العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلامي
16-04-2007, 09:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله
باستقراء الواقع الحاضر، نلاحظ أن الأمة منفصلة انفصالا تاما عن حكامها، وأن العلاقة بين الناس والحكام علاقة فئتين متباينتين لا علاقة بين رعية ودولة، وفضلا عن ذلك فهي علاقة بغض وتناقض، وليس فيها أي مودة ولا ما يشعر بإمكانية المودة. هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف كيان الأمة.
إن هذه الحالة من الانفصال بين الأمة وحكامها هي نتيجة عدم قيام الأمة بما فرضه الله عليها من محاسبة الحكام وعدم شعورها بأنها هي مصدر السلطان. فلو كانت هذه الأمة تشعر بأنها هي مصدر السلطان وتقوم بمحاسبة الحكام، لما تولاها حاكم خائن عميل عدو لها، ولما كانت العلاقة بينها وبين الحكام علاقة انفصال، ولما كانت في هذا الضعف والتخلف، ولما ظلت تحت النفوذ السياسي والثقافي والإقتصادي لأوروبا وأمريكا فعلا، وإن كان الذي يحكمها مباشرة من أبناء المسلمين.
لذلك كان لا بد للأمة حتى تكون كيانا واحدا هي والحكام أن تقوم بواجب المحاسبة، وان تقول كلمة الحق في وجوههم، وان تعمل بقوة وبجد للتغيير السياسي على الحكام أو تغييرهم، وما لم تبادر إلى ذلك فإنها ولا شك ستشرف على الفناء.
هذا هو واقع العلاقة اليوم بين الحكام وجمهرة الناس فئتين متباينتين، فالحاكم فاسد مفسد يعمل بعمل الجاهلية ويدعوا لها، فالظلم سجيته، يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله، يرى رقي بلاده وسعادة أمته بغير الإسلام، ويرى العدل والحق بما يستورد من قوانين غربية. يُسكت الألسنة ويعتقل المخلصين وأهلهم، فاتحا السجون ومنذرا بها.
والعلماء بين ساكت لا ينكر ولا يغير، التمس لنفسه الأعذار . وعالم قانع بصلواته يؤديها إذا وعظ الناس في المناسبات أمات القلوب وقد عافه الناس لتكراره، ولبعده عن واقع الأمة وأحاسيسها، محجما عن بيان فساد الأنظمة وكشف أعمالها رهبة أو رغبة، وبين علماء تولوا المناصب كوزراء ضلوا وأضلوا، فهؤلاء علماء السوء وخطباء الفتنة الذين حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقال «إني لا أتخوف على أمتي مؤمنا ولا مشركا فأما المؤمن فيجزه إيمانه وأما المشرك فيقمه كفره ولكن أتخوف عليهم منافقا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون».
أما ما ورد لنا من أخبار السلف الصالح رضوان الله عليهم عن علاقة الحكام والمحكومين، فقد ورد لنا القصص المعبرة عن حال هذه العلاقة ومدى ترابطها ومدى التعاون التام بينهما لتطبيق الإسلام وأحكامه للحفاظ على أحكام الإسلام ودولته انطلاقا من الفهم الصحيح للأحكام الشرعية المبينة في الكتاب والسنة قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة، قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقال تعالى ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، فنلاحظ اشتمال الأدلة السابقة على العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم، بأنها علاقة نصح وإرشاد وتقويم للحفاظ على الدين والأمة، لأن النصيحة فيها الخير لهم ولمن يتولون أمرهم، وقد سار الأمر على هذا الحال في زمن الصحابة ومن بعدهم بكل حرص وتعاون، بل وكانت النصيحة تطلب من قبل الحاكم لتنفيذ عمله، فلا قدسية للحاكم المسلم:
- فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في أول خطاب له بعد بيعته على الخلافة-"أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني.." إلى أن قال "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" فهذا طلب من الخليفة الأول أبي بكر الصديق بمحاسبته والوقوف له وعدم طاعته في حالة مخالفة أمر الله ورسوله، فأين أبا بكر من حكام اليوم!
- وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه، فيجيبه أحدهم لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا، فأين هي قداسة الحاكم وأي حاكم، إنه أبو بكر وعمر...
