العراق بحاجة لمزيد من المساعدة قبل معركة الموصل
22-07-2016, 06:34 AM
ليز دوسيت
كبيرة المراسلين الدوليين



استعادت قوات الحكومة العراقية مؤخرا قاعدة القيارة الجوية، على بعد 60 كيلومترا جنوب الموصل

ترفرف الرايات السوداء للتنظيم المعروف باسم "الدولة الإسلامية" وسط المناخ الحارق بشمال العراق. وجثث المقاتلين ترقد حيث سقطت، مغطاة بالغبار في حقول القمح التي تعاني من الجفاف.
يندفع رتل عسكري عراقي في طرق ترابية، مثيرة زوبعة تغلف أطلال منازل مهجورة تبدو وكأنها مساكن للأشباح.
المظهر الملون الوحيد على هذه الأرض كان العلم العراقي بألوانه الثلاثة: الأحمر والأبيض والأسود، والذي رُفع على أسطح المنازل وأبراج الدبابات.
تتقدم القوات العراقية ببطء من قرية لأخرى ومن معركة لأخرى نحو مدينة الموصل بشمال العراق.
وفي هذه المنطقة، التي تم السيطرة عليها خلال الأسابيع الأخيرة، باتت القوات العراقية على بعد 60 كيلومترا إلى الجنوب من العاصمة الفعلية لتنظيم "الدولة الإسلامية" في العراق، حيث أُعلن قبل عامين قيام "خلافة" من هناك.
أخبرني رئيس أركان الجيش العراقي الفريق عثمان الغانمي أثناء مرافقته في أول زيارة له إلى المنطقة عقب أحدث النجاحات الميدانية للقوات العراقية: "الأوامر الصادرة هي بتحرير كل شبر من أرض العراق، ونحن عازمون على القضاء على داعش [تنظيم الدولة الإسلامية] بنهاية العام الجاري".
إرهاق المانحين
وإذا كان هذا هو عام المعركة الكبيرة لاستعادة السيطرة على مدينة الموصل، فإن التبعات قد تكون ما وصفه مبعوث الأمم المتحدة إلى العراق يان كوبيس بأنه "الأزمة الإنسانية الأكبر والأكثر حساسية في العالم".


الأشخاص الذين نزحوا بسبب القتال يصلون إلى مخيمات تعاني من نقص الغذاء والمياه

وبينما تتقدم القوات العراقية ببطء، يفر المزيد والمزيد من العائلات في الاتجاه الآخر، إذ يهربون بحياتهم من براثن تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكنهم يدخلون جحيما من نوع آخر.
وتجد الجهات المانحة للمعونة في العالم صعوبة بالغة في تقديم الرعاية لنحو 3.4 مليون شخص تُركوا بلا مأوى بسبب المعارك السابقة. وخلال العام الجاري، لم يتجاوز التمويل 40 في المئة مما تناشد به الأمم المتحدة سنويا.
ويقول مسؤول أممي في بغداد يشعر بالإحباط: "الجهات المانحة تشعر بالإحباط. يبدو الأمر تقريبا كما لو أن العالم يريد التخلص من المشكلة العراقية، ويشعر بالحرج لأنها لا تزال قائمة".
ومهما كانت الإخفاقات التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في عام 2003، فإن الحملة ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" هي الأمر الأهم الآن في العديد من العواصم العالمية.
ويمتد نفوذ تلك الجماعة الجهادية الآن إلى ما هو أبعد من الأراضي التي تسيطر عليها في العراق وسوريا.
وكانت تلك الخلافة، على حد وصف التنظيم، بمثابة مغناطيس جذب مقاتلين ومؤيدين أجانب، نفذوا هجمات في مدن مختلفة حول العالم.


يبحث النازحون عن مواقع الظل في درجات حرارة تصل إلى 50 درجة مئوية

ويبدو أن التكلفة البشرية في العراق لهذه الحرب الحاسمة بدأت تتضح.
وبينما يُقيم وزراء دفاع القوى العسكرية الكبرى المعارك القادمة في اجتماع بواشنطن للتحالف الدولي لمواجهة التنظيم، تجتمع الجهات المانحة الرئيسية أيضا هناك للنظر في كيفية توفير الأموال اللازمة لمواجهة أزمة إنسانية تلوح في الأفق.
يقول بيتر هوكينز ممثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسيف) في العراق: "لا يمكن أن يكون هناك اجتماع دون الآخر. هذا سيكون أهم أمر في عام 2016 من حيث التكلفة البشرية. ليس هناك شك في ذلك".
وتأمل المنظمة أن جمع قيمة التعهدات التي تبلغ نحو ملياري دولار للعمليات المرتبطة بحملة الموصل، و284 مليون دولار للاستعداد لذلك.
"لا طعام أو كهرباء أو مياه"
وتتصاعد التكلفة على الأرض يوما بعد يوم.
وعلى أطراف مدينة تكريت بشمال العراق، التي نجحت القوات العراقية في استعادتها من تنظيم الدولة في مارس/ آذار 2015، تتجمع مئات العائلات على أرض صخرية بحثا ببؤس عن مساعدات من أي نوع.
وقد فر غالبيتهم وهم لا يملكون سوى الملابس التي يرتدونها من القتال على خط مواجهة جديد في بلدة الشرقاط، التي تبعد نحو 100 كيلومتر إلى الشمال من تكريت.


