تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > نقاش حر

> العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلامي

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 09-04-2007
  • المشاركات : 327
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • tahriri is on a distinguished road
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلامي
16-04-2007, 09:12 PM
السلام عليكم ورحمة الله

باستقراء الواقع الحاضر، نلاحظ أن الأمة منفصلة انفصالا تاما عن حكامها، وأن العلاقة بين الناس والحكام علاقة فئتين متباينتين لا علاقة بين رعية ودولة، وفضلا عن ذلك فهي علاقة بغض وتناقض، وليس فيها أي مودة ولا ما يشعر بإمكانية المودة. هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف كيان الأمة.

إن هذه الحالة من الانفصال بين الأمة وحكامها هي نتيجة عدم قيام الأمة بما فرضه الله عليها من محاسبة الحكام وعدم شعورها بأنها هي مصدر السلطان. فلو كانت هذه الأمة تشعر بأنها هي مصدر السلطان وتقوم بمحاسبة الحكام، لما تولاها حاكم خائن عميل عدو لها، ولما كانت العلاقة بينها وبين الحكام علاقة انفصال، ولما كانت في هذا الضعف والتخلف، ولما ظلت تحت النفوذ السياسي والثقافي والإقتصادي لأوروبا وأمريكا فعلا، وإن كان الذي يحكمها مباشرة من أبناء المسلمين.
لذلك كان لا بد للأمة حتى تكون كيانا واحدا هي والحكام أن تقوم بواجب المحاسبة، وان تقول كلمة الحق في وجوههم، وان تعمل بقوة وبجد للتغيير السياسي على الحكام أو تغييرهم، وما لم تبادر إلى ذلك فإنها ولا شك ستشرف على الفناء.

هذا هو واقع العلاقة اليوم بين الحكام وجمهرة الناس فئتين متباينتين، فالحاكم فاسد مفسد يعمل بعمل الجاهلية ويدعوا لها، فالظلم سجيته، يحل ما حرم الله ويحرم ما أحل الله، يرى رقي بلاده وسعادة أمته بغير الإسلام، ويرى العدل والحق بما يستورد من قوانين غربية. يُسكت الألسنة ويعتقل المخلصين وأهلهم، فاتحا السجون ومنذرا بها.

والعلماء بين ساكت لا ينكر ولا يغير، التمس لنفسه الأعذار . وعالم قانع بصلواته يؤديها إذا وعظ الناس في المناسبات أمات القلوب وقد عافه الناس لتكراره، ولبعده عن واقع الأمة وأحاسيسها، محجما عن بيان فساد الأنظمة وكشف أعمالها رهبة أو رغبة، وبين علماء تولوا المناصب كوزراء ضلوا وأضلوا، فهؤلاء علماء السوء وخطباء الفتنة الذين حذرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم فقال «إني لا أتخوف على أمتي مؤمنا ولا مشركا فأما المؤمن فيجزه إيمانه وأما المشرك فيقمه كفره ولكن أتخوف عليهم منافقا عالم اللسان يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون».

أما ما ورد لنا من أخبار السلف الصالح رضوان الله عليهم عن علاقة الحكام والمحكومين، فقد ورد لنا القصص المعبرة عن حال هذه العلاقة ومدى ترابطها ومدى التعاون التام بينهما لتطبيق الإسلام وأحكامه للحفاظ على أحكام الإسلام ودولته انطلاقا من الفهم الصحيح للأحكام الشرعية المبينة في الكتاب والسنة قال صلى الله عليه وسلم «الدين النصيحة، قلنا لمن قال لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» وقال تعالى ﴿ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر﴾، فنلاحظ اشتمال الأدلة السابقة على العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم، بأنها علاقة نصح وإرشاد وتقويم للحفاظ على الدين والأمة، لأن النصيحة فيها الخير لهم ولمن يتولون أمرهم، وقد سار الأمر على هذا الحال في زمن الصحابة ومن بعدهم بكل حرص وتعاون، بل وكانت النصيحة تطلب من قبل الحاكم لتنفيذ عمله، فلا قدسية للحاكم المسلم:

- فهذا أبو بكر الصديق رضي الله عنه يقول في أول خطاب له بعد بيعته على الخلافة-"أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني.." إلى أن قال "أطيعوني ما أطعت الله ورسوله فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم" فهذا طلب من الخليفة الأول أبي بكر الصديق بمحاسبته والوقوف له وعدم طاعته في حالة مخالفة أمر الله ورسوله، فأين أبا بكر من حكام اليوم!

- وهذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقف على المنبر ويقول أيها الناس من رأى منكم في اعوجاجا فليقومه، فيجيبه أحدهم لو رأينا فيك اعوجاجا لقومناه بحد سيوفنا، فأين هي قداسة الحاكم وأي حاكم، إنه أبو بكر وعمر...
هذه فروق كبيرة وجوهرية بين اليوم والأمس. فقد كان الحكام أنفسهم يرسمون العلاقة بينهم وبين ولاتهم من جهة وبين الأمة من جهة أخرى انطلاقا من فهم الأحكام الشرعية،

- فقد ورد عن سيدنا علي رضي الله عنه قال في كتابه لواليه على مصر مالك بن الأشتر يحدد له علاقته مع الأمة-أعلم يا مالك إني وجهتك إلى بلاد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور وان الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك ويقولون فيك ما كنت تقول فيهم وإنما يستدل عن الصالحين بما يجري الله على السن عبادة فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان إما أخٌ لك في الدين أو نظير لك في الخلق يفرط منهم الزلل وتعرض عليهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ فأعطهم، من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك. انصف الله وانصف الناس من نفسك وخاصة أهلك ومن ولك فيه هوى من رعيتك فإن لا تفعل تظلم ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده من رعيته، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حربا عليه حتى ينزع أو يتوب. وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من إقامه على ظلم فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد. ولا تنقص سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تُحدثن سُنة تضر بشيء من مضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمقها في العدل واجمعها لرضا الرعية.