هذه فروق كبيرة وجوهرية بين اليوم والأمس. فقد كان الحكام أنفسهم يرسمون العلاقة بينهم وبين ولاتهم من جهة وبين الأمة من جهة أخرى انطلاقا من فهم الأحكام الشرعية،
- فقد ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه قال في كتابه لواليه على مصر مالك بن الأشتر يحدد له علاقته مع الأمة-أعلم يا مالك إني وجهتك إلى بلاد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم وإنما يستدل عن الصالحين بما يجري الله على السن عبادة فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض عليهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم، من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. انصف الله وانصف الناس من نفسك وخاصة أهلك ومن ولك فيه هوى من رعيتك فإن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده من رعيته، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حربا عليه حتى ينزع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من إقامه على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد. ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تُحدثن سُنة تضر بشيء من مضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمقها في العدل واجمعها لرضا الرعية.
- وقال الحسن البصري في وصف الحاكم العادل: إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة لكل مظلوم ومفزع كل ملهوف، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو كالعبد الذي ائتمنه سيده وإستحفظه ماله وعياله، وهو الذي لا يحكم في عباد الله بحكم الجاهلية ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين، فهو وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم. هذا ما فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في الحفاظ على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومارسوه عندما كانوا حكاما ورعية، وفهموا أن الحفاظ على هذه العلاقة ليس أمرا مخيرا للقيام به أو تركه، بل فرض قد فرضه الله عليهم وجعل ذلك في علماء الأمة، لأنهم قادة الأمة الحقيقيون والثلة الواعية فيها. قال صلى الله عليه وسلم «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء» وهذا ما أثبته الواقع العلمي في كل عصر.
- وقف أمير المؤمنين معاوية يوما على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا فقام إليه أبو مسلم الخولاني ليحاسبه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال ولم يا أبا مسلم ، فقال يا معاوية كيف تمنع العطاء وانه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الغضب من الشيطان والشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحد فليغتسل» وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم. - وهذا منذر بن سعيد العالم الجليل يحاسب الحاكم. فقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بن عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من اموال الدولة الشيء الكثير، وهي في حالة قصور فأخره وكان يشرف عليها بنفسه....
- وقصة العز بن عبد السلام الملقب ببائع الملوك عندما قام بمحاسبة الملك الصالح إسماعيل في حادثة الخيانة السياسية المشهورة، الذي تحالف فيها مع الصليبين ليساعدوه على نجم الدين أيوب حاكم مصر، وسلم إليهم لقاء ذلك قلعة صفد وقلعة الشقيف وبلادهم وصيدا وطبريا وما أشبه اليوم بالأمس.
هذا فيض من غيض فيما روي عن سلفنا في علاقتهم مع حاكمهم، نعم إن صلاح الناس بصلاح العلماء، وفسادهم بفساد علمائهم وحكامهم، بخلاف حالنا اليوم الذي تولاه حكام ظلمة، وأعانهم علماء فسقة زينوا لهم أعمالهم القبيحة وأقوالهم الفاسدة. عينهم الكافر المستعمر في غفلة من الأمة وخيانة من بعض أبنائها، واستجابوا لإغراءاته، وصدقوا وعوده ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾. بعد أن كانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم حين انتزعت الصدارة وزمام القيادة من دولتي الفرس والرومان، حتى وصلت إلى درجة أنها إن أشارت إلى الشرق يطأطئ وإن أشارت إلى الغرب يومئ، وأصبحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا فاتجهت إليها النظار وصارت مهوى الأفئدة. ولما تقاعس العلماء عن أداء مهمتهم، ورضيت الأمة بحكامها الظلمة، انتقلوا من مركز القيادة إلى مركز التبعية، ينفذون ما تريده الدول الكافرة الحاقدة على الإسلام وأهله، فنتج ما نتج من انفصال بين الحكام والمحكومين.
