عمي عمار.. رجل المغارة الذي تنتظر الحيوانات موته لافتراسه
17-03-2016, 06:19 AM

روبورتاج: نسيم عليوة



عندما أطلعنا أحد الأصدقاء الأوفياء لجريدة "الشروق" عن حالة عمي عمار طبي، الذي لجأ إلى إحدى المغارات ببلدية التلاغمة لاتخاذها مأوى له، لم نكن نتصور أن الحياة التي يعيشها بهذه القساوة والمرارة. وقد دفعنا الفضول، في يوم بارد جدا، شهد تساقط كميات معتبرة من الثلوج على المرتفعات والمناطق الجبلية بولاية ميلة، إلى زيارة رجل المغارة.

في منطقة جبلية ذات مسالك صخرية، يستحيل السير عليها، وحينما بدأ الثلج في التساقط، استقللنا سيارتنا وتوجهنا نحو منطقة جبل تيكونة، وبالضبط بمكان يسمى البياتة بأعالي جبال بلدية التلاغمة، 50 كلم أقصى جنوب عاصمة الولاية ميلة.

سرنا على مسلك ترابي داخل غابة أشجار الصنوبر الحلبي الكثيفة، غير أن سيارتنا توقفت بفعل التضاريس الوعرة، ولم نستطع التقدم، بسبب كثرة الأوحال، إلا أن عامر وهو أحد الخيرين من أبناء المنطقة، أبى إلا أن يرافقنا ويوصلنا إلى أقرب نقطة في منطقة البياتة، مرة أخرى تتوقف بنا السيارة بعدما غرقت عجلاتها في الوحل، اضطررنا بعدها إلى متابعة السير على الأقدام، وكلنا أمل في الوصول إلى عمي عمار ومحاولة مساعدته وإيصال بعض المواد الغذائية من طرف بعض الشباب الذين يعرفونه ويهتمون به ويزورونه من حين إلى آخر، خوفا من هلاكه جوعا.

يفر من عروسه ويعاشر الذئاب والخنازير

عند وصولنا وجدنا عمي عمار، البالغ من العمر 64 سنة، مستلقيا تحت صخرة جبلية مفتوحة تشبه المغارة أو الكهف، يفترش الأرض ويغطي جسده النحيف ببطانية امتلأت بالوحل والطين وتبللت بمياه الأمطار التي تتسرب من مسامات الصخور. نهض عمي عمار وهو يقول: لا أريد أن آكل... أنا شبعان، علما أنه كان يضع الطعام في غطاء الرأس لقشابيته الرثة التي يرتديها على اللحم، وكانت رائحة كريهة تنبعث من القشابية بفعل تحلل الطعام.

سألنا عن عمي عمار، فأجابنا مرافقونا أن له خمسة أشقاء ذكورا وثلاث بنات، غادر بيت العائلة منذ أكثر من 30 سنة، وبالتحديد عندما كان في العقد الثاني من العمر، حيث لم يظهر له خبر منذ ذلك التاريخ، وتم اكتشاف مكانه منذ 4 سنوات فقط من طرف أحد أقربائه بالجبل، أين وجده يعيش داخل كهف بتلك المنطقة، ومنذ ذالك الحين وأقرباؤه وشباب البلدة يتطوعون لنقل الأكل والغطاء إليه في وحشته، إلا أن المشكلة أن عمي عمار لا يحب أن يرتدي ملابس أو استعمال الأفرشة والأغطية، حيث يقوم برميها بعد أيام فقط من استعمالها ويحب أن يفترش الأرض، مثلما وقفنا عليه في زيارتنا، حتى الفراش يرفض النوم عليه، ويفضل النوم على التراب رغم برودة الطقس الشديدة وتساقط الثلوج.
حالة عمي عمار صعبة للغاية وغريبة في الوقت ذاته، يقول أحد أقاربه إن هذه الحالة بدأت خلال حفل زواجه، منذ أكثر من 30 سنة. ففي ليلة الزفاف وحينما أحضرت العروس إلى المنزل، غادر عمي عمار البيت ولم يظهر له أثر، إلى أن وصلت أخبار بعد سنوات تفيد بأنه يعيش داخل مقبرة تسمى بلخير عقون بأم البواقي، عندها توجه أهله إلى هناك وأعادوه إلى المنزل، لكن بعدها بأيام غادر واختار مغارة في جبل صخري عبارة عن كهف، ليكمل فيها حياته رفقة الخنازير والذئاب والضباع.
عند اقترابنا من مكانه صادفتنا خنازير وحيوانات مفترسة تجوب الغابة، سألنا عمي عمار إن كان تعرض لهجوماتها، فأجاب أنا من يهاجمها، حيث يقوم بإشعال النار في الليل لإبعادها عنه وللتدفئة أيضا. والغريب في الأمر أن هذا الشخص يعيش في هذا الكهف منذ 30 سنة ليلا ونهارا شتاء وصيفا لاشيء يحميه سوى قدرة الله في أغرب ظاهرة.

عمري 20 سنة؟!
رغم قساوة معيشته وحياة التشرد التي يحياها عمي عمار، إلا أنه في صحة جيدة، يحب شرب القهوة وتدخين السجائر بنهم، وعندما سألناه عن عمره، أجاب: عمري 20 سنة، ويقول بأن له أولادا وزوجة، وكأن الزمن توقف به في يوم زواجه حينما كان في عمره 20 سنة، وتابع حياته في الأحلام.

عمي عمار لا يحب كثرة الأشخاص حواليه، وعندما ينزعج منهم يسارع بالهروب إلى البرية، فهي متنفسه، سواء للترفيه عن النفس أم للصيد، يأكل عمار كل شيء ويجمع طعامه من القمامة التي ترمى بالمنطقة عندما يجوع، ويسير في تلك الجبال والصخور حافي القدمين، كما أنه لم يغير مكان إقامته بالمغارة منذ 30 سنة، علما أنها تقع في مكان مرتفع يطل على مدينة التلاغمة وحماماتها.
غادرنا البياتة لنترك عمي عمار يعيش في أحلامه داخل مغارة غير بعيد عن الغابة وحيواناتها المفترسة.. فهل تتحرك السلطات المختصة لمساعدته، ونقله إلى المستشفى للعلاج وإرجاع كرامته وإنسانيته المهدورة، لأنه في مثل هذه الحال سيموت ولن يسمع به أحد، وربما سيكون وجبة مفضلة للحيوانات المفترسة في يوما ما لا قدر الله...