل أن يبيع الزوجة أو البنت، وقد لبثت هذه الشريعة معمولا بها حتى صدور نظام سنة 1875، الذي أُكمل في سنة 1896 فقضى على هذه العادة. وكان للأب أو الأم المطلقة أو الأرملة الحق في تأجير ابنتهما للمحلات العمومية، أو لأفراد مخصوصين لمدة معينة، فالبنت اليابانية مملوكة قبل الزواج لأبيها، وبعده لبعلها، وإذا مات الزوج تُصبح تحت الوصاية كالمرأة الهندية.
لقد كانت سلطة الرجل مطلقة في التعامل مع أسرته، حيث كان من حقه أن يبيع بناته في سوق الرقيق، أو يجبرهن على البغاء، من خلال بيعهن لمنْ تخصصوا في مثل تلك التجارة، كما حُرمتْ المرأة اليابانية من الميراث، و كانت سلطة الزوج مطلقة في التعامل مع زوجته، لدرجة تمكنه من تطليقها وهو بمأمن من كل عقاب، حتى ولو كان ذلك الطلاق لأسباب تافهة لا قيمة لها، كأن تكون الزوجة أسرفت في حديثها، أو لمجرد أنها رفعت صوتها، وليس أمام الزوجة سوى الصبر والطاعة، حتى ولو كان زوجها وحشياً فاسد الطباع والأخلاق، فعليها الالتزام ليس بطاعته فقط، بل وتدليله أيضاً، ومن أسباب الطلاق المنتشرة في المجتمع الياباني، تطليق الزوجة لعقمها، أو عدم قدرتها على الإنجاب.
هذا ولم تحظ الفتاة اليابانية بأي نوع من الحماية لآدميتها أو إنسانيتها، منذ خروجها إلى الحياة، حيث يقوم الأب بإساءة التعامل معها في جميع أحوالها، علاوة على أنها لم تنل أي شيء من الاحترام على يد زوجها، حتى مجرد الحديث عنها، وإذا تحدث عنها، تكلم بعبارة تدل على مدى الامتهان الذي تعيش فيه، فقد كان الزوج إذا تحدث عن زوجته يردد: إنها الشيء الذي يسكن المكان الخلفي من المنزل.
ومن العادات التي توارثتها الأجيال في اليابان فيما يتعلق بالمرأة: أنهم كانوا يلبسون ملابس الحداد البيضاء عندما تتزوج الفتاة، نظراً لكونها ستُصبح خادمة في منزل حماتها، حيث يعيش الزوجان في بدء حياتهما في منزل أهل الزوج، وقديماً كانت الزوجة تُطرد من المنزل فور مخالفتها لأمر حماتها. ومن العادات القديمة التي كان معمولاً بها في اليابان، أن الزوجة إذا ما ترملتْ، فعليها أن تظهر بمظهر البؤس، فتحلق شعر رأسها، وتلبس الملابس الكئيبة، ولذلك قيل: اليابان جنة الرجال.
أما الحضارة الفرعونية فقد تبوأت المرتبة الأولى بين الحضارات الإنسانية من حيث معاملتها وتقديرها للمرأة ،فكان للمرأة الفرعونية الحق في الإرث ،و التملك ،وكانت تتولى أمر أُسرتها في غياب زوجها، و كان الأطفال ينتسبون لأمهاتهم لا لآبائهم ،كما كانت القوامة للمرأة على زوجها، وعلى الزوج أن يتعهّد في عقد الزواج أن يكون مطيعا لزوجته في جميع الأمور، وكان من حق المرأة أيضا في عهد الفراعنة أن تتولى الحكم إن لم يكن هناك حكام ذكور؛ وعلى الرغم من هذا فلم تتولى حكم مصر إلا خمس ملكات وذلك مقابل أربعمائة وسبعين ملكاً مما يدل على شعور جمعي بأن الرجال أصلح لتلك المناصب، حتى أن الملكة (حتشبسوت) ارتدت ثياب الرجال مراعاة للرأي العام. وقد اشتهرت الوصية التي أذاعها الوزير الحكيم (بتاح حتب) لما طعن في السن على بني وطنه و التي تعكس نظرة المجتمع المصري القديم إلى المرأة، وجاء فيها: "إذا كنت عاقلا فأحسن تموين بيتك و أحبَّ امرأتك ولا تشاحنها وغذها وزينها وعطرها ومتعها ما حييت فهي مملوكةٌ يجب أن تكون جديرة بالمالك ولا تكن معها فظا غليظاً". لا حظ أن نظرة هذا الحكيم المرموق من وزراء الأسرة الفرعونية الخامسة إلى المرأة لم تتجاوز النظرة إلى المتاع أو ملك اليمين بالرغم من تكريم الحضارة الفرعونية للمرأة بشكل عام.