ولعلاج هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلها علاقة كما أمر الله سبحانه وتعالى، فقد جعل محاسبة الحكام فرضا على المسلمين و أمرهم بالمحاسبة، فإنه بالرغم من أنها داخلة في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت نصوص صريحة بالأمر بمحاسبة الحكام، فعن أبي سعيد الخدري، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». فهذا نص في الحاكم ووجوب قول الحق عنده ومحاسبته، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكافحة الحكام الظلمة سياسيا مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى إلى القتل، قال صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحث على تحمل الأذى حتى الموت في سبيل تغيير الحكام وكفاح ظلمهم سياسيا.
إن كفاح ظلم الحكام الذي نراه اليوم، ومحاسبة هؤلاء الحكام سياسيا على أعمالهم كلها وعلى خيانتهم وعلى تآمرهم على الأمة وتنازلهم عن أرض الإسلام لأعداء الأمة، فرض فرضه الله علينا معاشر المسلمين، والقيام بهذا الفرض هو الذي يزيل الفواصل الموجودة بين الأمة والحكام، وهو الذي يجعل الأمة والحكام فئة واحدة وكتلة واحدة قوية، وهو الذي يضمن التغيير على الحكام ويضمن تغييرهم، وهو طريق النهضة، فالنهضة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحكم حين يقام على عقيدة الإسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد الحكم القائم على العقيدة الإسلامية، وإيجاد الحكام على هذا الأساس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالكفاح السياسي للحكام الظلمة ومحاسبتهم.
هذا هو السبيل الوحيد لتغيير واقعنا السيئ، وإرجاع العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة فئة واحدة.
نسأل الله أن يكون ذلك قريبا إنه سميع مجيب
باستقراء الواقع الحاضر، نلاحظ أن الأمة منفصلة انفصالا تاما عن حكامها، وأن العلاقة بين الناس والحكام علاقة فئتين متباينتين لا علاقة بين رعية ودولة، وفضلا عن ذلك فهي علاقة بغض وتناقض، وليس فيها أي مودة ولا ما يشعر بإمكانية المودة. هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف كيان الأمة.
إن هذه الحالة من الانفصال بين الأمة وحكامها هي نتيجة عدم قيام الأمة بما فرضه الله عليها من محاسبة الحكام وعدم شعورها بأنها هي مصدر السلطان. فلو كانت هذه الأمة تشعر بأنها هي مصدر السلطان وتقوم بمحاسبة الحكام، لما تولاها حاكم خائن عميل عدو لها، ولما كانت العلاقة بينها وبين الحكام علاقة انفصال، ولما كانت في هذا الضعف والتخلف، ولما ظلت تحت النفوذ السياسي والثقافي والإقتصادي لأوروبا وأمريكا فعلا، وإن كان الذي يحكمها مباشرة من أبناء المسلمين.
لذلك كان لا بد للأمة حتى تكون كيانا واحدا هي والحكام أن تقوم بواجب المحاسبة، وان تقول كلمة الحق في وجوههم، وان تعمل بقوة وبجد للتغيير السياسي على الحكام أو تغييرهم، وما لم تبادر إلى ذلك فإنها ولا شك ستشرف على الفناء.
هذا هو واقع العلاقة اليوم بين الحكام وجمهرة الناس فئتين متباينتين، فالحاكم فاسد مفسد يعمل بعمل الجاهلية ويدعوا لها، فالظلم سجيته، يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله، يرى رقي بلاده وسعادة أمته بغير الإسلام، ويرى العدل والحق بما يستورد من قوانين غربية. يُسكت الألسنة ويعتقل المخلصين وأهلهم، فاتحا السجون ومنذرا بها.
والعلماء بين ساكت لا ينكر ولا يغير، التمس لنفسه الأعذار . وعالم قانع بصلواته يؤديها إذا وعظ الناس في المناسبات أمات القلوب وقد عافه الناس لتكراره، ولبعده عن واقع الأمة وأحاسيسها، محجما عن بيان فساد الأنظمة وكشف أعمالها رهبة أو رغبة، وبين علماء تولوا المناصب كوزراء ضلوا وأضلوا، فهؤلاء علماء السوء وخطباء الفتنة الذين حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقال «إني لا أتخوف على أمتي مؤمنا ولا مشركا فأما المؤمن فيجزه إيمانه وأما المشرك فيقمه كفره ولكن أتخوف عليهم منافقا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون».
