( قصـــة ) إن لـــــــم تكــــن هــــــي فمــــــن هـــــــي ؟؟
24-10-2018, 02:23 PM
بسم الله الرحمن الرحيم












( قصـة قصيـرة جـــداً )
أن لـــم تــــكن هـــي فمــــن هــــي ؟؟
قــــــال :
لا أعتب الضباب .. ولا أعتب الظلام .. فتلك سنن كونية بأسبابها .. ولكنني أعتب غفلتي التي لم أحسب لها الحساب !.. وهذا الزمن هو زمن المهارة التي تغلب المهارة .. وفي كثير من الأحيان تجري مجريات وأمور تجلب الحيرة وتعطل الألباب .. قلت لشريكة حياتي ذات يوم لما لا نقتدي بالسواح ونسرح ونمرح قليلاً في أرض الله ؟؟ .. فقالت تلك فكرة عظيمة لتجديد طلاء الذكريات والماضي .. فكانت بداية تجربة لأول مرة .. وحكاية قصة عجيبة .. كان الاقتراح والاتفاق أن تكون رحلة السياحة في أوروبا .. حيث التجوال في تلال الألب الشهيرة .. وهنالك هيئات سياحية تقوم بترتيب السياحة في جبال الألب طوال الشهور والأيام .. تمت مراسيم الإعداد للرحلة من الألف للياء .. وبعدها كنا ذات يوم في تلك البقاع .. رتل من السياح جمعتنا الأقدار في مجموعات من الأجناس .. كانت مجموعتنا تضم فئات منصفة من الرجال والنساء والشباب والشابات والأطفال .. لقد تفاضلت الأعمار .. الكبار شأناً والكهول عمراً .. بجانب الحسان كمالا وجمالاً .. بجانب الفتيان والفتيات في أعمار الزهور.. ثم الأطفال بروعة الورود .. ثم تحركت القافلة بهدوء وانسيابية لا تعكرها شيء .. وفي لحظات معدودة تعارفت الوجوه وأصبحت مألوفة بقدر يجلب الطمأنينة .. وكانت الملامح السائدة في الوجوه هي تلك الألفة والمودة والسماحة .. ومنذ اللحظة الأولى كانت السعادة والحبور تملأ أعين المجموعة صغيرا وكبيراً .. ثم ذاك هو مرشد الرحلة الذي كان يصف الخارج خطوة بخطوة ومنطقة بمنطقة .. يقرن المناطق بالحقائق الجغرافية والتاريخية .. اليوم الأول للرحلة كان يمتاز بالأجواء المناخية اللطيفة الممطرة مطرا خفيفاً .. يوم عفيف الغيوم رقيق النسائم عذب الترانيم .. ومن المستجدات الساخرة المحببة للنفس تلك الغيوم التي كانت تسبح في الهواء .. تدخل من نوافذ الحافلة ثم تخرج من نوافذ أخرى .. ثم الروعة في تلك النسائم العليلة التي كانت تقتحم الحافلة ثم تمد يدها لتعبث بشعر الغواني والحسان .. فإذا بأيدي الحسان تنشغل طوال اللحظات وهي تطرد الخصلات من سواحل العيون .. لوحة بمنتهى الجمال والبهاء .. نسائم لا تكل ولا تمل من العبث بشعر الحسان .. وأيدي حسان لا تكل ولا تمل من الطرد والزجر .. وإذا اشتدت معركة الحروب والسجال تمتد تلك الأيدي لتغلق النوافذ .. وبعد ساعات وساعات قد أقبل الليل فكان لا بد من التوقف والمبيت .. في الليلة الأولى كان المبيت في نزل يركع تحت أقدام الجبال .. كان نزلاً فاخراً يمثل واحة وراحة بعد عناء الرحلة والسفر .. وكان المنام يجمع الشمل في مجموعات تلتقي بالوئام والانسجام .
............ في باكورة اليوم التالي ناد المنادي بالاستيقاظ والتحرك السريع .. ثم بدأت رحلة اليوم الثاني بهمة ونشاط من الجميع .. ولكن ملامح ذلك اليوم من البداية لم تكن على ما يرام .. وكان يوماً عابس الوجه معكر المزاج .. كيف لا وقد بدأ مشاكساً ومكشراً للأنياب .. حيث تلك العواصف التي بدأت تعكر الأجواء .. وحيث الضباب الكثيف الذي بدأ يتراكم ليحجب صفاء الرؤية تماماً كالحجاب .. وعند ذلك توقف الركب عن السمار بعد دقائق قليلة .. وأوقف السائق الحافلة جنباً في منطقة من مناطق الأمان .. ثم طلب من الجميع البقاء والجلوس في المقاعد حتى ينكشف الضباب .. ولكن الضباب قد تمادى في التكاثف بقدر بشبه الظلام .. وباطن الحافلة كان أكثر قتاماُ من خارجها .. ولذلك فإن التواصل المتاح بين مجموعة السياح كان باللمس أو بالكلام أو بالهمس والأصوات .. جلس الجميع في الظلام داخل الحافلة لساعات .. والبعض من السياح كان يظهر الملل والضجر بالآهات والأنات .. وفي تلك اللحظات همست شريكة الحياة في أذني وقالت أنها تريد النزول من الحافلة لتقف في الأرض قليلاً .. وذلك لأنها قد ملت من حالة الجلوس الطويل .. فنصحتها بأن تسير في الممر مهتدياً بأطراف المقاعد حتى تبلغ الباب الأمامي ثم النزول .. وعند ذلك تحركت شريكة الحياة .. ولكن بعد لحظات قليلة عادت شريكة الحياة وعانقتني .. وقد أحسست بأنفاسها تلهث ثم قبلتني قبلة عميقة .. ثم غابت عني من جديد !!.. كنت مندهشا ومستغرباً من ذلك التصرف الغريب .. ومع ذلك بادلتها القبلة بقبلة أعمق من قبلتها .. وبعد تلك القبلة الطارئة غابت شريكة الحياة لساعة كاملة خارج الحافلة .. ثم عادت وجلست بجواري .. وعند ذلك سألتها مستفسراً عن أسباب تلك القبلة العميقة .. فأجابت في حيرة ودهشة عن أية قبلة تتحدث ؟؟ .. فقلت لها تلك القبلة عندما ذهبت للنزول من الحافلة !.. فضحكت في استغراب شديد وقالت لم أكن أنـــا !.. فتعجبت من الأمر ومن غرابة الحادثة .. ثم سألت نفسي مراراً وتكراراً إن تكن هي فمن هي ؟؟.. وأخشى أن أقول قولاً ينافي الصورة المقبولة لأقول ( فمن هو )؟!!.. وعند ذلك سوف ألعن حظي إلى قيام الساعة .. وأقول يا ويحي ويا ويحي .
ــــــــــــ
الكاتب السوداني / عمر عيسى محمد أحمد