وكان هناك ما يسمي بظاهرة عروس النيل فكانوا يأتون فيها بفتاة جميلة مزينة بالحلي وبأفضل الثياب ،ثم يلقونها في نهر النيل، ظناً منهم أنهم بهذا سيجعلون النهر يفيض ويعم النماء، وظل هذا التقليد سارياً حتى جاء الإسلام وألغاه على يد (عمرو بن العاص) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
كانت المرأة عند الإغريق شجرة مسمومة ،وكانت محتقرة مهانة حتى سموها "رجس من عمل الشيطان". وكانتْ كسقط المتاع تُباع وتشترَى في الأسواق ،مسلوبة الحقوق ،محرومة من حق الميراث وحق التصرُّف في المال ،وكانتْ في غايةِ الانحطاط. حتى أنها لم تسلم من فلاسفة الإغريق. فقد قال عنها الفيلسوف سقراط: "إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمات والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً" .
أما تلميذه أفلاطون فقد كان أكثر ايجابية و تفاؤلا من أستاذه حيال المرأة و دورها في المجتمع؛ و مع ذلك فقد كان يردد دائما: "الحمد لله الذي خلقني إغريقيا و لم يخلقني بربريا، رجلا و ليس امرأة، في أيام سقراط و ليس في غيرها".
يؤمن أفلاطون أن المرأة، كالرجل، لم تأت من كوكب آخر، والاختلاف بينها وبين الرجل اختلاف في التكوين الجنسي فقط، لا اختلاف في الماهية أو الطبيعة، وإذا كان يعترف أنها أقل قدرة من الرجل في كل شيء، إلا أنه يقول: لا يوجد عمل في الحياة المدنية ذو طبيعة ذكورية خالصة يختص به الرجال من حيث كونهم رجالاً، ولا عمل أنثوي تختص به النساء من حيث هن نساء، كما لا يوجد عمل تختلف في أدائه طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، وإذا قلصنا الاختلافات والفروق بين الجنسين يصبح الفارق بين المرأة والرجل كالفارق بين رجل ورجل، أو كالفارق بين رجل طويل الشعر، ورجل أصلع، وتصبح المرأة مجرد "رجل" أقل قوة، يمتلك كل القدرات التي يتمتع بها الرجال الآخرون، ولكنه لا يمتلك القوة ذاتها.
ويتصور أفلاطون في جمهوريته الفاضلة: "إن الرجال كلاب حراسة ترعى القطيع، والنساء مثل إناث كلاب الحراسة" ومعنى ذلك أن على الجنسين أن يقوما بمهمات متماثلة، بدرجات متفاوتة، ويقول لمحاوره ثراسيماخوس متسائلا: "هل هنالك "هي" و"هو" في عالم الكلاب مثلا، وهل نستخدم ذكور الكلاب في الحراسة والصيد ونقول لإناثها: استريحي، فهذا العمل لا يناسب طبيعتك؟ ولكن ينبغي أن نتذكر أن ذكور الكلاب وإناثها تتلقى الإعداد والتدريب نفسه، إذا كنا سنفرض على المرأة مهام مماثلة للمهام التي يقوم بها الرجل، ينبغي أن تأخذ النساء بنصيب من التعليم والتدرب على فنون الحرب مثل الرجال تماما، وأن ننشئهن نشأة مماثلة لنشأة الرجال من حيث التربية البدنية والموسيقية، ونجردهن من كل مشاعر الرقة والضعف والخصائص الأنثوية عموما، كالشعور بالخجل، والشعور بالحب تجاه رجل معين، ومشاعر الأمومة".
وفي جمهورية أفلاطون الافتراضية لكل فرد وظيفة تناسبه، يقول أفلاطون: "لا بد لكل فرد في جمهوريتنا المثالية من وظيفة يعرف من خلالها، وإلا انهارت الجمهورية من أساسها، فهذا نجار، وذاك صانع أحذية، وذلك طبيب"، وعندما يبحث أفلاطون عن وظيفة تناسب المرأة، باعتبار أن جمهوريته الفاضلة تلغي الأسرة تماما وتحيل وظيفتها للدولة، وتأخذ بفلسفة شيوعية النساء والأطفال، فإنه يقول بوضوح: "عندما تمتلئ أثداء النساء بالحليب ينقلن إلى دور الحضانة، مع اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بألا تتعرف الأمهات على أطفالهن"، نقول عندما يبحث أفلاطون عن وظيفة للمرأة غير وظيفتها التقليدية في رعاية الأسرة والأطفال، لا يجد أمامه إلا أن يحولها إلى رجل، لكي يتسنى لها القيام بجميع الوظائف التي يقوم بها الرجل في السياسة وإدارة الدولة وفي الحكم والتربية والقضاء والجندية، فلا فرق بين الرجل والمرأة في جمهورية أفلاطون، إلا كما يفترق الأصلع عن ذي الشعر الكثيف، والمرأة لا تعدو أن تكون رجلا أضعف بنية من الرجل الكامل، تتمتع بالقدرات والكفاءات ذاتها التي يتمتع بها الرجل، وإن لم يكن بالقوة ذاتها. و بالمحصلة فهو يسعى إلى مجتمع تغيب فيه المرأة و يتحول إلى مجتمع نصفه من الرجال و نصفه الآخر من أنصاف الرجال.
