محاضرات في فقه النوازل في الأحوال الشخصية
18-04-2014, 09:49 PM


جامعة قسنطينة 1
كلية الحقوق
محاضرات في فقه النوازل في الأحوال الشخصية
مقررة لطلبة السنة الاولى الماستر
تخصص قانون الاسرة
اعداد و اشراف:أ.كريمة محروق

المحاضرة 1:مدخل لفقه النوازل في الأحوال الشخصية
إن العناية بأصول العلوم من أهم الطرق لإحياء الأمة في جميع المجالات؛ لأن الأمة محتاجة في نهضتها لجميع العلوم،
والعنايةُ بأصول كلِّ علم هو حفظٌ له، وتجديد لحياة الأمة الدينية والدنيوية وتحقيق مصالحها .
كذلك العناية بالنوازل والمسائل المستجدَّة، التي لها أثر على كيان الأمة العقدي، أو الاقتصادي، أو الاجتماعي، أو
السياسي، أو التربوي... إلخ .
ومَن تأمل تاريخ المسلمين، يجد أن لهم عنايةً فائقة بأصول العلوم، ولهم عناية فقهيَّة بالنوازل التي تَجِدُّ في حياة الأمة،
وردها إلى تلك الأصول، وتختصُّ هذه المحاضرة ببيان معنى النوازل وحقيقتها، وأوصافها، مع بيان حكم الاجتهاد فيها،
وكيفية معالجة النازلة بالاجتهاد الفقهي .
-1 ماهية فقه النوازل
أ-تعريف فقه النوازل:
*-تعريف الفقه لغة:
الفقه لغة: مطلق الفهم، وقيل: فهم الأشيياء الدقيقة، وقيل: فهم غرض المتكلم من كلامه أما اصطلاحا: فهو العلم بالأحكام
الشيرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
*تعريف النوازل لغة:
النوازل جمع "نازلة"، والنازلة اسم فاعل من نزل ينزل إذا حلَّ . وقد أصبح اسمًا على الشيدة من شيدائد الدهر .
قال ابن منظور: النازلة: الشيديدة تنزل بالقوم وجمعها نوازل، وقال صاحب كتاب الصحاح: النازلة: الشيديدة من شيدائد
الدهر تنزل بالناس، وقال الفيومي: النازلة هي المصيبة الشيديدة تنزل بالناس
فنخلص مما سبق أن النازلة لغة هي: الأمر الشيديد الذي يقع، بالناس.
ب-تعريف "فقه النوازل" اصطلاحا:
أولا : تُطلق النوازل في اصطلاح الحنفية خاصة على : الفتاوى والواقعات، وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون لَمّا سُئلوا عن ذلك، ولم يجدوا فيها رواية عن أهل
المذهب المتقدمين، وهم أصحاب أبي يوسف ومحمد، وأصحاب أصحابهما.
القضايا والوقائع التي « : ثانيًا: تُطلق النوازل في اصطلاح المالكية خصوصًا في بلاد الأندلس والمغرب العربي على
.» يفصل فيها القضاة طبقًا للفقه الإسلامي
ثالثًا: شياع واشيتهر عند الفقهاء عامة إطلاق النازلة على : المسألة الواقعة الجديدة التي تتطلب اجتهادًا وبيان حكم .
.» باب اجتهاد الرأي على الأصول عند عدم النصوص في حين نزول النازلة « : ومن ذلك- قول ابن عبد البر
وقال النووي: )وفيه اجتهادُ الأئمة في النوازل، وردّها إلى الأصول( .
وقال ابن القيم: )وقد كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجتهدون في النوازل(.
والمقصود أن النازلة لابد من اشيتمالها على ثلاثة معان : الوقوع، والجدة، والشيدة . وقد جمع هذه القيود الثلاثة التعريف الآتي : )ما استدعى حكمًا شيرعيًا من الوقائع المستجدة(.أو يُقال: هي الوقائع المستجدة الملحَّة
فقد شياع واشيتهر عند الفقهاء إطلاق النازلة على المسألة الواقعة الجديدة التي تتطلَّب اجتهادًا.
أما بعض الكتاب المحدثين اجتهدوا في ذلك منهم:الشييخ شيلتوت رحمه الله حيث قال في تعريفها: "هي مشيكلات المسلم
المعاصر التي تعترضه في حياته اليومية العامة".
وقال عبد العزيز بن عبد الله: "هي القضايا والوقائع التي يفصل فيها القضاة طبقا للفقه الإسلامي"، وقال الشييخ بكر أبو
زيد: "هي الوقائع والمسائل المستجدة، والحادثة المشيهورة بلسان العصر باسم النظريات والظواهر"
وقال الشييخ سلمان العورة: "هي قضايا مستجدة يغلب على معظمها طابع العصر المتميز بالتعقيد والتشيابك"
وقال محقق كتاب جامع الأحكام للبرزلي: "النازلة: هي في الواقع مشيكلة عقائدية أو أخلاقية يصطدم بها المسلم في حياته
اليومية، فيحاول أن يجد لها حلا يتلاءم وقيم المجتمع بناء على قواعد شيرعية".
بالنظر إلى هذه التعريفات يمكننا ملاحظة التالي:
- أن هذا العلم يبحث في المسائل الجديدة، وهي عبارة عن مشيكلات، معاصرة، تتميز بالتعقيد والتشيابك، تعترض المسلم
في حياته اليومية، فيتصدى لها العلماء المجتهدون ببيان حكمها الشيرعي، بناء على قواعد وأصول الشيريعة
الإسلامية.وعليه يمكننا تعريف فقه النوازل بأنه: "علم بالأحكام الشيرعية المتعلقة بالقضايا المعاصرة".وفي هذا العصر
يطلق على فقه النوازل مصطلح "قضايا فقهية معاصرة" .
-2 الفرق بين النوازل والألفاظ ذات الصلة:
أ- الفرق بين النوازل والوقائع والمستجدات :
تبين لنا مما سبق أن النوازل إنما تُطلق على المسائل الواقعة إذا كانت مستجدة، وكانت ملحَّة، ومعنى كونها ملحَّة أنها
تستدعي حكمًا شيرعيًا .
وأما الوقائع فإنها تُطلق على كل واقعة مستجدة كانت أو غير مستجدة، ثم إن هذه الواقعة المستجدة قد تستدعي حكمًا
شيرعيًا وقد لا تستدعيه، بمعنى أنها قد تكون ملحَّة وقد لا تكون ملحَّة .
وأما المستجدات فإنها تُطلق على كل مسألة جديدة، سواء كانت المسألة من قبيل الواقعة أو المقدَّرة، ثم إن هذه المسألة
الجديدة قد تستدعي حكمًا شيرعيًا وقد لا تستدعيه، بمعنى أنها قد تكون ملحَّة وقد لا تكون ملحَّة .
وجوهر الفرق: أن النوازل يتعلق بها ولابد من حكم شيرعي، أما الوقائع والمستجدات فلا يلزم أن يتعلق بها حكم شيرعي . ب- الفرق بين النوازل والفتاوي:
هي جمع فتوى -بالواو- بفتح الفاء، وبالياء، فتضم وهي اسم من أفتى العالم إذا بين الحكم.
وفي الاصطلاح: "هو إظهار الأحكام الشيرعية بالانتزاع من الكتاب والسنة والإجماع والقياس"، وقيل: هي الإخبار بحكم
الله تعالى عن دليل شيرعي.
ولعل إطلاق اسم الفتاوى على فقه النوازل هو الأشيهر والأكثر تداولا بين الناس، من أمثلتها: الفتاوى الهندية، وفتاوى ابن
حجر الهيثمي وفتاوى شييخ الإسلام ابن تيمية...
في الحقيقة هناك ترادف بين النوازل والفتاوى والمسائل والأجوبة، وهي أسماء لمسمى واحد، غير أن النوازل تختص
بالحدوث والوقوع فهي لذلك أخص من الفتاوى التي تشيمل سؤال الناس عن الأحكام سواء حدثت أولم تحدث.
وقد لا يرد هذا الفرق إذا رجعنا إلى المعنى اللغوي لكلمة الفتوى فهي من الفتاء وهو الحداثة والجدة، وقيل من الفتى وهو
الشياب الحدث
قال الإمام الرازي في تفسير قوله تعالى )أَفْتُونِي فِي أَمْ رِي( معنى أفتوني: أجيبوني في الأمر أي الحديث الجديد.
وواضح أن الأمر الحديث إما أن يكون هو نفسه حديثا وجديدا حقيقة، وإما أن يكون حديثا بالنسبة للسائل عنه بالخصوص،
ومن هنا يظهر التقارب اللغوي بين مصطلحي الفتوى والنازلة.
-3 خصائص وأهمية فقه النوازل:
أ-خصائص فقه النوازل:
يمتاز هذا النوع من الفقه بخصائص ومميزات أوجزها في النقاط التالية:
- النوازل في معظم الأحيان لون جديد من المسائل وطعم جديد لم يسبق حدوثها، لهذا قد تكون على الناس غريبة يصعب
فهمها من أول وهلة فهي تحتاج إلى إمعان نظر وإلى بصيرة ثاقبة.
-أن المسائل التي بحثت في فقه النوازل عدت ثروة جيدة، ومادة قانونية إسلامية صحيحة استطاعت أن تدخل في الكتب
والمصنفات وأن تستمر ويقبل عليها الناس بلهفة، دون أن تفقد صلاحيتها وقابليتها للحياة.
-إن فقه النوازل يختلف عن تلك الافتراضات النظرية فهي مسائل واقعية تحدث للناس وكل متلهف لمعرفة حكمها
الشيرعي.
- تتميز المسائل المتعرض لها في فقه النوازل بالتعقيد وكثرة تشيابكها ودقة فهما وصعوبة حل معضلاتها، لذا فهي تحتاج
إلى مزيد جهد وإلى إمعان نظر وعدم التسرع في الحكم والاجتهاد فيها.
-أن أكثر هذه المشيكلات والقضايا المطروحة قد سببت الحرج والضيق بمن نزلت بهم وهم في حاجة ماسة إلى من يجيبهم
عن تلك المسائل وإلى من يرفع الحرج عنهم بالاجتهاد والفتوى
ب- فوائد وأهمية فقه النوازل:
تظهر أهمية الاجتهاد في النوازل المعاصرة في النقاط التالية :
1 بيان صلاح هذه الشيريعة لكل مكان وزمان: وأنها هي الشيريعة الخالدة الباقية، وأنها الكفيلة بتقديم الحلول الناجعة لكل
المشيكلات والمعضلات . 2 إيقاظ هذه الأمة والتنبيه على خطورة قضايا ومسائل ابتُلي بها جموع المسلمين، مع كونها مخالفة أشيد ما تكون
المخالفة لقواعد هذا الدين، ومضادة لمقاصده، وقد صارت لشيديد الحزن والأسى جزءًا لا يتجزأ من حياة الأمة
الإسلامية، وباتت حقائقها الشيرعية غائبة عن عامة المسلمين في هذا العصر . 3 وبإعطاء هذه النوازل أحكامها الشيرعية المناسبة لها مطالبة جادة ودعوة صريحة إلى تحكيم الشيريعة في جميع جوانب
الحياة، وهو تطبيق عملي تبرز به محاسن الإسلام، ويظهر منه سموه وتشيريعاته . 4 والحاجة قائمة إلى ضرورة إيجاد معلمة متكاملة تستوعب قضايا العصر ومسائله المستجدة على هدي الشيريعة
الإسلامية . 5 ولا شيك أن إعطاء النوازل المستجدة في كل عصر أحكامها الشيرعية المناسبة يدخل دخولاً أوليًا تحت مهمة التجديد
لهذا الدين، وإحياء ما اندرس من معالمه .
لفقه النوازل فوائد تتعلق بصفة المسائل الواقعية التي تعرض صورا من المجتمع الذي نزلت فيه النازلة، وله فوائد تتعلق
بالفتوى أو الحكم الشيرعي، وله فوائد تعود على الفقيه المجتهد الناظر في الواقعة وفيما يلي ذكر لهذه الفوائد:
-1 أنه من العلوم المهمة والفنون الضرورية في حياة الناس اليوم، لأنه يرد ويجيب عن مشيكلات وقضايا مستجدة
وعويصة نزلت بالناس وهم في أمس الحاجة لمعرفة الحكم الشيرعي فيها.
-2 كما أن لفقه النوازل أهمية أخرى تتصل بصفة النوازل الواقعية التي تعرض لنا صورا من المجتمع الذي وقعت فيه
تلك النوازل من الناحية الفكرية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتاريخية والأدبية
-3 ومن فوائد فقه النوازل ذلك الأثر العلمي الذي تخلفه هذه الإجابات لأنها تحفظ لنا مسائل واجتهادات العلماء بنصها
لتكون سجلا للفتوى والقضاء ومرجعا مهما للمهتمين بها من أهل الاختصاص لا يمكن الاستغناء عنها بحال.
-4 كما أن فقه النوازل يعرفنا بأسماء لامعة من العلماء المجتهدين المفتيين، الذين تصدوا لهذه النوازل وأغاثوا الأمة،
وكيف أنهم بذلوا الجهد والوسع للوصول إلى الحكم الشيرعي وذلك بإتباع أصول الاجتهاد دون تعصب أو هوى.
-5 وإضافة للفائدة السابقة فإن فقه النوازل يلقي الأضواء على شيخصية صاحب ذلك الفقه، وتدلنا على اتجاهه وموقفه
وعلى أصوله التي اعتمد عليها في اجتهاده وما إلى ذلك.
-6 كما أن لفقه النوازل فائدة أخرى، وهي فيما إذا نوقشيت هذه المسائل في المجامع الفقهية التي يتم تشيكيلها من علماء
يمثلون جميع الدول الإسلامية، فإن ذلك من شيأنه تلقيح أفكار العلماء واستفادة بعضهم من علم البعض، وكذلك من أجل
التعاون والتكاتف للوصول إلى الحكم الشيرعي الصحيح، وهذا يعصمهم من الخطأ أو الاختلاف، كما يساعد على وضع
الأصول والضوابط الاجتهادية مما يسهل على الفقيه والمجتهد النوازلي عمله في استنباط الأحكام الشيرعية.
-7 كسب الأجر والمثوبة من الله عز وجل، فإن الدارس "للنازلة" المتجرد الذي يريد أن يصل إلى حكمها الشيرعي إذا بذل
جهده ووصل إلى حكم فيها فهو مأجور، إن أصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر.
-8 الحرص على تأدية الأمانة التي حمّلها الله العلماء؛ فقد أخذ الله الميثاق على العلماء ببيان الأحكام الشيرعية وعدم
كتمانها، وقد حصر التكليف بهم؛ فكان لزاما عليهم التصدي للفتوى في النوازل ما استطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وذلك إبراء
للذمة بالقيام بتكاليف إبلاغ العلم وعدم كتمانه.
-9 كما أن هذه النوازل تثري الفقيه بعلم من سبقه من العلماء، ومن تم يستطيع الاستفادة والإفتاء بفتاوى من سبقه إذا كانت
مطابقة ومتناسبة مع النازلة أو على الأقل أن يسلك مسالكهم ومناهجهم في دراسة نوازل عصرهم على نازلة عصره حتى
يصل إلى استنباط الحكم الشيرعي المناسب لها.
-4 شروط وضوابط الاجتهاد في النوازل:
أ- شروط المتصدر للفتوى في النوازل:
من الضرورة أن يكون في الأمة عدد من العلماء المجتهدين الذين نسميهم: بالعالم النوازلي أو الفقيه النوازلي أو المجتهد
النوازلي، الذي إلى جانب توافر شيروط الاجتهاد فيه -والتي سوف أذكرها بعد قليل- يجب أن يكون ملما بأمور أخرى
مهمة أصبحت ضرورية خاصة في هذا العصر بحوادثه المعقدة والمتشيابكة، منها فهمه واقع عصره واستيعابه للتكنولوجيا
التي ما فتأت تتطور وترتقي.
وليس كل أحد يصلح للفتوى والاجتهاد بل لا بد من توافر شيروط معينة فيمن يتصدى للاجتهاد "
وشيروط المجتهد كما نص عليها علماء الأصول في كتبهم هي:
-1 أن يكون بالغا، لأن غير البالغ لم يكمل عقله حتى يؤخذ بقوله.
-2 أن يكون عاقلا، لأن غيره لا تمييز له يهتدي به إلى ما يريد فلا يعتبر قوله، والمراد من الشيرط
الأول هو الوصول إلى مجرد العقل بالبلوغ، أما الشيرط الثاني فالمراد منه كماله.
-3 أن يكون عالما بنصوص الكتاب والسنة يقول ابن النجار: "وليس المراد أن يعرف سائر آيات القرآن
وجميع أحاديث السنة وإنما المراد ما يحتاج إلى معرفته..."، وليس المراد بعلمه بذلك حفظه، بل
المراد أن يكون بحيث يمكن استحضاره للاحتجاج به لا حفظه.
-4 يشيترط في المجتهد أيضا أن يكون عالما بالناسخ والمنسوخ منها -أي من الكتاب والسنة- حتى لا
يستدل بدليل منسوخ.
-5 العلم باللغة العربية: من نحو وصرف وغيرهما من علوم اللغة العربية، وأن يكون عارفا بعلوم
البلاغة من معان وبيان وبديع وبذلك يستطيع النظر في الدليل نظرا صحيحا ويستخرج منه الأحكام
استخراجا قويا ويكفيه في ذلك الدرجة الوسطى لا أن يبلغ مبلغ الأئمة في اللغة العربية كالخليل
وسيبويه والأخفش.
-6 أن يكون عالما خبيرا بمواقع الإجماع حتى لا يفتي ويجتهد بخلاف ما أجمع عليه فيكون قد خرق
الإجماع، وخرق الإجماع حرام
-7 أن يكون عالما بأسباب النزول في الآيات والأحاديث ليعرف المراد من ذلك، وما يتعلق بهما من
تخصيص أو تعميم: ولأن بعض النصوص نزل عاما وقد أريد به الخصوص ولا يفهم ذلك إلا من
خلال العلم بسبب نزول النص.
-8 يشيترط فيه أن يكون عالما بأصول الفقه: أي بأن تكون له قدرة على استخراج أحكام الفقه من أدلتها
وذلك بمعرفة القواعد الأصولية، وعليه أن يطول الباع في هذا الشيرط ويضطلع على مختصراته
ومطولاته بما تبلغ به طاقته فإن هذا العلم هو عماد فسطاط الاجتهاد وأساسه الذي تقوم عليه أركان
بنائه.
-9 عالما بمقاصد الشيريعة وعارفا بمصالح الناس وعرفهم حتى يستنبط الأحكام التي توافق مقصد
الشيارع وحتى لا يوقع الناس في الحرج والعسر: يقول الإمام السيوطي نقلا عن "مقاصد الشيرع قبلة
المجتهدين من توجه إلى جهة منها أصاب الحق"
شيروط أخرى:
ويمكننا أن نضيف إلى تلك الشيروط التي ذكرها العلماء في المجتهد شيروطا أخرى والتي لابد أن تتوافر في المجتهد
النوازلي بصفة خاصة وهي:
-1 الملكة الفقهية: 2- سعة الأفق: 3- التدريب على الفتوى والاستنباط والتخريج: 4- الفطنة والذكاء.
-5 معرفة الناس 6-وجوب ضبط المتصدين للفتوى والاجتهاد في النوازل 7- ضرورة الإلمام بعلم مقاصد الشيريعة
للمجتهدين في النوازل.
ب- ضوابط الاجتهاد في النوازل:
إن الاجتهاد ضروري في هذا العصر، وأهميته واضحة لحياتنا الإسلامية المعاصرة، وحتى يستطيع الفقه الإسلامي
مواكبة العصر ويكون قادراً على علاج المشيكلات والنوازل المتجددة وفقاً لأصول الشيريعة الإسلامية ومقاصدها "لا بد
وأن نضع له المنهج القويم الذي يحكمه، ونوضح المعالم والضوابط التي تنظم سيره وتحدد غايته وتضبط طريقه...".
وفيما يلي أهم المعالم والضوابط للاجتهاد والنظر في النوازل المعاصرة.
*/الضوابط العامة:
- تحديد موضع النزاع، وموضع البحث فيها وطبيعته، سواء كان فقهيًّا، أو تربويًّا، أو لغويًّا... إلخ.
- استقصاء الدراسات السابقة إن وجدت، سواء كانت في علوم الشيريعة أم في غيرها من العلوم، وتحديث المعلومات حول
النازلة . -البحث عن ظروف النازلة وتاريخها، والظروف المحيطة بها . - الرجوع إلى أهل الاختصاص فيها ومشياورتهم .
- تكييف النازلة، وذلك بردِّها إلى أصلها العلمي إن كانت ترجع إلى أصل، أو ردِّها إلى جملة أصول، أو بما يغلب عليها،
أو اعتبارها مسألة لها حالة خاصة . وكل ذلك يعرف إما بالنص، أو الإجماع، أو التخريج على نازلة متقدمة، أو فتوى إمام متقدم، أو قاعدة فقهية، وأما عموم
المسائل المتعلقة بالعلوم الأخرى، فيعرف تكييفها بإتِّباع مناهج البحث في تلك العلوم .
- تطبيق الحكم عليها تحقيقًا لمقصد الشيارع، وتحصيلاً للمصالح، ودرءًا للمفاسد، في الحال والمآل، وذكر الأدلة على ذلك،
وهذا كما سلف بيانه في علوم الشيريعة، وفيما سواها، اتباع مناهج البحث في كل علم بخصوصه، مع بيان حكم الشيرع،
والكشيف عن مقاصده، من خلال الدراسات في المجالات العلمية والتقنية والاجتماعية، وغيرها من القضايا المهمة
للمجتمع .
وهذه إشيارات تكشيف عن أهمية النوازل وكيفية الاجتهاد فيها.
*/الضوابط الخاصة:
-1 جمع كل ما يتصل بالنازلة من أدلة وقرائن:
إذا وقعت حادثة أو نازلة جديدة: فعلى المجتهد إذا أراد النظر فيها أن يستجمع كل ما يتعلق بها من: آيات قرآنية وأحاديث
نبوية وآثار السلف، وأوجه القياس الممكنة، ونواح لغوية، ويبحث عن حكم القضية المستجدة في اجتهادات الأئمة وكتب
الفقه القديمة.
-2 استفراغ الوسع:
فلا اجتهاد في أي قضية من القضايا إلا بعد استفراغ الوسع: وذلك بأن يبذل المجتهد أقصى ما في وسعه في تتبع الأدلة
والبحث عنها في مظانّها وبيان منزلتها، والموازنة بينها إذا تعارضت بالاستفادة مما وضعه علماء الأصول من قواعد
التعادل والترجيح
والتسرع في إبداء الحكم وعدم التثبت والتروي في النازلة مما يوقع المجتهد في الخطأ.