علي الشمري يشعر بالامتنان للحكومة العراقية وحلفائها

قال علي الحمداني الشمري، وهو يجلس بجوار جدار من الطوب في بحث عقيم عن الظل "الوضع بائس هنا، ولكن بالمقارنة بما تركناه خلفنا، نشعر وكأننا نجلس في حديقة البيت الأبيض.
ويضيف "نحن ممتنون جدا للعراق وحلفائه الذين قصفوا الشرقاط، وللقوات العراقية التي أخرجتنا من هناك".
لكن العدو الجديد يتمثل في الجو الحارق، إذ تصل درجة الحرارة إلى 50 درجة مئوية، وكذلك الجوع. ومن غير الواضح متى يمكن الهروب من هذا الوضع.
تقول سارة الزاوكاري من اللجنة الدولية للصليب الأحمر "إنهم يعيشون داخل منازل لم يكتمل بناؤها، وفي مدارس يقطنها آخرون بالفعل. ليس لديهم طعام ولا كهرباء ولا ماء".


تسعى اللجنة الدولية للصليب الأحمر لتحسين الظروف المعيشية لملايين النازحين في العراق

وتصطف طوابير طويلة، معظمها من الرجال، للحصول على معدات أساسية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر، تشمل كل شيء بدءا من موقد صغير وحتى مبرد بلاستيكي وأكياس من الأرز وبعض مستلزمات النظافة.
يقف شاب يُدعى جاسم (19 عاما) بجوار كومة المساعدات الخاصة به، وبعينيه نظرة زائغة.
فهو يحمل على عاتقيه مسؤولية أسرته المكونة من 11 شخصا، بعد أن اختطف تنظيم "الدولة الإسلامية" والده منذ عام ونصف. وقد انقطعت أخبار الوالد منذ ذلك الحين.
يقول جاسم "كانت حياتنا في الشرقاط مفزعة. لقد دمرتها داعش. ليس لدينا شيء الآن، ولكن لدينا الأمن".
وتقول سارة الزاوكاري "إنه لخطر أن تبقى هنا، وخطر أكبر أن ترحل. وحتى لو قررت الرحيل، إلى أين ستذهب؟".
"داعش ستنهار"
في الآونة الأخيرة، انتهت المعركة الكبرى في الفلوجة، إلى الغرب من العاصمة بغداد، بسرعة أكبر مما كان الجميع يتوقع.


أصيبت المناطق السكنية في الفلوجة بأضرار جسيمة خلال المعركة الأخيرة

وقد فر نحو 85 ألف مدني، ولا يريد كثيرون العودة إلى المدينة التي لازمها العنف منذ عام 2003.
لا أحد يعرف على وجه اليقين المدة التي ستستغرقها معركة "الجائزة الأكبر" لتحرير الموصل.
يقول الفريق الغانمي "نعتقد أن داعش ستنهار. نعرف أنهم مفلسون وغير قادرين على الاحتفاظ بأراضيهم".
ويضيف جندي من الموصل يُدعى عبد المجيد نزال مزيدا من التفاصيل ونحن نقف على جسر مؤقت أقيم حديثا عبر نهر دجلة ليساعد على تسريع تحرك الجيش نحو الشمال.
ويقول "معظم العراقيين الذين انضموا [لتنظيم الدولة الإسلامية] لن يقاتلوا لأنهم يعرفون أنهم سوف يُقتلون، لذلك يهرب معظمهم إلى تركيا وسوريا".


أقام الجيش العراقي جسرا مؤقتا على نهر دجلة لمساعدته في التقدم نحو الموصل

وستكون الموصل بمثابة حقل تجارب كبير لجيش ضعيف التجهيز وتدعمه وحدات البشمركة الكردية ومقاتلون محليون.
وبالإضافة إلى هذا المزيج، ستكون هناك مجموعات صغيرة من أفراد القوات الخاصة الغربية ومئات المستشارين العسكريين الأمريكيين للعمل بشكل وثيق مع الجيش لتعزيز الخدمات اللوجستية والتخطيط، فضلا عن الحرس الثوري الإيراني.
ويصر قائد الجيش العراقي على أن العراقيين وحدهم هم من سيقاتلون.
لكن من أجل استعادة السيطرة على الموصل والعناية بأهلها، يحتاج العراق المزيد من المساعدة من العالم.