حتى نكون أمة ناهضة
26-03-2007, 11:49 AM
السلام عليكم وبعد :
أتقدم بالشكر الجزيل للمشرفين على هذا المنبر الذي ارتأينا من خلاله نشر هذه الموضوعات والخواطر علها تجد اذانا صاغية لدى كل إنسان كريم عزيز النفس يغار على هذه الامة ويرفض أن يقبل بالواقع المرير الذي تعيشه هذه الاخيرة، كما أشكر الأخ Bassem على رده المقتضب وودت لو أنه كان عميقا حتى تعم الفائدة ويظهر الحق وتزودوا فإن خير الزاد التقوى.
كما يطيب لي المقام أن أعود مرة أخرى حتى أواصل المشوار لازالة ما علق من شوائب ورواسب حول موضوع النهضة وكيفية ايجادها في واقع الدولة والمجتمع.

<لقد اختلط الامر عند نخبنا وشعوبنا في اقتفاء أثر النهضة على غرار ما حدث في أوربا ابتداءا من عصر الانوار والى يومنا هذاحتى كدنا نتيه من شدة الانبهار. وها نحن رغم بذل الجهود تلو الجهود لا نكاد أن نكون حتى أثرا بعد عين في المسرح الدولي وتعدادنا يفوق المليار والنصف على هذه البسيطة. فما هي يا ترى الطريق لقلب هذه المعادلة حتى يكون لنا شأن بين باقي الامم رغم توفرنا على كل الامكانات لبناء نهضة راشدة تجعل الانسان يفتك عن جدارة واستحقاق خلافة هذه الأرض ؟
" لقد كرم الله الانسان بالعقل و جعله مناط التكليف،فبوجود العقل يكون الانسان مكلفا وبفقدانه يسقط عنه التكليف. فالقرآن مملوء بالايات التي تحث الانسان على إعمال الفكر للوصول الى حقيقة الوجود فكل ما فيه ليدل دلالة صارخة على أن وراء هذا الوجود خالق مدبر وهو الله الواحد الازل الواجب الوجود. وبالتفكير فقط يصل الانسان الى حل ما يسمى بالعقدة الكبرى التي تتمثل في الاسئلة التي يطرحها كل منا على نفسه فيما يخص الاسباب والغايات من وجوده.
يصبح الانسان مسلما حين يؤمن بقلبه وينطق بلسانه الشهادتين، ولكن الفرق يكمن فيمن يسلم مقلدا وبين من يتوصل الى عقيدة التوحيد عن طريق التفكير. فقد يكون المرء مسلما دون أن يفكر ولو مرة واحدة في حياته دون إثبات وجود الله ونبوة محمد (ص) عقلا . رغم أن المطلوب والواجب هو الايمان عن بينة بإعمال الفكر في مظاهر الكون حتى يتوصل الانسان إلى حقيقة هذا الوجود عن يقين لا يشوبه ظن أو شك، لأن اليقين لا يتوصل اليه الا عن طريق العقل والتفكير.
فالانسان فضل عن باقي المخلوقات بالعقل ولذا كان التفكير هو اكسير الحياة عنده وليس الماء والكلأ والنار، فبدون التفكير يكون الانسان في مصاف الحيوانات والدواب التي لا تدرك غاية ولا سبيلا من وجودها في هذا الكون.
ولذا ينهض الانسان بما عنده من فكر عن الوجود لأن النهضة ليست في كثرة المال أو السلاح أو المتعلمين وخريجي الجامعات ولكنها هي الرقي الفكري لا غير أما مظاهرها التي تتمثل في وفرة المال والسلاح والتقدم الصناعي و الاقتصادي وغيرها من المظاهر الايجابية التي تخص ميادين الحياةفتكون عبارة عن تحصيل حاصل لا غير.
فالفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الاشياء وهذه المفاهيم هي التي تحدد السلوك الانساني عندما يسعى هذا الاخير لاشباع غرائزه وحاجاته العضوية. فالانسان يكيف سلوكه في الحياة بحسب مفاهيمه عنها فإن كانت هذه الاخيرة منحطة يكون سلوكه منحط وإن كانت مفاهيمه عن الحياة راقية يكون سلوكه راق.
فعندما كان تعريف الفكر على أنه : إنزال حكم ما على واقع معين انطلاقا من وجهة نظر معينة.
فإن من ينظر الى الوجود على أنه مخلوق لله تعالى، وأن هذا الوجود هو فقط محطة اختبار للوصول الى الاخرة لسوف تكون مفاهيمه في الحياة مبنية على هذا الاساس ومنه فإن هذا الانسان يفهم على أن المقياس الذي يقيس به الاشياء والافعال هو الحلال والحرام ويفهم أيضا على أن المعروف هو كل ما حسنه الشرع وأن المنكر هو كل ما قبحه الشرع وليس العقل أو العرف أو التقاليد أو المصلحة كما أصبح يحدث الان.
فبوجود مثل هذه المفاهيم عند كذا إنسان يكون سلوكه صورة طبق الأصل لمفاهيمه فيصبح لا يقبل على فعل الحرام حتى وإن كان في مصلحته ولا يأمر إلا بمعروف ولا ينهي إلا على منكر مهما كانت النتائج فيكون بالتالي إنسانا ناهضا وراقيا حسب وجهة النظر الاسلامية.
أما من ينظر الى الوجود على أنه مجرد عبث وأنه ليس هناك خالق أو اخرة فإن مفاهيمه تصبح مادية صرفة لا تعرف وزنا للقيم الروحية أو الانسانية أو الاخلاقية بل ما يهمها هو النفعية والميكيافيلية في كل شيء ويصبح هذا الانسان مجرد كتلة مادية لا تعرف إلا الاقبال على إشباع النزوات والنيل بأكبر قسط من المتع الجسدية. فمثل هذا الانسان يكون مفهوم المرأة عنده مثلا هو وسيلة للمتعة وسلعة تعرض في معارض الأزياء وبيوت الفساد من أجل در الربح فقط وليس أنها أم وربة بيت وعرض لا بد أن يصان كما يصبح مفهوم المجتمع عنده هو اعتباره جماعة من الافراد لا تربط بينهم سوى المصلحة وليس التكافل والتعاضد وبالتالي سوف يكون سلوك هذا الانسان مثل سلوك الحيوان إن لم يكن أحط منه.
فالانسان اذن ينهض بما عنده من فكر عن الكون والانسان والحياة. ولا بد من تغيير فكر الانسان الحاضر تغييرا شاملا وإيجاد فكر بديل له حتى ينهض، لأن الفكر هو الذي يوجد المفاهيم عن الاشياء ويركز هذه المفاهيم حتى تترجم إلى سلوك حضاري.
وهذا الفكر إذا كان ينهض هذا الانسان فهو قادر على إنهاض المجتمع أي مجتمع ما دام هذا الاخير هو مجموعة من الافراد تجمعهم مشاعر وأفكار ويعيشون تحت نظام واحد يطبق عليهم.
فالمجتمع إن كان يقوم على الاسلام في أفكاره ومشاعره ونظمه فإنه يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن رسالته في الحياة هي إعلاء كلمة الله وأن سلوكه في الحياة والذي يبرز في أنظمته وفي أعماله الجماعية لا بد أن يكون مبنيا على أساس الاسلام.
وأما المجتمع الذي يجمعه فقط اشباع الغرائز كغريزة النوع أو التملك و إشباع الحاجات العضوية كحاجة الأكل والشرب، فإنه لا يرقى أن يكون مجتمعا نمطيا فضلا عن أن يكون مجتمعا ناهضا. فمثل هذا الأخير تكون مفاهيمه عن الاشياء بناء على المصلحة والمنفعة وبذلك يصل الى الانحطاط في كل شيء وتتكالب عليه الامم والدول ويفقد كرامته وعزته.
ولكي ندرك مقدار التخلف والرقي بين هذين المجتمعين، نعطي مثالا عن فكرة أو مفهوم الاستعمار، وموقف كل منهما تجاه خضوعه لسيطرة أمة أخرى.
قديما كانت الامة الاسلاميةتحكمها شريعة الاسلام وأحكامه وكانت تسيٌر حياتها ومواقفها وفق هذه الشريعة فكانت رسالة الامة هي نشر الاسلام وإعلاء كلمة الله عن طريق إزالة الحواجز المادية التي تعترض سبيل هذه الدعوة بالجهاد حتى يتم تطبيق الاسلام، ولذا كانت هذه الامة تهبٌ لا يشغلها شاغل عن محاربة أعداء الله حتى تعلي كلمة الحق ولو في أقصى العالم. فلقد استطاع المسلمون الوصول إلى الصين شرقا وفرنسا غربا في مئة عام. فكانت أمتهم أعظم أمة ودولتهم أعظم دولة. وأما اليوم فقد انحطت الامة وانخفض سلوكها وانحط عقلها حتى صارت ترى الحق باطلا والباطل حقا في وضح النهار. فقد خضعت لأفكار الكفر ومفاهيمه من رأسمالية وديمقراطية وعلمانية و وطنيةاشتراكية وقومية عربية حتى هدمت بأيديها دولة العز والكرامة ، دولة الاسلام التي كانت جنتها وحاملة رايتها. فها نحن نخضع لحكم الغرب في عقولنا وسلوكنا وقناعاتنا ننشد الحياة الغربية وننشد دوله حتى أصبحت هذه الاخيرة قبلة أنظارنا. فمن قائل بالوطنية، واخر بالعلمانية، واخر يتهكم على الاسلام ويعادي أمته باسم الحداثة والعصرنة لعله ينال الحظوة عند أعدائنا فيفوز بجائزة أحسن فيلم أو رواية أو أو...
إن النهضة الصحيحة هي الرقي الفكري الذي يعترف بقصر الانسان وعجزه عن إدارة شؤونه دون الاعتماد على مصادر الوحي في تشريعاته ومقاييسه وقناعاته ، وإن استيراد الحلول والجري وراء الغرب لحل كل مشكلة صغيرة أوكبيرة لا يزيدنا إلا ضعفا وهوانا لأن أمامنا خياران فقط لا ثالث لهما كما أسلفت فإما أن نقتفي أثر الغرب في عقيدته وتشريعاته وهي عقيدة العلمانية بفصلها الدين عن الدولة وتبنيها للديمقراطية في الحكم والرأسمالية في الاقتصاد فنبني نهضة خاطئة تزيدنا شقاء وتكون وبالا علينا يوم القيامة وإما أن نبني نهضة راشدة مصدرها الوحي وما أرشد اليه فنفوز بالدنيا ووننال الاخرة فنكون أمة ناهضة قوية يحسب لها ألف حساب.
عندما كنا نعيش الاسلام دينا منه الدولة وليس دينا ودولة كما يقال لأن الدين عندنا هو كل ما يدين به الانسان من عقيدة وينظم به شؤون حياته الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ...إلخ أما الدين عند الغرب فهو العلاقة التي تربط الانسان بخالقه فقط من عبادة واعتقاد وياله من فرق بين هذا وذاك.
قديما كنا نرى أن احتلال الكفار لنا عارا يلزم الموت دونه فاستجبنا لأمر الله وهببنا للذود عن أحكام الاسلام ورايته في بلاد الاسلام فرفضنا العيش الرغيد دون الابقاء على دولتنا، وبذلك رددنا الصليبيين على أعقابهم إذ جاؤونا غازين، وتصدينا للمغول والتتار وقلبناهم من كفار إلى مسلمين مجاهدين في سبيل الله. فالبفكر نهضنا وبنينا أرقى حضارة عرفها التاريخ الانساني وإن ضعفنا الان وهان علينا الأمر فلأننا بعدنا كل البعد عن الفكر النير الذي به وفقط به نرقى لمستوى طموحاتنا في أن نكون أمة ناهضة.
ولنا جولات أخرى إن شاء الله في تدبر أحوال الامة للنهوض بها وايجاد الوعي الصحيح لديها وهذا بالطرح الفكري لقضايا الأمة. والرجاء كل الرجاء من الاخوة أن يناقشوا هذا الموضوع من أجل التعقيب عليه أو إثرائه أو الرد عليه كيفما كان الامر والله من وراء القصد ودمتم في رعاية الله وحفظه.
التعديل الأخير تم بواسطة عبيد الله ; 26-03-2007 الساعة 01:18 PM