سماسرة يجنون الملايير "على ظهر" المعوّقين!
29-02-2016, 06:17 AM

روبورتاج: زهيرة مجراب

تحوّلت تجارة الأعضاء الاصطناعية ولواحقها إلى عمل يدر الكثير من الأرباح على أصحاب المحلات والذين يروّجون لمتانة ومرونة أعضائهم وقدرتها الكبيرة على التحمل، فيعرضونها بأسعار مرتفعة تصل لحدود 6 ملايين سنتيم، أما الكراسي المتحركة فحسب النوعية ويتراوح سعرها مابين 15 ألف دينار للكرسي المتحرك العادي، أما الأوتوماتيكية فتتجاوز 10 ملايين سنتيم، فيما يجبر بقية المرضى والمعاقين على استعمال الأعضاء المحلية، والتي يقدمها لهم الديوان الوطني لأعضاء المعاقين الاصطناعية ولواحقها "لوناف" واتباع سلسلة طويلة من الإجراءات للحصول عليها.
أصبحت المحلات المختصة في بيع العتاد الشبه طبي الملاذ والمخلص لذوي الاحتياجات الخاصة من طوابير الانتظار المملة وملفات الضمان الاجتماعي، بالأخص مرضى السكري والذين تتطلب الأقدام الاصطناعية المصنوعة خصيصا لهم شروطا معينة ودقيقة حتى لا يتحوّل العضو المبتور إلى "غرغرينة" تأكل ما تبقى من العضو، وبالرغم من ارتفاع أسعار منتجاتها إلا أن المريض مرغم على شراءها .
قصدنا أحد محلات بيع العتاد الشبه طبي بالقبة، للتعرف على الأسعار، حيث لاحظنا تباينا كبيرا في أسعار الكراسي المتحركة ابتداء من 15 ألف دينار، وما فوق حسب نوعيته، حيث هناك أنواع مختلفة منها المزودة بأريكة وأخرى عادية والأوتوماتيكية، وهناك المحلية والمستوردة التي باستطاعتها حمل أشخاص يفوق وزنهم 100 كيلوغرام، بالإضافة للمشايات العادية بسعر 5 آلاف دينار، والتي تحتوي على عجلات بـ 6 آلاف دينار .
وعندما استفسرنا العامل في المحل حول الأعضاء الاصطناعية أخبرنا أنه يتم تصنيعها حسب الطلب وفقا للوصفة ومقياس العضو المبتور لدى المريض، فما علينا سوى جلب الوصفة إليه، وهو بدوره سيسلمها للمختص الذي يقوم بصناعته، وعن السعر رد محدثنا بأنه يختلف فإذا كان طرف مثلا كاليد فقد يكون في حدود 30 ألف دينار، أما اليد كاملة فتفوق 50 ألف دينار، وتتجاوز الساق هذا السعر لأنها تتطلب حذاء خاصا، وعددّ المتحدث مزايا هذه الأطراف لكونها مصنوعة من مواد ألمانية وتدوم لفترة طويلة ويشعر المعاق بأنها عضوه الحقيقي، نظرا لجودتها على حد قوله دوما، أما بالنسبة للبدائل السمعية فتتراوح مابين 4 إلى 7 ملايين سنتيم حسب نوعها وحجمها.

ديوان الأعضاء الاصطناعية لمن استطاع إليه سبيلا
ولأن الأسعار السابقة صدمتنا، فضّلنا التوجه للديوان الوطني لأعضاء المعوقين الاصطناعية ولواحقها ببن عكنون في الصباح، حتى نتمكن من التقاء عددا كبيرا من المواطنين، وبمجرد دخولنا لمركز البدائل السمعية وجدنا جمع غفير من المسنين شيوخ وعجائز جالسين على المقاعد ينتظرون دورهم للخضوع للفحص الطبي وآخرون للحصول على أجهزتهم، وهي عبارة عن سماعات أذن، بطاريات سماعات الأذن، قوالب الخاصة بتركيب سماعات الأذن، وهناك أخبرتنا إحدى المسنات بأن المشكل يمكن في تباعد المواعيد، حيث يمنح لهم مواعيد على بُعد شهر وشهر ونصف، وهي مدة طويلة وليس بإمكان الشخص المصاب بمشاكل في السمع التحمل لفترة طويلة والبقاء معزولا عن العالم لشهر حتى يحصل على جهازه.
وفي جولتنا الثانية للمركز المخصص للأعضاء الاصطناعية، صادفنا طوابير غير منتهية أمام مقر الضمان الاجتماعي "الكناس" الموجود داخل المركز، والذي تم إنشاءه خصيصا لتخفيف مشاكل التنقل على المعاقين والمرضى، إلا أنه تحوّل لنقمة حقيقية فعليهم الوقوف لساعات، التقينا كهلا تبدو عليه ملامح التعب تقف لجواره ابنته الصغيرة، والتي لا يتجاوز عمرها 8 سنوات، في انتظار دورهما في طابور مكتظ عن آخر، يحكي لنا المتحدث: ابنتي الصغيرة تعاني من مشكلة الأقدام المسطحة، وهو ما يصعب عليها المشي نصحنا الطبيب المعالج لحالتها بتركيب أفرشة طبية لها، وها قد قصدنا المركز ومثلما تشاهدين منذ الصباح ونحن ننتظر دورنا فالازدحام شديد على "الكناس"، واصلنا الطواف بمختلف الأقسام بدءا من الاستقبال الذي كان يعرف ازدحاما كبيرا، أين صادفنا طفلا صغيرا يبلغ من العمر 4 سنوات، يعاني من مشكلة في الحركة، يقول والده: عندما ولد ابني اكتشف الأطباء أن لديه الماء في رأسه وبعد نزعه أكد لهم الأطباء أنه سيتسبب له تأخيرا في الحركة والنطق، وكان يعاني من ارتخاء في اليدين، فوضع له الأطباء مثبتات تجبيرية، ويخضع حاليا لدورات إعادة التأهيل الرياضي، حتى يتمكن من تجاوز المرض ويستعيد قدرته على تحريك يديه بطريقة طبيعية، والآن بوسعه إمساك الأشياء وقد وصف له الأطباء مقعدا خاصا "موتيلو" يجلس عليه بمثابة تأهيل إضافي له ونحن ننتظر دورنا للدخول إلى الطبيب.
ومن بين جملة المشاكل التي يعيشها مرتادو المركز، تحكي لنا إحدى السيدات: قدمت للفحص الطبي، فأنا أعاني من مشكلة في رجلي وعليا وضع المفارش الطبية، غير أنني أضعتها منذ 20 يوما، فرفضوا منحي مفرشا آخر، بل أخبروني أنه من حقي الحصول عليها مرة كل سنة، وأنا مضطرة لشراء واحدة جديدة بأموالي الخاصة، حيث يبلغ سعر أقل واحدة 1600 دج لذا على القائمين على المركز مراعاة بعض الحالات، فالمفارش سريعة التلف لذا عليهم السماح لنا بتغييرها كل 3 أشهر على الأقل، فيما أكدت لنا إحدى السيدات أن محلا مخصصا لبيع مثل هذه الأعضاء الاصطناعية والأفرشة الطبية يصل ثمن هذه الأخيرة فيه لـ 3آلاف دينار.

عتيقة معمري: المعاقون محرومون من الأعضاء الاصطناعية بسبب البيروقراطية

انتقدت رئيسة الفيدرالية الجزائرية للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة، عتيقة معمري، نوعية الخدمات المقدمة في الديوان الوطني لأعضاء المعوقين الاصطناعية ولواحقها، والذي ما يزال على حد قولها يعاني الكثير من النقائص، وليس متوزعا في جميع الولايات مما يضطر المعاقين للتنقل إلى المركز الرئيسي بالعاصمة ببن عكنون، واستطردت المتحدثة أن هناك نقص كبير في التكوين لدى المختصين، فبعد أن تقاعد العمال القدامى تراجعت الجودة حاليا بالنسبة للأحذية التجبيرية والأفرشة التي لا يتم صرفها إلا بوصفة، غير أنهم في الغالب ينسون أشياء، وشددت رئيسة الفيدرالية على معاناة المعاقين من "البيروقراطية" ولا يوجد من يخفف على المعاق هذه المتاعب والأعباء ودعت لتوفير بطاقة في المركز تسمح للمريض الاستفادة من الأعضاء في كل مرة دون الحاجة لتجديد الملف، ضاربة لنا مثلا بالأشخاص المبتورة أرجلهم أو أيديهم لا تقتضي الضرورة إعادة الملف، لتكمل معمري بأن الديوان قد وقعّ مؤخرا اتفاقيات عديدة مع شركاء أجانب بهدف تطوير خدماته، وسيستعينون بالفيدرالية والجمعيات لتحسينها، فلا بد من الانتظار لمعرفة ما ستسفر عنه هذه الاتفاقيات.


ديوان الأعضاء الاصطناعية: الأحذية التجبيرية الأكثر طلبا ومنتجاتنا مصنوعة من مواد مستوردة
كشف المكلف بالإعلام على مستوى الديوان الوطني لأعضاء المعاقين الاصطناعية ولواحقها، بوعزابية زكريا، عن ضرورة جلب المعاق أو المريض لوصفة طبية من مختص في العظام أو تقوية العظام كي يحدد له العضو الاصطناعي الضروري الذي يكون بحاجة إليه سواء سفلي، علوي، بديل سمعي، كرسي متحرك، أكياس طبية، مضيفا أنه يحتوي على 35 فرعا جواريا للتوزيع، غير أن بعض الأطباء يتعمدون إرسالهم للعاصمة، وأضاف محدثنا في رده عن شكوى مرتادي المركز من طول الإجراءات بأن الملف يفتح في يوم واحد غير أن المشكل يظل عالقا أحيانا على مستوى الضمان الاجتماعي، زيادة على أن صناعة بعض الأعضاء تتطلب وقتا يصل إلى غاية 3 أشهر، إلا أن الأولوية تكون للأطفال فهم ينمون بصفة مستمرة.
وأنكر المتحدث ما يتداول عن قلة جودة الأعضاء واللوازم المقدمة لهم من قبل المركز، معترفا بأنها تصنع في الجزائر، ولكن بمواد أولية مستوردة من ألمانيا وفرنسا مطابقة للمعايير الدولية، واعترف المكلف بالإعلام بأن أغلبية الطلبات تتمحور حول الأفرشة الطبية والأحذية التجبيرية والتي يتم تصنيع 53336 حذاء في العاصمة، مستطردا أن المركز ينتج 238703 عضو اصطناعي على مستوى العاصمة و471696 على المستوى الوطني، ويستفيد منها المعاقون مجانا بفضل الاتفاقية المبرمة مع صندوق الضمان الاجتماعي.