- وقال الحسن البصري في وصف الحاكم العادل: إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل وقصد كل جائر وصلاح كل فاسد وقوة كل ضعيف ونصفة لكل مظلوم ومفزع كل ملهوف، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم، وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو كالعبد الذي ائتمنه سيده وإستحفظه ماله وعياله، وهو الذي لا يحكم في عباد الله بحكم الجاهلية ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين، فهو وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم. هذا ما فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في الحفاظ على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومارسوه عندما كانوا حكاما ورعية، وفهموا أن الحفاظ على هذه العلاقة ليس أمرا مخيرا للقيام به أو تركه، بل فرض قد فرضه الله عليهم وجعل ذلك في علماء الأمة، لأنهم قادة الأمة الحقيقيون والثلة الواعية فيها. قال صلى الله عليه وسلم «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس العلماء والأمراء» وهذا ما أثبته الواقع العلمي في كل عصر.

- وقف أمير المؤمنين معاوية يوما على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا فقام إليه أبو مسلم الخولاني ليحاسبه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال ولم يا أبا مسلم ، فقال يا معاوية كيف تمنع العطاء وانه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «الغضب من الشيطان والشيطان خلق من نار وإنما تطفأ النار بالماء فإذا غضب أحد فليغتسل» وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم إنه ليس من كدي ولا من كد أبي فهلموا إلى عطائكم. - وهذا منذر بن سعيد العالم الجليل يحاسب الحاكم. فقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بن عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من اموال الدولة الشيء الكثير، وهي في حالة قصور فأخره وكان يشرف عليها بنفسه....

- وقصة العز بن عبد السلام الملقب ببائع الملوك عندما قام بمحاسبة الملك الصالح إسماعيل في حادثة الخيانة السياسية المشهورة، الذي تحالف فيها مع الصليبين ليساعدوه على نجم الدين أيوب حاكم مصر، وسلم إليهم لقاء ذلك قلعة صفد وقلعة الشقيف وبلادهم وصيدا وطبريا وما أشبه اليوم بالأمس.

هذا فيض من غيض فيما روي عن سلفنا في علاقتهم مع حاكمهم، نعم إن صلاح الناس بصلاح العلماء، وفسادهم بفساد علمائهم وحكامهم، بخلاف حالنا اليوم الذي تولاه حكام ظلمة، وأعانهم علماء فسقة زينوا لهم أعمالهم القبيحة وأقوالهم الفاسدة. عينهم الكافر المستعمر في غفلة من الأمة وخيانة من بعض أبنائها، واستجابوا لإغراءاته، وصدقوا وعوده ﴿وما يعدهم الشيطان إلا غرورا﴾. بعد أن كانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم حين انتزعت الصدارة وزمام القيادة من دولتي الفرس والرومان، حتى وصلت إلى درجة أنها إن أشارت إلى الشرق يطأطئ وإن أشارت إلى الغرب يومئ، وأصبحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقيا فاتجهت إليها النظار وصارت مهوى الأفئدة. ولما تقاعس العلماء عن أداء مهمتهم، ورضيت الأمة بحكامها الظلمة، انتقلوا من مركز القيادة إلى مركز التبعية، ينفذون ما تريده الدول الكافرة الحاقدة على الإسلام وأهله، فنتج ما نتج من انفصال بين الحكام والمحكومين.

ولعلاج هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلها علاقة كما أمر الله سبحانه وتعالى، فقد جعل محاسبة الحكام فرضا على المسلمين و أمرهم بالمحاسبة، فإنه بالرغم من أنها داخلة في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت نصوص صريحة بالأمر بمحاسبة الحكام، فعن أبي سعيد الخدري، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر». فهذا نص في الحاكم ووجوب قول الحق عنده ومحاسبته، وقد حث رسول الله صلى الله عليه وسلم على مكافحة الحكام الظلمة سياسيا مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى إلى القتل، قال صلى الله عليه وسلم «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحث على تحمل الأذى حتى الموت في سبيل تغيير الحكام وكفاح ظلمهم سياسيا.

إن كفاح ظلم الحكام الذي نراه اليوم، ومحاسبة هؤلاء الحكام سياسيا على أعمالهم كلها وعلى خيانتهم وعلى تآمرهم على الأمة وتنازلهم عن أرض الإسلام لأعداء الأمة، فرض فرضه الله علينا معاشر المسلمين، والقيام بهذا الفرض هو الذي يزيل الفواصل الموجودة بين الأمة والحكام، وهو الذي يجعل الأمة والحكام فئة واحدة وكتلة واحدة قوية، وهو الذي يضمن التغيير على الحكام ويضمن تغييرهم، وهو طريق النهضة، فالنهضة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحكم حين يقام على عقيدة الإسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد الحكم القائم على العقيدة الإسلامية، وإيجاد الحكام على هذا الأساس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بالكفاح السياسي للحكام الظلمة ومحاسبتهم.