و قد رأى الفيلسوف الإغريقي (أرسطو) الذي حكمت آراؤه أوروبا زهاء ألفي عام أن المرأة من الرجل كالعبد من السيد, وكالعمل اليدوي من العمل العقلي (الذي كان يقدسه ويفضله عن العمل اليدوي), والمرأة بنظره رجل ناقص, تُركت واقفة على درجة واحده دنيا من سلم التطور, و أن الرجل متطور بالطبيعة والمرأة دونه بالطبيعة, والرجل حاكم والمرأة محكومة, ويرى أن المرأة ضعيفة الإرادة وبذلك فهي بنظره عاجزة عن الاستقلالية, و أفضل مكان لها حياة بيتيه هادئة. رأى هذا الفيلسوف أن شجاعة المرأة ليست متماثلة مع شجاعة الرجل, و أن شجاعتها تكمن في الطاعة. و توّج فلسفته بأن صمت المرأة هو مجد لها.
تقول الكاتبة الأمريكية، سوزان بل: "إن الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة الأهمية، وذات أثر هائل، فقد ترسبت في أعماق الثقافة الغربية، وأصبحت هي الهادي والمرشد عن النساء بصفة عامة"، إلا أن تأثير المعلم الأول (أرسطو) لم يقتصر على الغرب وحده، بل امتد إلى الشرق و إلى العالم كله، وأضفت الكنيسة القدسية على آرائه، باعتمادها آراء مقدسة، يعد الخروج عليها خروج على المسيحية، ورسخ أرسطو آراء المجتمع اليوناني في المرأة، وصاغها في شكل فلسفي، مضفيا عليها رأيه في أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب".
فلم تكن المرأة تصلح في نظر أرسطو سوى للإنجاب، ولا يمكنها أن تشغل أي منصب ثقافي أو اجتماعي، أو حتى قيادة المنزل، وهي مسؤولة مسؤولية كاملة عن إنجاب الإناث، في حين أن الرجل مسؤول عن إنجاب الذكور.
لم يكتف أرسطو بذلك، بل وجد أن المرأة حتى في عملية الإنجاب تكون في مرتبة دونية، حيث لا تقدم سوى المادة الخام وينفخ الرجل الروح في تلك المادة، واعتقد أرسطو أن "دماء الحيض" هي المادة التي يتكون منها الجنين، عقب نفخ الرجل للروح فيها، وظل هذا الاعتقاد سائدا منذ طرحه أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر بعد الميلاد، عندما كذبه ويلم هارفي في كتابة "توالد الحيوان" عام 1651.
أما عن المناصب السياسية، فيرى أرسطو أن جنس النساء أقل استعدادا لها من جنس الرجال، لأن الرئاسة قيادة تهتدي بالعقل لا الشعور والعواطف، وجنس الإناث عاطفي سريع التأثر ينقاد للعواطف أكثر مما يهتدي لنور العقل، وقَصَر الأخلاق على الرجال، مؤكدا أن "المرأة لا تستطيع ممارسة الفضائل الأخلاقية على نحو ما يفعل الرجل".
مكانة المرأة في حضارة الرومان
اعتُبرت المرأة عند الرومان متاعاً مملوكاً للرجل وسلعة من السلع الرخيصة يتصرف الرجال بها كيف يشاؤون ،وكان يعتبرها الرجال شراً لا بد من اجتنابه ،وأنها مخلوقة للمتعة وحسب، و كانت دائماً خاضعة للرجل أباً كان أو زوجاً ، وكان الرجل يملك مالها فهي في نظره و نظر الرجال ونظر المجتمع كله أمَةٌ لا قيمة لها ،وكان بيد أبيها وزوجها حق حياتها و موتها وإذا كانت ملك أبيها في شبابها فهو الذي يختار لها زوجها فإذا تزوجت ملكها زوجها وفي ذلك يقول جايوس (القائد و القنصل الروماني): "توجب عاداتنا على النساء الرشيدات أن يبقين تحت الوصاية لخفة عقولهن".
على الرغم من كثره المشرعين في روما فإنهم لم يهتموا بالمرأة ولم يهتموا بحقوقها وإنما حددوا ما عليها من واجبات، و كانت المرأة في أعينهم أمَةً شرعية يتصرف فيها رب الأسرة كما يتصرف بعبيده ،وقد عُقد اجتماع في مجمع روما للبحث في شؤون المرأة فتقرر أنها بلا نفس أو خلود وأنها لن ترث الحياة الآخرة وأنها رجس ويجب ألا تأكل اللحم وألا تضحك وألا تتكلم وعليها أن تمضى جميع أوقاتها في الخدمة والطاعة وقد حكموا عليها بأن تمنع من الكلام.