-3 التزام النصوص وعدم الاجتهاد في المسائل القطعية:
فعلى المجتهد في القضايا المستجدة الالتزام بما تدل عليه النصوص الشيرعية بحسب دلالتها مباشيرة أو بحسب ظواهرها
العامة -أي بنصها أو ظاهرها.
-4 مراعاة الأعراف والعادات:
العرف: هو ما اعتاده الناس، وساروا عليه، من كل فعل شياع بينهم، أو لفظ تعارفوا إطلاقه على معنى خاص لا تألفه
اللغة، ولا يتبادر غيره عند سماعه، وهذا يشيمل العرف العملي والعرف القولي.
فعلينا ونحن نجتهد أن نعترف بما طرأ على حياتنا من تغيرات في الأفكار والأعراف والعلاقات والسلوك، وأن نقدر
ظروف العصر وضروراته، وما عمت به البلوى، وأن نطبِّق على الواقع ما قرره علماؤنا من تغير الفتوى بتغير الزمان
والمكان والعرف والحال.
-5 مراعاة الضرورة أو الحاجة:
ولقد عرف العلماء الضرورة: "ما يترتب على عدم مراعاتها خطر أو ضرر شيديد محقق كالموت جوع اً".
أما الحاجة: "فهي ما يترتب على تركها مشيقة وحرج أو عسر وصعوبة".
من أهم المبادئ التي تقوم عليها الشيريعة الإسلامية والتي ينبغي للمجتهد في النوازل مراعاتها والاهتمام بها، موضوع
الضرورات والحاجة والظروف الاستثنائية التي قد تعترض الناس في حياتهم اليومية، وقد شيرعت الشيريعة الإسلامية
أحكاماً استثنائية مناسبة لتلك الحالات وفقاً لاتجاه الشيريعة العام في التيسير على الناس ورفع الحرج عنهم، ولكونها شيريعة
تهتم بالواقع البشيري.ولقد استثنت حالات الضرورة في كثير من تشيريعاتها، حتى يبقى المكلف دائماً داخل إطار الشيريعة
في كل أعماله.
القاعدة الفقهية المقررة تقول: "الضرورات تبيح المحظورات".
وتطبيقات الضرورة أو الحاجة من النوازل والفتاوى كثيرة فيما يلي بعض الأمثلة عنها:
تناول بعض المآكل أو المشيارب المحظورة لإنقاذ النفس من الهلاك أو الموت جوعاً، فيباح تناول شييء من الميتة أو
الخنزير أو الخمر، أو أخذ مال شيخص آخر غير مضطر مثله، لدفع خطر الهلاك، إما محققاً، أو بظن غالب، أو الوقوع
في وهن لا يحتمل.كشيف العورات أمام الطبيب للعلاج والمداواة.كما يباح النظر لوجه المرأة للمعاملة والإشيهاد والخطبة
والتعليم ونحوها، للحاجة لذلك، ولكن بقدر الحاجة في كل ما ذكر، لأن )الضرورة أو الحاجة تقدر بقدرها(
-6 مراعاة تحقيق مصالح الناس:
الشيريعة الإسلامية التي خصها الله بالعموم لجميع الناس في كل زمان ومكان وجعلها خاتمة الشيرائع السماوية يرى الباحث
في أحكامها أنها تساير وتراعي مصالح الناس وتهدف إلى تحقيق هذه المصالح: ومن مظاهر هذا الأمر تدرجها في تشيريع
الأحكام، ووجود النسخ في عصر الرسالة، فقد يشيرع الشيارع حكماً لملاءمته للناس وقت التشيريع أو لمقصد خاص ثم
تزول ملاءمته أو ينتهي الغرض المقصود منه، فينسخ ذلك الحكم بحكم آخر.
] يقول تعالى: )مَا نَنسَخْ مِنْ آ يةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا( ]البقرة: 106
-7 مراعاة أحوال التطور في روح العصر:
يقول فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي: "يجب ألا ننسى أننا في القرن الخامس عشير الهجري، لا في القرن العاشير، ولا
ما قبله، وأن لنا حاجتنا ومشيكلاتنا التي لم تعرض لمن قبلنا من سلف الأمة وخلفها، وأننا مطالبون بأن نجتهد لأنفسنا، لا
أن يجتهد لنا قوم ماتوا قبلنا بعدة قرون، ولو أنهم عاشيوا عصرنا اليوم، وعانوا ما عانينا، لرجعوا عن كثير من أقوالهم،
وغيروا كثيراً من اجتهاداتهم، لأنها قيلت لزمانهم، وليس لزماننا"
فلا يجوز للمجتهد أن يتغافل عن روح العصر وحاجاته الذي تغير فيه كل شييء، بعد عصر الانقلاب الصناعي، ثم عصر
التقدم التكنولوجي، عصر غزو الكواكب و"الكمبيوتر" وثورة البيولوجيا التي تكاد تغير مستقبل الإنسان؟!!.
ولمسايرة هذا التطور فلا مانع من أن نقتبس من أنظمة الشيرق أو الغرب، ما لا يخالف عقيدتنا وشيريعتنا، مما يحقق
المصلحة لمجتمعنا، على أن نصبغه بصبغتنا، ونضفي عليه من روحنا، حتى يغدو جزءاً من نظامنا، ويفقد جنسيته
الأولى، كما رأينا ذلك فيما اقتبسه المسلمون في العصور الذهبية من الأمم الأخرى.
-8 الحذر من الوفود تحت ضغط الواقع:
ففي الوقت الذي ندعو فيه إلى مراعاة أحوال التطور وروح العصر والترحيب بالجديد النافع فإنه ينبغي أن نحذر من
الوقوع تحت ضغط الواقع القائم في مجتمعاتنا المعاصرة وهو واقع لم يصنعه الإسلام بعقيدته وشيريعته وأخلاقه، ولم
يصنعه المسلمون بإرادتهم وعقولهم وأيديهم، إنما هو واقع صنع لهم، وفرض عليهم، في زمن غفلة وضعف وتفكك منهم،
وزمن قوة ويقظة وتمكن من عدوهم المستعمر، فلم يملكوا أيامها أن يغيروه أو يتخلصوا منه، ثم ورثه الأبناء من الآباء،
والأحفاد من الأجداد، وبقي الأمر كما كان.
فليس معنى الاجتهاد أن نحاول تبرير هذا الواقع على ما به، وجر النصوص من تلابيبها لتأييده، وافتعال الفتاوى لإضفاء
الشيرعية على وجوده، والاعتراف بنسبه مع أنه دعي زنيم.
إن الله جعلنا أمة وسطاً لنكون شيهداء على الناس، ولم يرض لنا أن نكون ذيلاً لغيرنا من الأمم، فلا يسوغ لنا أن نلغي
تميزنا ونتبع سنن من قبلنا شيبراً بشيبر وذراعاً بذراع.
وأدهى من ذلك أن نحاول تبرير هذا وتجويزه بأسانيد شيرعية، أي أننا نحاول الخروج على الشيرع بمستندات من الشيرع،
وهذا غير مقبول)
-5 منهج دراسة فقه النوازل:
بعد أن عرفنا الشيروط التي يجب أن تتوفر فيمن يتصدى للحكم في النوازل: فيما يلي بيان للخطوات التي ينبغي أن يتبعها
ذلك المتصدي ليكون حكمه موفقا للصواب بإذن الله تعالى
لتجرد في دراسة النازلة، والإخلاص لله في ذلك.على المجتهد إظهار الافتقار لله تعالى ملهم الصواب 3- فهم حقيقة
النازلة 4- تكييف النازلة تكييفا فقهيا. - عرض النازلة على المصادر الشيرعية من الكتاب والسنة والإجماع
- عرض النازلة على أقوال الصحابة واجتهاداتهم- البحث في حكم النازلة في اجتهادات الأئمة:
- البحث في قرارات المجامع الفقهية والندوات الفقهية المتخصصة- البحث في الرسائل العلمية المتخصصة كرسائل
الدكتوراه والماجستير في علوم الشيرعية وخاصة فيما يتعلق بالنوازل المعاصرة- إذا لم يجد الباحث حكما للنازلة فيما سبق
من خطوات فإنه يعيد النظر في النازلة، ثم يفترض فيها أقسام الحكم التكليفي من وجوب أو ندب أو إباحة أو
تحريم.ويبحث في كل افتراض ما يترتب عليه مصالح ومفاسد ويوازن بينهما مراعيا عند إجراء تلك الموازنة القواعد
التالية:
عدم مصادمة النصوص الشيرعية.اعتبار مقاصد الشيريعة الإسلامية.درء المفاسد مقدم على جلب المصالح عند
التعارض.الضرورات تبيح المحضورات.الضرورة تقدر بقدرها.رفع الحرج.
وإذا لم يتوصل الباحث إلى حكم شيرعي في النازلة توقف فيها لعل الله يهيء من العلماء من يتصدى للإفتاء فيها.
-6 الاجتهاد الجماعي في النوازل:
الاجتهاد الفردي أن يبذل أحد المجتهدين غاية وسعه في استنباط حكم شيرعي من أدلته في مسألة من المسائل، أما الاجتهاد
الجماعي فهو: "اتفاق أكثر من مجتهد بعد تشياور بينهم على حكم شيرعي مع بذلهم غاية وسعهم في استنباطه من أدلته".
ولقد كان الاجتهاد الجماعي معروفا عند الصحابة فقد كانوا إذا نزلت بهم نازلة اجتمع أهل العلم والرأي منهم وتشياوروا
في حكم تلك المسألة وغالبا ما كانوا يتفقون على رأي واحد فيها والأمثلة على ذلك كثيرة.
ثم اتسم الاجتهاد بالطابع الفردي بعد أن كان شيورى بين الصحابة، روى البغوي عن ميمون بن مهران أنه قال: كان أبو
بكر الصديق إذا ورد عليه الخصم، نظر في كتاب الله فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضى به، وإن لم يكن في الكتاب، وعلم
من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك الأمر سنة قضى بها، فإن أعياه خرج فسأل المسلمين وقال: أتاني كذا وكذا فهل
علمتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في ذلك بقضاء؟ فربما اجتمع إليه النفر كلهم يذكر من رسول الله صلى الله
عليه وسلم فيه قضاء، فيقول أبو بكر: الحمد لله الذي جعل فينا من يحفظ عن نبينا، فإن أعياه أن يجد فيه سنة من رسول الله
صلى الله عليه وسلم: جمع رؤوس الناس وخيارهم فاستشيارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.
ومما يؤيد ويدلل على الاجتهاد الجماعي ما رواه الطبراني في الأوسط: عن علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال: قلت
يا رسول الله: إن عرض لي أمر لم ينزل فيه قضاء في أمره ولا سنة كيف تأمرني؟ قال: تجعلونه شيورى بين أهل الفقه
والعابدين من المؤمنين، ولا تقضي فيه برأيك خاصة".
وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا لم يجد في المسألة كتابا ولا سنة ولا قضاء من أبي بكر دعا رؤوس المسلمين
وعلماءهم فاستشيارهم فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به.
وقد حرص عمر رضي الله عنه على أن يكون هذا المنهج الجماعي في الاجتهاد هو الأسلوب الذي ينبغي أن يسير عليه
ولاة الأمور في الأقاليم، فقد كان يوصي ولاته باتباع هذا الأسلوب ومن ذلك ما قاله لشيريح.. وروى الدارمي عن المسيب
بن رافع قال: كانوا إذا نزلت بهم قضية ليس فيها من رسول الله صلى الله عليه وسلم أثر اجتمعوا لها وأجمعوا فالحق فيما
رأوا فالحق فيها رأوا".
يقول الإمام مالك رحمه الله: إن عمر بن الخطاب وعامة خيار الصحابة رضي الله عنهم كانت ترد عليهم المسائل وهم
خير القرن الذي بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسم وكانوا يجمعون أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ويألون ثم حينئذ
يفتون فيها بمعنى أنه إذا نزلت نازلة أو واقعة ليس عندهم فيها نص عن الله تعالى ولا عن سنة رسول الله صلى الله عليه
وسلم جمعوا لها الصحابة ثم جعلوها شيورى بينهم عملا بقوله تعالى: )وَأَمْرُهُمْ شيُورَى بَيْنَهُمْ ( وقوله سبحانه: )وَشيَاوِرْهُمْ فِي
الأَمْرِ (.
الحاجة إلى الاجتهاد الجماعي في هذا العصر:
هناك أسباب عديدة تدعونا في هذا العصر إلى العودة إلى الاجتهاد الجماعي: ومن هذه الأسباب ما يلي:
تعذر توفر شيروط الاجتهاد المطلق في أفراد العلماء، فلقد تبين أن الشيروط التي نص عليها علماء الأصول لتحقق الاجتهاد
الفردي يندر إن لم يتعذر توافرها اليوم.اتسام مشيكلات العصر بالتشيابك والتعقيد والصعوبة الكبيرة في الوصول إلى الحكم
الشيرعي فيها باجتهاد فردي مثل مسائل التأمين وتحديد النسل وزراعة الأعضاء وجراحات التجميل والاستنساخ...
تضارب الاجتهادات الفردية في كثير من المسائل العصرية الأمر الذي أوقع المسلمين في كثير من الحرج والحيرة.الجمود
على النصوص القديمة أو التساهل والابتعاد عن الضوابط الشيرعية.
صدور الاجتهاد الجماعي من عدد من المجتهدين الأكفاء أضبط من صدوره من مجتهد واحد، فمن خلال الاجتهاد
الجماعي تتبادل الآراء بين العلماء الشيرعيين بعضهم البعض ومع الخبراء وأهل الاختصاص فيتم تقليب المسائل من جميع
جوانبها مما يجعل نسبة الصواب والتوفيق أكثر منها في الاجتهاد الفردي.
انضمام الخبراء المختصين في شيؤون الاقتصاد، والطب، والقانون والاجتماع إلى علماء الشيريعة يساعد على فهم النوازل
وعلى التوصل إلى الحكم الشيرعي الصحيح فيها.هذا وقد فرض الاجتهاد الجماعي نفسه، كضرورة في هذا العصر لتطبيق
الشيريعة، بعد عجز أكثر القوانين الوضعية أو فشيلها عن إصلاح المجتمعات الإسلامية، وبعد ظهور قضايا عامة لا يحيط
الاجتهاد الفردي بها علما.كما أن الاجتهادات الفردية لم تبق طريقا تنشيرح لها النفس أو يطمئن لها القلب، ولاسيما في
أحكام القضايا المستجدة، لأن هذه تحتاج إلى مزيد درس ومناقشية واجتهادات جزئية تقوم على تخريج الأحكام على أصول
بعض الأئمة أومن خلفهم من كبار الفقهاء، أو على ترجيح بعض الآراء والمذاهب بعضها على بعض، أو تحتاج إلى نظر
يقوم على الاستنباط والموازنة، وحمل النظير على نظيره ابتغاء جلب المنفعة ورفع الحرج عن الناس، وفي هذا تتباين
الأنظار وتختلف الآراء فكان من الأليق والأجدى الاعتماد في تحديد الأحكام في شيأن القضايا المعاصرة على الاجتهاد
الجماعي، لما ينبني عليه من تحقيق أهل الحل والعقد وتمحيصهم ولما فيه من العصمة من الزلل وضمان إصابة الحق
بقدر الوسع.
المحاضرةالثانية:النوازل الماسة بالأسرة المتعلقة بالصور المستحدثة للزواج
تعريف زواج المسيار:
كلمة مسيار في اللغة مِن سار سيرًا وسِيرة؛ بمعنى خرج من بلده أو من موطنه؛ إذ السيّار هو كثير السير، كما تأتيالكلمة
أيضًا بمعنى الذهاب، أما عن تعريف المسيار في الاصطلاح فنقول: كلمة المسيار كلمة عامية دارجة في بعض دول
الخليج، يُعَنْوَن بها عن المرور وعدم المكث الطويل.
وزواج المسيار في الاصطلاح: زواج يقوم على إبرام عقد شيرعي بين رجل وامرأة، يتفقان على المعاشيرة دون العيش
معًا بصورة دائمة، فزواج المسيار هو الزواج الذي يذهب فيه الرجل إلى بيت المرأة، ولا تنتقل المرأة إلى بيت الرجل،
وفي الغالب في كثير من الأحيان تكون هذه الزوجة ثانية، وعند من أقدم عليه زوجة أخرى، هي التي تكون في بيته وينفق
عليها.
إذن زواج المسيار هو عقد الزواج الذي تسقط فيه المرأة حقها في المبيت والسكنى والنفقة، وهذه هي صورة دارجة،
يتخيل فيها أن يتزوج رجل بالغ عاقل امرأة بالغة عاقلة، تحل له شيرعًا على مهر معلوم بشيهود مستوفين لشيروط الشيهادة،
على ألا يبيت عندها ليلًا إلا قليلًا، وألا ينفق عليها سواء كان ذلك بشيرط مذكور في العقد، أو بشيرط ثابت بالعرف أو
بقرائن الأحوال.
إذن يمكننا أن نتخيل أنه زواج مستكمل لجميع أركانه وشيروطه، إلا أن الزوجين قد ارتضيا واتفقا على ألا يكون للزوجة
حق المبيت أو حق القسمة، وإنما الأمر راجع للزوج متى رغب في زيارة زوجته في أية ساعة من ساعات الليل أو
النهار.
ومن خلال هذا التصور نجد أن زواج المسيار يقوم على إعفاء الزوج من واجب السكن والنفقة، والتسوية في البيتوتية
بينها وبين زوجها تنازلًا منها، فهي تريد رجلًا يعفها ويحصنها، وإن لم تكلفه شييئًا بما لديها من مال وسكن وكفاية تامة،
لكن متى ظهر هذا النوع من النكاح؟
هذا النوع من النكاح كان موجودًا منذ فترة طويلة، ولذلك تحدث عنه ابن قدامة في )المغني( وسماه زواج الليليات
والنهاريات، وقد سبقه إلى ذلك الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله. وأول ما ظهر هذا النوع من الزواج لعله ظهر في وقتنا
الحاضر، في إحدى مناطق المملكة العربية السعودية، وفي مناطق أخرى على مستوى العالم العربي.
- أنواع نكاح المسيار:
منها: أن يتم اتفاق شيفوي بين المرأة والرجل دون عقد ولا ولي ولا شيهود، ولا شيك أن هذا زنى صريح.
ومن ثم فإذا قام هذا النكاح بدون ولي ولا شيهود، لا يكون متمشييًا مع النكاح المستوفي للشيروط وللأركان، ومن ثم فهو
لا نكاح إلا بولي « : زنى، وهو محرم؛ لعدم وجود الولي والشيهود؛ لمخالفة ذلك لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم
وأقوال الصحابة وأهل العلم، ولعدم وجود ركن النكاح؛ وهو الإيجاب والقبول، كل ما في الأمر مجرد ،» وشياهدي عدل
ورقة تكتب بينهما دون وجود إيجاب وقبول، مجرد اتفاق وهذا محرم لا شيك فيه إذا تم على هذا النحو بدون ولي وبدون
شيهود.
قد يقول قائل: إنه ربما يكون هذا الزواج جائزًا على المذهب الحنفي الذي لم يقل بالولي، أقول: إن المذهب الحنفي لا
يختلف عن سائر المذاهب الأخرى عندما لا يشيترط الولي؛ لأنه يعقب في النهاية ويقول: لا بد من أن يكون الزوج كفئًا،
ولا بد من مهر المثل، وهذا هو الكلام الذي يشيدد عليه سائر المذاهب.
النوع الثاني: أن يتم الزواج بولي وشياهدي عدل، فإذا تم زواج المسيار بولي وشياهدي عدل، ويكون المقصود منه أن
يمكث الزوج مع الزوجة أيامًا دون مبيت أو دون نفقة، مع اعتقاد عند المرأة أن إسقاط النفقة والمبيت واجب عليها،
وليسا من حقها، فهذا محرم أيضً ا ولا يجوز؛ لأنه نكاح قام على الغرر والخداع، وقد نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عن
الغرر، ولأنه نكاح مؤقت فيكون متعة، ومعلوم كما سبق أن تكلمنا باستفاضة عن حكم نكاح المتعة، وأنه باطل، إذن نكاح
المتعة باطل، وهذا النكاح المؤقت باطل أيضًا.
ولأنه مخالف لقول الله -تبارك وتعالى: }وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ { ]البقرة: 233 [ مخالف للعدل الذي
أوجبه الله -سبحانه- إذ العدل بين الزوجات أمر مقرر في الشيريعة الإسلامية؛ العدل في القسْم، العدل في النفقة والكسوة
والسكنى، والأصل في ذلك قول الله -تبارك وتعالى: }فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً { ]النساء: 3[ عقيب قول الله -تعالى:
.] }فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ { ]النساء: 3
ندب الله -تعالى- إلى نكاح الواحدة عند خوف ترك العدل في الزيادة، وإنما يخاف على ترك الواجب، فدل على أن العدل
بينهن في القسم والنفقة واجب، وإليه أشيار الحق -تبارك وتعالى- في آخر الآية بقوله -سبحانه: }ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا{
]النساء: 3[؛ أي: تجوروا، والجور حرام، فكان العدل واجبًا ضرورة، ولأن العدل مأمور به.
في هذا المعنى يقول ابن قدامة: "وإذا تزوج بامرأة مثلها يوطأ -يعني بالغة عاقلة قادرة على الوطء- فلم تمنعه نفسها ولا
منعه أولياؤها لزمته النفقة".
ويتأسس على ذلك: أن المرأة تستحق النفقة على زوجها بشيرطين:
أحدهما: أن تكون كبيرة يمكن وطؤها، ومن ثم فإن كانت صغيرة لا تحتمل الوطء فلا نفقة لها، وبهذا قال جماعة من
الفقهاء.
الشيرط الثاني: أن تبذل التمكين التام من نفسها؛ أي تمكن نفسها من الزوج تمكينًا تامًّا؛ حتى تستحق النفقة، وإلا كانت
ناشيزة، فإن منعت نفسها مثلًا أو منعها أولياؤها أو تساكتا بعد العقد، فلم تقدم نفسها للزوج فلا نفقة لها وإن أقاما زمنًا
طويلًا؛ تأسيسًا على فعل النبي -صلى الله عليه وسلم- حين تزوج عائشية -رضي الله عنها- ولم يدخل عليها إلا بعد سنتين،
ولم ينفق عليها إلا بعد الدخول بها، ولم يلتزم بنفقتها فيما مضى.