هذا هو السبيل الوحيد لتغيير واقعنا السيئ، وإرجاع العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة فئة واحدة.

نسأل الله أن يكون ذلك قريبا إنه سميع مجيب
التعديل الأخير تم بواسطة tahriri ; 16-04-2007 الساعة 09:19 PM
  • ملف العضو
  • معلومات
موعزيز محمد فريد
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 20-03-2007
  • الدولة : ، الجزائر
  • العمر : 70
  • المشاركات : 107
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • موعزيز محمد فريد is on a distinguished road
موعزيز محمد فريد
عضو فعال
رد: العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلا
16-04-2007, 11:20 PM
الإسلام أصبح تجارة ، وعلامة إشهار ، وأصبح اليوم مطية لقضاء مآرب دنيوية، ومن كثرة ما أساءوا إليه ، ساء حالنا ،وتشتتنا بين حامل العنف لإقامة دولة الإسلام ،ورافض للفكرة ولو باستعمال الرشاش ،
فالمتداولون على السلطة دجنوه وكيفوه حسب ما يبتغون ، وقالوا للناس ، أن الإسلام إشتراكي ، وبعد إندثار الإشتراكية ، قالوا لا بل ليبرالي ،
أما المعارضة الإسلامية فكانت أسوء بكثير من السلطة ، لأنهم أرادوه مطية للوصول لأعلى هرم في السلطة ، واستعملوا التخريف والتزييف ، والدليل على هذا ، تلك المناظر المقززة للنفس،
الصيحات الهيسترية وشباب مصروع لرؤية سحابتين في السماء قرأوهاأنها إشارات من السماء ، وقال عنها عباسي مدني أنها بركات ، وبدون الخوض في العنف والعنف المضاد ، وما نجم عنه من إساء كبيرة للإسلام ،
والحل الأمثل الذي أراه ،
1؛لابد من تضميد الجراح ، ومحاولة تصحيح الأخطاء ،
2؛الرجوع إلى الدعوة بالتي هي أحسن ، ونبذ العنف بكل أشكاله ،
3؛ وعلى الحكام المسلمين أن يشيدوا معاهد متخصصة لأحياء علوم الدين .والتفكيروالبدء في تطبيق شريعة الله،ولو على مراحل .
ففي هذا الدين شفاء للمجتمع من كل الأمراض ، ووقاية من كل الأخطار ، ودحر للأعداء . وأقول للجميع إتقوا الله في ديننا الحنيف،
لا غلو ، ولا تفريط .
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 09-04-2007
  • المشاركات : 327
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • tahriri is on a distinguished road
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
رد: العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلا
22-04-2007, 11:28 AM
السلام عليكم
هذا مثال من حكام الأمس رحمهم الله يوم كانت الخلافة موجودة، ودبلوماسيتها مع دول الكفر وحكامها، أضعه بين أيديكم لتروا رأي العين الفرق الشاسع بينهم حين كانت الخلافة، وبين حكام اليوم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله، ويحاربون إعادة الخلافة...

من ريتشارد قلب الأسد إلى صلاح الدين


من ريكاردوس قلب الأسد ملك الإنجليز (هو ريتشارد قلب الأسد)، إلى صلاح الدين الأيوبي ملك العرب،

أيها المولى: حامل خطابي هذا، بطل صنديد، لاقى أبطالكم في ميادين الوغى، وأبلى في القتال البلاء الحسن. وقد وقعت أخته أسيرة، فساقها رجالكم إلى قصركم وغيروا اسمها. فقد كان اسمها "ماري"، فأطلق عليها اسم "ثريا".

وإنّ لملك الإنجليز رجاء يتقدم به إلى ملك العرب، وهو إما أن تعيدوا إلى الأخ أخته، وإما أن تحتفظوا به أسيرا معها، لا تفرقوا بينهما، ولا تحكموا على عصفور أن يعيش بعيدا عن أليفه. وفيما أنا بانتظار قراركم بهذا الشأن، أذكركم بقول الخليفة عمر بن الخطاب، وقد سمعته من صديقي الأمير حارث اللبناني وهو: "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".



فكان جواب السلطان الناصر صلاح الدين:


من سلطان المسلمين صلاح الدين إلى ريكاردوس ملك الإنجليز،

أيها المولى: صافحت البطل الباسل الذي أوفدتموه رسولا إليّ، فليحمل إليكم المصافحة ممن عرف قدركم في ميادين القتال. وإني لأحب أن تعلموا، بأنني لن أحتفظ بالأخ أسيرا مع أخته؛ لأننا لا نبقي في بيوتنا إلا أسلاب المعارك. لقد أعدنا للأخ أخته. وإذا عمل صلاح الدين بقول عمر بن الخطاب، فلكي يعمل ريكاردوس بقول عيسى: فرد أيها المولى الأرض التي اغتصبتها إلى أصحابها ، عملا بوصية السيد المسيح عليه السلام.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 09-04-2007
  • المشاركات : 327
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • tahriri is on a distinguished road
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
رد: العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلا
22-04-2007, 12:33 PM
كِتابُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ إِلَىْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ


كَتَبَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ إِلَىْ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ:
أَمّا بَعْدُ، فَإِنَّ الدُّنْيا دارُ ظَعْنٍ لَيْسَتْ بِدارِ إِقامَةٍ، وَإِنَّما أُنْزِلَ آدَمُ عَلَيْهِ السَّلامُ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَىْ عُقُوبَةٍ، فَاحْذَرْها يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ! فَإِنَّ الزّادَ مِنْها تَرْكُها، وَالْغِنَىْ مِنْها فَقْرُها. لَها فِيْ كُلِّ حِينٍ قَتِيلٌ، تُذِلُّ مَنْ أَعَزَّها، وَتُفْقِرُ مَنْ جَمَعَها. هِيَ كَالسُّمِّ يَأْكُلُهُ مَنْ لا يَعْرِفُهُ وَفِيهِ حَتْفُهُ، فَكُنْ فِيهَا كَالْمُداوِيْ جِراحَهُ، يَحْتَمِيْ قَلِيلاً مَخافَةَ مَا يَكْرَهُ طَوِيلاً، وَيَصْبِرُ عَلَىْ شِدَّةِ الدَّواءِ مَخافَةَ طُولِ الدّاءِ. فَاحْذَرْ هذِهِ الدّارَ الْغَدّارَةَ الْخَتّالَةَ الْخَدّاعَةَ الَّتِيْ قَدْ تَزَيَّنَتْ بِخُدَعِها وَفَتَنَتْ بِغُرُورِها، حَلَتْ بِآمالِها وَسَوَّفَتْ بِخِطابِها فَأَصْبَحَتْ كَالْعَرُوسِ الْمُجَلَّيَةِ! الْعُيُونُ إِلَيْها ناظِرَةٌ، وَالْقُلُوبُ عَلَيْها وَالِهَةٌ، وَالنُّفُوسُ لَها عاشِقَةٌ، وَهِيَ لأَزْواجِها كُلِّهِمْ قالِيَةٌ! فَلا الْباقِيْ بِالْماضِيْ مُعْتَبِرٌ، وَلا الآخِرُ بِالأَوَّلِ مُزْدَجِرٌ، وَلا الْعارِفُ بِاللهِ عَزَّ وَجَلَّ حِينَ أَخْبَرَهُ عَنْها مُدَّكِرٌ.
فَعاشِقٌ لَها قَدْ ظَفِرَ مِنْها بِحاجَتِهِ فَاغْتَرَّ وَطَغَىْ وَنَسِيَ الْمَعادَ، فَشَغَلَ فِيها لُبَّهُ حَتَّىْ زَلَّتْ بِهِ قَدَمُهُ، فَعَظُمَتْ نَدامَتُهُ، وَكَثُرَتْ حَسْرَتُهُ، وَاجْتَمَعَتْ عَلَيْهِ سَكَراتُ الْمَوْتِ وَتَأَلُّمَهُ، وَحَسَراتُ الْفَوْتِ بِغُصَّتِهِ. وَراغِبٌ فِيهَا لَمْ يُدْرِكْ مِنْها مَا طَلَبَ، وَلَمْ يُرَوِّحْ نَفْسَهُ مِنَ التَّعَبِ، فَخَرَجَ بِغَيْرِ زادٍ، وَقَدِمَ عَلَىْ غَيْرِ مِهادٍ، فَاحْذَرْها يا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ! وَكُنْ أَسَرَّ مَا تَكُونُ فِيها أَحْذَرَ مَا تَكُونُ لَها، فَإِنَّ صاحِبَ الدُّنْيا كُلَّما اطْمَأَنَّ مِنْها إِلَىْ سُرُورٍ أَشْخَصَتْهُ إِلَىْ مَكْرُوهٍ، السّارُّ فِيْ أَهْلِها غارٌّ، وَالنّافِعُ فِيها غَدّارٌ ضارٌّ. وَقَدْ وُصِلَ الرَّخاءُ مِنْها بِالْبَلاءِ، وَجُعِلَ الْبَقاءُ فِيها إِلَىْ فَناءٍ، فَسُرُورُها مَشُوبٌ بِالأَحْزانِ. لا يَرْجِعُ مِنْها مَا وَلَّىْ وَأَدْبَرَ، وَلا يُدْرَىْ مَا هُوَ آتٍ فَيُنْتَظَرُ، أَمانِيُّها كاذِبَةٌ، وَآمالُها باطِلَةٌ، وَصَفْوُها كَدِرٌ، وَعَيْشُها نَكَدٌ، وَابْنُ آدمَ فِيها عَلَىْ خَطَرٍ إِنْ عَقِلَ وَنَظَرَ، فَهُوَ مِنَ النَّعْماءِ عَلَىْ خَطَرٍ، وَمِنَ الْبَلاءِ عَلَىْ الْحَذَرِ.
فَلَوْ كانَ الْخالِقُ لَمْ يُخْبِرْ عَنْها خَبَراً، وَلَمْ يَضْرِبْ لَها مَثَلاً، لَكانَتِ الدُّنْيا قَدْ أَيْقَظَتِ النّائِمَ، وَنَبَّهَتِ الْغافِلَ! فَكَيْفَ وَقَدْ جاءَ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَنْها زاجِرٌ وَفِيها واعِظٌ، فَما لَها عِنْدَ اللهِ جَلَّ ثَناؤُهُ قَدْرٌ، وَما نَظَرَ إِلَيْها مُنْذُ خَلَقَها. وَلَقَدْ عُرِضَتْ عَلَىْ نَبِيِّكَ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَفاتِيحِها وَخَزائِنِها لا ينَقْصُهُ ذلِكَ عِنْدَ اللهِ جَناحَ بَعُوضَةٍ فَأَبَىْ أَنْ يَقْبَلَها. إِذْ كَرِهَ أَنْ يُخالِفَ عَلَىْ اللهِ أَمْرَهُ، أَوْ يُحِبَّ مَا أَبْغَضَهُ خالِقُهُ، أَوْ يَرْفَعَ ما وَضَعَ مَلِيكُهُ. فَزَواها عَنِ الصّالِحِينَ اخْتِباراً، وَبَسَّطَها لأَعْدائِهِ اغْتِراراً، فَيَظُنُّ الْمَغْرُورُ بِها الْمُقْتَدِرُ عَلَيْها أَنَّهُ أُكْرِمَ بِها، وَنَسِيَ مَا صَنَعَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِمُحَمَّدٍ صَلَّىْ اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ شَدَّ الْحَجَرَ عَلَىْ بَطْنِهِ.