وحتى يمنعوا المرأة من الكلام حكموا عليها بأن تضع على فمها قفلاً كانوا يسمونه (الموزلير) فكانت النساء جميعهن من أعالي الأسر إلى أدناها تسير في الطرقات وفي فمها قفل، وتروح وتغدو إلى دارها وفي فمها قفل من حديد. هذا عدا العقوبات البدنية التي كانت تتعرض لها المرأة لأنها أداة الإغواء وآلة الشيطان لإفساد القلوب. و إذا وقعت امرأة في ذنب كبير كانوا يسكبون الزيت الحار على جسمها، ويربطونها بذيول الخيول ثم يجرونها بأقصى سرعة كما يربطون الشقيات بالأعمدة ويصبون الزيت الحار و النار على أبدانهن، و قد تقدم بعض أعضاء مجلس التربيون الروماني بتشريع يحرّم على المرأة التملك لأكثر من نصف أوقيه من الذهب وألا تلبس ملابس ملونة كي لا تلفت الأنظار، وألا تركب عربات إلى مدى أبعد من ميل عن روما، إلا في بعض الحفلات العامة.
يُتبع
لتقييم موقف الإسلام من هذه القضية الشائكة، كان لابد من مقارنته مع واقع المرأة في الحضارات القديمة، و في الديانات التي سبقت الإسلام، و مع وضع المرأة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، و في العصر الحديث و في الحضارة المعاصرة، ثم تطرقت إلى ما يقوله العلم الحديث حول البنية البيولوجية و تصميم دماغ المرأة و كيف ينعكس ذلك على أداء و طريقة تفكيرها مقارنة بطريقة تفكير الرجل، و هل المرأة ناقصة عقل حقا أم أن هناك ما يجب أن يقال بهذا الخصوص؟ و بالنتيجة، كيف عالج الإسلام قضايا المرأة ؟ و هل هناك فرق بين ما جاء به الإسلام و بين ما حدث و يحدث على أرض الواقع في بلاد المسلمين؟ و قد جزأت الموضوع إلى فصول متتابعة، تاركا الإجابة مفتوحة لرأي القارئ الكريم.
1. المرأة في الحضارات القديمة:
كي نكون منصفين فعلا للفكر النسوي علينا أن نأخذ الفروق البيولوجية بين الجنسين بالاعتبار، فكما هو معلوم تقضي الأنثى قسما كبيرا من حياتها البالغة متأثرة بأعراض الطمث، كما تقضي جزءا هاما من حياتها الأخرى في تلبية متطلبات الأمومة من حمل و إرضاع و رعاية للطفل، الأمر الذي يؤدي إلى ضعفها البيولوجي مقارنة بالرجل من ناحية، و إلى انشغالها عن متطلبات الحياة العامة و ما يناط بها من مسؤوليات من ناحية أخرى.
لقد استُغلت هذه العوامل البيولوجية التي تميز المرأة عبر العصور أسوأ استغلال، فاحتقرت المرأة و أهينت، بل حرمت من تأدية بعض الشعائر في كثير من الأديان، و لا عجب في ذلك طالما أن القوة العضلية و الصلاح البيولوجي كان هو المؤشر في انتقاء من يقود و يسود المجتمع.
ليست هناك معلومات متوفرة عن مكانة المرأة أو حقيقة العلاقة بين الرجل والمرأة ما قبل التاريخ ولا يمكن الذهاب في معرفة العلاقات بين الرجل والمرأة إلى أبعد من عشرة ألاف سنة إذ لا يمكن الاعتماد على الحفريات التي خلفتها الأزمان الغابرة قبل ذلك، لكن ما خلفته بعض الحضارات القديمة كالفرعونية و الإغريقية و الرومانية، و حضارة ما بين النهرين أضف إلى ذلك الشرائع و الكتب السماوية التي سبقت الإسلام تعطينا فكرة واضحة عن دور المرأة و مكانتها في المجتمعات التي عاصرت تلك الحضارات. فعند الهنود لم يكن للمرأة في شريعة (مانو) حق في الاستقلال عن أبيها أو زوجها أو حتى ولدها، فإذا مات هؤلاء جميعاً وجب أن تنتمي إلى رجل من أقارب زوجها، وهي قاصرة طيلة حياتها، لم يكن لها حق في الحياة بعد وفاة زوجها، بل يجب أن تموت يوم موته، وأن تحرق معه وهي حيّة على موقد واحد، واستمرت هذه العادة حتى القرن السابع عشر. وكانت المرأة تُقدَّم قرباناً للآلهة لترضى وتأمر بالمطر والرزق ... إلى ما هنالك من معتقدات ترسّخ دونية المرأة في المجتمع.