أيضًا لأن النفقة تجب في مقابلة التمكين المستحق بعقد النكاح، أو تجب في مقابلة الاحتباس، فإذا وجد التمكين أو وجد
الاحتباس استحقت الزوجة النفقة، وإلا لا، ومن ثم فلو بذلت المرأة تسليمًا لنفسها غير تام؛ كأن تقول: أسلم إليك نفسي في
منزلي دون غيره، أو في الموضع الفلاني دون غيره، لم تستحق شييئًا، إلا أن تكون قد اشيترطت ذلك في العقد؛ لأنها لم
تبذل التسليم الواجب بالعقد، ومن ثم فلا تستحق النفقة.
كما لو قال البائع: أسلم إليك السلعة على أن تتركها في موضعها أو في مكان بعينه، وإن شيرطت دارها أو بلدها فسلمت
نفسها في ذلك استحقت النفقة، إن اشيترطت أن تسلم نفسها في دارها أو في مكان معين، فسلمت نفسها في ذلك المكان فلا
شيك أنها تستحق النفقة؛ لأنها سلمت التسليم الواجب عليها.
النوع الثالث: أن يتم الزواج بولي وشياهدي عدل، مع علم الزوجة بأن من حقها عدم إسقاط المبيت والنفقة، أو إحداهما،
ويكون مقصود الزوج هو الاستقرار وبناء الأسرة، لا شيك أن هذا النوع من نكاح المسيار نكاح صحيح، وهو الذي أفتى
بصحته كثير من المجامع الفقهية.
- ما التكييف الشيرعي الفقهي لزواج المسيار؟ وهل يتحقق في هذا النوع ما سبق أن ذكرناه من صيغة ومن أركان ومن
شيروط أم لا؟
هذا الزواج هو زواج شيرعي توافرت فيه الأركان، ووجدت فيه الصيغة؛ الإيجاب والقبول، اكتملت فيه الشيروط، إلا أن
الزوجة قد أسقطت حقها في النفقة والسكنى والمبيت، إذن نستطيع أن نقول بأن زواجًا مثل هذا قد تم بعقد وشيهود، ولكن
كل ما فيه أنه قد أعفي الزوج عن أشيياء من قِبل الزوجة؛ كالنفقة الزوجية والسكن الشيرعي والقسمة العادلة بين الزوجة
وبين غيرها من نسائه.
وللزوجة الحق في أن تتنازل عن هذه الأمور بإرادتها، مقابل أن تحل مشيكلة شيخصية عندها، وأحيانًا يكون للزوجة الحق
في أن تتنازل عن حقها في المبيت دون النفقة، فهذا كله أمر تتصرف فيه المرأة بكامل حريتها واختيارها، ولها الحق في
أن تتنازل عن الحقوق أو عن بعض الحقوق
أيضًا هذا النكاح توافر فيه الأركان من حيث الإيجاب والقبول، ومن حيث الخلو من الموانع الشيرعية، ومن ثم إذا قارنا
أركان نكاح المسيار وأركان النكاح المشيروع، في صوره المشيروعة التي سبق أن نوهنا عنها؛ نقول: إنها هي نفس
الأركان، لا فرق بين هذا النكاح وبين النكاح الصحيح الذي سبق أن تحدثنا عنه باستفاضة.
أيضًا لأن هذا النكاح فيه توافرت الشيروط؛ من حيث تعيين الزوجين، من حيث الرضا، من حيث الولي، من حيث الشيهود،
من حيث الكفاءة.
- النتائج المتعلقة بزواج المسيار:
النتيجة الأولى: زواج المسيار هذا لم يعرف بهذا الاسم إلا حديثًا، وفي دول الخليج بالذات، وكان فيما مضى يطلق عليه
زواج السر أو زواج النهاريات أو الليليات.
النتيجة الثانية: هناك فرق كبير بين نكاح المسيار ونكاح المتعة والتأقيت، وهذا الفرق لعله يكون واضحًا لدينا عندما كنا
بصدد عرض زواج المسيار، والتحليل من حيث الباعث والمال، فنكاح المسيار الباعث عليه -كما عرفنا- هو الزواج
الحقيقي ومآله الاستمرار.
ولا شيك أن هذا الباعث يختلف كثيرًا عن نكاح المتعة، الذي قد علمنا أن الهدف منه هو مجرد المتعة لفترة محدودة،
وبأجرة معلومة، ثم تنتهي العلاقة بين الرجل والمرأة، والتأقيت أيضًا كذلك، وأما التحليل فالباعث عليه هو تحليل المرأة
لزوجها الأول، وليست عند الزوج الجديد نية للاستمرار موجودة أصلًا .
النتيجة الثالثة: الفقهاء قد اختلفوا حول هذا النوع من الزواج؛ وهو نكاح المسيار، وخاصة المُحْدَثين من الفقهاء؛ فمنهم من
أجازه كما قلنا، ومنهم من قال بحرمته، ومنهم من قال بكراهته، ومنهم من توقف فيه؛ ولعل الراجح هو الجواز والإباحة
لهذا النوع بضوابطه المعلومة لدينا.
من النتائج أيضًا نقول: إن الفقهاء الذين أجازوا نكاح المسيار بينوا أنه زواج شيرعي تتوافر فيه جميع أركان الزواج.
النتيجة الرابعة: زواج المسيار قد يؤدي إلى بعض السلبيات، خاصة على الزوجة الأولى والثانية، ولكنه من حيث المآل قد
يقضي على العنوسة التي كثرت في زماننا، كما يقضي على الطلاق الذي انتشير في تلك الأوقات.
النتيجة الخامسة: هذا النكاح يساعد على حفظ الأعراض، ولا شيك أن حفظ الأعراض مقصد من المقاصد الشيرعية الهامة
زواج المسفار:
ومِن مسماه يتبين لنا أنه زواج مؤقت، ومحدد بوقت محدد، ولنضرب لذلك مثالًا؛ حتى يتضح الكلام، فلو أن طالبًا ما من
طلاب الدراسات العليا ابتعث في بلد ما ليكمل دراسته، فيقدم على الزواج من تلك البلدة التي يذهب للدراسة بها، ويتزوج
زواجًا مؤقتًا ومحددًا بتحديد وتوقيت مدة إقامته في تلك البلدة.
إذن ليس هناك من شيك في أنه زواج محدد؛ أي هو زواج المتعة، هذا النكاح هو محرم بالنص والإجماع، في هذا المعنى
يقول ابن القيم -رحمه الله: "وأما نكاح المتعة فثبت عنه -صلى الله عليه وسلم- أنه أحلها عام الفتح، وثبت عنه -صلى الله
عليه وسلم- أنه نهى عنها".
وعن سبرة الجهمي .» أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حرم متعة النساء « وفي الصحيحين عن علي -رضي الله عنه
أنه غزا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فتح مكة، قال: "فأقمنا بها خمسة عشير، فأذن لنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
في متعة النساء، وذكر الحديث إلى أن قال: فلم أخرج حتى حرمها رسول الله -صلى الله عليه وسلم". وفي رواية أنه كان
يا أيها الناس إني قد أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرم ذلك إلى « : مع النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال
إلى غير ذلك من الروايات التي تفيد » يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شييء فليخل سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شييئًا
تحريم هذا النوع من الزواج
وكلنا نعلم أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في حجة الوداع نهى عن هذا النكاح، وهذا التحريم لا شيك أنه كان بعد
الإباحة.
ونقف على مبررات لهذا الحكم، والاستدلال على هذا الحكم؛ وبيان ذلك:
فالزواج الشيرعي هو الزواج المستمر الدائم غير المؤقت، الذي سماه الله ميثاقًا غليظًا، فهل في هذا النوع من الزواج
استمرارية؟ ليس فيه استمرارية، لكن فيه تأقيت، والزواج الشيرعي يتنافى مع التأقيت؛ لذلك نقول: هذا الزواج زواج
محرم، كما أنه يحتوي أيضًا على أمور محرمة؛ من تلك الأمور:
أن فيه قيام المرأة بالعقد لنفسها بلا ولي، ولا شيك أن هذا مخالف للأحاديث النبوية، والتي منها قوله -صلى الله عليه وسلم:
وما ورد عن أم المؤمنين عائشية -رضي الله عنها- في هذا الشيأن لهو دليل واضح كل الوضوح على ،» لا نكاح إلا بولي «
حرمة وبطلان هذا النوع من النكاح؛ عندما تقول -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم: "أيما امرأة
نكحت نفسها بغير إذن وليها؛ فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل، فإن أصابها فلها المهر بما أصاب منها، فإن
اشيتجروا -أي تخاصموا وتنازعوا- فالسلطان ولي من لا ولي له".
من هنا ومن هذا الحديث خاصة نجد الصراحة في حكم هذا النكاح: باطل باطلباطل. لا أدل على الحكم من هذا.
لا تزوج « : ومزيد أيضًا من الأحاديث في هذا المعنى، ومن تلك ما رود عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال
.» المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها
إذن لو نظرنا إلى صور هذا النوع من النكاح؛ نجد أن المرأة هي التي تتولى هذا الأمر، بعيدة كل البعد عن إذن الولي،
ومن ثم فلا يقوم هذا الزواج على الوجهة الشيرعية للزواج المستمر؛ إذ تلك المرأة لا يصلح أن تتولى أمر نفسها، ولا أن
تتولى أمر غيرها، فلا يصلح أن تتولى أمر نفسها لا بالأصالة ولا بالنيابة.
في هذا المعنى أيضًا يقول ابن قدامة في )المغني(: "النكاح لا يصح إلا بولي، ولا تملك المرأة تزويج نفسها ولا غيرها،
ولا توكيل غير وليها في تزويجها، فإن فعلت لم يصح النكاح، وقالوا: روي هذا عن عمر وعلي وابن مسعود وابن عباس
وأبي هريرة وعائشية -رضي الله عنهم جميعًا- وخلائق غيرهم".
إذن يدل كلام النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة والعلماء على حرمة نكاح المرأة بغير ولي وعدم صحته، وإن ورد
عن الأحناف جوازه، لكن من يتدبر المذهب الحنفي -في هذا الشيأن- يجد أن هذا المذهب لا يتمشيى إلا مع قواعد الشيريعة.
ومن ثم فلا يخالف جمهور الفقهاء؛ إذ فقهاء الحنفية عندما قالوا بأن تزوج المرأة نفسها دون ولي؛ فهم لا يقولون بهذا
الكلام على إطلاقه، وإنما يقيدونه بقيود قلما توجد إذا زوجت المرأة نفسها بدون ولي، والقيود تتمثل في أن يكون الزوج
كفئًا لتلك المرأة ولأولياء المرأة، وأن لا يقل المهر عن مهر المثل، وعادة وبالاستقراء لو تتبعنا أية حالة من الحالات التي
انفردت فيها المرأة بتزويج نفسها، لا نجد كفاءة، ولا نجد مهرًا، وإذا وجدنا مهرًا فلا يصل إلى مهر المثل، ولا نصف
مهر المثل ولا ربع مهر المثل
زواج الحنبلي بالحنفية والشافعية:
هناك أيضًا من الصور المستحدثة في هذه الأيام زواج يطلق عليه زواج الحنبلي بالحنفية والشيافعية، والحقيقة أن اسم هذا
الزواج مخترع أيضًا، نعم مخترع؛ لأن من يعبث في الشيريعة وفي أحكام الشيريعة لا يجد من يقف له بالمرصاد، فلو أن
شيخصًا أقدم بغير حق على تخصص من تخصصات الدنيا، لقام أهل التخصص عليه، ولقامت الدنيا ولم تقعد.
صورة هذا الزواج تتمثل في أن يتزوج البعض وهو حنبلي أو شيافعي أو مالكي، وهم يعلمون حرمة زواج المرأة بلا ولي،
فإذا أنكرنا عليه ذلك وقلنا له: لماذا تقدم على ذلك؟ فيقول: هي حنفية والمذهب الحنفي يقول كذا وكذا وكذا، يا سبحان الله
المسألة ليست مذاهب وانتقاء بلا دليل صحيح، فإذا صح الحديث فهو مذهب الأئمة الأربعة رحمهم الله.
بل ما هو أكثر من ذلك أنه من المعلوم أن تتبع الرخص في المذاهب أمر مكروه، لا ينبغي أن يقدم الإنسان عليه، فمن
يتزوج بهذه الصورة إذا أراد أن يستمر تجده يسعى إلى أن يجدد هذا العقد، وأن يبحث عن الولي.
نكاح أو زواج بنية الطلاق:
هناك أيضًا من الأنكحة المستحدثة: نكاح أو زواج بنية الطلاق، ولقد أفتى بعض العلماء وبعض السلف بجواز هذا النوع،
كشييخ الإسلام ابن تيمية في صورة معينة وابن قدامة، ومن العلماء المعاصرين أيضًا من قال بالإباحة، ولكن لو رأى
هؤلاء العلماء وهؤلاء السلف حال الناس، وما هم عليه من هذا الزواج لقالوا بحرمته ولا شيك في ذلك.
فشييخ الإسلام ابن تيمية عندما يُسأل عن رجل ركاض، يسير في البلاد في كل مدينة شيهرًا أو شيهرين، ويعزل عنها،
ويخاف أن يقع في المعصية؛ فهل له أن يتزوج في مدة إقامته في تلك البلدة، وإذا سافر طلقها وأعطاها حقها؟ هل يصح
هذا النكاح أم لا؟ فيجيب شييخ الإسلام: "له أن يتزوج، لكن ينكح نكاحًا مطلقًا لا يشيترط فيه توقيتًا، بحيث يكون إن شياء
أمسكها وإن شياء طلقها، أما إن نوى الطلاق حتمًا عند انقضاء سفره كره له ذلك، وفي صحة النكاح نزاع".
فلأجل هذا نقول: لو أن هؤلاء اطلعوا على أحوال الناس، وما آل إليه الدين الإسلامي عند الناس من تساهل في أحكامه،
ومن افتيات على تعاليم الشيريعة الغراء، لقالوا بحرمة هذا النوعب من النكاح
الزواج الصيفي والسياحي والفرند أو الصديق، وزواج نهاية الأسبوع:
أيضًا من الصور المستحدثة للزواج ما يدعى بالزواج الصيفي والسياحي والفرند أو الصديق، وزواج نهاية الأسبوع، ولا
يختلف معي عاقل -ولا شيك- في أن كل تلك الأنكحة محرمة؛ لأنه لا يوجد بها ولي ولا شياهدي عدل، ولأنها أنكحة مؤقتة،
ومن ثم فتكون محرمة ومتعة محرمة؛ لأنه نكاح لم تتحقق فيه الثمرة المرجوة من النكاح؛ وهي المودة والرحمة؛ }وَجَعَلَ
بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً { ]الروم: 21 [، أين الرحمة وأين التراحم، وأين المودة وأين صلة الأرحام؟!
رجل يقضي مع امرأة أسبوعًا أو شيهرًا ثم يتركها لحالها ويذهب هو لحاله، ولا يدري ما يترتب على هذا النكاح من ذرية،
أو ما يترتب على هذا النكاح من سوء سلوك تعتريه تلك المرأة عندما يتركها الزوج؛ لأنها لديها الرخصة وهي أنها زوجة
لفلان، والحقيقة أنها للأسف لا هي متزوجة ولا هي مطلقة. ومن ثم فإننا لا نتردد في أن نغلق هذا الباب من النكاح ونقول
بحرمته
نكاح الشغار:
من الأنكحة أيضًا التي استحدثت -وإن كان لها وجود في الأزمان الماضية- ما يسمى بنكاح الشيغار، وهو نكاح محرم
.» لا شيغار في الإسلام « : أيضًا حيث ورد عن ابن عمر -رضي الله عنه- مرفوعًا
والشيغار هو أن يزوج الرجل ابنته على أن يزوجه الآخر ابنته وليس بينهما صداق، هذا هو الزواج المنهي عنه في
الإسلام قديمًا وحديثًا؛ حيث قال فيه الإمام أحمد: "الشيغار الباطل أن يزوجه وليته على أن يزوجه الآخر وليته ولا مهر
بينهما". وفي موضع آخر نجد: لا يصح هذا النوع حتى ولو سموا فيه مهرًا، لكن ما علة النهي عن هذا النوع من النكاح؟
اختلف في تحديد علة النهي؛ فقيل: هي جعل كل واحد من العقدين شيرطًا في الآخر، وقيل: العلة التشيريك في البضع وجعل
بضع كل واحدة مهرًا للأخرى، ولا شيك أن المرأة لا تنتفع بهذا المهر، ومن ثم فلم يرجع إليها المهر، بل حتى إذا عاد
المهر فإنما يعود إلى الولي، وهو مِلكه لبضع زوجته بتمليكه لبضع موليته.
وهذا ظلم لكل واحدة من المرأتين، والظلم حرام؛ مصداقًا لقول الحق -تبارك وتعالى: "يا عبادي إني حرمت الظلم على
نفسي، وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا". لا شيك أن هذا ظلم لكل واحدة من المرأتين، وإخلاء لنكاحهما عن مهر تنتفع به
نكاح البصمة:
من الصور المستحدثة أيضًا نكاح يسمى نكاح البصمة، وهو من أحدث الأنكحة التي استحدثت في بعض البلاد، والتصور
لهذا النوع من النكاح أن يقوم الرجل بوضع إبهامه على إبهام المرأة، فيتم النكاح بذلك.
ومما لا شيك فيه أن هذا زنى صريح حيث لا ولي ولا شيهود ولا أركان للنكاح، ومن ثم فهو يصنف على أنه نكاح مؤقت،
ومن ثم فوأي زواج يخترع مخالف للشيرع فهو محرم، وإن كان بعض من يخترع أمرًا وهو محرم يسميه زواجًا، يظن أنه
يصبح حلالًا بتسميته نكاحًا أو زواجًا، وهذا غير صحيح، بل هو حرام؛ لأنه يخالف الشيرع؛ إذ التحليل والتحريم لله
ولرسوله؛ لأن الأصل في العبادات التحريم، والله -عز وجل- يقول: }وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
] وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَ انَ عَنْهُ مَسْئُولًا { ]الإسراء: 36
الزواج العرفي:
من الصور المستحدثة أيضًا والتي كثرت في الآونة الأخيرة ما يسمى بالزواج العرفي، والزواج العرفي مصطلح يراد به
الزواج الذي لم يكتب في الوثيقة الرسمية، فهو يقابل الزواج الموثق، وكلا المصطلحين قانوني لا يمت للشيريعة الإسلامية
بصلة، وسمي الزواج العرفي بهذا الاسم تمييزًا له عن الزواج الموثق.
وأما من ناحية ماهيته باعتباره عقدًا؛ فهو عقد استوفى جميع الأركان والشيروط المعتبرة شيرعًا في صحة عقد النكاح، وبه
تثبت جميع الحقوق من حل المعاشيرة الزوجية وثبوت النسب.
حقيقة الزواج العرفي بمعناه المتقدم هو الصورة الوحيدة التي كان معمولًا بها بين المسلمين، من عهد الرسول -صلى الله
عليه وسلم- إلى زمن ظهور التوثيق، وإذا كان الزواج العرفي هو طريقة عقد الزواج المعمول به في السابق؛ لانعدام
التوثيق الرسمي آنذاك، فقد رتب عليه الفقهاء جميع حقوق الزواج، وأما بعد ظهور التوثيق وإلزاميته من قبل الحكومات
في كل العقود فإن الأمر تغيريكون حكمه حكم النكاح المؤقت، وهو التحريم
النوازل الماسة بالأسرة المتعلقة بالوسائل العلمية الحديثة
المحاضرة 12 : الفحص الطبي قبل الزواج .
يعد موضوع الفحص الطبي من المواضيع التي استحوذت على اهتمام الكثير من الفقهاء وهو يعد من النوازل الفقهية المعاصرة والتي
أوجبته ضرورة ما يحدث في عصرنا هذا من انتشيار بعض الأمراض الخطيرة التي لم تكن في الأمم السابقة والتي تعد من نتائج
الحضارة الغربية وشييوع الفاحشية وانتشيار المواقع الإباحية ، وظهور الأمراض الوراثية، إضافة إلى التقدم العلمي الهائل في مجال
الطب وعلم الوراثة وهندسة العينات، والقدرة على الكشيف المبكر عن الأمراضوالإعاقات العقلية والجسدية، كل ذلك جعل كثير من
الدول تسن تشيريعات تفرض على المتقدمين للزواج إجراء الفحص الطبي باعتباره من طرق الوقاية لكثير من الأمراض الوراثية أو
الجنسية المعدية.
1 تعريف الفحص الطبي قبل الزواج و أثاره. -
- تعريف الفحص الطبي قبل الزواج :
أولا-لغة:
مصطلح الفحص الطبي يتكون من شيقين كلمة "فحص" وكلمة "الطبي".
-1 الفحص لغة : من فحص عنه فحصا : بحث وكذلك تفحّص وافتحص وتقول فحصت عن فلان وفحصت عن أمره لأعلم كنه
حاله وقد فحصني فلان فحاصا، كأن كل واحد منهما يفحص عن عيب صاحبه وعن سره.
فالفحص بهذا المعنى هو البحث بدقة للوصول إلى أمور مخفية في الشييء المفحوص.
-2 الطبي لغة : من الطب بمعنى علاج الجسم والنفس ومنه، علم طب، وطَبَّ المريض ونحو طبًا، داواه وعالجه والطبُ بمعنى
السحر، وتطبب فلان تعاطى الطب وهو لا يتقنه، والطبيب من حرفته الطّب أو الطبابة وهو الذي يعالج المرضى ونحوهم،
والطبابة حرفة الطب والمتطبب الذي يتعاطى مهنة الطب و رجل طب بالضم الباء و طبيب عالم بالطب.
فالطبي نسبة لعلم الطب الذي هو علم معالجة ومداواة الجسم والنفس.
-3 الفحص الطبي لغة : من الطب و هي علاج الجسم و النفس والبحث الدقيق عن الأمراض والعيوب الخفية من أجل مداواتها
ومعالجتها.
ثانيا- التعريف الاصطلاحي
الفحص الطبي قبل الزواج : هي عبارة عن فحوصات مخبرية أو سريريه تجرى لكل من الذكر والأنثى العازمين على الزواج، ويتم
إجراؤها قبل عقد القران لاكتشياف أي موانع صحية تحول دون الزواج وكد لمعرفة إمكانية الإنجاب من عدمه بحيث يكون كلا من
الخاطبين عالما بما هو مقبل عليه ومقتنعا به تماما.