من كتاب "إِغاثَةُ اللَّهْفانِ مِنْ مَصائِدِ الشَّيْطانِ" لابْنِ قَيِّمٍ الْجَوْزِيَّة رحمه الله.

وَالسَّلامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكاتُهُ.
  • ملف العضو
  • معلومات
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
  • تاريخ التسجيل : 09-04-2007
  • المشاركات : 327
  • معدل تقييم المستوى :

    18

  • tahriri is on a distinguished road
الصورة الرمزية tahriri
tahriri
عضو فعال
رد: العلاقة بين الأمة الإسلامية وحكامها... الواقع والدروس وعبر من التاريخ الإسلا
06-05-2008, 09:48 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة بين الحاكم والمحكوم: كيف يجب أن تكون؟

موسى عبد الشكور - فلسطين - الخليل

إن عامة الناس يتبعون في حياتهم سادتهم وحكامهم، اتباع تقليد وإعجاب، أو اتباع إجبار وإكراه، وفي جميعها اتباع لأنهم هم الذين يقومون برعاية شؤونهم وإدارة مصالحهم، وهم الموجهون لهم. وقد أمر الإسلام بطاعة الأمراء فقال: (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء 59] ولكنه استثنى من ذلك الطاعة في المعصية بقول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لا طاعة لمن لم يطع الله عز وجل» (رواه أحمد) ولقوله: «لا طاعة لمخلوق في معصية الله» (رواه مسلم) وقد ذم الإسلام الاتباع والتقليد الأعمى قال تعالى: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا) [البقرة 116] وقال تعالى: (وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا) [الأحزاب 67].

