آخر ما نطق به سيف الدين عندما أكلت النار جسمه: "يا خوتي أستروني!"
30-01-2016, 02:03 AM

عـصام بن منية - نادية طلحي



هزّت حادثة إقدام التلميذ رجيلي سيف الدين، البالغ من العمر 19 سنة، على سكب البنزين على جسمه وإضرام النار فيه مساء الثلاثاء الماضي، داخل ثانوية بن طبولة بحي بوالروايح بقالمة، والتي كان يزاول دراسته فيها، على مرآى من أساتذته وزملائه مشاعر الجميع، الذين تضامنوا مع عائلته، كما فتحت المجال لتداول العديد من الإشاعات والتأويلات.
"الشروق" زارت أمس، بيت عائلة التلميذ بحي خماري ساعد، بمدينة قالمة، وجمعت العديد من الشهادات على ظروف الحادثة، التي ربطها البعض بمشاكل اجتماعية. وفي ذات السياق، كشف حمودة عمار، خال سيف الدين، أن المرحوم تربى منذ نعومة أظافره ببيت جدته، التي يعتبر سيف الدين قرة عينها، وتفضله عن كل أحفادها وحتى أبنائها وبناتها، وكانت تلبي له كل طلباته، لأنه كان قريبا منها، وكانت لا تنام إذا ما أحست بأن سيف الدين متوتر، بل أكثر من ذلك كانت تسهر على راحته، مهما كلفها الأمر، مفندا التأويلات التي تداولها الشارع، بشأن معاناته من ظروف عائلية، أو دراسية.

واستدل في ذلك على الجموع الغفيرة التي حضرت جنازته وحتى ببيت العائلة لتقديم واجب التعازي، والتضامن معها في هذا المصاب، وذكر أن السلطات الإدارية والقضائية وخاصة وكيل الجمهورية بمحكمة قالمة ومحكمة بوشقوف، سهروا على تسريع عملية الدفن، بعد إخضاع الجثّة للتشريح بمستشفى بوشقوف، مؤكدا أن تقرير الطبيب الشرعي أثبت أن وفاة سيف الدين كانت بسب الحروق الخطيرة التي تعرض لها، وأن جسمه صاف من أي مادة أخرى قد تكون سببا في إقدامه على تنفيذ عملية الانتحار بتلك الطريقة. وأن سيف الدين رحل وأخذ معه سره، الذي لا يعلمه إلاّ الله تعالى، وطلب من الجميع الدعاء له بالرحمة، والكف عن التخمين ونشر الإشاعات التي قد تؤثر على أفراد العائلة وتعمّق من جراحهم بعد فقدان ابنهم المدلل.

"الشروق" التقت عددا من أصدقاء وزملاء التلميذ المنتحر سيف الدين، وكذا أساتذته في الثانوية والذين أجمعوا على أن سيف الدين كان خلوقا وهادئ الطباع، وأنهم تفاجؤوا لإقدامه على حرق نفسه بالبنزين داخل الثانوية، لأنهم يعرفون أن سيف الدين كان مؤمنا كثيرا بقدره، واستبعدوا تأثره بداء السكري الذي أصيب به منذ الصغر، بل أكثر من ذلك، أكد أستاذ الرياضة البدنية وهو جاره في الحي، أن سيف الدين كان مولعا بممارسة الرياضة، وأنه كان في كل مرّة يطلب منه مساعدته ببعض النصائح لتخفيف ضغط داء السكري على نفسيته، وأنه كان يمارس التمارين الرياضية، بطريقة عادية بل أكثر من ذلل التحق بإحدى قاعات كمال الأجسام التي كان يتدرب فيها في الحي، كما أن سيف الدين كان مناصرا وفيا لفريق ترجي قالمة ومرافقا دائما له في تنقلاته، إلى مختلف الولايات برفقة مجموعة من أصدقائه.

من جهته، أحد زملائه الذي كان آخر من تحدث إليه سيف الدين، في الثانوية، بعدما حاول إنقاذه، من ألسنة اللهب، لم يتمالك نفسه من شدة البكاء، وذكر أنه يؤمن لدرجة اليقين، بأن سيف الدين وعندما سكب البنزين على جسمه لم يكن يدري بأن الأضرار سيؤدي به إلى الوفاة، وأنه أقدم على سكب البنزين وإشعال النار حتى ينال استعطاف من حوله فقط، وأنه كان يظن بأنه سيصاب ببعض الجروح لا غير، مضيفا أن المرحوم وقبل أن يفقد وعيه كان يطلب منه أن يريه وجهه وظلّ يسأله عما إذا تضرر وجهه أم لا، وكان يردد "يخي مانيش رايح نموت"، ليختم بطلبه الأخير "ياخوتي أستروني" لأن المرحوم وبحسبه كان زميله عندما فتح عينيه لآخر مرّة شهد جموع التلاميذ ملتفين حوله وكان يظنّ أنه عاري الجسم، أمام الحاضرين في مكان الحادثة، وأضاف أن الحروق أكلت من جسم سيف الدين الكثير، وخلص زميله بالقول، أرجو من كل من أخذ صورا لسيف الدين والنيران مشتعلة في جسده أن يكف عن نشرها على مواقع التواصل الاجتماعي.

وكان إمام المسجد العتيق بنهج عنونة بوسط دينة قالمة، قد تحدث أمس، في درس صلاة الجمعة، عن وفاة سيف الدين رجيلي، ودعا الشباب إلى ضرورة الأخذ بالعبرة، من الطريقة التي حاول بها سيف الدين الحصول على استعطاف الآخرين إلاّ أنه أهلك نفسه. وتبقى ظروف وأسباب إقدام سيف الدين على سكب البنزين داخل الثانوية وإضرام النار فيه غامضة في انتظار ما ستسفر عنه نتائج التحريات والتحقيقات التي باشرتها المصالح الأمنية بشأن الفاجعة التي اهتزت على وقعها ولاية قالمة هذه الأيام، وقد شيعت جنازته مساء الخميس الماضي بحضور الآلاف من المواطنين وزملائه في الدراسة وأنصار ترجي قالمة بالإضافة إلى إطارات من قطاع التربية الوطنية يتقدمهم مستشار وزيرة التربية.