أو هو الفحص الذي يجريه المقبلين على الزواج ويكون قبل عقد الزواج الهدف منه هو الكشيف عن احتمال حمل أحد الزوجين أو
كلاهما لأمراض وراثية أو معدية، قد ينجم عنها عدم استقرار الحياة الزوجية.
فالفحص الطبي يتضمن:
محل الفحص الطبي قبل الزواج الخاطبان العازمان على الزواج.
وقت الفحص الطبي قبل الزواج يكون قبل عقد الزواج.
نوعية الفحوصات الطبية التي تجرى للمقبلين على الزواج منها سريريه وذلك بالفحص للمريض بتحسس مواضع معينة من بدن
المريض ومعاينتها بالنظر أو اللمس أو بواسطة الأجهزة الحديثة.
وإما مخبرية، وهي جزء من الفحوصات التكميلية للكشيف عن الأمراض المعدية كالزهري والأمراض الوراثية كمرض الثلاسيميا،
والأمراض المزمنة كالسكري وقد يرى الطبيب إجراء فحوص أخرى إذا استدعت الحاجة ذلك.
أن الهدف العام للفحص الطبي قبل الزواج هو الوصول إلى حياة زوجية مستقّرة وأبناء أصحاء وبتالي مجتمع سليم ومعافى من
الأمراض.
- أثار الفحص الطبي قبل الزواج :
تعد الفحوصات الطبية قبل الزواج مفتاح الزواج الآمن، وهي من الوسائل الوقائية والفعّالة للحدّ من الأمراض الوراثية والمعديّة
الخطرة، وعلى الرغم من الأهمية الاجتماعية والاقتصادية التي ينطوي عليها الفحص الطبي قبل الزواج إلا أنّه تكتنفه الكثير من
المحاذير التي قد تعود على الأفراد المجتمع بنتائج سلبية وعليه فللفحوصات الطبية إجابيات وسلبيات.
أولا – الآثار الإيجابية للفحص الطبي قبل الزواج:
تتلخص فوائد الفحص الطبي قبل الزواج في :
الوقاية من أمراض الدم الوراثية.
أعلام المقدمين على الزواج بالأمراض الوراثية المحتملة للذرية فإن وجدت تتسع الخيارات في عدم الإنجاب وعدم إتمام الزواج
أو فحص الجنين في أيامه الأولى ومراقبته وإجهاضه إن لزم الأمر ضمن الشيروط الشيرعية.
التحقق من وجود أمراض مزمنة تؤثر على مواصلة الحياة بعد الزواج واستقرارها.
المحافظة على سلامة الجنين في رحم المرأة من الأمراض والتشيوهات والإعاقات
فعلى سبيل المثال مرض الزهري إذا أصيبت به المرأة قبل الحمل تماما أو قبل ذلك بستة أشيهر فإن احتمال انتقال العدوى إلى
الجنين تصل إلى 99 % وتزدادا نسبة الإصابة كلما قرب زمن الحمل من زمن الإصابة.
تثقيف المقبلين على الزواج صحيا بالنواحي التي تؤدي إلى السعادة الزوجية وتحاشيي أسباب الاختلاف والطلاق، ودحض
الأفكار والمعتقدات المغلوطة.
تأكد احد الخاطبين من قدرة الطرف الآخر على الإنجاب، وعدم وجود العقم، وبذلك يقدم كل واحد منهما على الزواج وهو
مطمئن على مستقبل حياته الزوجية.
إخضاع النساء اللواتي مازلن في سن الإنجاب للفحوصات الخاصة بمرض الحميراء ) Rubéole ( الذي يمكن أن تتعرض له
أثناء فترة الحمل، وكذلك لفحص فصيلة الدم وفقا للنموذج المشيار إليه في المرسوم التنفيذي.
أن إجراء الفحص الطبي قبل الزواج يحقق مصلحة للفرد و المجتمع،أما ما يخص الفرد فهو يحافظ على صيانة النفس والنسل و
في تحقيق مصلحة المجتمع أنه يقيه من ذرية ضعيفة تكون عبئ عليه و هو من جملة الأحكام الوقائية من الأمراض قبل الزواج.
ثانيا-الآثار السلبية للفحص الطبي قبل الزواج:
تتمثل سلبيات الفحص الطبي قبل الزواج في :
تكلفة مادية قد يتعذر على كثير من الناس الاضطلاع بها إذ يستحمل الشيباب أعباء مالية زائدة على الأعباء المالية العادية وهذا
يؤدي إلى عزوف الشيباب عن الزواج أو اللجوء للزواج العرفي.
قد يتخوف كثير من الناس من نتيجة الفحوص لاسيما الاختبار الوراثي الأمر الذي يخلف التردد في الإقدام على الزواج من
الشيباب، لعدم القبول النفسي لهذه الفحوصات.
نسبية نتائج الفحص الطبي قبل الزواج.
الفحص الطبي قبل الزواج لا يضمن الوقاية من كل الأمراض الوراثية من جهة، ويبقى احتمال الإصابة بأمراض أخرى غير
معروفة قائمة وهذا يجعل منه عديم الجدوى.
قد يحدث تضارب في نتائج الفحوصات الطبية، الأمر الذي يضطر الشيخص لإعادة الفحوصات وهو ما يكلفه أعباء مالية
إضافية ، وقد يكون مدخل إلى العزوف عن الزواج.
قد يحمل الإلزام على الفحص الطبي الكثير من المتخوفين أوالمرضى على التزوير في نتيجة الفحوصات للحصول على شيهادات
تثبت سلامتهم من العيوب الوراثية والصحية بطرق الرشيوة أو مجاملات، وهذا يفرغ المسألة من مضمونها ويعدم جدواها.
قد يحدث تسريب لنتائج الفحص وهذا ما يضر بأصحابه لاسيما المرأة، التي قد يعزف عنها الخطاب إذا علموا أن زواجها لم يتم
بغض النظر عن نوع المرض وهو ما ينشيأ عنه مشياكل اجتماعية ونفسية، أي يتصادم مع الحق في الخصوصية
4 : حكم الفحص الطبي قبل الزواج في الفقه والقانون. -
– حكم الفحص الطبي قبل الزواج في الفقه :
أولا-موقف الفقهاء من مشروعية الإلزام بالفحص الطبي قبل الزواج :
اختلف الفقهاء حول مشيروعية الإلزام بالفحص الطبي إلى فريقين :
-1 الفريق الأوّل: يرى أنّه لا مانع شيرعا من أن يصدر ولي الأمر تشيريعا أو قانونا يلزم الناس بإجراء الفحص الطبي قبل الزواج
بوسيلة أو أخرى، وذلك في خصوص الأمراض الوراثية الشيائعة الانتشيار.
أ - أدلة الفريق الأول : وقد استدل أنصار هذا الفريق بمشيروعية الإلزام بالفحص الطبي قبل الزواج بما يلي :
.1 أن الفحص الطبي قبل الزواج وسيلة لتفادي إصابة الذرية بالأمراض الوراثية والله تعالى أمرنا
بتوقي المهالك قال تعالى : وَلاَ تُلْقُواْ بِأيَْدِيكُمْ إِلَى ال تهْلُكَةِ  ، وقال أيضا : وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ  .
فدل على مشيروعية الإلزام به:
الرّد : أن انتقال الأمراض الوراثية إلى الذرية أمر احتمالي، وهو لا ينهض سببا لتقييد المباح وخصوصا الزواج الذي هو سبيل للبعد
عن الفاحشية وتحصين النفس، فيبقى الأمر في حيز النصح والاستحباب، ولا يدخل حيز الوجوب والإلزام.
.2 أن الأمراض الوراثية لا تدخل تحت حصر، لكن هذا لا يعني عدم اتخاذ تدابير وقائية حيال الأمراض التي اكتشيفت وثبت
انتشيارها في أماكن وأسر معينه، وعليه ما لا يدرك كله يترك كله والميسور لا يسقط بالمعسور.
.3 أنه ورد في صحيح السنة الأمر بالاجتناب المرض، والأمر بتجنيبهم، وهذا يستفاد منه أهمية وضرورة الوقاية من الأمراض،
ومسبباتها، والإلزام بالفحص الطبي سبيل من سبل الوقاية.
.4 إن الفحص الطبي وسيلة لدفع الضرر في الأسر، فالأسر التي يصاب ذريتها بالأمراض تكون أسرا مضطربة اقتصاديا
واجتماعيا ونفسيا، والواجب توقي هذا الأمر والفحص الطبي من أسباب الوقاية.
ثانيا-الرأي الثاني :
يرى عدم مشيروعية الإجبار على الفحص الطبي، وترك الاختيار للمقبلين على الزواج، مع تشيجيع وتوعية الناس بضرورة وأهمية
الفحص الطبي قبل الزواج والتحيز عليه.
واستدلوا بالحجج التالية :
.1 أن أركان عقد الزواج وشيروطه التي جاءت بها الأدّلة الشيرعية محددة، وليس منها وجوب إجراء الفحص الطبي قبل الزواج ،
وإلزام الناس بإجرائه زيادة على شيرع الله وهو باطل.
.2 إلزام الناس على إجراء الفحص الطبي قبل الزواج يرتب مفاسد عظيمة تزيد على المصالح الموجودة من هذه المفاسد.
.3 إن إلزامية الفحص الطبي يؤدي إلى عزوف الشيباب عن الزواج بعدم القبول النفسي من كثير منهم لهذا الكشيف تخوفا من
نتيجة الفحص.
أن تكاليف الفحص باهظة، لكثرة الأمراض الوراثية التي اكتشيفت، ولارتفاع تكلفة إجراء الفحص، فالإلزام به يعني تحميل
الشيباب أعباء مالية زيادة عن الأعباء العادية للزواج.
أن الإلزام لن يحقق فائدة عملية فعالة، لأن كثير من الشيباب سيلجأ إلى تزوير الشيهادات أو الرشيوة في سبيل الحصول عليها.
هناك بعض الأمراض تتنقل جين واحد، فهل يعني أن من يحمل هذا الجين لا يتزوج ؟ ومن المسئول إذا وقعوا في الحرمات ؟
أليس في ذلك مفسدة أعظم؟.
تجب طاعة ولي الأمر في جعل المباح واجبا إذا تعينت فيه المصلحة أو غلبت للقاعدة "تصرف الإمام على الرعية منوط
بالمصلحة".
أولا- الفحص الطبي ما قبل الزواج في قانون الأسرة الجزائري المعدل :
استحدث المشيرع الجزائري شيهادة الفحص الطبي قبل الزواج في المادة السابعة مكرر من قانون
يجب على طالبي الزواج أن « 02 المؤرخ في 27 فبراير 2005 المعدل والمتمم والتي تنص على مايلي - الأسرة المضافة بالأمر 05
يقدما وثيقة طبية لا يزيد تاريخها عن ثلاثة أشيهر ) 03 ( تثبت خلوهما من أي مرض أو أي عامل قد يشيكل خطرا يتعارض مع
الزواج.
يتعين على الموثق أو ضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير العقد من خضوع الطرفين للفحوصات الطبية ومن علمهما بما قد
يكشيف عنه من أمراض أو عوامل قد تشيكل خطرا يتعارض مع الزواج ويؤثر بذلك في عقد الزواج".
ويكون بذلك قد التحق بموكب التشيريعات الأخيرة التي سبقته في هذا المجال وكذلك التشيريعات العربية وهذا بعدما تأكد من الآثار
الإيجابية التي يرتبها هذا الشيرط على مستوى الأسرة والمجتمع.
فشيهادة الفحص الطبي تعد مطلبا صحيا تدعو إليه ضرورة المصلحة العامة، ودرءا من المفاسد التي قد تترتب على الزواج قد يتم بين
الأقارب وما يسببه من الأمراض والعاهات الوراثية الخطيرة لدى الأبناء ، وما يترتب من إخفاء الكثير من الأشيخاص لأمراض من
آثار وخيمة على الحياة الزوجية التي تنتهي إلى حل الرباط الزوجي المقدس.
1 - تحديد شروط وكيفيات تطبيق هذه المادة عن طريق التنظيم :
- شروط وكيفيات تطبيق المادة 10 مكرر من قانون الأسرة المعدل والمتمم :
ألزمت الفقرة الثانية من المادة 07 مكرر المذكورة أعلاه كل من الموثق وضابط الحالة المدنية أن يتأكد قبل تحرير عقد الزواج من
خضوع الطرفين للفحوصات الطبية اللازمة، ومن علمهما بما قد تكشيف عنه تلك الفحوصات من أمراض وعوامل قد تشيكل خطر
يتعارض مع الزواج.
02- وقد حدد شيروط وكيفيات تطبيق هذه المادة مرسوم التنفيذيصدر بعد مضي مدة تزيد عن سنة من صدور الأمر الرئاسي رقم 05
المعدل لقانون الأسرة وقد تضمن ثمانية مواد تحدد كيفية تطبيق المادة 07 مكرر المذكورة أعلاه.
2 : 152- -شروط وكيفيات تطبيق المرسوم التنفيذي رقم 10
.1 أوجب المرسوم التنفذي بموجب المادة على كل واحد من طالبي الزواج بتقديم شيهادة طبية لا يزيد تاريخها عن ثلاثة أشيهر،
تثبت خضوعهما للفحوصات الطبية المنصوص عليها في هذا المرسوم على أن تسلم هذه الشيهادة من طرف الطبيب حسب
نموذج ملحق بهذا المرسوم.
.2 حددت المادة الثالثة من هذا المرسوم نوع الفحوصات الطبية التي يجب أن يخضع لها طالب الزواج، وألزمت الطبيب التأكد
من خضوعهما لها ذلك أن الشيهادة الطبية يتم تسليمها بناءا على نتائجها :
فحص عيادي شيامل.
تحليل فصيلة الدم.
أما المادة الرابعة قد أعطت للطبيب الصلاحية في التوسع في الفحص بأن ينصب على العوامل الوراثية والعائلية قصد الكشيف عن
العيوب المحتملة أو القابلة للإصابة ببعض الأمراض الخبيثة.
كما يمكن أن يقترح الطبيب على المعني إجراء فحوصات إضافية للكشيف عن الأمراض الوراثية والعائلية والأمراض المعدية أو
الخطرة التي يمكن أن تنتقل إلى الزوج أو الذرية وإخضاع النساء اللواتي مازلن في سن الإنجاب للفحوص الخاصة بالحيمراء
( Rubéole ( وكذلك لفحص فصيلة الدم ) Groupe Sanguin .)
أما المادة الخامسة نصت على أن يقوم الطبيب بإبلاغ المعني بالأمر بملاحظاته عن نتائج الفحص الطبي وإعلامه بالأمراض
المصاب بها ومخاطر العدوى منها وهكذا يكون المعني على علم بما أصابه وبما يصيب قرينه أو ذريته وبتالي يقرر إما العدول عن
مشيروع الزواج أو أن يتزوج رغم إصابته بأمراض معدية أو خطرة، ويتحمل عندئذ المسؤولية كاملة ، ويتم اعدد شيهادة طبية بذلك
تسلم إلى المعني.
وطبقا لنص المادة 06 من هذا المرسوم التنفيذي ، فإنه لا يجوز للموثق أو لضابط الحالة المدنية إبرام عقد ما لم يقدم كل واحد من
طالبي الزواج الشيهادة الطبية المذكورةبنص المادة 02 من هذا المرسوم، مع التأكد من علمها بنتائج الفحوصات الطبية، وذلك من
2 )ق.أ.ج(. / خلال الاستماع إلى كل منهما، مع ضرورة التأشيير بذلك في عقد الزواج م 7
ولا يجوز لكل من الموثق أو ضابط الحالة المدنية رفض إبرام عقد الزواج لأسباب طبية خلافا لإرادة المعني .
ملاحظة :
يتضح من أحكام القانون الجزائري المنظم لشيهادة الفحص الطبي قبل الزواج أن دورها وقائي لا غير، لحماية الزوجين والأبناء
والمجتمع من الأمراض الوراثية أو المعدية التي تحول بينه وبين القيام بواجباته الزوجية، فرغم التنصيص على الزامتيها في م 07
مكرر )ق.أ.ج.( المعدل و المتمم والمادة 06 من المرسوم التنفيذي فإنها ليس شيرطا من شيروط الانعقاد م 09 مكرر )ق.أ.ج(.
فعلى فرض أنه تم الزواج دون إحضار هذه الشيهادة فإنه لايعتبر باطلا بل يبقى صحيحا، غير أن المريض الذي يتعمد إخفاء المرض
2/ واكتشيف ذلك بعد الزواج فإنّه يجوز لزوج الآخر طلب الطلاق )رجل( والتطليق )المرأة( للعيوب والأمراض م 48 )ق.أ.م( 53
82 )ق.م(وهذا على اعتبار ، 33 . )ف.أ.ج( كذلك يجوز طلب فسخ الزواج بسبب غلط في صفة جوهرية من صفات الشيخص م. 9
أن القدرة على العلاقة الجنسية هي الصفة أو السبب الرئيسي للتعاقد في عقد الزواج وإن إخفاء عيوب وتشيوهات تناسلية كالعجز
الجنسي يخول للزوجة حق التطليق أو فسخ الزواج لأن الإرادة تكون معيبة.
-3 تقييم إدراج شهادة الفحص الطبي قبل الزواج من طرف المشرع الجزائري:
من خلال دراساتنا لأحكام الشيهادة الطبية قبل الزواج وفقا للمادة 07 مكرر )ق.أ.ج( ومواد المرسوم التنفيذي والذي يحدد شيروط
وكيفيات تطبيق أحكام المادة 07 مكرر من قانون الأسرة تتضح لنا إبداء الملاحظات القانونية الآتية.
2 من المرسوم المذكور / إن أحكام القانون لم تحدد الأمراض المعدية أو الخطرة التي يتعين على الطبيب الكشيف عنها، وفقا لنص م 4
والمادة 07 مكرر من قانون الأسرة، والتي جاءت في صيغة عامة ومطلقة وانحصرت على الأمراض والسوابق الوراثية، كما أنّه لم
يعط للطبيب الحق في رفض تسليم الشيهادة الطبية ما قبل الزواج أو على الأقل تأجيل تسليمها لحين زوال خطر العدوى من المريض
أو نظير حالة الشيخص الصحية غير مضرة للطرف الآخر وذريته، بل أن نصوص هذا المرسوم التنفيذي تلزمه بتسليم الشيهادة الطبية
دون قيد أو شيرط ما عدا إبلاغ المعني بملاحظاته ونتائج الفحوصات.
والسؤال الذي يطرح هنا : كيف يكون موقف هذا الطبيب إذا ثبت له يقينا أن أحد طالبي الزواج مصاب بمرض أو بعامل يتعارض
والأهداف المرجوة من الزواج كداء الزهري أو الجذام أو فقدان المناعة ؟ مع العلم أن هذا المرض قاتل وينتقل إلى غير الزوج الآخر
وإلى الجنين في رحم الأم، ويسبب لها نفس النتيجة، وما موقف الطبيب عند إصرار طالبي الزواج الحصول على الشيهادة الطبية قبل
الزواج،باعتبارها الوثيقة الضرورية لإبرام عقد الزواج ، رغم علمهما بالمخاطر التي تهدد كل واحد منهما.
الإجابة : بقرأتنا لأحكام النص التنظيمي، نخلص إلى أنّه ليس من حق الطبيب الاعتراض أو الامتناع عن تسليم الشيهادة الطبية قبل
الزواج. عندئذ كيف يكون موقف الغير ذي المصلحة كالولي من هذا الزوج ؟ وما هو موقف النيابة العامة في هذا الشيأن باعتبارها
طرفا أصليا في جميع القضايا الرامية إلى تطبيق أحكام قانون الأسرة ؟ وما هو موقف السلطات العمومية الصحية في مثل هذه الحالة
وفي حالة الأمراض الوبائية الأخرى؟.
154 طبيبا خاص معينا لفحص الراغبين في الزواج بما يفيد أن أي طبيب عام أو خاص يمكنه - لم يحدد المرسوم التنفيذي رقم 06
إجراء مثل هذه الفحوصات، وللزوجة حرية اختيار الطبيب المشيترك يقوم بفحصهما معا أو طبيب مختلف ويكون الفحص فرديا.
1 من المرسوم المذكور، للوقاية من الآثار الضارة للجينات المشيوهة / لم ينص القانون على إلزامية الفحص الجني، وفقا لنص المادة 4
حماية للراغبين في الزواج من الأمراض الوراثية والتي قد ينتقل إلى الذرية.
عدم الإشيارة إلى أن تكاليف الشيهادة الطبية )من فحوص وتحليلات ...(يتحملها صندوق الضمان الاجتماعي عندما يكون المعنى
بالأمر منخرطا فيه، غير أنّ يمكنه طلب المساعدة الطبية إذا كان بدون دخل.
إنه لضمان الصحة العامة للمجتمع ، ومحاربة الأمراض المعدية والوراثية السارية يجب على الدولة نشير الوعي بأهمية الفحص
الطبي قبل الزواج والتشيجيع على إجرائها وترسيم أحكامها ضمن نصوص قانون الصحة العمومية.
1 و 18 و 22 / عدم جدوى إلزامية شيهادة الفحص الطبي المنصوص عليها في المادة 07 مكرر )ق.أ( وذلك إذا رجعنا للمواد 6
2 )ق.أ( إذا صاحب إعلان الخطبة وقراءة الفاتحة لإيجاب وقبول في حضرة شياهدين وبحضور / )ق.أ.ج(.فوفقا لمضمون المادة 6
الولي، وذكر الصداق كما جرت به العادة والعرف الاجتماعي فهو عقد نافذ شيرعا، وإن لم ينفذ قانونا وحيث لم يثبت في الوثيقة
الرسمية التي يحررها الموثق أو ضابط الحالة المدنية ، طبقا للإجراءات الشيكلية المنصوص عليها قانون في المادة 18 )ق.أ.ج(.
1 من المرسوم التنفيذي في حين أن / وهنا نتساءل عن كيفية إلزام الراغبين في الزواج بامتثال لأحكام المادة 07 مكرر و المادة 2
القانون ما زال يعترف بالزواج العرفي الذي يتم دون استظهار الشيهادة الطبية ؟ وما يترتب عنه من ضياع لحقوق المرأة والأولاد
والأسرة معا.
ومن جهة أخرى هل يمكن أن نقول أن النص على شيهادة الفحص الطبي هي إحدى القيود القانونية وراء ظهور الزواج العرفي،
حيث أن تعديل قانون الأسرة وما أورده من شيهادة منها شيهادة الفحص الطبي لإتمام الزواج كانت من بين العراقيل أمام عدم إتمام
كثير من حالات الزواج من جهة والهروب إلى الزواج العرفي من جهة أخرى.