أما ما ورد لنا من أخبار السلف الصالح رضوان الله عليهم عن علاقة الحكام والمحكومين، فقد ورد لنا القصص المعبرة عن حال هذه العلاقة ومدى ترابطها ومدى التعاون التام بينهما لتطبيق الإسلام وأحكامه للحفاظ على أحكام الإسلام ودولته انطلاقا من الفهم الصحيح للأحكام الشرعية المبينة في الكتاب والسنة قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة، قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقال تعالى ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، فنلاحظ اشتمال الأدلة السابقة على العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم، بأنها علاقة نصح وإرشاد وتقويم للحفاظ على الدين والأمة، لأن النصيحة فيها الخير لهم ولمن يتولون أمرهم، وقد سار الأمر على هذا الحال في زمن الصحابة ومن بعدهم بكل حرص وتعاون، بل وكانت النصيحة تطلب من قبل الحاكم لتنفيذ عمله، فلا قدسية للحاكم المسلم:
- فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في أول خطاب له بعد بيعته على الخلافة-"أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني.." إلى أن قال "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" فهذا طلب من الخليفة الأول أبي بكر الصديق بمحاسبته والوقوف له وعدم طاعته في حالة مخالفة أمر الله ورسوله، فأين أبا بكر من حكام اليوم!
- وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه، فيجيبه أحدهم لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا، فأين هي قداسة الحاكم وأي حاكم، إنه أبو بكر وعمر...
هذه فروق كبيرة وجوهرية بين اليوم والأمس. فقد كان الحكام أنفسهم يرسمون العلاقة بينهم وبين ولاتهم من جهة وبين الأمة من جهة أخرى انطلاقا من فهم الأحكام الشرعية،
- فقد ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه قال في كتابه لواليه على مصر مالك بن الأشتر يحدد له علاقته مع الأمة-أعلم يا مالك إني وجهتك إلى بلاد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم وإنما يستدل عن الصالحين بما يجري الله على السن عبادة فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض عليهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم، من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. انصف الله وانصف الناس من نفسك وخاصة أهلك ومن ولك فيه هوى من رعيتك فإن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده من رعيته، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حربا عليه حتى ينزع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من إقامه على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد. ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تُحدثن سُنة تضر بشيء من مضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمقها في العدل واجمعها لرضا الرعية.
- وقال الحسن البصري في وصف الحاكم العادل: إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة لكل مظلوم ومفزع كل ملهوف، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو كالعبد الذي ائتمنه سيده وإستحفظه ماله وعياله، وهو الذي لا يحكم في عباد الله بحكم الجاهلية ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين، فهو وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم. هذا ما فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في الحفاظ على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومارسوه عندما كانوا حكاما ورعية، وفهموا أن الحفاظ على هذه العلاقة ليس أمرا مخيرا للقيام به أو تركه، بل فرض قد فرضه الله عليهم وجعل ذلك في علماء الأمة، لأنهم قادة الأمة الحقيقيون والثلة الواعية فيها. قال صلى الله عليه وسلم «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء» وهذا ما أثبته الواقع العلمي في كل عصر.
- وقف أمير المؤمنين معاوية يوما على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا فقام إليه أبو مسلم الخولاني ليحاسبه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال ولم يا أبا مسلم ، فقال يا معاوية كيف تمنع العطاء وانه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الغضب من الشيطان والشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحد فليغتسل» وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم. - وهذا منذر بن سعيد العالم الجليل يحاسب الحاكم. فقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بن عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من اموال الدولة الشيء الكثير، وهي في حالة قصور فأخره وكان يشرف عليها بنفسه....
- وقصة العز بن عبد السلام الملقب ببائع الملوك عندما قام بمحاسبة الملك الصالح إسماعيل في حادثة الخيانة السياسية المشهورة، الذي تحالف فيها مع الصليبين ليساعدوه على نجم الدين أيوب حاكم مصر، وسلم إليهم لقاء ذلك قلعة صفد وقلعة الشقيف وبلادهم وصيدا وطبريا وما أشبه اليوم بالأمس.