أظهرت الديانة الهندوسية عنصرية تجاه المرأة، فقد كان عليها أن تكون في كنف والدها أو زوجها أو أخيها ويجب أن تخضع لطوعهم بالمطلق، فجاءت البوذية لترفع قليلا من شأن المرأة:
تقول الباحثة (ديانا بول) بشرت البوذية أول ما ظهرت بدور أفضل للمرأة في شؤون المجتمع و إن بقي هذا الدور أقل شأنا من دور الرجل. و بالرغم من ذلك فقد علق البعض على تعاليم ( بوذا) بأنه أظهر المرأة مسؤولةً عن سقوط الجنس البشري، و أن مفهوم التمايز بين الجنسين يمكن أن يكون عائقا أمام تحقيق السكينة، أو التنوير.
و في الصين و منذ أسرة هان الملكية (206 ق.م إلى 220 م) وحتى العصر الحديث (1840 - 1919)، أنشأ الفقهاء والحكام مجتمعًا يُهيمن عليه الذكور. وشددت الكونفوشيوسية (نسبة إلى الحكيم كونفيشيوس)، و هي العقيدة التي قام على أساسها المجتمع الذكوري في الصين، على الفروق بين الجنسين ودورهما داخل الأسرة.
استمرت هذه الأيديولوجيات خلال عهد أسرة (تانغ) ؛ فنشأت الفتيات من سن مبكرة جدًا على الخضوع لآبائهن، ثم إلى أزواجهن، وأخيرًا إلى أبنائهن. وعلاوة على ذلك، وفي عهد أسرة سونغ، طوّر فقهاء الكونفوشيوسية التقاليد الذكورية و أضافوا المزيد من القيود على الإناث، بما في ذلك ربط الأقدام للبنات في سن مبكرة جدًا، و ربط القدم هي العملية التي يتم بها كسر قوس أقدام المرأة ولفّ أصابع القدمين على القدم لخلق قدم أصغر مع قوس حاد، وكانت القدم الصغيرة جذابة ومُثيرة بالنسبة للرجال، و مُررت هذه الممارسة كشرط مُسبق للزواج من الأم إلى الابنة عبر الأجيال. كانت عملية ربط القدم مُؤلمة وغالبًا ما ألزمت النساء في غرفهن.
مُقارنة بين قدم امرأة عادي، على يسار الصورة، وقدم امرأة مربوط.
و في اليابان، كما في الصين قامت كثير من العلاقات الاجتماعية على الأفكار الكونفشيوسية، فلم تكن المرأة اليابانية أسعد حالاً من قرينتها الصينية، فهي دائماً مغلوبة على أمرها، مستسلمة لمصيرها المحتوم، دون تبرم أو ضجر، فالمرأة اليابانية كيان فاقد للشخصية في اتخاذ القرار الملائم لحياتها، و الطاعة هي أظهر وأبرز سمات المرأة اليابانية، و قد استمر هذا التقليد حتى عصرنا الحاضر، وكان تعليمها منذ القدم، يسير وفقاً لمبدأ الطاعات الثلاث: طاعتها لأبيها قبل الزواج، ولزوجها عندما تتزوج، ولابنها بعد موت زوجها، وهي لذلك تشب على أنها أقل شأناً من الرجل.
و اليابانيون كغيرهم من الأمم السابقة: يعتبرون المرأة متاعاً، يتصرف بها الرجل كيف يشاء، حتى أن شريعتهم سمحت للرجل أن يبيع الزوجة أو البنت، وقد لبثت هذه الشريعة معمولا بها حتى صدور نظام سنة 1875، الذي أُكمل في سنة 1896 فقضى على هذه العادة. وكان للأب أو الأم المطلقة أو الأرملة الحق في تأجير ابنتهما للمحلات العمومية، أو لأفراد مخصوصين لمدة معينة، فالبنت اليابانية مملوكة قبل الزواج لأبيها، وبعده لبعلها، وإذا مات الزوج تُصبح تحت الوصاية كالمرأة الهندية.
لقد كانت سلطة الرجل مطلقة في التعامل مع أسرته، حيث كان من حقه أن يبيع بناته في سوق الرقيق، أو يجبرهن على البغاء، من خلال بيعهن لمنْ تخصصوا في مثل تلك التجارة، كما حُرمتْ المرأة اليابانية من الميراث، و كانت سلطة الزوج مطلقة في التعامل مع زوجته، لدرجة تمكنه من تطليقها وهو بمأمن من كل عقاب، حتى ولو كان ذلك الطلاق لأسباب تافهة لا قيمة لها، كأن تكون الزوجة أسرفت في حديثها، أو لمجرد أنها رفعت صوتها، وليس أمام الزوجة سوى الصبر والطاعة، حتى ولو كان زوجها وحشياً فاسد الطباع والأخلاق، فعليها الالتزام ليس بطاعته فقط، بل وتدليله أيضاً، ومن أسباب الطلاق المنتشرة في المجتمع الياباني، تطليق الزوجة لعقمها، أو عدم قدرتها على الإنجاب.