لم يحدد المشيرع الجهة المختصة في منح الشيهادة الطبية، كما أنه لم يحدد بدقة الفحوص والتحليلات التي يخضع لها المعني بالأمر.
هل يخضع لفحص طبي عام أم لبعض الفحوص الأساسية كفحص الرئتين ؟.
ما هو مصير الراغب في الزواج إذا تبين للطبيب أن حالته الصحية مضرة لقرينه ولذريته ؟ هل في هذه الحالة يرفض الطبيب تسليم
الشيهادة الطبية؟ فما هي التدابير التي يجب اتخاذها عندما يقوم المعني بإبرام زواجه إذ ليس هناك ما يمنعه بالقيام بفحص ثان عند
طبيب آخر
ما هي العقوبة التي يخضع لها ضابط الحالة المدنية و الموثق في حالة توثيق عقد الزواج بدون الشيهادة الطبية؟.
هل الغرض من الفحص الطبي هو الحصول فقط على شيهادة عادية من أي طبيب كما هو الشيأن بالنسبة للشيواهد الطبية التي يدلى
بها أمام المحاكم الجنائية والجنحية؟.
هل الهدف من فرض هذه الشيهادة هو معرفة سلامة الراغب في الزواج من الأمراض المعدية، أم لابد أن توجه عناية الطبيب أثناء
الفحص إلى الاضطرابات العصبية وكذلك نتائج الإدمان على المشيروبات الكحولية وغيرها؟.
يتضح مما سبق أن الراغب في الزواج أصبح يخضع حاليا للفحص الطبي قبل توثيق عقد الزواج وبالتالي لا يمكن لضابط الحالة
المدنية والموثق أن يتوليا العقد إلا بعد توفرهما على شيهادة مسلمة من طرف الطبيب الذي قام بفحص المعني بالأمر.
كما يتضح أن موقف المشيرع من إحضار الشيهادة الطبية قبل الزواج جاء غامضا وذلك بفرض الشيهادة الطبية على الراغبين في
الزواج ولكن بدون أن ينظم إجرائتها تنظيما محكما، فالطبيب يمنح هذه الشيهادة بمجرد فحص المعني بالأمر بالعيادة دون اللجوء إلى
التحليلات اللازمة لكشيف الأمراض المعدية الخطيرة، مما يفرغ هذه الشيهادة من محتواها، كما أن هذا الأمر يشيكل منفذا للمشيرع حتى
لا يفرض مجانية الحصول على الشيهادة الطبية والتحليلات اللازمة لمنحها، كما أن اللجوء إلى التحليلات الكاملة والوافية لمعرفة خلو
الراغب في الزواج من الأمراض المعدية قد يؤدي إلى مصاريف قد يتعدى مبلغها مقدار الصداق.
وإذا كان المشيرع الجزائري قد رغب فعلا في توثيق عقد الزواج عن طريق إثقال كاهل الخاطب والمخطوبة بمجموعة من الوثائق،
فإنه مع الأسف لم يعتبر كتابة هذا العقد شيرطا لصحته، أي أن الزواج يمكن أن يبرم دون هذه الكتابة وبالتالي تبقى كل الإجراءات
المتخذة، سواء تجاه التعدد أو مرض أحد الزوجين أو غيرها حبرا على ورق، لأن الراغب في الزواج وخاصة بالبادية يمكن أن يلجأ
إلى الزواج العرفي الذي لازال سائدا في المجتمع الجزائري، فالمشيرع لم يلغ المادة 22 فقرة 2 التي كانت ولازالت تقضي بأنه يثبت
الزواج بحكم قضائي، ولكن لإعطاء فاعلية لكل التعديلات التي أدخلها المشيرع على بعض مقتضيات قانون الأسرة، كان عليه أن
يفرض كتابة عقود الزواج رسميا
المحاضرة 12 :البصمة الوراثية ودورها في حل مشكلة النسب
شيرع الإسلام القواعد الخاصة ببقاء النوع الإنساني و مراعاة النفس من جانب الوجود و ذلك عن طريق التوالد والتناسل بالزواج
الذي هو سنة الإسلام لقوله عليه أفضل -الصلاة والسلام- :
] إنّ من سنتنا النكاح، ومن رغب عن سنتنا فليس منا [، وأكد -عليه الصلاة و السلام- على هدف الزواج فقال: ] تزوّجوا الودود
الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة [.
كماحث الإسلام على أن ينسب الولد لأبيه مادامت العلاقة الزوجية قائمة لقول رسول الله
-  -] الولد للفراش وللعاهر الحجر [، وجعل النسب يدور في كنف الأسرة القائمة على العلاقة الشيرعية وقد شيدد الله -  - في مسألة
إثبات النسب طبقا لقاعدة الشيارع متشيوف لإثبات النسب وحدد طرق لإثباته وقد ساير المشيرع الجزائري الشيريعة الإسلامية في مسألة
إثبات النسب حيث أكدت المادة 40 من قانون الأسرة على الطرق الشيرعية التي تستخدم في إثبات النسب وحددتها في الزواج
الصحيح والأنكحة الفاسدة مثل نكاح الشيبهة بالإضافة إلى الإقرار والبينة وقد أجاز المشيرع الجزائري في التعديل الأخير لقانون
الأسرة اللجوء إلى الطرق العلمية في مسألة إثبات النسب تماشييا مع التطور العلمي الكبير في الميدان الطبي والبيولوجي خاصة.ولعل
أحدث طريق وأهمه في مجال إثبات النسب هو البصمة الوراثية.
المسلم لا يمكن أن يبقى حائرا في مواجهة هذا التقدم العلمي وبينما يقتضيه الدين الإسلامي مؤكدين على أن ديننا الحنيف جاء
ليتماشيى مع كل تطورات العصور ويتواصل مع مجريات الأمور ما دامت الحياة تتفاعل معنا ونتفاعل معها، هذا مادفعناإلى طرح
الإشيكاليات التالية: ما هي القواعد العملية المحددة لثبوت النسب في القانون الجزائري؟.
- ما هي الجوانب الإيجابية والسلبية للطرق العملية الجديدة المقررة لثبوت النسب والتي أدرجها المشيرع الجزائري بالأمر 05
.؟02
ما هو موقف القانون والقضاء المقارن من البصمة الوراثية في الإثبات ؟ وما موقف القانون والقضاء
الجزائري منها ؟ ما هو الأساس التشيريعي الذي يعتمد عليه القاضي لتكريس نفسه أل ADN كدليل إثبات قانوني ؟.
وما مدى قوة البصمة الوراثية في الإثبات ؟ وهل يجوز للقاضي أن يكتفي بقرينة البصمة الوراثة في الإثبات دون بقية القرائن
الأخرى ؟.
-1 ماهية البصمة الوراثية :
أولا- تعريف البصمة الوراثية :
1 - لغة : البصمة الوراثية مركب وضعي من كلمتين )البصمة( والوراثية.
البصمة : لغة هي أثر الختم بالإصبع، وفي لسان العرب، البصم هو فوت ما بين طرف الخنصر إلى طرف البنصر والفوت هو ما
بين كل إصبعين طولا، يقال ما فارقتك شيبرا، وفترا ولا عتبا ولا بصما.
وبصم بصما فالبصمة عند الإطلاق ينصرف مدلولها على بصمات الأصابع وهي الانطباعات التي تتركها الأصابع عند ملامستها
سطحا مصقولا، وهي طبق الأصل لأشيكال الخطوط التي تكسو جلد الأصابع وهي تتشيابه إطلاقا حتى في أصابع الشيخص الواحد.
بعد دهنه بمادة مخصوصة تشيبه المداد الأسود لتطبع الخطوط الدقيقة التي في بنان الأصابع على ورق أو قماش فيسمى
الأثرالمنطبعبالبصمة ، وهي كلمة محدثة أقرها مجمع اللغة العربية.
الوراثية : هي من الوراثة من مصدر ورث وهو الانتقال، وعلم الوراثة هو العلم الذي يبحث في انتقال صفات الكائن الحي من جيل
لآخر، وتفسير الظواهر المتعلقة بطريقة هذا الانتقال.
-2 اصطلاحا :
إن مصطلح البصمة الوراثية مصطلح حديث وقد اجتهد العلماء المعاصرون والمجامع الفقهية في وضع تعريف مناسب له منها :
عملية تستخدم لتحديد الهوية وترتكز على طبعات مأخوذة لنهايات « عرفت الموسوعة العربية العالمية البصمة الوراثية بأنّها
.» الأصابع والإبهام وهذه الطبقات تتكون من أشيكال الخطوط التي تغطي بشيرة أطراف الأصابع
البنية الجنية نسبة للجنيات « عرفتها الندوة الوراثية والهندسة الوراثية والجنيوم البشيري للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بأنها هي
والمورثات التفصيلية التي تدل على هوية كل فرد بعينه وهي وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق من الوالدية البيولوجية والتحقق من
.» الشيخصية
وقد عرفها المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي أنّها مركب كيميائي ذو شيقين بها ينفرد كل إنسان عن غيره.
وتتكون كل بصمة من وحدات كيماوية ذات شيقين محمولة في المورثات وموزعة بطريقة « : كما عرفها الدكتور محمد باخطمة
مميزة تفرق بدقة بارعة كل فرد من الناس عن الآخر، وتتكون البصمة منذ فترة الانقسام في البويضة الملقحة وتبقى كما هي حتى
بعد الموت، ويرث كل فرد أحد شيقي البصمة من الأب والآخر من الأم بحيث يكون الشيقان بصمة جديدة، ينقل الفرد أحد شيقيها إلى
.» أبنائه
ومهما تعددت التعريفات ينبغي أن تؤكد أن البصمة الوراثية هي المادة الوراثية أو البنية الجنسية المفصلة التي يستأثر بها كل إنسان
عن غيره ، فهي تلك الصفات الوراثية الخاصة بكل إنسان بعينة والتي تحملها الجينات أو الجنيوم البشيري وتعرف بالشيفرة الوراثية.
والصفات الوراثية التي يحملها الجين أو الجنيوم البشيري منها ما هو موروث من الأب والأم ومنها ما هو مستجد تأتي به الطفرة
الجديدة، ويبلغ عدد الجينات الحاملة للصفات الوراثية حوالي مائة ألف جين في كل صبغي )كروموسوم(.
ثانيا - خصائص البصمة الوراثية و أهميتها :
-1 خصائص البصمة الوراثية :
تتلخص أهم خصائص البصمة الوراثية فيما يلي :
هي أداة دقيقة في تحديد هوية الإنسان وإثبات أو نفي الأبوة والأمومة بنسبة لا تقل عن 99% متى تمت بمعاير سلبية.
تسمح البصمة الوراثية بمقدرتها على الاستنساخ وهذا ينقل صفات النوع من جيل إلى جيل.
ينفرد كل شيخص بصفة وراثية لا تتشيابه مع شيخص آخر في حالة التوائم المماثلة.
يمكن الاحتفاظ بالبصمة الوراثية في جهاز الكمبيوتر أو وسائل الحفظ واستعمالها كلما دعت الحاجة.
يمكن استخلاص البصمة الوراثية من الحامض النووي لأية خلية في جسم الإنسان عدا خلايا الدم الحمراء التي لا يوجد بها حمض
نووي.
3 - أهمية البصمة الوراثية :
تحميل الأب مسؤولية الإنفاق عملا لقاعدة "الغرم بالغنم".
التقليل من ظاهرة تزوير الأنساب عندما تستغل المرأة غفلة زوجها فتلحق به من ليس منه .
ج- مجالات الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب :
-1 المسائل التي يجوز إثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية :
الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التالية :
حالات التنازع علىمجهول النسب بمختلف صور التنازع التي ذكرها الفقهاء، سواء أكان التنازع علىمجهول النسب بسبب انتفاء
الأدلة أو تساويها، أو كان بسبب اشيترك في وطء شيبهه ونحوه.
حالات الاشيتباه في المواليد في المستشيفيات ومراكز رعاية المواليد والأطفال ونحوها ، وكذا الاشيتباه في أطفال الأنابيب.
حالات ضياع الأطفال واختلاطهم ، بسبب الحوادث والكوارث وتعذر معرفة أهليهم
-4 المسائل التي لا يجوز إثبات النسب فيها بالبصمة الوراثية :
نص بعض الفقهاء علي مسائل لا مجال للقيافة في إثبات النسب بها، وبالتالي فإنه لا مجال للبصمة الوراثية في إثبات النسب بها ومن
هذه المسائل ما يأتي :
إذا أقر رجل بنسب مجهول النسب، وتوفرت شيروط الإقرار بالنسب فإنه يلتحق به، الإجماع على ثبوت النسب بمجرد الإستلحاق مع
الإمكان، فلا يجوز عندئذ عرضه على القافة لعدم المنازع فيه فكذلك البصمة الوراثية كالقافة في هذا الحكم.
إقرار بعض الإخوة بأخوة النسب لا يكون حجة على باقي الإخوة ، ولا يثبت به نسب ،وإنما تقتصر آثاره على المقر في خصوص
نصيبه من الميراثولا يعتد بالبصمة الوراثية هنا ، لأنه لا مجال للقيافة فيه
إذا لحق مجهول النسب بأحد المدعيين بناء على قول القافة، ثم أقام الآخر بينة على أنه ولده فإنه يحكم له به، ويسقط قول القافة، لأنه
بدل البينة، فيسقط بوجودها، لأنها الأصل كالتيمم مع الماء فكذلك البصمة الوراثية.
الفقرة الثانية - حكم استعمال البصمة الوراثية في مجال النسب :
تعد البصمة الوراثية من القرائن التي يمكن قبولها كدليل في الإثبات النسب أو نفيه،غير أن الفقهاء والقانونين وإن أجمعوا على جعل
البصمة الوراثية من القرائن فإنهم اختلفوا في جعلها قرينة قطعية الثبوتأوطنية الثبوت.
فأما الذين يرون أن البصمة الوراثية قرينة قطعية انطلقوا من فكرة أن التجارب العملية المتكررة أثبت أن نتائجها دقيقة، وصلت
معظمها إلى نسبة 100 %وفي حالة الإثبات يصل إلى نسبة 99 %، ومع ذلك يمكن القول بأن النظريات العلمية الحديثة مهما بلغت من
الدقة والقطع بالصحة في نظر المختصين إلا أنّها تظل تحمل الشيك، وهذا لما أثبته استقراء الواقع أن بعض النظريات العلمية المختلفة
أصبحت مع التقدم العلمي محل شيك في نتائجها، وهو أمر معلوم وثابت مما يحتم على الفقهاء والباحثين الشيرعيين التروي وعدم
الاندفاع بالأخذ بالنظريات العلمية كأدّلة ثابتة توازي الأدّلة الشيرعية أو تقاربها، فضلا عن إحلال تلك النظريات محل الأدلة الشيرعية
الثابتة.
لكن هذا لا يمنع الاستفادة من هذه الاكتشيافات العلمية التي هيأها الله تعالى لعباده، وهداهم إليها، والاستعانة بها في تحقيق ما ترمي
إليه الشيريعة الإسلامية من مقاصد كبرى في تحقيق مصالح العباد ودرء المفاسد وبالنظر إلى كل هذا فإنه يمكن الانتهاء إلى بيان
حجيّة البصمة الوراثية في مجال النسب على النحو التالي.
-1 حكم استعمال البصمة الوراثية في إثبات النسب :
نظراً لتشيوف الشيارع إلى ثبوت النسب وإلحاقه بأدنى سبب فإن الأخذ بالبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب في الحالات التي
يجوز فيها الحكم بثبوت النسب بناء على قول القافة، أمر ظاهر الصحة والجواز وذلك لأنه إذا جاز الحكم بثبوت النسب بناء علىقول
القافة، لاستنادها على علامات ظاهرة أو خفية مبنية علىالفراسة والمعرفة والخبرة في إدراك الشيبه الحاصل بين الآباء والأبناء فإن
الأخذ بنتائج الفحص بالبصمة الوراثية، والحكم بثبوت النسب بناء على قول خبراء البصمة الوراثية أقل أحواله أن يكون مساويا للحكم بقول القافة إن لم تكن البصمة أولىبالأخذ بها، والحكم بمقتضي نتائجها من باب القياس الأولى، لأن البصمة الوراثية يعتمد فيها
علي أدلة خفية محسوسة من خلال الفحوصات المخبرية التي علم بالتجارب العلمية صحة نتائجها الدالة علي وجود الشيبه، والعلاقة
النسبية بين أثنين أو نفيه عنهما كما قال أحد الأطباء المختصين )أن كل ما يمكن أن تفعله القافة يمكن للبصمة الوراثية أن تقوم به،
وبدقة(.
فالبصمة الوراثية، والاستدلال بها يمكن القول بأنها نوع من علم القيافة، وقد تميزت بالبحث في خفايا وأسرار النمط الوراثي
للحامض النووي بدقة كبيرة ، ومهارة علمية فائقة، مما يجعلها تأخذ حكم القيافة بل من باب أولى وعليه يثبت بالبصمة الوراثية ما
يثبت بالقيافة مع وجوب توافر الشيروط والضوابط التي وضعها الفقهاء في القافة.
البصمة الوراثية من الناحية العملية وسيلة لا تكاد تخطئ في التحقق « : وجاء في توصية ندوة الوراثة والهندسة الوراثية ما نصه
من ألوالديه البيولوجية، والتحقق من الشيخصية، ولاسيما في مجال الطب الشيرعي، وهي ترقى إلي مستوى القرائن القوية التي يأخذ
بها أكثر الفقهاء في غير قضايا الحدود الشيرعية، وتمثل تطوراً عصريا عظيمافًي مجال القيافة الذي يذهب إليها جمهور الفقهاء في
.» إثبات النسب المتنازع فيه، ولذلك ترى الندوة أن يؤخذ بها في كل ما يؤخذ فيه بالقيافة من باب أولى
كما أن أساس الأخذ بالبصمة الوراثية هوكونها تحقق مصلحة مشيروعة شيهد الشيارع لأصلها بالاعتبار فلما كان إثبات النسب أمر
مرغوب شيرعا والبصمة الوراثية تصلح وسيلة لإثبات النسب فهي تدخل ضمن ما هو مشيروع من وسائل الإثبات،مثل الفراش
والإقرار والبينة والقيافة ، لأنّها تحقق مصلحة معتبرة شيرعا، ومع ذلك فإن الأخذ بالبصمة الوراثية لا يكون بإطلاقه بل لابد من
ضرورة وضع ضوابط لاستخدامها في إثبات النسب، وهي عدم مخالفتها لمقاصد الشيارع وعدم معارضته لما ثبت بالنص أو الإجماع
وعدم إحلالها محل ما أثبته الشيرع من وسائل لإثبات النسب، كما لا يجب استعمالها في جميع الأحوال بدعوى أنّها أدق وأضمن
وسيلة في إثبات النسب، لأنّها تعكس مقصود الشيارع وتشيوفه إلى إثبات النسب بأيسر وسيلة وإن كانت ظنية، ومعنى ذلك أنها يجب
أن ينحصر استعمالها فيما تدعو إليه الحاجة وبهذه الطريقة يمكن أن تجعل من البصمة الوراثية وسيلة محققة وخادمة لمقاصد الشيارع
الحكيم لا معارضة له، أما استخدامها مطلقا بلا ضوابط فإنّه يؤدي إلى مناقضةقصد الشيارع وهو ما لا يجوز.
أ - حكم استخدام البصمة الوراثية للتأكد من صحت النسب الثابت :
من المعلوم أن النسب يثبت بالطرق الشيرعية وهي الفراش والبينة والإقرار، وأنه لا يجوز نفيه، إلا عن طريق اللعان، وبناء على
ذلك، لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب بعد ثبوته شيرعا،ً وذلك لاتفاق الشيرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية
ومنها حفظ النسب والعرض، ولما جاءت به هذه الشيريعة المباركة من جلب للمصالح ودرء للمفاسد، وحيث أن محاولة التأكد من
صحة الأنساب الثابتة فيه قدح في أعراض الناس وأنسابهم يؤدي إلي مفاسد كثيرة، ويلحق أنواعا من الأضرار النفسية والاجتماعية
بالأفراد والأسر والمجتمع ، ويفسد العلاقات الأسرية، ويزرع العداء بين الأقارب والأرحام ، لذلك فإنه لا يجوز محاولة التأكد من
صحة النسب عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها من الوسائل أما إذا تم إجراء الفحص بالبصمة الوراثية للتأكد من نسب شيخص
من الأشيخاص وأظهرت النتائج خلاف المحكوم به شيرعا من ثبوت النسب، فإنه لا يجوز إلغاؤه وإبطاله إلا عن طريق واحد وهو
اللعان.
ويدل علي ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة -  جاء رجل من بني فزارة إلى رسول الله - « : -، قال  -فقال :ولدت
امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بنفيه، فقال له النبي -  - فهل لك من إبل ؟ قال نعم ، قال : فما ألوانها، قال حمر، قال :
هل فيها من أورق ؟ قال : إن فيها لورقا،ً قال : فأني أتاها ذلك ؟ قال عسي أن يكون نزعه عرق، ولم يرخص له
-  .» -في الانتفاء منه
فدل هذا الحديث علىأنه لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته مهما ظهر من علامات قد تدل عليه. فإذا كان لا يجوز نفي النسب بعد ثبوته
بغير اللعان فإنه لا يجوز أيضا استخدام أي وسيلة قد تدل على انتفاء النسب ونفيه عن صاحبه، لأن للوسائل حكم الغايات، فما كان
وسيلة لغاية محرمة،فإن للوسيلة حكم الغاية.
من اجتهادات قضاء المجلس الأعلى المغربي من دهب إلى أنه لا يجوز نفي النسب بالبصمة الوراثية بعدما ثبت بالفراش
إذا ثبت النسب بالفراش فلا يستجاب لإجراء فحص طبي لنفيه. « وهذا مضمون القرار
-لا يأخذ بتصريح المرأة أن الحمل ليس من زوجها مادام الوضع كان في الأمد الشيرعي، ولم
.» ينفه الزوج بالطرق الشيرعية، وذلك لما فيه من اعتداء على حق الطفل
. وهذا ما أكده أيضا مجمع الفقه في دورته 10
"رابعًا : لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شيرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه وفرض
العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس وصونًا لأنسابهم"
ب- حكم استخدام البصمة الوراثية بديلا عن الوسائل الشرعية عليها :
السؤال الذي يطرح هنا إذا كانت البصمة الوراثية قطعية الدلالة فهل يمكن الاستعاضة بها في مجال إثبات النسب عن الوسائل التي
اعتمدها الشيرع سلفا من فراش وبينةوإقرار وقيافة ؟.