هذا فيض من غيض فيما روي عن سلفنا في علاقتهم مع حاكمهم، نعم إن صلاح الناس بصلاح العلماء، وفسادهم بفساد علمائهم وحكامهم، بخلاف حالنا اليوم الذي تولاه حكام ظلمة، وأعانهم علماء فسقة زينوا لهم أعمالهم القبيحة وأقوالهم الفاسدة. عينهم الكافر المستعمر في غفلة من الأمة وخيانة من بعض أبنائها، واستجابوا لإغراءاته، وصدقوا وعوده ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾. بعد أن كانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم حين انتزعت الصدارة وزمام القيادة من دولتي الفرس والرومان، حتى وصلت إلى درجة أنها إن أشارت إلى الشرق يطأطئ وإن أشارت إلى الغرب يومئ، وأصبحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا فاتجهت إليها النظار وصارت مهوى الأفئدة. ولما تقاعس العلماء عن أداء مهمتهم، ورضيت الأمة بحكامها الظلمة، انتقلوا من مركز القيادة إلى مركز التبعية، ينفذون ما تريده الدول الكافرة الحاقدة على الإسلام وأهله، فنتج ما نتج من انفصال بين الحكام والمحكومين.
ولعلاج هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلها علاقة كما أمر الله سبحانه وتعالى، فقد جعل محاسبة الحكام فرضا على المسلمين و أمرهم بالمحاسبة، فإنه بالرغم من أنها داخلة في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت نصوص صريحة بالأمر بمحاسبة الحكام، فعن أبي سعيد الخدري، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». فهذا نص في الحاكم ووجوب قول الحق عنده ومحاسبته، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكافحة الحكام الظلمة سياسيا مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى إلى القتل، قال صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحث على تحمل الأذى حتى الموت في سبيل تغيير الحكام وكفاح ظلمهم سياسيا.
إن كفاح ظلم الحكام الذي نراه اليوم، ومحاسبة هؤلاء الحكام سياسيا على أعمالهم كلها وعلى خيانتهم وعلى تآمرهم على الأمة وتنازلهم عن أرض الإسلام لأعداء الأمة، فرض فرضه الله علينا معاشر المسلمين، والقيام بهذا الفرض هو الذي يزيل الفواصل الموجودة بين الأمة والحكام، وهو الذي يجعل الأمة والحكام فئة واحدة وكتلة واحدة قوية، وهو الذي يضمن التغيير على الحكام ويضمن تغييرهم، وهو طريق النهضة، فالنهضة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحكم حين يقام على عقيدة الإسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد الحكم القائم على العقيدة الإسلامية، وإيجاد الحكام على هذا الأساس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالكفاح السياسي للحكام الظلمة ومحاسبتهم.
هذا هو السبيل الوحيد لتغيير واقعنا السيئ، وإرجاع العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة فئة واحدة.
نسأل الله أن يكون ذلك قريبا إنه سميع مجيب
من مواضيعي
0 خطاب حزب التحرير إلى جميع حكام المسلمين من الشرق إلى الغرب
0 من حزب التحرير إلى الحكام ملوكا ورؤساء وأمراء من إندونيسيا إلى المغرب العربي
0 من حزب التحرير إلى الحكام ملوكا ورؤساء وأمراء من إندونيسيا إلى المغرب
0 الذكرى 87 لهدم الخلافـة: 28 رجب 1342 هـ - 28 رجب 1429 هـ
0 الحكام العرب الذين كذبوا على الناس بالصمود والذين أعلنوا القعود,
0 شاهدوا ماذا تصنع الحضارة الرأسمالية بأهلها
0 من حزب التحرير إلى الحكام ملوكا ورؤساء وأمراء من إندونيسيا إلى المغرب العربي
0 من حزب التحرير إلى الحكام ملوكا ورؤساء وأمراء من إندونيسيا إلى المغرب
0 الذكرى 87 لهدم الخلافـة: 28 رجب 1342 هـ - 28 رجب 1429 هـ
0 الحكام العرب الذين كذبوا على الناس بالصمود والذين أعلنوا القعود,
0 شاهدوا ماذا تصنع الحضارة الرأسمالية بأهلها
التعديل الأخير تم بواسطة tahriri ; 16-04-2007 الساعة 09:19 PM