هذا ولم تحظ الفتاة اليابانية بأي نوع من الحماية لآدميتها أو إنسانيتها، منذ خروجها إلى الحياة، حيث يقوم الأب بإساءة التعامل معها في جميع أحوالها، علاوة على أنها لم تنل أي شيء من الاحترام على يد زوجها، حتى مجرد الحديث عنها، وإذا تحدث عنها، تكلم بعبارة تدل على مدى الامتهان الذي تعيش فيه، فقد كان الزوج إذا تحدث عن زوجته يردد: إنها الشيء الذي يسكن المكان الخلفي من المنزل.
ومن العادات التي توارثتها الأجيال في اليابان فيما يتعلق بالمرأة: أنهم كانوا يلبسون ملابس الحداد البيضاء عندما تتزوج الفتاة، نظراً لكونها ستُصبح خادمة في منزل حماتها، حيث يعيش الزوجان في بدء حياتهما في منزل أهل الزوج، وقديماً كانت الزوجة تُطرد من المنزل فور مخالفتها لأمر حماتها. ومن العادات القديمة التي كان معمولاً بها في اليابان، أن الزوجة إذا ما ترملتْ، فعليها أن تظهر بمظهر البؤس، فتحلق شعر رأسها، وتلبس الملابس الكئيبة، ولذلك قيل: اليابان جنة الرجال.
أما الحضارة الفرعونية فقد تبوأت المرتبة الأولى بين الحضارات الإنسانية من حيث معاملتها وتقديرها للمرأة ،فكان للمرأة الفرعونية الحق في الإرث ،و التملك ،وكانت تتولى أمر أُسرتها في غياب زوجها، و كان الأطفال ينتسبون لأمهاتهم لا لآبائهم ،كما كانت القوامة للمرأة على زوجها، وعلى الزوج أن يتعهّد في عقد الزواج أن يكون مطيعا لزوجته في جميع الأمور، وكان من حق المرأة أيضا في عهد الفراعنة أن تتولى الحكم إن لم يكن هناك حكام ذكور؛ وعلى الرغم من هذا فلم تتولى حكم مصر إلا خمس ملكات وذلك مقابل أربعمائة وسبعين ملكاً مما يدل على شعور جمعي بأن الرجال أصلح لتلك المناصب، حتى أن الملكة (حتشبسوت) ارتدت ثياب الرجال مراعاة للرأي العام. وقد اشتهرت الوصية التي أذاعها الوزير الحكيم (بتاح حتب) لما طعن في السن على بني وطنه و التي تعكس نظرة المجتمع المصري القديم إلى المرأة، وجاء فيها: "إذا كنت عاقلا فأحسن تموين بيتك و أحبَّ امرأتك ولا تشاحنها وغذها وزينها وعطرها ومتعها ما حييت فهي مملوكةٌ يجب أن تكون جديرة بالمالك ولا تكن معها فظا غليظاً". لا حظ أن نظرة هذا الحكيم المرموق من وزراء الأسرة الفرعونية الخامسة إلى المرأة لم تتجاوز النظرة إلى المتاع أو ملك اليمين بالرغم من تكريم الحضارة الفرعونية للمرأة بشكل عام.
وكان هناك ما يسمي بظاهرة عروس النيل فكانوا يأتون فيها بفتاة جميلة مزينة بالحلي وبأفضل الثياب ،ثم يلقونها في نهر النيل، ظناً منهم أنهم بهذا سيجعلون النهر يفيض ويعم النماء، وظل هذا التقليد سارياً حتى جاء الإسلام وألغاه على يد (عمرو بن العاص) في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.
كانت المرأة عند الإغريق شجرة مسمومة ،وكانت محتقرة مهانة حتى سموها "رجس من عمل الشيطان". وكانتْ كسقط المتاع تُباع وتشترَى في الأسواق ،مسلوبة الحقوق ،محرومة من حق الميراث وحق التصرُّف في المال ،وكانتْ في غايةِ الانحطاط. حتى أنها لم تسلم من فلاسفة الإغريق. فقد قال عنها الفيلسوف سقراط: "إنَّ وجودَ المرأة هو أكبر منشأ ومصْدر للأزمات والانهيار في العالَم، إنَّ المرأة تُشبه شجرةً مَسْمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً" .
أما تلميذه أفلاطون فقد كان أكثر ايجابية و تفاؤلا من أستاذه حيال المرأة و دورها في المجتمع؛ و مع ذلك فقد كان يردد دائما: "الحمد لله الذي خلقني إغريقيا و لم يخلقني بربريا، رجلا و ليس امرأة، في أيام سقراط و ليس في غيرها".
يؤمن أفلاطون أن المرأة، كالرجل، لم تأت من كوكب آخر، والاختلاف بينها وبين الرجل اختلاف في التكوين الجنسي فقط، لا اختلاف في الماهية أو الطبيعة، وإذا كان يعترف أنها أقل قدرة من الرجل في كل شيء، إلا أنه يقول: لا يوجد عمل في الحياة المدنية ذو طبيعة ذكورية خالصة يختص به الرجال من حيث كونهم رجالاً، ولا عمل أنثوي تختص به النساء من حيث هن نساء، كما لا يوجد عمل تختلف في أدائه طبيعة الرجل عن طبيعة المرأة، وإذا قلصنا الاختلافات والفروق بين الجنسين يصبح الفارق بين المرأة والرجل كالفارق بين رجل ورجل، أو كالفارق بين رجل طويل الشعر، ورجل أصلع، وتصبح المرأة مجرد "رجل" أقل قوة، يمتلك كل القدرات التي يتمتع بها الرجال الآخرون، ولكنه لا يمتلك القوة ذاتها.
ويتصور أفلاطون في جمهوريته الفاضلة: "إن الرجال كلاب حراسة ترعى القطيع، والنساء مثل إناث كلاب الحراسة" ومعنى ذلك أن على الجنسين أن يقوما بمهمات متماثلة، بدرجات متفاوتة، ويقول لمحاوره ثراسيماخوس متسائلا: "هل هنالك "هي" و"هو" في عالم الكلاب مثلا، وهل نستخدم ذكور الكلاب في الحراسة والصيد ونقول لإناثها: استريحي، فهذا العمل لا يناسب طبيعتك؟ ولكن ينبغي أن نتذكر أن ذكور الكلاب وإناثها تتلقى الإعداد والتدريب نفسه، إذا كنا سنفرض على المرأة مهام مماثلة للمهام التي يقوم بها الرجل، ينبغي أن تأخذ النساء بنصيب من التعليم والتدرب على فنون الحرب مثل الرجال تماما، وأن ننشئهن نشأة مماثلة لنشأة الرجال من حيث التربية البدنية والموسيقية، ونجردهن من كل مشاعر الرقة والضعف والخصائص الأنثوية عموما، كالشعور بالخجل، والشعور بالحب تجاه رجل معين، ومشاعر الأمومة".
وفي جمهورية أفلاطون الافتراضية لكل فرد وظيفة تناسبه، يقول أفلاطون: "لا بد لكل فرد في جمهوريتنا المثالية من وظيفة يعرف من خلالها، وإلا انهارت الجمهورية من أساسها، فهذا نجار، وذاك صانع أحذية، وذلك طبيب"، وعندما يبحث أفلاطون عن وظيفة تناسب المرأة، باعتبار أن جمهوريته الفاضلة تلغي الأسرة تماما وتحيل وظيفتها للدولة، وتأخذ بفلسفة شيوعية النساء والأطفال، فإنه يقول بوضوح: "عندما تمتلئ أثداء النساء بالحليب ينقلن إلى دور الحضانة، مع اتخاذ كافة التدابير الكفيلة بألا تتعرف الأمهات على أطفالهن"، نقول عندما يبحث أفلاطون عن وظيفة للمرأة غير وظيفتها التقليدية في رعاية الأسرة والأطفال، لا يجد أمامه إلا أن يحولها إلى رجل، لكي يتسنى لها القيام بجميع الوظائف التي يقوم بها الرجل في السياسة وإدارة الدولة وفي الحكم والتربية والقضاء والجندية، فلا فرق بين الرجل والمرأة في جمهورية أفلاطون، إلا كما يفترق الأصلع عن ذي الشعر الكثيف، والمرأة لا تعدو أن تكون رجلا أضعف بنية من الرجل الكامل، تتمتع بالقدرات والكفاءات ذاتها التي يتمتع بها الرجل، وإن لم يكن بالقوة ذاتها. و بالمحصلة فهو يسعى إلى مجتمع تغيب فيه المرأة و يتحول إلى مجتمع نصفه من الرجال و نصفه الآخر من أنصاف الرجال.
و قد رأى الفيلسوف الإغريقي (أرسطو) الذي حكمت آراؤه أوروبا زهاء ألفي عام أن المرأة من الرجل كالعبد من السيد, وكالعمل اليدوي من العمل العقلي (الذي كان يقدسه ويفضله عن العمل اليدوي), والمرأة بنظره رجل ناقص, تُركت واقفة على درجة واحده دنيا من سلم التطور, و أن الرجل متطور بالطبيعة والمرأة دونه بالطبيعة, والرجل حاكم والمرأة محكومة, ويرى أن المرأة ضعيفة الإرادة وبذلك فهي بنظره عاجزة عن الاستقلالية, و أفضل مكان لها حياة بيتيه هادئة. رأى هذا الفيلسوف أن شجاعة المرأة ليست متماثلة مع شجاعة الرجل, و أن شجاعتها تكمن في الطاعة. و توّج فلسفته بأن صمت المرأة هو مجد لها.