يتجه البعض إلى إحلال البصمة الوراثية محل وسائل الإثبات الشيرعية وهذا التوجه باطل.
فالبصمة الوراثية لا يمكن أن تنزل منزلة وسائل الإثبات الشيرعية بل تستخدم معها جنبا إلى جنب، عندما يتعذر إثبات النسب بأي
وسيلة منالوسائل المذكورة بصفة مستقلة مما يتحتم معه اللجوء إلى البصمة الوراثية، لإثبات النسب، وغالبا ما يكون هذا في الحالات
التي يحصل فيها التنازع في النسب بسبب اختلاطه أو تساوي وسائل الإثبات المنصوص عليها وتعادلها في هذا الحال إلى اللجوء إلى
البصمة الوراثية لحل الخصومات حول النسب بشيخص معين بناء على ما تثبته البصمة الوراثية.
وبهذا التقيد والضبط لا تكون بديلا عما هو منصوص عليه من وسائل، وهو التطبيق الصحيح للمصلحة، ويكون بذلك قد فتحنا المجال
بقبول ما يستجد من وسائل تحقق مصلحة الإنسان، ولا تتصادم عما هو منصوص شيرعا ولا يفوتنا التنبيه بأن الوسائل المنصوص
عليها في إثبات النسب على درجة واحدة في القوة حيث يأتي في مقدمتها الفراش، ثم الإقرار ثم البينة وهي لها قوة في إثبات النسب
بحيث لا يمكن تقديم البصمة الوراثية عليهم، وقد تطرأ حالات لا يمكن إثبات النسب بالطرق السابقة ذكرها إذ لا مجال من استعمال
القافة أو القرعة في مثل هذه الحالات يمكن استعمال البصمة الوراثية بديلا عنهما، فأما تقديمها على القافة فهو من باب قياس أولى،
وأما تقديمها على القرعة فهو من باب الحكم المؤكد على ما هو مظنون.
كمثال على ذلك ما جاء في قرار المجلس الأعلى المغربي حول إمكانية اللجوء إلى البصمة الوراثية إذا كانت الأدّلة الشيرعية فيها
جدال وفي قضية الحال فإن الولادة غير ثابتة التاريخ في الأجل المعتبر شيرعا كما أن المدعى عليه يدعي أنه عقيم ولم يعلم بوجود
الولد إلا عند مطالبة الأم بالنفقة وبتالي التمس إجراء الخبرة لمعرفة تاريخ ازدياد الابن و تحديد سنه إذ جاء في القرار " لا يوجد
نص واقعي يمنع إثبات النسب بالخبرة،ولما قالت المحكمة بأن إثبات النسب بالخبرة يخالف أصول الفقه و الحديث الشيريف دون
اعتماد نص قاطع في الموضوع فإنما لم تجعل لما قضت به أساسا ،و عرضت قرارهالنقض"
- حكم استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب :
يثبت النسب بالطرق الشيرعية التالية : الفراش أو الإقرار، أو البينة أو القيافة ولا يجوز نفيه، وإبطاله مهما ظهر من علامات قد
تحمل عليه، أو قرائن تدل عليه، لأن الشيارع يحتاط للأنساب، ويتشيوف إلى ثبوتها، ويكتفي في إثباتها بأدنى سبب فإذا ما ثبت النسب
فإنه يتشيدد في نفيه، ولا يحكم به إلا بأقوى الأدلة.
» فإن النسب يحتاط لإثباته، ويثبت بأدنى دليل، ويلزم من ذلك التشيديد في نفيه، وأنّه لا ينتقى إلا بأقوى الأدلة « : يقول ابن قدامة
ومن تشيديد الشيارع في نفي النسب بعد ثبوته أنّه حصر نفيه بطريق واحد وهو اللعان واشيترط لإقامته شيروطا كثيرة تحد من حصوله
وتقلل من وقوعه، وبناءا عليه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي نسب ثابت، كما لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية بدلا عن
اللعان في نفي النسب بمقتضى نتائجها الدالة على انتفاء النسب بين الزوج و المولود على فراشيه، وذلك لأن اللعان حكم شيرعي ثابت
بالكتاب والسنة والإجماع، وله صفة تعبدية في إقامته فلا يجوز إلغاؤه وإحلال غيره محله أو قياس أي وسيلة عليه مهما بلغت من
الدقة والصّحة في نظر المختصين بها
وإن كان بعض الفقهاء المعاصرين مثل الشييخ محمد المختار السلامي، قد ذهبوا إلى جواز الأخذ بالبصمة الوراثية والاكتفاء بها عن
اللعان إذا دلت نتائجها عن انتفاء النسب بين الزوج والمولود علي فراشيه، معللين لذلك بأن الزوج إنما يلجأ إلي اللعان لنفي النسب عند
فقد من يشيهد له بما رمى به زوجته، وحيث أن الفحص من خلال البصمة الوراثية قد يدل علي صحة قول الزوج، فإنها تكون بمثابة
الشيهود التي تدل على صدق الزوج فيما يدعيه علي زوجته في حال ثبوت انتفاء النسب بين الزوج
والمولود على فراشيه من خلال نتائج البصمة الوراثية.
حقيقة أن هذا الرأي يصطدم بالنصوص الشيرعية ويلغي العمل بها، بما يحمل علىردّ هذا القول وعدم اعتباره، وذلك لأن الأحكام
الشيرعية الثابتة لا يجوز إلغاؤها، أو إبطال العمل بها إلا بنص شيرعي يدل علي نسخها وهو أمر مستحيل، ولأنه لو أقرت الزوجة
بصدق زوجها فيما رماها به من الفاحشية فإن النسب يلحق الزوج لقوله -  - ] الولد للفراش وللعاهر الهجر[.
ولا ينتفي عنه إلا باللعان ولأن اللعان يشيرع لدرء الحد عن الزوج، وإن لم يكن هناك ولد يراد نفيه أو قد تكون الزوجة حاملا ويعلم
الزوج أن الحمل منه، ولكنها زنت بعد الحمل فيريد أن يدرأ الحد على نفسه باللعان فلا يجوز منعه من إعمال هذا الحق
جاء في قرار المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي في دورته 16 أنه لا يجوز استعمال البصمة الوراثية في نفي النسب ولا يجوز
تقديمها على اللعان، ولا استعمالها في نفي نسب من ثبت نسبه بأي دليل شيرعي
هذا وإن كان لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان، فإنه يحسن الاستعانة بها على اعتبار أنها قرينه قد تحمل الزوج على
العدول عن اللعان فيما إذا ثبت من خلال نتائج البصمة الوراثية أن المولود علي فراشيه هو ابنه قد تخلق من ماءه ، وهذه مصلحة
شيرعية يدعو إليها الشيرع ويتشيوف إليها لما فيها من تأكيد للأصل الشيرعي وهو )أن الولد للفراش(، ولما فيها من درء مفسدة اللعان
وضرره
وقد ذكر فضيلة الشييخ عبد العزيز القاسم وهو أحد القضاة في محكمة الرياض الكبرى أنه تقدم إليه شيخص بطلب اللعان من زوجته
لنفي نسب بنت ولدت على فراشيه ، فأحال القاضي الزوجين مع البنت إلى إجراء اختبارات الفحص الوراثي، فجاءت نتائج الفحص
بإثبات أبوة هذا الزوج للبنت إثباتا قطعيا،ً فكان ذلك مدعاة لعدول الزوج عن اللعان وزوال ما كان في نفسه من شيكوك في زوجته،
فحققبذلك الفحص مصلحة عظمى يتشيوف إليها الشيارع ويدعو إليها
وبناء عليه لا يجوز الاكتفاء بالبصمة الوراثية عن اللعان علىاعتبار أن نتائجها عند ذوي الاختصاص بها قطعية أو قريبة من
القطعية، وذلك لأن الحكم الشيرعي لا يجوز إبطاله وترك العمل به إلا بدليل نصي وهو غير ممكن ، غير أن الحاكم الشيرعي يجدر
به أن يستفيد من هذه التقنية الحديثة المتطورة وإجراء الفحوصات المخبرية للبصمة الوراثية للاستعانة بها كقرينة من القرائن التي
يستعان بها لتحقق من صحة دعوى الزوج أو عدمها، بغرض الحيلولة دون وقوع اللعان قدر المستطاع لحض الشيارع على درء ذلك
ومنعه ، وتشيوفه لاتصال الأنساب وبقاء الحياة الزوجية
2 - حجية البصمة الوراثية في إثبات النسب :
نظر لعدم تحديد المشيرع الجزائري لحجية الطرق العلمية في إثبات النسب فإن التساؤل حول هذه الحجية قد يثار بالنسبة لقيمتها
القانونية فيما إذا كانت قطعية الدلالة وبأنها قابلة للخطأ أي ذات حجية نسبية وهذا يجعلنا نتساءل عن مدى تأثير تقرير الخبرة في هذا
المجال على الحكم وجودا أو عدما وهو يتم مناقشيته فيما يلي :
أولا - الحجية المطلقة للبصمة الوراثية في مجال إثبات النسب :
ذهب رجال القانون إلى اعتبار أن البصمة الوراثية لها حجية مطلقة، وهذا انطلاقا من النتائج العلمية، حيث اعتبر العلماء أن البصمة
الوراثية ذات دلالة تقنية قطعية تتجلى بانفراد كل شيخص بنمط وراثي معين لا يوجد عند أي كائن آخر في العالم، إذ لا يمكن أن
يتشيابه الشيخصين إلا مرة واحدة كل 86 مليون حالة أي نسبة التشيابه يساوي من 01 إلى 86 مليون شيخص أي نسبة التشيابه منعدمة
تماما
لذلك كانت من الناحية العلمية وسيلة لا تكاد تخطأ في التحقيق لإلحاق أو نفي نسب الأولاد للآباء لأن الحمض النووي يعد دليل إثبات
ونفي قاطع بنسبة 100 % يشيترط أن يتم تحليله بطريقة علمية سليمة ما دام أن احتمال التشيابه بين البشير غير وارد.
وتجدر الإشيارة هنا أن الطرق العلمية المتمثلة حسبما توصل إليه العلماء في نظامي البصمة الوراثية هو النظام الوحيد الذي يكتسي
الحجية القاطعة، وما يؤكد ذلك هو إمكانية أخذها من أي مخلفات أدمية سائلة )د.م متى(، أو أضحية لحم، عظم، جلد، شيعر، كما أنها
تقاوم عوامل التحلل والتعفن والعوامل المناخية المختلفة من حرارة وبرودة وجفاف، ليس ذلك فقط بل أنّه يمكن الحصول عليها حتى
من الآثار القديمة والحديثة كما حدث في القضاء في قصة الفنان "إيف مونتان" حيث أدعت المرأة أن لها ابنة منهتدعى أيناس وما
اضفى على الأمر نوعا من المصداقية أن تلك السيدة كانت تشيبه الفنان في ملامح الوجه وقد أمر القاضي الفاصل في هذه القضية
بواسطة الخبرة بحفر قبر الفنان وأخذ عينة من جسمه، وفحصه بالحمض النووي وقد أثبت الخبرة عن عدم وجود أي علاقة أبوة أو
بنوة بين الفنان والسيدة .
لذلك لا يمكن في أي حال الشيك مطلقا في مستوى نجاعة الاعتماد على البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب ويمكن للقاضي دائما
الاستعانة بها لحل مشياكل النسب، ولكن مع مراعاة الضوابط الفقهية.
ورغم قطعية هذا الدليل العلمي إلا أن البعض يرى أن لها حجية نسبية، إذ لا يمكن بأي حال من الأحوال أن تمنحنا الدليل القاطع في
إلحاق نسب ولد ما أو نفيه، لذلك فإن اعتماد القاضي عليها عند دراسته لملف معين لا يرقى بها كدليل قاطع غير قابل لإثبات العكس،
كما أن علماء الطب اعتبروا أن التحاليل الجينية لا تشيكل نتائج مطلقة لأول وهلة لأن هذه التقنية رغم حساسيتها تقتضي من القضاء
إحاطتها بشيروط صارمة للأخذ بها وهو ما يجرنا إلى التساؤل كيف يمكن اعتبار البصمة الوراثية قطعية الدلالة من جهة وبقاء
احتمال الشيك وارد من جهة أخرى ؟.
وهو ما يجرنا إلى الحديث عن السلطة التقديرية للقاضي في تقدير الخبرة في مجال إثبات أو نفي النسب بالبصمة الوراثية.
ثانيا - سلطة القاضي في تقدير حجية البصمة الوراثية في مجال إثبات ونفي النسب :
إن اعتماد قاضي شيؤون الأسرة على البصمة الوراثية في إثباته النسب، لا يتأتى إلا باللجوء إلى استشيارة أراء الخبراء والأطباء
المتخصصين في مجال البيولوجيا للتوصل إلى نتائج علمية دقيقة، باعتبارها من المسائل التقنية التي لا يمكن للقاضي فيها إلا
باستعانة إليهم والاسترشياد بآرائهم.
ومن ثمة فإن القاضي يلجأ طبقا للقواعد العامة للفصل في مثل هذه المسائل التقنية إلى الخبرة القضائية التي يستصدر من خلالها حكما
تحضريا قبل الفصل في الموضوع، بتعين خبير مختص يوكل له مهمة اللجوء إلى البصمة الوراثية لإثبات نسب الولد أو نفيه وهذا
بتحديد المهام المنوطة به بدقة متناهية، واللجوء إلى الخبرة القضائية مفاده عدم وضوح رؤية القاضي في مسألة أثبات النسب أو نفيه
وقد لايتأتى للقاضي فهمه بنتائج البصمة الوراثية وبتالي يمتنع عن مناقشيتها باعتبارها مسألة تقنية وعملية بحثه ودقيقة ، ومن ثمة فإن
جهل هذه الطرق ومصطلحاتها قد يقف عائقا أمام مناقشيته لها وبتالي الاعتماد عليها كطريق لإثبات أو نفي النسب.
-1 تقدير القاضي لنفي النسب بيناللعان والبصمة الوراثية:
يعتبر اللعان الوسيلة الشيرعية الوحيدة التي أقرها الشيرع والقانون في مسالة نفي النسب وقد طرحت هذه المسألة أشيكالا كبيرا من
حيث سلطة القاضي في تقديرها في مجال نفي النسب، إذ ينسب الولد متى كان الزواج شيرعيا أو أمكن الاتصال ولم ينفه بالطريق
المشيروعة، وإذا كان اللعان الطريقة الشيرعية التي جاءت بها النصوص الشيرعية لنفي النسب فهل يصح نفيه بالبصمة الوراثية لاسيما
أمام سكوت المشيرع الجزائري إذ ترك المادة 41 دون تعديلها ينسب الولد لأبيه متى كان الزواج شيرعيا ولم ينفه بالطرق المشيروعة
وإذا كان اللعان الطريقة الشيرعية التي جاءت بها النصوص الشيرعية لنفي النسب فهل يصح نفيه بالبصمة الوراثية ؟.
ويكتفي بها في هذا المجال أم لابد من إجراء اللعان وهل يجوز تقديمها على اللعان ؟
إن هذا الإشيكال محل خلاف فقهي كبير، إذ ذهب البعض إلى عدم جواز تقديم البصمة الوراثية على اللعان في نفي النسب، وهذا ما
لا يجوز شيرعا الاعتماد على البصمة الوراثية في إثبات النسب ولا يجوز تقديمها على « جاء به قرار المجمع الإسلامي بالرابطة
.» اللعان
أما البعض الآخر فقد ذهب إلى ترجيح البصمة الوراثية على اللعان في نفي النسب طالما أن نتيجتها قطعية عكس دعوى اللعان التي
ترتكز على أسس وشيروط صعبة كالمدة التي يتطلبها اللعان المقدرة ب 08 أيام ومسألة الشيهود والذي يتعذر الحصول عليهم أحيانا.
والسؤال الذي يبقى مطروحا في هذا المجال يتعلق بمدى تطابق الآثار المترتبة على نفي النسب عن طريق اللعان من تفريق للزوجين
وغيرها على نفيه عن طريق البصمة الوراثية خاصة أمام عدم تدخل المشيرع الجزائري في تحديد المسألة.
اجتهادات المجلس الأعلى المغربي : تقديم الخبرة الطبية على اللعان في مجال نفي النسب.
خلافا للقضاء الجزائريذهب القضاء المغربي إلى أن النسب وإن كان يثبت بالفراش فإن الطعن فيه جائز عن طريق اللعان وكذلك
الخبرة الطبية وهذا في حالتين وهي إدلاء الزوج بدلائل قوية على إدعائه الغيبة، عدم القدرة على الوطء، أو صدور أمر قضائي
بالخبرة. فإذا لم يتوافر هذان الشيرطان فلا يبقى للزوج إلا اللجوء إلى اللعان لنفي النسب فالملاحظ أن الخبرة الطبية مقدمة عل اللعان
في نفي النسب.
وهذا ما يتضح لنا جليامن قرار المجلس الأعلى المغربي عندما ذهب إلى أنه "إذا ثبت النسب بالخبرة فإنه لا يقبل دفع الطاعن بأن
الإنجاب عنه ضعيف لأن ضعف الإنجاب ليس هو العقم".ممن خلال هذا القرار نخلص إلى أن القاضي أخد بنتائج الخبرة الطبية و
المتمثلة في إعمال البصمة الوراثية في مجال إثبات النسب و هذا الاقتناع جاء نتيجة لوضوح الخبرة و بتالي فإدعاء الزوج بضعف
الخصوبة لا يمنع من حدوث الحمل لاسيما و أن الابنين المتنازع في نسبهما قد ولدا خلال فترة الزوجية و إن قاعدة الولد للفراش
. قرينة قاطعة لا يمكن الطعن فيها إلا إذا أدلى الزوج بدلائل قوية على إدعائه طبقا لمقتضيات المادة 153
وفي قرار أخر ذهب إلىأنه :
 "نسب –إثبات بالخبرة )نعم( – أداء يمين اللعان.
لما أدى الطاعن يمين اللعان ورفضت المطلوبة أداءها أو الحضور وطلب الطاعن إجراء خبرة لإثبات النسب أو نفيه ورفضت «
المطلوبة ذلك،وردت المحكمة طلب إجراء الخبرة بأنها ليست من وسائل إثبات النسب فإنها لم تبني قضائها على أساس وعرضت
» قرارها للنقض
وفي قرار أخر ذهب إلىأنه" بمقتضى المادة 153 فإن الخبرة تعتبر من وسائل إثبات النسب.
2004 وأقام /01/ 2001 إلى أن علم بحملها في 22 /01/ لما ادعى الطاعن عدم اتصاله بالمطلوبة مند غادرت بيت الزوجية في 09 «
دعوى اللعان وقدم بها شياكية بالخيانة الزوجية و التمس إجراء الخبرة والمحكمة لم تجب عن ذلك فإن قضاءها جاء غير مبني على
» أساس، مما عرض قرارها للنقض
: 14- الفقرة الرابعة - القيمة القانونية للطرق العلمية في إثبات النسببالأمر 15
11 نصا خاصا بالبصمة الوراثية واكتفى بما هو متعارف عليه في الفقه الإسلامي - لم يتضمن قانون الأسرة الجزائري رقم 84
يثبت النسب بالزواج الصحيح وبالإقرار وبنكاح شيبهة وبكل نكاح تم « كوسائل لإثبات النسب حيث نصت المادة 40 منه على أنّه
» 33 من هذا القانون ، فسخه بعد الدخول طبقا للمواد 32
كما ظلت المحاكم الجزائرية وحتى وقت قريب تعتمد في إثبات النسب ونفيه على أراء الفقهاء القدامى وترفض الإستعانة.
بالطرق العلمية الحديثة والدليل على ذلكما قضت به المحكمة العليامن خلال القرار الصادر في 15 جوان 1999 حيث جاء فيها"...
ومتى – تبين من قضية الحال– أن قضاة المجلس لما قضوا بتأييد الحكم المستأنف القاضي بتعيين خبرة طبية قصد تحليل الدم
للوصول إلى تحديد النسب خلافالقواعد إثبات النسب المسطرة شيرعا وقانونا طبقا لأحكام المادة 40 وما بعدها من قانون الأسرة فإنهم
بقضائهم كما فعلوا تجاوزوا سلطاتهم و عرضوا قرارهم للنقض ومتى كان ذلك استوجب نقض القرار المطعون فيه".
وتحت وقع الانتقادات التي وجهت لمسلك القضاء الرافض للطرق العلمية الحديثة وتوقيع الجزائر للاتفاقيات الدولية حرص المشيرع
2 تنص / الجزائري على تعديل المادة 40 من قانون الأسرة وإدراج البصمة الوراثية كوسيلة لإثبات النسب، حيث أصبحت المادة 40
على أنّه "يجوز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسب"
وهذا ما أكدهقرار المحكمة العليا" يمكن طبقا للمادة 40 من قانون الأسرة إثبات النسب عن طريق الخبرة الطبية )الحمض النووي
ADN ")
هذه الفقرة الجديدة تجيز للقاضي اللجوء إلى الطرق العلمية لإثبات النسبوكان الاقتراح بتحديد الطرق العلمية القاطعة تميزا لها عن
الطرق العلمية الظنية كفحص فصيلة الدم، فهي لا ترقى بالشيك إلى اليقين، والمقصود تحديدا بالطرق العلمية القاطعة كفحص الحمض
النووي للبصمة الوراثية، مع أن النص جوازي في توجيه القاضي لإثبات النسب بهذه الطريقة العلمية.
ومن خلال قراءة المادة 40 )ق.أ.ج( يتضح قصد المشيرع الجزائري بإبقائهالأدلة الشيرعية في الفقرة الأولى من المادة، ولو كان قصد
المشيرع الجزائري اعتبار الطريقة العلمية دليلا شيرعيا قائما بذاتها لتم إدراجها ضمن الأدّلة الشيرعية في فقرة واحدة، وهو ما يعني
اعتباره دليلا مساعدا واحتياطيا يأخذ به القاضي في حال انعدام الطرق الشيرعية، كما هو الحال بالنسبة لمجهول النسب واللقيط أو
تعارض الأدّلة الشيرعية، وفي هذه الحالة للقاضي أن يأمر بإجراء خبرة البصمة الوراثية من تلقاء نفسه، أو بناء على طلب أطراف
الدعوى للكشيف عن حقيقة النسب، وله أن يأخذ بما ورد في تقرير البصمة أو يستبعده ولا معقب عليه متىكان حكمه قائما على أسباب
سائغة.