باستقراء الواقع الموجود في وقتنا الحاضر، نلاحظ أن الأمة منفصلة انفصالاً تاماً عن الدولة، أي عن حكامها، وأن العلاقة بين جمهرة الناس والحكام علاقة فئتين متباينتين لا علاقة بين رعية ودولة، وفضلاً عن ذلك فهي علاقة كره وتضاد وتناقض، وليس فيها أي تقارب ولا ما يشعر بإمكانية التقارب. هذا من شأنه أن يؤدي إلى إضعاف الدولة وإضعاف كيان الأمة؛ لأن الرعية بدون وجود راع لها تكون واهية البنيان، والدولة بدون رعية تقف صفاً واحداً خلفها تكون واهية الوجود ويمكن إزالتها أو فرض الشروط عليها، وتكون عرضة للاستعانة بأعدائها.
إن الانفصال بين الأمة والدولة كان طبيعياً واجباً عندما كانت الدول الكافرة تحكم البلاد مباشرة يوم كان الاحتلال العسكري والانتداب هو المطبق على البلاد، ولكن بعد أن أزيل سلطان الكافر المستعمر وأصبح حكام البلاد الذين يباشرون تنفيذ الحكم هم أبناء الأمة الإسلامية، فإنه لم يعد هناك مبرر لبقاء هذا الانفصال، وكان يجب أن تتحول العلاقات بين جمهرة الناس والدولة إلى علاقة التحام بين الراعي والرعية، غير أن الواقع أي هذا الانفصال بقي ولا يزال، وظل الحكام فئة والأمة فئة أخرى، وظلت هذه الفئات تحكمها علاقة تضاد متبادلة، فالأمة تنظر إلى الحكام بأنهم أعداؤها كما كانت تنظر إلى الإنجليز، والحكام ينظرون إلى الأمة بأنها تتآمر عليهم وتود أن تفتك بهم، وأنها عدوة لهم، فهم يكيدون لها وهي تكيد لهم، وهذا ما جعل الأمة في حالة يأس من أن تتقدم نحو النهضة والعزة.
وقد أصبح تفكير الحكام محصوراً فقط بما يبقيهم على كراسي الحكم، ولو بالاستعانة بالأجنبي، ولا يفكرون برفع الأمة إلا نفاقاً وكذباً وبأساليب تبعد الأمة عن الرقي وتجعلها دائما في حالة ضعيفة حتى يظلوا مستقرين عليها.
إن هذه الحالة من الانفصال بين الأمة والدولة هي نتيجة عدم قيام الأمة بما فرضه الله عليها من محاسبة الحكام وعدم شعورها بأنها هي مصدر السلطان. فلو كانت هذه الأمة تشعر بأنها هي مصدر السلطان وتقوم بمحاسبة الحكام، لما تولاها حاكم خائن عميل عدو لها، ولما كانت العلاقة بينها وبين الحكام علاقة انفصال، ولما كانت في هذا الضعف وفي هذا التفكك والتأخر، ولما ظلت تحت نفوذ الكفار فعلاً، وإن كان الذي يحكمها مباشرة من أبناء المسلمين؛ لذلك كان لا بد للأمة حتى تكون كياناً واحداً هي والحكام أن تقوم بواجب المحاسبة، وأن تقول كلمة الحق في وجوههم، وأن تعمل بقوة وبجد للتغيير على الحكام أو تغييرهم.
هذا هو واقع العلاقة اليوم بين الحكام وجمهرة الناس: فئتين متباينتين، وهذه العلاقة الموجودة هي صفة من صفات الحكم الجبري الذي أخبر عنه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالحاكم فاسد مفسد يعمل بعمل الجاهلية ويدعو لها، فالظلم سجيته، وسلب الأموال وإنفاقها في شهواته وملذاته وإشباع نزوات أتباعه دأبه، والقتل من أبرز أعماله، يحكم بغير ما أنزل الله، ويعمل في خلق الله بالإثم والعدوان، يسكت الألسنة ويعتقل المخلصين وأهلهم وأصدقاءهم، فاتحاً السجون ومنذراً بها. والعلماء بين ساكت لا ينكر ولا يغير، وملتمس لنفسه الأعذار ومؤول لقوله تعالى: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة 195]، وبين عالم قانع بصلواته يؤديها، إذا وعظ الناس في المناسبات أمات القلوب، وقد عاف المسلمون وعظه لتكراره ولبعده عن واقع الأمة وأحاسيسها، وإحجامه عن بيان فساد الأنظمة وكشف أعمالها رهبة أو رغبة، وبين علماء تولوا المناصب كوزراء فضلوا وأضلوا، أو كمستشارين للحكام أو موظفين زينوا لحكامهم أعمالهم، وشدوا على أيديهم، وأولوا النصوص وأوهموا الناس واستبدوا على وسائل الإعلام، فوقفوا خلفها يسبحون بحمد الحاكم ويقدسون أمره وينسبون كل خير وبر له، فركبوا السيارات الفارهة متوجهين إلى القصور لتسجيل أسمائهم في سجل التشريفات عند كل مناسبة.
فهؤلاء هم علماء السوء وخطباء الفتنة وأعوان الحكم الجبري وأذناب السلطة الذين حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منهم فقال: «سيكون أمراء فسقة جورة، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فليس مني ولست منه ولن يرد علي الحوض» وقال: «إني لا أتخوف على أمتي مؤمناً ولا مشركاً، فأما المؤمن فيجزه إيمانه، وأما المشرك فيقمه كفره، ولكن أتخوف عليهم منافقاً عالم اللسان، يقول ما تعرفون ويعمل ما تنكرون».
أما ما ورد لنا من أخبار السلف الصالح رضوان الله عليهم عن علاقة الحكام والمحكومين، فقد جاءتنا القصص المعبرة عن حال هذه العلاقة ومدى ترابطها، ومدى التعاون التام بينهما لتطبيق الإسلام وأحكامه؛ للحفاظ على أحكام الإسلام ودولته انطلاقاً من الفهم الصحيح للأحكام الشرعية المبينة في الكتاب والسنة، قال تعالى (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ) [آل عمران 104] وقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «الدين النصيحة، قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم» فنلاحظ اشتمال الأدلة السابقة على العلاقة القائمة بين الحاكم والمحكوم، بأنها علاقة نصح وإرشاد وتقويم للحفاظ على الدين والأمة؛ لأن النصيحة فيها الخير لهم ولمن يتولون أمرهم، وقد سار الأمر على هذه الحال في زمن الصحابة ومن بعدهم بكل حرص وتعاون، بل وكانت النصيحة تطلب من قبل الحاكم لتنفيذ عمله، فلا قدسية للحاكم المسلم، فهذا أبو بكر الصديق (رضي الله عنه) يقول في أول خطاب له بعد بيعته على الخلافة «أيها الناس قد وليت عليكم ولست بخيركم، فإن أحسنت فأعينوني وان أسأت فقوموني..» إلى أن قال «أطيعوني ما أطعت الله ورسوله، فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم» فهذا طلب من الخليفة الأول أبو بكر الصديق بمحاسبته والوقوف له وعدم طاعته في حالة مخالفة أمر الله ورسوله، فأين حكام اليوم من أبي بكر!