تقول الكاتبة الأمريكية، سوزان بل: "إن الصورة التي رسمها أرسطو للمرأة بالغة الأهمية، وذات أثر هائل، فقد ترسبت في أعماق الثقافة الغربية، وأصبحت هي الهادي والمرشد عن النساء بصفة عامة"، إلا أن تأثير المعلم الأول (أرسطو) لم يقتصر على الغرب وحده، بل امتد إلى الشرق و إلى العالم كله، وأضفت الكنيسة القدسية على آرائه، باعتمادها آراء مقدسة، يعد الخروج عليها خروج على المسيحية، ورسخ أرسطو آراء المجتمع اليوناني في المرأة، وصاغها في شكل فلسفي، مضفيا عليها رأيه في أن المرأة لا تصلح إلا للإنجاب".
فلم تكن المرأة تصلح في نظر أرسطو سوى للإنجاب، ولا يمكنها أن تشغل أي منصب ثقافي أو اجتماعي، أو حتى قيادة المنزل، وهي مسؤولة مسؤولية كاملة عن إنجاب الإناث، في حين أن الرجل مسؤول عن إنجاب الذكور.
لم يكتف أرسطو بذلك، بل وجد أن المرأة حتى في عملية الإنجاب تكون في مرتبة دونية، حيث لا تقدم سوى المادة الخام وينفخ الرجل الروح في تلك المادة، واعتقد أرسطو أن "دماء الحيض" هي المادة التي يتكون منها الجنين، عقب نفخ الرجل للروح فيها، وظل هذا الاعتقاد سائدا منذ طرحه أرسطو في القرن الرابع قبل الميلاد حتى القرن السابع عشر بعد الميلاد، عندما كذبه ويلم هارفي في كتابة "توالد الحيوان" عام 1651.
أما عن المناصب السياسية، فيرى أرسطو أن جنس النساء أقل استعدادا لها من جنس الرجال، لأن الرئاسة قيادة تهتدي بالعقل لا الشعور والعواطف، وجنس الإناث عاطفي سريع التأثر ينقاد للعواطف أكثر مما يهتدي لنور العقل، وقَصَر الأخلاق على الرجال، مؤكدا أن "المرأة لا تستطيع ممارسة الفضائل الأخلاقية على نحو ما يفعل الرجل".
مكانة المرأة في حضارة الرومان
اعتُبرت المرأة عند الرومان متاعاً مملوكاً للرجل وسلعة من السلع الرخيصة يتصرف الرجال بها كيف يشاؤون ،وكان يعتبرها الرجال شراً لا بد من اجتنابه ،وأنها مخلوقة للمتعة وحسب، و كانت دائماً خاضعة للرجل أباً كان أو زوجاً ، وكان الرجل يملك مالها فهي في نظره و نظر الرجال ونظر المجتمع كله أمَةٌ لا قيمة لها ،وكان بيد أبيها وزوجها حق حياتها و موتها وإذا كانت ملك أبيها في شبابها فهو الذي يختار لها زوجها فإذا تزوجت ملكها زوجها وفي ذلك يقول جايوس (القائد و القنصل الروماني): "توجب عاداتنا على النساء الرشيدات أن يبقين تحت الوصاية لخفة عقولهن".
على الرغم من كثره المشرعين في روما فإنهم لم يهتموا بالمرأة ولم يهتموا بحقوقها وإنما حددوا ما عليها من واجبات، و كانت المرأة في أعينهم أمَةً شرعية يتصرف فيها رب الأسرة كما يتصرف بعبيده ،وقد عُقد اجتماع في مجمع روما للبحث في شؤون المرأة فتقرر أنها بلا نفس أو خلود وأنها لن ترث الحياة الآخرة وأنها رجس ويجب ألا تأكل اللحم وألا تضحك وألا تتكلم وعليها أن تمضى جميع أوقاتها في الخدمة والطاعة وقد حكموا عليها بأن تمنع من الكلام.
وحتى يمنعوا المرأة من الكلام حكموا عليها بأن تضع على فمها قفلاً كانوا يسمونه (الموزلير) فكانت النساء جميعهن من أعالي الأسر إلى أدناها تسير في الطرقات وفي فمها قفل، وتروح وتغدو إلى دارها وفي فمها قفل من حديد. هذا عدا العقوبات البدنية التي كانت تتعرض لها المرأة لأنها أداة الإغواء وآلة الشيطان لإفساد القلوب. و إذا وقعت امرأة في ذنب كبير كانوا يسكبون الزيت الحار على جسمها، ويربطونها بذيول الخيول ثم يجرونها بأقصى سرعة كما يربطون الشقيات بالأعمدة ويصبون الزيت الحار و النار على أبدانهن، و قد تقدم بعض أعضاء مجلس التربيون الروماني بتشريع يحرّم على المرأة التملك لأكثر من نصف أوقيه من الذهب وألا تلبس ملابس ملونة كي لا تلفت الأنظار، وألا تركب عربات إلى مدى أبعد من ميل عن روما، إلا في بعض الحفلات العامة.
يُتبع