كما أن له السلطة التامة في قبول أو رفض طلب أحد المتداعيين ندب خبير البصمة الوراثية متى كان في الأدّلة القائمة في الدعوى
ما يكفي لتكوين قناعته والفصل في الموضوع عملا بالمبدأ المستقر عليه في قضاء محكمة الموضوع فهي صاحبة القرار في تقدير
الأدلة والأخذ بها، ولا رقابة عليها في ذلك من المحكمة العليا
وتجدر الاشيارة ان المشيرع الجزائري اباح اللجوء الى الطرق العلمية لإثبات النسب فقط و كان يستوجب عليه ان يطبق ذلك في كلتا
الحالتين سواء تعلق الامر بإثبات النسب أو بنفيه
المحاضرة 15 : التلقيح الاصطناعي ودوره في حل معضلة الإنجاب.
أكدت المادة 16 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الجمعية العامة في ديسمبر 1948 على حق الفرد في الإنجاب.
كما أكد الدستور الجزائري على حق كل فرد في تكوين أسرة ولما كان التلقيح الصناعي من الوسائل الهامة التي تساعد كأسلوب
علمي حديث تكريس و تفعيل هذا الحق وعلى حل بعض مشياكل العقم لدى الزوجين مما يساعد على ضمان حقهما في استقرار
الأسرة لاسيما وأن التكاثر والتناسل من أهم عوامل استقرار الأسرة وامتداد البشيرية وتحقيق الاستقرار النفسي لكلا الزوجين. جاء
بحث هذه التقنية الحديثة للإنجاب للوقوف على مدى مشيروعيتها و مطابقتها للقانون والشيريعة ؟.
-1 ماهية التلقيح الاصطناعي :
أولا - تعريف التلقيح الاصطناعي :
-1 لغة : في القاموس المحيط : يقال لقحت الناقة لقحا ولقاحا، وكذلك الشيجرة، وألقح الفحل الناقة، ولقاحا، قبلت اللقاح فهي لاقح من
لواقح، وإلقاح النخلة تلقيحا لقحا، والريح السحاب
وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ  .
-2 اصطلاحا :هو تعبير يطلق على عملية نقل الحيوانات المنوية بعد تنقيتها إلى داخل الجهاز التناسلي للزوجة عن طريق الحقن.
أو هو التناسل بمساعدة التكنولوجيا الحديثة، التي يلتجأ إليها الأطباء المتخصصون لمعالجة الأزواج الذين يعانون من مرض العقم،
وذلك عن طريق إدخال الحيامالجنسية الذكرية إلى الحيامن الجنسية الأنثوية إلى الجهاز التناسلي بغير عملية الجماع الطبيعي،
ويمتزجان ويختلطان ليكونا اللقيحة التي تنمو في رحم الزوجةأو شيخص أجنبي في عضوها التناسلي بغير اتصال جنسي
4 - صور التلقيح الصناعي وحكم الفقه فيها :
تختلف صور التلقيح الصناعي، وحكمها الشيرعي بحسبما إذا كان المصاب بالعقم أو ضعف الخصوبة رجل أو امرأة وبالنظر إلى
الوسيلة المعالج بها، فكلما كان التدخل الطبي يقتصر على الزوجين كلما أمكن السيطرة على المسائل التي تثيرها العملية، وذلك من
خلال تقربها من الإنجاب الطبيعي في النقاط المشيتركة بينهما .
ويثير التلقيح الصناعي مشياكل ذات طابع قانوني وشيرعي وحتى اجتماعي عند يتدخل شيخص ثالث خارج عن العلاقة الزوجية كما
هو الحال بالنسبة للإخصاب بغير مني زوج أو إخصاب بويضة غير الزوجة أو عندما يتم التخصيب من بويضة ومني الزوجين ويتم
الحمل من قبل امرأة أجنبية ولو كانت زوجة الرجل الثانية.
أولا- التلقيح الداخليو حكم الفقه فيه.
ويقصد به حالة الإخصاب الصناعي الذي يقع في داخل جسم المرأة وذلك بإدخال السائل المنوي في رحم المرأة، لإحداث التلقيح
اللازم و قد عرف الفقهاء المسلمون هذا النوع من التلقيح وكانوا يسمونه بالاستدخال و يقصد به إدخال الزوجة من مني زوجها في
قبلها إذا كان الزوج مجبوبا أو خصيا.والتلقيح الداخلي له عدة صور وهي كالتالي.
-1 تلقيح الزوجة بماء الزوج حال حياته :
قد يحدث أن يصاب الرجل بمرض في جهازه التناسلي )سرطان خصية ...الخ(، وهو ما قد يعرضه للعقم من جراء الخضوع للعلاج
بالأشيعة الذي كثيرا ما يؤدي إلى إتلاف الخصية أو التأثير السلبي عليها، وقد يخضع الرجل من أجل علاج العقم إلى استخدام العقاقير
الطبية أو التدخل الجراحي وقد تفشيل تلك الأساليب.
وبناء عليه تم اكتشياف وسيلة الإخصاب الصناعي، عن طريق استخراج الحيوانات المنوية من الزوج واختيار الصالح منها وإدخالها
في رحم الزوجة.
وللزوج أن يؤمن قدراته الإنجابية عن طريق حفظه مائة )الحيوانات المنوي( وتحميها في المراكز المتخصصة وهذا لاستعمالها عند
الحاجة
ويذهب جانب من الفقه إلى القول بأن هذه التقنية لا تثير أية مشيكلة قانونية أو دينية أو أخلاقية والطفل يكون شيرعيا ويستحق نسبه
للأب والأم وذلك استنادا إلى شيرعية الإجراء ذاته مستندا في رأيه هذا لتوصيات العديد من المؤتمرات، مثل مؤتمر الجمعية المصرية
للقانون الجنائي الذي عقد بالقاهرة عام 1987 ، وندوة طفل الأنابيب التي عقدتها الجمعية المصرية للطب والقانون بالإسكندرية عام
1985 ، واللجنة التحضيرية للمؤتمر الدولي الرابع عشير للجمعية الدولية لقانون العقوبات وذلك في ألمانيا عام 1987 ، والندوة العلمية
حول الأساليب الطبية الحديثة والقانون الجنائي التي نظمها مركز بحوث ودراسات مكافحة الجريمة ومعاملة المدنيينبكلية الحقوق
جامعة القاهرة في 23 نوفمبر 1993
وهذا ما انتهى إليه مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة إلى أن الأسلوب الذي تؤخذ فيه النظفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في
رحم زوجته نفسها في طريقة التلقيح الداخلي هو أسلوب جائز شيرعا ... وذلك بعد أن تثبت المرأةحاجتها إلى هذه العملية لأجل
الحمل
-2 تلقيح الزوجة بماء الزوج بعد وفاته :
من أبرز المشياكل التي يثيرها التلقيح الصناعي هي استخدام الحيوانات المنوية للزوج بعد وفاته فقد توصلت الدراسات العلمية إلى
إمكانية تجميد تلك الخلايا الإنسانية لفترة معينة تسبق تحللها، وتبقى خلالها صالحة للإخصاب، ثم الحمل حتى بعد وفاة الزوج وهذا
ما آثار عدة تساؤلات حول مشيروعية هذا العمل من الناحية الشيرعية والقانونية ؟ وهل ينسب المولود إلى المتوفى ؟ وما مدى تأثير
ذلك على الحالة النفسية للمولود ؟.
هذه المسألة هي محل جدل فقهي بين الفقهاءإذ ذهب أغلبهم إلى تحريم إجراء عملية التلقيح الاصطناعي بعد وفاة الزوج، أي بعد
انتهاء الحياة الزوجية، إذ تنتهي عندهم لحظة الوفاة، والتلقيح في هذه الحالة يتم بغير نطفة الزوج الذي أصبح في حكم الأجنبي وبتالي
لا ينسب هذا المولود إلى صاحب النطفة ويعد في حكم الزنا
أما المؤيدون لعملية التلقيح بعد الوفاة فقالوا بأن مسألة انتهاء الحياة الزوجية بالوفاة أمر خلافي بين الفقهاء والمرجح أنها لا تنتهي
بالوفاة إلا بعد انقضاء عدة الوفاة، أربعة أشيهر وعشيرة أيام ويستند هؤلاء في رأيهم إلى ما ذكره الفقهاء من جواز أن يغسل أحد
الزوجين الاخر.
أن القائلين بجواز التلقيح بنطفة الزوج بعد الوفاة يفرقون بين حالتين أن تتم عملية التلقيح أثناء عدة الوفاة والثانية أن تتم بعد انقضاء
عدة الوفاة ولكل منها حكم سواء فيما يخص الحكم الشيرعي في المسألة وفيما يتعلق بنسب المولود.
فأما الحالة الأولى : فتجري عملية التلقيح خلال مدة العدة الشيرعية، أربعة وعشيرة أيام وذلك بأن تستدخل المرأة مني زوجها المتوفى
وقد يلجأ « : عنها، بشيرط أن تتأكد بأنّه مني زوجها ولم يستبدل أو يختلط بغيره، وفي هذا يقول الدكتور عبد العزيز الخياط. ما يلي
الرجل إلى حفظ منيه في مصرف منويلحسابه الخاص ثم يتوفى، وتأتي زوجته بعد الوفاة فتلقح داخليا بنطفة منه وتحمل، والحكم في
هذا : الولد ولده ، وإن العملية وإن كانت غير مستحسنة فهي جائزة شيرعا،ً ويستهدى في ذلك بما قرره الفقهاء من أن المرأة إذا
حملت بعد وفاة زوجها وكانت معتدة أو جاءت به لأقلمن ستة أشيهر وشيهد بولادتها امرأة واحدة )عند الفقهاء ورجلان أو رجل
وامرأتان عند أبي حنيفة، فإن الولد يثبت نسبه لأن الفراشيقائم بقيام العدة ، ولأن النسب ثابت قبل الولادة، وثابت أن النطفة منه ، وإنما
» من غير المستحسن في هذه الحالة أن تلجأ المرأة إلى الإنجاب بهذه الطريقة
ولدرأ شيبهة الزنا عن المرأة الحامل في غياب زوجها أي بعد وفاته، يرى البعض إدراج شيرط آخر مفاده أن تشيهد المرأة على أنها
أخذت مني زوجها من مصرف المني، وكما شيرط الشيهادة عند إيداعه من طرف الزوج
الحالة الثانية :إجراء عملية التلقيح بعد الوفاة وبعد انتهاء العدة.
اتفق الفقهاء على أن هذا النوع من التلقيح محرم، وغير جائز شيرعا لأنّه بانتهاء العدة تنتهي الحياة الزوجية وتصبح في حكم الأجنبية
عنه، وبتالي فإن الولد يلحق بأمه إن ولد في هذه الحالة ولا يمكن بمكان إلحاقه نسبه بالزوج المتوفى
الرأي الراجح:
بالنظر إلى الرأيين السابقين نخلص إلى القول بأن الإفتاء بعدم جواز هذا النوع من التلقيح بالمني بعد وفاة الزوج يتفق بل وتستلزمه
مقتضياته المبادئ الثابتة التي بنيت عليها قواعد ثبوت النسب شيرعا وقانونا، من هذه القواعد هي أنه لا يثبت نسب الولد المتوفى إلا
إذا ولد فيمدة أقصاها ) 10 ( أشيهر حسب التشيريع الجزائري.
فإن سمح بالتلقيح الزوجة أثناء العدة فإن الولد سيأتي بعد مدة القصوى للحمل، فكيف لنا أن
نوفق بين هذا التعارض فمن جهة نرفض تثبيت نسب الولد من أبيه إذا ولد بعد المدة القصوى من تاريخ الوفاة، ومن جهة نسمح بذلك
إذا ولدبعد المدة القصوى في حالة التلقيح أثناء العدة.
كما أن التلقيح بمني الزوج بعد الوفاة يتعارض مع أحكام الميراث فيما يخص ميراث الحمل، إذ فتح أمام الموروثين والمحتالين
للادعاء بإلحاق الأولاد بأزواجهن بعد وفاتهم بغرض الحصول على الميراث
بالإضافة إلى أن التلقيحبهذه الكيفية، يؤدي إلى إهدار أساس فكرة التلقيح الاصطناعي أصلا والمتمثلة في أنّه علاج لحالات العقم، من
أجل تلبية رغبة الزوجين في الحصول على الولد.
-3 التلقيح الاصطناعي في حالة الزوج المحكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية :
ثار خلاف حول مدى مشيروعية أللالتجاء للتلقيح الاصطناعي إذا كان الزوج محكوم عليه بعقوبة سالبة للحرية طويلة المدى هناك
فريقين :
- الفريق الأول :يرى أن الإنجاب من الحقوق الشيخصية التي نصت عليها المواثيق الدولية، وبعض الدساتير المدنية، فلا يجوز
حرمان المحكوم عليه من هذا الحق.
وتبرير ذلك أن العقوبة تنطوي على سلب للحرية وللحقوق المدنية المرتبطة بها، والأصل أن العقوبة لا يجب أن تمتد إلى الحقوق
الأخرى الخاصة بالمحكوم عليه، ومنها حقه المشيروع في الإنجاب لأن ذلك يؤدي إلى زيادة في جسامة العقوبة أضف إلا ذلك أن
العقوبة قد تطول مما يحتمل معه أن يفقد المحكوم عليه أو زوجته القدرة على الإنجاب.
- الفريق الثاني : يذهب إلى أن السياسة العقابية الحديثة تتجه إلى التوسيع في نظام المؤسسة المفتوحة، مما يسمح للمحكوم عليه
التردد على الأسرة لمتابعة شيؤونها وبتالي تتوافر له ظروف الإنجاب بالطرق الطبيعية، والغالب ألا تتوافر صعوبات أو مشياكل في
حالة العقوبة قصيرة المدى، خاصة إذا لم يكن المحكوم عليه على درجة معينة من الخطورة، فالمشيكلة تقتصر على الجرائم شيديدة
الجسامة التي تقتضي توقيع عقوبات طويلة المدى وتنفيذها وفقا لأغلب النظم في مؤسسات مغلقة حيث لا يجوز للمحكوم عليه زيارة
الأسرة..
ويرى الأستاذ الدكتور نصر الدين مروك رئيس محكمة بومرداس الجزائر أن استخدام هذه الوسيلة للإنجاب لا يضر سلامة الجسم
ولا يتعارض مع الشيريعة الإسلامية والقوانين الوضعية.
خاصة إذا كان ثمة سبب قوي يبرر اللجوء إلى ذلك كما في حالة العقم والأمراض الوراثية، وغيرها مما يؤثر على سلامة جسم
الزوجين والجنين، ويكون هذا هو الحل الوحيد لتمكين الزوجين من مباشيرة حقهما في الإنجاب.
-4 تلقيح الزوجة بغير ماء الزوج :
وهو استعمال الطبيب نطف رجل أجنبي متبرع في التلقيح بواسطة الزوجة ويلجأ إليها الطبيب إذا كان الزوج عقيما، أي أن قدرته
على الجماع طبيعية غير أن لا يوجد في مائه حيوانات منوية، أو أنها موجودة لكنها تفتقد إلى سر الحياة.
وقد نظمت المجتمعات الغربية هذه العملية من خلال إنشياء مراكز حفظ النطف التي يتم تمويلها عن طريق التبرع، ويرى الشييخ جاد
أن هذه الصورة تدخل في معنى الزنا، والولد الذي يتخلق ويولد من هذا الصنيع حرام بيقين، لالتقائه مع الزنا « الحق علي جاد الحق
المباشير في اتجاه واحد، إذ أنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب وذلك ما تمنعه الشيريعة الإسلامية التي تحرص على سلامة أنساب بني
الإنسان، وإذا كانت البويضة في هذه الصورة ليست لزوجة صاحب المنيوإنما لامرأة أخرى لم يكن نتاجها جزءا من هذين الزوجين،
» بل من الزوج وامرأة محرمة عليه فصارت هذه الصورة في حكم الزنا المحرم قطعا
ثانيا- التلقيح الخارجيوحكم الفقه فيه :
هو التلقيح الذي يتم فيه تلقيح البويضة من المرأة خارج جهازها التناسلي ويتم التلقيح بماء الذكر، فإذا ما تم التلقيح أعيدت البويضة
الملقحة إلى رحم المرأة أو رحم امرأة أخرى
-1 الإخصاب خارج الرحم )أطفال الأنابيب(. ويكون هذا الإخصاب الخارجي على عدة صور :
أ- الإخصاب الخارجي ببويضة الزوجة أو امرأة أجنبية وحكمه :
 /الإخصاب الخارجي ببويضة الزوجة :
تعتمد هذه التقنية على استخراج البويضة من المرأة لحظة خروجها من المبيض ثم وضعها في أنبوب يحتوي على سائل خاصب لبقاء
البويضة ونموها، ويضاف إليها عينة من النطف فإذا وقع الإخصاب يتم نقل البويضة المخصبة إلى رحم الزوجة لتكملة نموها.
وتتلخص دواعي اللجوء إلى هذهالوسيلة من الناحية الطبية فيما يلي:
.1 قفل الأنابيب الموصلة المبيض بالرحم.
.2 قلة الحيوانات المنوية، حيث يلجأ الطبيب إلى جمع أكبر قدر ممكن من النطف لزيادة فرص الإخصاب.
.3 صعوبة الإخصاب الناتجة عن إفرازات عنق الرحم التي تؤدي إلى إتلاف النطف قبل وصولها إلى البويضة.
 / الإخصاب الخارجي ببويضة امرأة أجنبية :
ويتم في هذه الحالة التبرع ببويضات غير مخصبة من امرأة أجنبية، وقد كانت أول محاولة ناجحة من هذا التبرع في الولايات
المتحدة الأمريكية، إذا تمكنت سيدة عقيمة من وضع طفل عن طريق الاستفادة من بويضة امرأة متبرعة تم تخصيبهامن زوج المرأة
الأولى وأن دواعي اللجوء لهذه الوسيلة.
هو : توقف وظيفة المبيض بسبب بلوغ المرأة سن اليأس مع رغبتها في الإنجاب.
- فقدان المبيض تلفه أو عدم تأديته لوظيفة.
- الخوف من انتقال الأمراض الوراثية إلى الجنين أو ولادته بعيوب خلقية
وتستخدم هذه الطرق في حالة ما إذا كان الزوجين عقيمين تماما وهي تعتمد على انتزاع بويضة صالحة للإخصاب من مبيض امرأة
أخرى ثم تلقح بمني رجل آخر غير الزوج وتوضع في أنبوبة بها نفس السائل اللازم للنمو، حتى تتم عليه التخصيب وتكوين النطفة
الملقحة وتزرع في رحم المرأة.
 الحكم الشرعي لتلقيح الصناعي الخارجي بماء الزوج وبويضة الزوجة أو المرأة الأجنبية.
- الحكم الشرعي لتلقيح الصناعي الخارجي بماء الزوج وبويضة الزوجة.
اختلف الفقه في هذه المسألة إلى رأيين :
- الرأي الأوّل : ذهب إلى عدم الجواز المطلق واستدل أصحاب هذا الرأي إلى أن هذه الكيفية في الإنجاب تتيح الفرصة أمام الأطباء
للتحكم في جنس الجنين وهذا قد يرتب آثار خطيرة على المجتمع بوجه عام، حيث توصل الطب إلى إمكانية إجراء تفريق نواة الخلية
المنوية المؤثرة على تحديد جنس الجنين.
وانعدام الأمان إذ أن احتمال ارتفاع نسبة التشيوه واردة، وكذلك هذه الكيفية تؤدي إلى الشيك في الأنساب ومن ثمة قد تكون ذريعة
للفساد فمع رغبة الكثيرين في الإنجاب قد يخطأ الطبيب المشيرف على التلقيح ويستبدل أنبوبا بآخر وقد يتلاعب عمدا مسايرة منه
لرغبة الزوج
- الرأي الثاني : الجواز المطلق واستدل أنصار هذا الرأي ، أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البدرتين وأنه لابد من توافر
شيروط معينة، منها : وجود حالة الضرورة، انتفاء الضرر على أطراف العملية بما فيهم الطفل، التحرز من اختلاط الأنساب، أن
تجري هذه العملية طبيبة مسلمة وإلا فطبيب المسلم وإلا فالطبيب غير مسلم ثقة يسعى على مراعاة الحيطة والحذر وعدم تغيير
الأنابيب.
 الحكم الشرعي والقانوني للتلقيح الصناعي بماء الزوج وبويضة امرأة أجنبية.
- الحكم الشرعي هناك رأيين :
حيث ذهب الرأي الأولوهمجمهور الفقهاء المحدثين بجواز هذه العملية إلا أنهم اختلفوا في الأم هل هي صاحبة البيضة أم التي
حملت.
فذهب البعض إلى أنها الأم التي حملت وولدت مصداقا لقوله تعالى : إِنْ أ مهَاتُهُمْ إِلا
ال لائِي وَلَدْنَهُمْ فتبقى الأمومة عن التي تلد ، وقوله تعالى : وَالْوَالدَِاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُ ن حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ والوالدة هي التي ولدت وهي
التي ترضع، وأما الاتجاه الثاني فذهب إلى أن الأم هي صاحبة البيضة.
ويستند أصحاب هذا الرأي إلى مجموعة من الحقائق هي : أن الخصائص الوراثية مودعة في البويضة فالجنين سيحمل كل هذه
الخصائص المودعة في البويضة وما الرحم إلا حاضن
كما أن السجل الوراثي الحقيقي للولد يستخلص من الخلايا الجنسية للأبوين، وإن النسب يقوم على الحقيقة البيولوجية فالنطفة الأمشياج
هي بداية خلق الإنسان، وقد ورد ذكرها في القرآن اثنا عشيرة مرة، وبتالي إذا كان الولد ينسب للأب -الرجل صاحب النطفة- فإنه
ينسب إلى جهة الأم صاحبة البويضة
- الرأي الثاني : دهب إلى عدم جواز ذلك لما يترتب من مشياكل.
الراجح :إن هذه الحالة محرمة شيرعا نتيجة اشيتراك طرف ثالث في العملية، وما يؤدي إليه من اختلاط في الأنساب بالنسبة للطفل
الذي تصبح له أمان أم صاحبة البويضة وأم حملت به، كما أن الطفل لا ينسب لأبيه لأنه لا توجد علاقة زواج بينه والمرأة التي
حملت بالطفل وأن كان من الناحية البيولوجية يكون طفلهما، أما من الناحية الشيرعية لا يجوز ذلك لوجود البويضة أو صاحبتها علما
أن الطفل يحمل 46 كروموزوم 23 من الأب و 23 من الأم، أما الزوجة العقيم فتكون مجرد وعاء لحمل الطفل وتأخذ صفة
المحرمية قياسا على الرضاع
 /الحكم القانوني لم تتعرض القوانين الخاصة بالأحوال الشيخصية بشيكل واسع بثبوت النسب من الأم، ولا نكاد نجد نصا مخصصا
لثبوت النسب من جهة الأم.