وهذا عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) يقف على المنبر ويقول: «أيها الناس من رأى منكم فيّ اعوجاجاً فليقومه»، فيجيبه أحدهم: «لو رأينا فيك اعوجاجاً لقومناه بحد سيوفنا»، فأين هي قداسة الحاكم وأي حاكم، إنه أبو بكر وعمر...
وعمر بن الخطاب (رضي الله عنه) تقف له امرأة في مسألة تحديد المهر وقد تلت عليه الآية الكريمة (وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَءَاتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا) [النساء 20] وقوله قنطار يدل على إباحة التوسع في المهور فكيف يضع عمر حداً له؟ فأجابها بقوله «أصابت امرأة وأخطأ عمر».
هذه فروق كبيرة وجوهرية بين اليوم والأمس. فقد كان الحكام أنفسهم يرسمون العلاقة بينهم وبين ولاتهم من جهة وبين الأمة من جهة أخرى انطلاقاً من فهم الأحكام الشرعية، فقد ورد عن سيدنا علي (رضي الله عنه) قال في كتابه لواليه على مصر مالك بن الأشتر يحدد له علاقته مع الأمة «اعلم يا مالك، إني وجهتك إلى بلاد جرت عليها دول قبلك من عدل وجور، وإن الناس ينظرون من أمورك في مثل ما كانت تنظر فيه من أمور الولاة قبلك، ويقولون فيك ما كانت تقول فيهم، وإنما يستدل عن الصالحين بما يجري الله على ألسن عباده، فليكن أحب الذخائر إليك ذخيرة العمل الصالح، وأشعِرْ قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنهم صنفان: إما أخٌ لك في الدين، أو نظير لك في الخَلْق، يفرط منهم الزلل وتعرض عليهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب أن يعطيك الله من عفوه وصفحه، فإنك فوقهم ووالي الأمر عليك فوقك، والله فوق من ولاك، أنصف الله وأنصف الناس من نفسك وخاصة أهلك ومن لك فيه هوى من رعيتك، فإن لا تفعل تظلِم، ومن ظلم عباد الله كان الله خصمه دون عباده من رعيته، ومن خاصمه الله أدحض حجته وكان الله حرباً عليه حتى ينـزع أو يتوب، وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله وتعجيل نقمته، من أقامه على ظلم، فإن الله سميع دعوة المضطهدين وهو للظالمين بالمرصاد. ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة واجتمعت بها الألفة وصلحت عليها الرعية، ولا تُحدثن سُنة تضر بشيء من مضي تلك السنن فيكون الأجر لمن سنها والوزر عليك بما نقضت منها. وليكن أحب الأمور إليك أوسطها في الحق وأعمقها في العدل وأجمعها لرضا الرعية»..
وقال الحسن البصري في وصف الحاكم العادل: «إن الله جعل الإمام العادل قوام كل مائل، وقصد كل جائر، وصلاح كل فاسد، وقوة كل ضعيف، ونصفة لكل مظلوم، ومفزع كل ملهوف، وهو القائم بين الله وبين عباده، يسمع كلام الله ويسمعهم، وينظر إلى الله ويريهم،وينقاد إلى الله ويقودهم، وهو كالعبد الذي ائتمنه سيده واستحفظه ماله وعياله، وهو الذي لا يحكم في عباد الله بحكم الجاهلية ولا يسلك بهم سبيل الظالمين، ولا يسلط المستكبرين على المستضعفين، فهو وصي اليتامى وخازن المساكين يربي صغيرهم ويمون كبيرهم».
هذا ما فهمه الصحابة والتابعون رضوان الله عليهم في الحفاظ على العلاقة بين الحاكم والمحكوم، ومارسوه عندما كانوا حكاماً ورعية، وفهموا أن الحفاظ على هذه العلاقة ليس أمراً مخيراً للقيام به أو تركه، بل فرض قد فرضه الله عليهم وجعل ذلك في علماء الأمة، لأنهم القادة الحقيقيون للأمة والثلة الواعية فيها. قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «صنفان من الناس إذا صلحا صلح الناس وإذا فسدا فسد الناس: العلماء والأمراء» وهذا ما أثبته الواقع العملي في كل عصر.
وقف أمير المؤمنين معاوية يوماً على منبره بعد أن قطع بعض الأعطيات عن أفراد المسلمين فقال: اسمعوا وأطيعوا، فقام إليه أبو مسلم الخولاني ليحاسبه على هذا التصرف الخاطئ قال: لا سمع ولا طاعة يا معاوية، قال: ولمَ يا أبا مسلم؟ فقال: يا معاوية كيف تمنع العطاء وأنه ليس من كدك ولا من كد أبيك ولا من كد أمك، فغضب معاوية ونزل عن المنبر وقال للحاضرين مكانكم وغاب ساعة عن أعينهم، ثم خرج عليهم وقد اغتسل فقال: إن أبا مسلم كلمني بكلام أغضبني، وإني سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: «الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من نار، وإنما تطفأ النار بالماء، فإذا غضب أحد فليغتسل» وإني دخلت فاغتسلت، وصدق أبو مسلم، إنه ليس من كدي ولا من كد أبي، فهلموا إلى عطائكم.
