نخلة** تينيسمت**
01-06-2011, 11:23 AM
نخلة’’ تينيسمتْ’’ قصة : جلول بن يعيش
[ شوهد : 419 مرة ]

ظل يرقب ما يحدث داخل حلقة الرقص والولاعة في جيبه حتى أرخى الليل سدوله فتفرق الجميع ،إلا هو فقد مكث يحدق في النخلة :
-هذه النخلة أيضا نبتت من جسد، فهل أحرقها؟






فاجأتْهُم وهم مستغرقون في الرقص ،كانت ثيابهم مبللة بعرق أجسادهم تحت الشمس اللافحة ،لقد خدرتهم نشوة الطرب وحناجرهم تردد المقاطع الشعرية القديمة على أنغام ’’القلال’’و’’الزمارة’’.لازالت وفود الزائرين تتجمع حول الحلقة ،فتشرئب أعناق القصار منهم لرؤية من يرقص وسطها.
-ولكن لماذا يلازمه ذلك الرجل دائما؟
-إنه يحميه من الذين يحاولون حرقه . -هل تقصد أنه يوجد بيننا من تسول له نفسه بإحراقه؟
-لا أدري ولكن هناك من تجرأعلى ذلك ذات مرة.
-أنظر إليه إنه بارع في الرقص ،وتلك الألياف النخلية التي يلتف جسده فيها تثير فضول كل من من يراه.

في جهة أخرى من الحلقة كانت عيناه ترقب ’’يشّو’’ والرجل يلازمه من كل الجهات بسرعة عجيبة.
- تبا...متى يغفل عنه ذلك اللعين ،كأنه يرى في عيني ما أنوي فعله،ولكن لابد من حرقه ,لقد سئمت تخبط هؤلاء السفهاء في التفاهات،أستغرب كيف يتحمّلون وهج الشمس ورائحة العرق التي تنبعث من أجسادهم وهم يحيطون برجل عار اتخذ من الليف لباسا ليرقص كالقرد وسطهم.
ظل يتحين الفرصة ...وما إن أخرج ولاّعته وهمّ بإشعال النارحتى دفعته موجة زحام الهاربين المفزوعين ..’’تينيسمتْ ’’ ’’تينيسمتْ’’.
خلا مكان الرقص من الجميع ،و’’يشّو’’مازال مستمرا في الرقص، كأن أنغام القلال والزمارة وأصوات أصحاب الحلقة لا تفارق أذنيه. تقدمت منه رويدا رويدا
-أيعقل أن يكون هذا المخلوق طينياَ ؟ ! ولكن لماذا لم يهرب مني مثلهم؟...كأنني أرى كومة من الليف ترقص،ماذا فعلت هذه النّخلة حتى استحالت ليفا يرقص وسط البشر،لماذا لا يهربون منها أليست أبشع مسخاَ مني؟ إنهم يعرفون أن سبب مسخي هو شدة الحزن والأسى التي تملّكتني جراء موت حبيبي ،كم أمقت هذا الهيكل الذي لايتحمّل صعقة الوجد والشوق .أكاد أختنق من الحسرة وأنا أتحسس الشعر ينبت في وجهي وسائر جسدي ،وهذه الأظافر الطويلة المعقوفة... كلما أراها أرتعد .
لم يبق بينها وبينه إلا بضع خطوات ... - وهل النخلة ينالها المسخ من العشق أيضا؟
سرت في جسده قشعريرة خلّصته من سكرة الرقص التي سلبته حسه بعدما سمع صوتها الأنثوي الرقيق...أبصر نفسه وحيدا .
-غريب ؟ !...أين الحلقة والزوّار؟وتلك المرأة التي سمعت صوتها من خلفي !! ..هل فقدت عقلى أم أنني لم أصح من نشوة السكر ...التفت خلفه فشخصت عيناه من منظرها المخيف ،تيبّست رجلاه فزعا من صورتها التي تجسدت له بعدما نسيها منذ أن فارق رأسه حجر جدته .
- يا إلهي أيعقل أن يخرج ذلك الصوت الذي زلزل قلبي من هذا الهيكل البشع؟ !
- تكلمي ...أكان العشق سببا في مسخك أنت أيضا؟
- لست كما تعتقدين ،أنا رجل يكسو الليف جسده،وكل أولائك الذين هربوا كنت السبب في تجمعهم ،أعرف أنهم جاؤا من أجل أن يستمتعوا برؤية القبح الذي أجسده لهم ،إنها رغبة قديمة تسكن دواخلهم.
-وأنا لماذا يهربون من بشاعتي وقبحي ، غريب أمر الرجال مادامو يحبون القبح ويتفنون في تجسيده ،لماذا يهربون منه إذا تجلى لهم في اكمل صوره ، أرغب أن يألفوا قبحي ويرقصون حولي دون خوف مني .
- ما رأيك بالرقص معي؟.. سأجعلهم يعودون ليملؤا نفوسهم المتعطشة للقبح والبشاعة من منظرك .
أخذ ’’يشو ’’ القلال وضرب ،وأخذت ’’تينيسمت’’ المزمار ونفخت ..وشرعا في الرقص ،وما هي إلا لحظات حتى تجمع حولهما الهاربون ،وتشكّلت الحلقة من جديد ، ثم تعالت أصوات الحناجر بالغناء ،ظلا يرقصان وسطهم حتى استحالت ’’تينيسمت ’’إلى شيء أبيض سرعان ماذاب تحت لفح الشمس فامتصته الرمل العطشى ،أما ’’يشّو ’’ فقد ساخت رجلاه في ذلك الرمل الرطب ،وتحولت أصابع قدميه إلى جذور تمتص ماء تلك الأنثى التي ذابت ،التصق الليف بجسده الذي تحوّل إلى جذع ،أما رأسه فأخرج جريدا بسعف أخضر .
ظل يرقب ما يحدث داخل حلقة الرقص والولاعة في جيبه حتى أرخى الليل سدوله فتفرق الجميع ،إلا هو فقد مكث يحدق في النخلة :
-هذه النخلة أيضا نبتت من جسد، فهل أحرقها؟
----------------------
تينيسمت: امرأة أسطورية في المخيال التواتي
يشو: الرجل الذي يلبس ليف النخيل في أحد الرقصات الشعبية في منطقة توات وتسمى باسمه
القلال:آلة موسيقة إيقاعية
الزمارة :آلة موسيقية نفخية

تمنراست /02/ماي/2011/
نشر في الموقع بتاريخ : الثلاثاء 29 جمادى الأول 1432هـ الموافق لـ : 2011-05-03