غير أنه يمكن أن نستخلص من نص المادة 43 من قانون الأسرة الجزائري، الذي ربط الأمومة بالوضع، وقد استقر الفقه
والقضاء على أن الأمومة تثبت بالولادة، فيثبت نسب الولد مع أمه بمجرد الولادة من دون حاجة إلى إثبات، وسواء كانت الولادة
من نكاح أو من سفاح، وإذا ثبت بالولادة فلا يمكن نفيه بعد ذلك.
يعاقب بالسجن من خمس سنوات إلى عشير سنوات كل من نقل عمدا « وفي القانون العقوبات الجزائري نصت المادة 321 بأنه
طفلا أو أخفاه أو استبدل طفلا آخر به أو قدمه على أنه ولد لامرأة لم تضع و ذلك في ظروف من شيأنها أن يتعذر التحقق من
.» شيخصيته
يفهم من هذا النص أن أم الولد هي التي حملت ووضعت، وكل من أراد إخفاء هذه الحقيقة بنسب الطفل إلى امرأة أخرى ولو
كانت صاحبة البويضة، يعد الفعل جريمة يعاقب عليها
-2 التلقيح بواسطة الأم البديلة : )تأجير الأرحام( :
ويقصد بيه قيام امرأة بحمل جنين ليس من زوجها لصالح امرأة أخرى أوصت عليه
أو أن تقوم امرأة بديلة عن الزوجة تسمى الأم البديلة أو الحاضنة بمهمة حمل الجنين ووضعه على أن يتم تسليمه بعد ذلك للزوجة
التي يتم الإجراء لصالحها.
ويلجأ إلى هذه التقنية في حالات عديدة، كما إذا كانت الزوجة تعاني من حالة عقم تحول دون الإنجاب كلية، وإذا كانت مصابة
بمرض يخشيى تأثيره على صحة الجنين، أو يعرض صحتها للخطر في حالة الحمل والوضع، كما في حالة أمراض الكلية وخلافه،
وقد تكون قد تعرضت لحالات إجهاض عديدة، وقد تعاني من اضطرابات أو خلل معين في الجهاز التناسلي، بحيث يصعب بقاء
الجنين خلال الفترة اللازمة لنموه الطبيعي. وقد يحدث أن تعاني الزوجة من عدم القدرة على الحمل لأسباب تتعلق برحمها كأن يكون
به تشيوها أو مرض أو تخشيى مخاطر الحمل، فيحول دون تمكنها من الحمل، في هذه الحالة ولهذه الأسباب تستعين الزوجة برحم
امرأة أخرى لتتحمل هذه الوظيفة.
وقد تكون الزوجة هي الأم البيولوجية، فتستخرج منها البويضة، وبعد إخصابها بنطفة الزوج يتم إدخالها إلى رحم الأم البديلة، وقد
تكون الأم البديلة زوجة أخرى للزوج في حالتين فالتلقيح يشيمل خلايا تناسلية للزوجين.
والخلاف الفقهي قائم حول مدى مشيروعية هذا الإجراء خاصة وأن هناك طرف ثالث وهو الأم البديلة التي يقف دورها عند حد إتاحة
الفرصة للجنين لينمو داخل رحمها، حتى يكتمل نموه بانقضاء فترة الحمل وحتى الوضع، وبعد ذلك يسلم المولود إلى الزوجين.
أ - موقف الفقه من إجارة :
اختلف الفقهاء في حكم إجارة الأرحام أو ما يسمى الرحم البديل وكان خلاف على ثلاث أقوال :
- القول الأول :ذهب فيه الفقهاء إلى تحريم إجارة الرحم تحريما مطلقا، سواء كانت صاحبة الرحم المؤجرة زوجة أخرى للرجل أم
لا.
واستدلوا في ذلك بالأدلّة التالية قوله تعالى : وَال ذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ، إلِا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيَْمَانُهُمْ فَإِ نهُمْ غَيْرُ
مَلُومِينَ ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأوُلَئِكَ هُم الْعَادُونَ 
وجه الدلالة تدل الآية على أن الله حث الأزواج على حفظ الفروج، وبيّن أن حفظ الفروج لا يكون إلا بقصرها على الزوجة وملك
اليمين.
وفي الآية استثناء في قوله تعالى : إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ  وهو يعني أنه لا يجوز وضعأو إيصال أي شييء إلى امرأة أخرى لا تكون
زوجة شيرعية، ومن المعلوم أن نقل البويضة إلى امرأة أخرى من متعلقات الزوجين، وإن الرجل بذلك يكون قد اتصل بغير زوجته.
قوله تعالى :  جَعَل لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَل لَكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة وَ الله  .
وجه الدلالة يبين الله أنه جعل الزوجة من نفس جنس الزوج، ثم بين أن الولد إنما يكون من الزوجين، وهو نص صريح في عدم جواز
تأجير الأرحام لأن الولد كما نص عليه القرآن لا يكون إلا من زوجة شياركت في إعداده، وصاحبة الرحم البديل ليست كذلك
فيبطلالقول بجواز تأجير الأرحام
وقوله تعالى : يهبلِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لمَِن يَشَاءُ الذُّكُورَ ، وَيَجْعَل مَن يَشَاءُ عَقِيمًا 
أخبر الله تعالى في هذه الآيات أنّه يهب الإناث والذكور لمن يشياء ويجعل من يشياء عقيما ولا مصلحة في مخالفة شيرع الله وسنته في
كونه.
أن تأجير الأرحام يؤدي إلى اختلاط الأنساب من ناحية الأم البديلة إذا كانت متزوجة، كما أنّه يشيكل صور من الزنا.
إن الجنين الذي انفصل عن الأم المستأجرة يكون في حيرة من أمره من ناحية الأم، كما أن تأجير الأرحام يؤدي إلى اختلاط
الأنساب.
وأن المجمع الفقه الإسلامي عام 1986 أباح عملية تأجير الأرحام إذا كان الرجل متزوج من امرأتين، ويقوم أحدهما باستضافة
لقيحة الأخرى، فإنه عاد وحرم ذلك لأنّه يفتح مفاسد كثيرة
إننا نعيش في بيئة إسلامية للمرأة فيها وضع خاص يمنع الاقتراب منه، وتستمد المرأة هذا الوضع من أحكامالشيريعة.
الإسلامية، وبتالي فإذا أبيح هذا النوع من الحمل وكانت المرأة غير متزوجة فيقع الضرر على شيرفها وعفتها
أن تأجير الأرحام يطرح الإشيكالات ويحط من القيمة الإنسانية للمرأة،لاسيما المساس بشيرف و عرض المرأة المطلقة أو الأرملة
والتي تحمل في بطنها جنين.
أنتأجير الأرحام يؤدي إلى مشياكل مالية، إذ أن كلمة تأجير لا يأتي من ورائها سوى الربح، وهو ما يجعل ساقطات المجتمع
وعاهراته أعلام هذه العملية، وهذه العملية بدورها غير مضمونة فهي تشيمل تكاليف التحاليل الطبية وإعادة العملية أكثر من
مرة.
كما تؤدي هذه العملية إلى الكثير من المشياكل والنزاعات التي وصلت إلى ساحةالمحاكم
- الرأي القائل بجواز تأجير الأرحام :
ذهب هذا الرأي إلى إجازة تأجير الأرحام سواء كانت صاحبة الرحم زوجة أخرى أم لا ومن أنصار هذا الرأي الأستاذ الدكتور منذر
وعندي أن تلقيح الزوجين)عند تعدد الزوجات( في الدول التي تجيز ذلك بالسائل المنوي للزوج مع بويضة « الفضل حيث يقول
كما ذهب .» لأحدهن بسبب عدم إمكانية إنجاب الأخرى جائز مادامت رابطة الزواج قائمة بشيرط توضيخ مصير المولود بعد الولادة
إليه المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة المنعقدة في مكة المكرمة عام 1404 هولكنه رجع عنه في دورته التالية
واستدلوا بما يلي :
أن تأجير الأرحام لا تتعارض مع قوله تعالى : إِنْ أ مهَاتُهُمْ إِلا ال لائِي وَلَدْنَهُمْ ، وقوله تعالى :
 أَخْرَجَكُم مِّن بُطُونِ أ مهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا
وَ الله  ، وَوَ صيْنَا الإِنسَانَ بِوَالدَِيْهِ حَمَلَتْهُ أمُُّهُ وَهْ نًا عَلَى وَهْ ن  .
فالأم الحقيقية هي صاحبة البويضة أما صاحبة الرحم كالأم من الرضاع.
إن الله جمع بين الحمل والرضاع في المدة اللازمة لها في قوله تعالى :  وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا 
لما كان بالإمكان أن ينقل الطفل من حجر أمه إلى حجر امرأة مرضعة خلال فترة الرضاعة فإنه يصبح من الممكن حلول امرأة
في رحمها محل صاحب الرحم المريض ، وإذا كان انتقال الطفل من أسرته إلى أسرة مرضعته في سن مبكرة من الخطورة
بمكان، فإن الحمل لحساب الغير لا يحدث هذا الأثر لأن الجنين بمجرد ولادته سيسلم للأسرة ولا يتأثر بهذا التغيير
إن الاعتبارات الإنسانية تفضي بالسماح بمثل هذه التقنية طالما أنها تقع ضمن نطاق الزوجين.
أما الدكتور شيوقي زكريا الصالحي ذهب إلى أن الأم التي حملت ووضعت هي أحق أن يثبت نسب الطفل لها، فمفهوم الأمومة
ينصرف إلى الأم التي حملت وعانت مشياكل الحمل والولادة على عكس صاحبة البويضة التي اقتصر دورها على منح
البويضة دون أي عناء مما ينفي نسب الطفل عنها
الرأي الراجح :
بعد عرض الآراء وأدلتها نخلص إلى مسايرة الاتجاه الرافض لتأجير الأرحام، لما يرتبط بها من
مشياكل قانونية ودينية واجتماعية وصحية، فهو يمس بسلامة الجسم المادية والنفسية، كما يتعارض مع وظيفة الأمومة الطبيعية، مما
قد يعرض الطفل للعديد من المشياكل الاجتماعية والنفسية، وإذا كان التلقيح الاصطناعي مشيروع . إذا ما التزم بالضوابط الشيرعية،
فإنّه يجب الأخذ بفكرةالأم البديلة بعد ميلاد الطفل في حالة عدم وجود الأم الحقيقية، فإنّه لا يجوز بمكان أن يمتد إلى مرحلة مهمة في
تكوين الإنسان، وهي مرحلة الحمل، التي تتوافر فيها جوانب بيولوجية وطبيعية لا يجوز إغفالها، ذلك أن ارتباط الطفل بالأم لا يرجع
إلى أنها تشيارك في تكوين النواة الأولى في نشيأته من خلال البويضة التي يتم تلقيحها ثم زراعتها في رحمها، بل تمتد تلك المشياركة
أثناء مرحلة الحمل، إذ ينشيأ الجنين بين أحشيائها ويتغذى منها ويتأثر بحالتها النفسية والبدنية والعقلية
أضف إلى ذلك أن تأجير الأرحام يفتح باب لمفاسد كثيرة فقد تدعي امرأة حملة بالزنا أنها مؤجرة للرحمها كما أن في تأجير الأرحام
إطاحة بكرامة المرأة وإنسانيتها.
وقد توصل مجمع الفقه الإسلامي في مناقشياته بشيأن التلقيح الاصطناعي إلى ما يلي:
.1 أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل ،و حاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضا مشيروعا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من
طرق التلقيح الاصطناعي.
.2 أن الأسلوب الأول )الذي تؤخذ فيه النظفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته نفسها في طريق التلقيح الداخلي(
هو أسلوب جائز شيرعا بالشيروط العامة ... وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.
.3 أن الأسلوب الثالث )الذي تؤخذ فيه البذرتان الذكرية و الأنثوية من رجل و امرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحهما خارجيا
في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم الزوجة نفسها صاحيبة البويضة(، هو أسلوب مقبول مبدإيا في ذاته بالنظر
الشيرعي، لكنه غير سليم تماما من موجبات الشيك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات
الضرورة القصوى.
.4 أن الأسلوب السابع )الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من الزوجين وبعد تلقيحها في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم
الزوجة الأخرى للزوج نفسه،حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم( يظهر المجلس المجمع أنه
جائز عند الحاجة وبالشيروط العامة.
.5 وفي حالات الجواز الثلاث يقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البدرتين،و يتبع الميراث والحقوق الأخرى
ثبوت النسب، في حين يثبت نسب المولود من الرجل والمرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به.أما
الزوجة المتطوعة بالحمل عن ضرتها )في الأسلوب السابع المذكور( فتكون في حكم الأم الرضاعية للمولود لأنه اكتسب من
جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع الذي يحرم به ما يحرم النسب.
.6 وأما الأساليب الأربعة الأخرى من أساليب التلقيح الاصطناعي في الطريقين الداخلي والخارجي فجميعها محرمة في الشيرع
الإسلامي لا مجال لإباحة شييء منه،لأن البدرتين الذكرية و الأنثوية فيها ليستا من الزوجتين ،أو لأن المتطوعة بالحمل هي
أجنبية عن الزوجين مصدر البدرتين. هذا ونظرا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصور الجائزة
شيرعا، ومن احتمال اختلاط النطف أو اللقاح في أوعية الاختبار،ولاسيما إذا كثرت ممارسته و شياعت،فإن مجلس المجمع
الفقهي ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارستهإلا في حالة الضرورة القصوى،و بمنتهى الاحتياط والحذر من
اختلاط النطف أو اللقائح.
.14- 2 - التلقيح الاصطناعي في ضوء تعديلات قانون الأسرة الجزائري بالأمر 15
11 المؤرخ في 09 جوان 1984 ذلكأن هذه - لم يتناول المشيرع الجزائري عملية التلقيح الاصطناعي في قانون الأسرة رقم 84
العملية لم تظهر في الجزائر إلا مع بداية التسعينات.
وإيمانا من المشيرع الجزائري بأهمية التلقيح الاصطناعي وما قد يساهم به في استقرار الأسرة وحمايتها من التفكك، اعترف بالتلقيح
الاصطناعي في الصورة التي تتماشيى وأحكام الشيريعة الإسلامية وأجاز اللجوء إليه من أجل تحقيق التناسل المطلوب شيرعا والذي
يعد من أهم أهداف الزواج.
وقد سعى المشيرع الجزائري إلى رسم حدود التلقيح الاصطناعي، عند ما وضع للراغبين في اللجوء إليه شيروطا تضمنتها المادة 45
مكرر من قانون الأسرة المعدل والمتمم ونصها كما يلي :
يجوز للزوجين اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي «
يخضع التلقيح الاصطناعي للشيروط الآتية :
- أن يكون الزواج شيرعيا.
- أن يكون التلقيح برضا الزوجين وأثناء حياتهما.
- أن يتم بمني الزوج وبويضة رحم الزوجة، دون غيرهما.
» - لا يجوز اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي باستعمال الأم البديلة
1 – الشرط الأول : قيام علاقة زوجية صحيحة.
يشيترط أن يكون كل من الرجل والمرأة محل التلقيح الاصطناعي مرتبطين بزواج إذ لا يمكن المطالبة بالتلقيح الاصطناعي لمجرد
وجود علاقة حرة بينهما، وحكمة المشيرع الجزائري من ذلك هو الحفاظ على كيان الأسرة وحماية الشيرف والعرف والمجتمع.
والزواج المقصود هنا هو الزواج الشيرعي المتوافر على الأركان والشيروط المنصوص عليها في المواد 9 و 9 مكرر و 7 من قانون
الأسرة فإذا قضي ببطلان الزواج، انتفى الحق في اللجوء إلى هذه العملية لانتفاء الأساس الذي تولد عنه الهدف أما إذا كان الزواج
عرفيا، فلا يجوز لهما اللجوء إلى التلقيح الاصطناعي إلا بعد تثبيت زواجهما قضائيا
-2 الشرط الثاني : أن يكون التلقيح الاصطناعي برضا الزوجين وأثناء حياتهما.
إن إجراء عملية التلقيح الاصطناعي يستلزم بالضرورة رضا كل من الزوجين، ويجب أن يكون الرضا سليما خاليا من عيوب الإرادة
كالتدليس أو الإكراه، فإذا شياب رضاه أحد هذه العيوب، فله أن يعدل عن رضاه إذا لم يحصل التلقيح بعد، فإذا حدث وحصل هذا
الأخير، فلا خيار له في العدول لأن الأمر يصبح متعلق بالإجهاض وهو جريمة يعاقب عليها القانون المادة 304 من قانون العقوبات
الجزائري
كما يجب أن يكون التلقيح أثناء حياة الزوجين التي قد تنقطع بالطلاق أو بالوفاة وقد أكدته المادة 45 مكرر بقولها "أثناء حياتهما" نظر
لما يحمل عدم الأخذ بهذا الشيرط من مخاطر مستقبلية، لأنّه من الناحية العملية. قد يتم تلقيح الزوجة بعد وفاة الزوج وهذا الإجراء
يجعل العلاقة الزوجية حتى بعد وفاة الزوج مسألة جد خطيرة، وهي مسألة النسب وهو العمود الفقري الذي ترتكز عليه الأسرة.
وقد كان المشيرع الجزائري واضح في هذه المسألة بأن رفض التلقيح بعد انقطاع العلاقة الزوجية والتي تكون مصدرا للنسب غير
الشيرعي، فالتلقيح الزوجة بهذه النطفة يشيبه بالزنا فلا ينسب المولود للزوج صاحب المني بل ينسب لأمه كولد الزنا تماما، فالحمل في
هذه الحالة يخرق عدّة قواعد شيرعية وقانونية ثابتة في النسب.
مثل خرق الحدّ الأقصى للحمل والمحدد بعشيرة أشيهر، لأن العملية لا تنجح لأول مرة فيحتم إعادة التلقيح مرتين فأكثر حتى يتم علوق
الجنين.
يشيترط لاستحقاق الإرث « أضفإلى أنه يثير مشياكل قانونية كتلك المتعلقة بالميراث إذ نصت المادة 128 من قانون الأسرة على أنّه
.» أن يكون الوارث حيا أو حملا، وقت افتتاح التركة
وعليه من حق الورثة الاعتراض على انتساب الطفل إلى شيخص المتوافي الذي يأتي كنتيجة لهذه الصورةمن التلقيح، وعليه فقد وسع
المشيرع الجزائري من وسائل حماية الأسرة وقيد إرادة الزوجة في الإنجاب بطريقة التلقيح الاصطناعي وكان بذلك المشيرع
الجزائري قد أخذ بالرأي الفقهي الذي يحضر الإنجاب الصناعي بعد وفاة الزوج.
فهذه الطريقة فيها انتهاك حق الطفل في العيش في أحضان أسرة تتكون من الأب والأم وتجعل منه طفلا يتيم الأب
3 -الشرط الثالث : أن يتم التلقيح الاصطناعي بمني الزوج وبويضة الزوجة دون غيرهما.
لقد نظم قانون الأسرة صلة الرجل بالمرأة واختلاطهما بوجوب أن يتم ذلك في ظل عقد زواج صحيح تكريما لنطفة الإنسان الذي
يتخلق منها الولد لقوله تعالى: ﴿إِ نا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِن نُّطْفَة أمَْشَا ج ﴾وتكريما للزوجة بجعلها مختصة بزوجها لا بغيره من جهة أخرى.
وإذا أجاز تلقيح بويضة الزوجة بماء زوجها لأسباب ومقاصد معقولة وحماية للأسرة والنسب، فإنّه يحضر قانونا إجراء عملية التلقيح
الاصطناعي بماء رجل غير زوج المرأة محل التلقيح وذلك لحجج التالية :
.1 تتعارض هذه العملية مع النظام العام لكونها عملية غير أخلاقية ولو كان الغرض علاج العقم، فلا عبرة هنا برضا الزوجين،
طالما كان ذلك مخالف للنظام العام.
.2 إن هذه الصورة تزيد من ظاهرة اختلاط الأنساب، حيث سينسب المولود إما لأب بيولوجي طبيعي وإما لأبيه الشيرعي ولكن
بمشياركة الغير في الحمل، وهذا يخالف قوله -  : - ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ الله 
.3 هذا الفعل شيبيه بالزنا لأن هذا الأخير يشيترط المواقعة الجنسية، وهما يؤديان إلى تحقيق هدف واحد هو وضع ماء رجل أجنبي
قصدا في رحم امرأة غير مرتبطين بعقد زواج
.4 تلقيح المحارم كلما زاد عدد الذين يلقحون من النساء بماء رجل واحد، كلما زاد احتمال بأن تلقح أمه أو أخته أو عمته أو خالته
أو ابنته بمائه.
.5 زيادة احتمالات تشيوه الطفل.
وحكمة الشيرع من منع التبني والزنا هو حفظ الأنساب من أن تختلط.
وعليه فإن التلقيح بمني الزوج وبويضة الزوجة يحتاج إلى ضمانات تحول دون اختلاط البويضة بمني رجل أجنبي من هذه
الضمانات: - أن تتم العملية أمام جهة عملية موثوقة، وأن تتمّ بحضور الزوجين، وإهدار ما تبقى من الحيوانات المنويةبعد التلقيح
ولنجاح العملية: إنشياء مراكز متخصصة خاضعة لرقابة الدولة، فيها أطباء متخصصون ذو ثقةوقد أخذ المشيرع الجزائري بالرأي
الفقهي القائل بتحريم التلقيح من مني رجل أجني.
-2 موقف قانون الأسرة المعدل من اللجوء إلى التلقيح باستعمال الأم البديلة :
درء لمشياكل التي تترتب على استعمال التلقيح بالأم البديلة أو تأجير الأرحام، ومن باب سدّالذرائع ودرءا للمفاسد، منع المشيرع
الجزائري التلقيح باستعمال الأم البديلةفاستبدال الرحم يضحي بوحدة الحياة الزوجية في سبيل الوظيفة التناسلية، وهو يهدد وحدة
استقرار الأسرة ويكون منبعا للانشيقاق وعليه فإن موقف المشيرع الجزائري من منع العملية لا يعتبر إجحافا في حقوق الزوجة، بل
صيانة لهما وحماية لحقوق الطفل لاسيما إذا علمنا أنّه في بعض الحالات تقرر مؤجرة الرحم الاحتفاظ بالطفل أو أن الزوجين
يرفضون الطفل إذا ما ولد مشيوها.
التعديل الأخير تم بواسطة +إيمان+ ; 18-04-2014 الساعة 09:51 PM