وهذا منذر بن سعيد العالم الجليل يحاسب الحاكم. فقد أقبل الخليفة عبد الرحمن الناصر لدين الله بن عمارة الزهراء أيما إقبال وأنفق من أموال الدولة الشيء الكثير، وهي في حالة قصور فأخرة وكان يشرف عليها بنفسه.... وكان منذر بن سعيد يتولى خطبة الجمعة والقضاء، فلما كان يوم الجمعة اعتلى المنبر والخليفة الناصر حاضراً والمسجد غاص بالمصلين، وابتدأ خطبته قارئاً قول الله تعالى في سورة الشعراء (أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ، وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ، وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ، وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ، أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ، وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ، إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء 128-135] ثم ذكر قوله تعالى: ( قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى) [النساء 77] ثم مضى في ذم الإسراف على البناء بكل كلام جزل شديد، ثم تلا قوله تعالى: (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة 109] ثم راح يحذر ويحاسب حتى أدرك من حضر من الناس وخشعوا، وقد علم الناصر أنه المقصود فبكى وندم على تفريطه.
وقصة العز بن عبد السلام الملقب ببائع الملوك عندما قام بمحاسبة الملك الصالح إسماعيل في حادثة الخيانة السياسية المشهورة، الذي تحالف فيها مع الصليبيين ليساعدوه على نجم الدين أيوب حاكم مصر، وسلم إليهم لقاء ذلك قلعة صفد وقلعة الشقيف وبلادهم وصيدا وطبريا، وما أشبه اليوم بالأمس.
هذا غيض من فيض مما روي عن سلفنا في علاقتهم مع حاكمهم، نعم إن صلاح الناس بصلاح العلماء، وفسادهم بفساد علمائهم وحكامهم، بخلاف حالنا اليوم التي تولاها حكام ظلمة، وأعانهم بها علماء فسقة، زينوا لهم أعمالهم القبيحة وأقوالهم الفاسدة. عينهم الكافر المستعمر في غفلة من الأمة وخيانة من بعض أبنائها، فاستجابوا لإغراءاته، وصدقوا وعوده (وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا) [النساء 120].
بعد أن كانت دولة الإسلام الدولة الأولى في العالم حين انتزعت الصدارة وزمام القيادة من دولتي الفرس والرومان، وصلت إلى درجة أنها إن أشارت إلى الشرق يطأطئ وإن أشارت إلى الغرب يومئ، وأصبحت زهرة الدنيا حضارة ومدنية ورقياً فاتجهت إليها الأنظار وصارت مهوى الأفئدة.
ولما تقاعس العلماء عن أداء مهمتهم، ورضيت الأمة بحكامها الظلمة، انتقلوا من مركز القيادة إلى مركز التبعية، ينفذون ما تريده الدولة الكافرة الحاقدة على الإسلام وأهله، فنتج ما نتج من انفصال بين الحكام والمحكومين.
ولعلاج هذه العلاقة بين الحاكم والمحكوم وجعلها علاقة كما أمر الله سبحانه وتعالى، جعل الشرع محاسبة الحكام فرضاً على المسلمين، وأمرهم بالمحاسبة وبقول الحق أينما كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، كما بايعوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في بيعة العقبة الثانية على قول الحق فقالوا: «وأن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم».
وأما محاسبة الحكام وأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر، فإنه بالرغم من أنها داخلة في آيات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقد جاءت نصوص صريحة بالأمر بمحاسبة الحكام، فعن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر».
فهذا نص في الحاكم ووجوب قول الحق عنده ومحاسبته، وقد حث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) على مكافحة الحكام الظلمة مهما حصل في سبيل ذلك من أذى، حتى لو أدى إلى القتل، قال (صلى الله عليه وآله وسلم): «سيد الشهداء حمزة ورجل قام إلى إمام جائر فنصحه فقتله» وهذا من أبلغ الصيغ في التعبير عن الحث على تحمل الأذى حتى الموت في سبيل تغيير الحكام وكفاح ظلمهم.
إن كفاح ظلم الحكام الذي نراه اليوم،ومحاسبة هؤلاء الحكام على أعمالهم كلها وعلى خيانتهم وعلى تآمرهم على الأمة وتنازلهم عن أرض الإسلام لأعداء الأمة، فرض فرضه الله علينا معاشر المسلمين، والقيام بهذا الفرض هو الذي يزيل الفواصل الموجودة بين الأمة والحكام، وهو الذي يجعل الأمة والحكام فئة واحدة وكتلة واحدة قوية، وهو الذي يضمن التغيير على الحكام ويضمن تغييرهم، وهو طريق النهضة، فالنهضة لا يمكن أن تأتي إلا عن طريق الحكم حين يقام على عقيدة الإسلام، ولا سبيل إلى ذلك إلا بإيجاد الحكم القائم على العقيدة الإسلامية، وإيجاد الحكام على هذا الأساس، ولا سبيل إلى ذلك إلا بكفاح الحكام الظلمة ومحاسبتهم وتغييرهم.
هذا هو السبيل الوحيد لتغيير واقعنا السيئ، وإرجاع العلاقة بين الحكام والمحكومين علاقة فئة واحدة.
وفي الختام أقول: إن الأمة الإسلامية، وهي الودود الولود، لم تعقم من إنجاب علماء عاملين، أو شخصيات إسلامية تجمع بين العلم الغزير والرجولة الحقة لإعادة الحكم بما إنزل الله وإقامة الدولة الإسلامية.
نسأل الله أن يكون ذلك قريباً إنه سميع مجيب.

الرابط/
http://www.al-waie.org/issues/255/ar...d=588_0_45_0_C
موضوع مغلق
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 11:09 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى