أيهــا البـطنــاء: أيـن ذهبت فطنتكم؟
04-09-2012, 05:25 PM
السلام عليكم
ســـؤال متخـم:أيهــا البـطنــاء: أيـن ذهبت الفطن
الأردن - محيـي الــديـن لبنيــة
جاء نهي الله تعالى عباده عن الإسراف في الطعام والشراب لما قد يسببه من أضرار على أجسامهم وعقولهم في قوله وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، وكذلك جاء هدي الرسول ص في الاحتماء من التخم، والأكل على قدر الحاجة في المسند وغيره في قوله: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه . وكثرت أقوال نصح الأطباء القدماء عن تجنب الإكثار من تناول الطعام والشراب لأضرارهما على صحة الجسم والعقل، وسئل الحارث بن كلدة طبيب العرب ما الدواء؟ قال: اللازم يعني الجوع، وقيل ما الداء؟ قال: إدخال طعام على طعام، وقال صاحب القانون، ابن سينا: احذر طعاما قبل هضم طعام واعلم أن الشبع بدعة، ومن أمثال العرب البطنة تذهب الفطنة وعهد الإنسان قديم بالبدانة وهي نقيض هزال الجسم، وقيل معنى يتسمنون: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهو من أسباب حدوثها، وشاع حدوث البدانة في المجتمعات البشرية نتيجة الإفراط في تناول أصناف الطعام والشراب وحصول جسم الشخص فيها على طاقة في صورة سعرات حرارية تفوق بشكل كبير احتياجاته الضرورية في ظروف قلة نشاطه العضلي المبذول في حياته اليومية.
امتلاء المعدة بالطعام .
عرف القدماء أضرار الإسراف في تناول الطعام والشراب، قال الطبيب اليوناني الشهير هيبوقراط الملقب أبو الطب: استدامة الصحة ألا تعب الماء وتترك الامتلاء من الطعام والشراب وقال في موضع آخر الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع ومن جوامع كلماته كل كثير فهو معاد للطبيعة، وقيل للطبيب جالينوس الذي كان من أشهر أطباء روما في زمانه: مالك لا تمرض؟ فقال: لأني لم أجمع بين طعامين رديئين، ولم أدخل طعاما على طعام ولم أحبس في المعدة طعاما تأذيت منه، كما قال لأصحابه حكمة مأثورة هي اجتنبوا ثلاثا وعليكم بأربع، ولا حاجة لكم إلى طبيب، اجتنبوا الغبار والدخان والنتن، وعليكم بالدسم والطيب والحلوى والحمام، ولا تأكلوا فوق شبعكم يؤدي تناول طعام على طعام إلى حد التخمة والامتلاء إلى توسع المعدة وزيادة حجمها فتضغط على الحجاب الحاجز الذي تقع وراءه الرئتان فيقل حجم ما يدخل إليها من الهواء مما يعني قلة غاز الأكسجين الذي يحمله الدم إلى خلايا الجسم بما فيها الدماغ، مما يسبب شعور الشخص ممتلئ البطن بالرغبة في النوم، وقلة قدرته على التركيز في تفكيره ومواجهة مشكلاته اليومية، ويعاني عادة الأشخاص الذين يعانون بدانة مفرطة من قلة التهوية hypoventilationلصغر حجم الهواء الذي يدخل رئاتهم وتزداد شدة هذه الحالة المرضية عند تناولهم وجبات طعام كبيرة الحجم، وينصح عادة مرضى القصور القلبي بتناول وجبات طعام صغيرة الحجم، وكثيرة العدد توفر احتياجاتهم الغذائية تفاديا لصغر حجم تجويف صدورهم وقلة حجم الهواء الذي يدخل رئاتهم .
إفراغ المعدة من الطعام .
يخزن الطعام بعد وصوله إلى معدة الإنسان ويهضم جزئيا فيها، كل من البروتين والدهن، ويمتص جزء من الماء وحموض عضوية مثل حمض السلسليك الأسبرين، ويصل الدم إلى المعدة للمساعدة على الهضم بأحجام تتناسب مع كمية الطعام الموجود فيها، وتتوقف سرعة إفراغ الطعام من المعدة في الاثنا عشر بالأمعاء على عوامل معينة مثل: طبيعة الطعام وتأثيرات العصب الحائر Vagus nerve على المعدة وآليات التغذية الاسترجاعية Feedback mechanisms وبما يخص تأثير طبيعة الطعام المأخوذ على إفراغه من المعدة، تخرج السوائل من المعدة بسرعة أكبر من المواد الصلبة، وتتناسب سرعة حدوث ذلك مع الاختلاف في مستوى الضغط النسبي بين المعدة والاثنا عشر وعكسيا مع شدة مقاومة فتحة البواب ضد خروج الطعام منها، ويعتقد أن يكون الضغط داخل الاثنا عشر ومقاومة فتحة البواب ثابتين، ويحدث الضغط في قعر المعدة الذي له تأثير رئيس على إفراغ السوائل منها، ويتناسب معدل حدوث ذلك مع مربع جذر حجم السوائل المتبقية في أي وقت داخل المعدة، وعندما يكون الشخص في وضعية الوقوف تطفو الدهون على قمة السائل داخل معدته، وتترك الدهون المعدة في وقت أطول من السوائل المائية بعد تحولها إلى حالتها السائلة، ولا تخرج المواد الصلبة من المعدة إلا بعد تكسيرها إلى جزيئات صغيرة، وبالتالي تتوقف سرعة إفراغ المعدة من الطعام على حجم جزيئاته وحدوث العمليات التي تسهل ذلك، وهذا يعني أن الأغذية الصلبة مثل الثريد والبطاطس المهروسة تخرج من المعدة أسرع من القطايف أو العجة، لأنها أكثر التصاقا بها، بينما يكون فطر عش الغراب Mushroom أكثر مقاومة للهضم في المعدة، ويحتاج إلى البقاء فيها عدة ساعات لتحلله قبل خروجه إلى الاثنا عشر.كما يؤثر العصب الحائر الذي يتصل بالمعدة بشكل متباين على سرعة إفراغها من المواد الصلبة بالمقارنة بالسوائل فيها، ويؤدي تنبيهه للمعدة إلى زيادة شدة تقلصها، مما يعجل افراغها لمحتواها من المواد الصلبة وينعكس من ناحية أخرى تأثير تنبيه العصب الحائر لقعر المعدة في إبطاء إفراغها السوائل إلى الاثنا عشر، ويؤدي قطع العصب الحائر بعملية جراحية إلى تقليل إفراز الحامض في معدة مريض قرحة الاثنا عشر وبطء إفراغ المواد الصلبة من معدته والإسراع من إفراغ السوائل منها.كما يؤثر التركيب الكيميائي للعصارة الهضمية في معدة الإنسان على عملية إفراغ الطعام منها عن طريق المستقبلات الموجودة في الجزء العلوي من المعي الدقيق، ويؤدي وجود سوائل عالية التركيز وحامض ودهن والحمض الأميني تربتوفان Tryptophan في الاثنا عشر إلى تنشيط آليات التغذية الاسترجاعية التي تنظم شدة وتكرار حدوث التقلصات في جيب المعدة وقاعها ومقاومة فتحة البواب بين المعدة والاثنا عشر لخروج الطعام عبرها، ويعتقد أن تشمل هذه الآليات انعكاسات عصبية وإفراز الهرمونات، وتخرج السوائل الحامضية من فتحة البواب للمعدة بشكل أسرع من المحاليل المتعادلة نتيجة وجود مستقبلات الـ PH الحساسة للحامض في الاثنا عشر بالأمعاء، وتفيد هذه الآلية في تأكيد انتقال الحامض من المعدة إلى الاثنا عشر بسرعة ثابتة، كما تؤثر المستقبلات الحساسة للتغيرات في الإسموزية بالاثنا عشر على عملية إفراغ الطعام من المعدة، وعموما كلما ازدادت إسموزية السائل داخل المعدة بطئ إفراغه منها، لكن يترك السائل الملحي المتعادل المعدة بسرعة أكبر من الماء، ويعزى تأخير إفراغ الطعام من المعدة بواسطة الدهون إلى احتوائه على حموض دهنية غير مشبعة تحتوي جزيئاتها على ذرة فحم، وهي أكثر فعالية من الحموض الدهنية الأخرى، كما يؤدي وجود الحامض الأميني تربتوفان إلى إبطاء إفراغ الطعام من المعدة عن طريق تفاعله مع مستقبلات متخصصة في الاثنا عشر، ويمتاز هذا الحمض الأميني لوحده بهذه الخاصية، وعموما هذا يعني سرعة خروج وجبات الطعام المحتوية على كربوهيدرات من المعدة أكثر من المحتوية على كميات كبيرة من البروتين، وهي تخرج بدورها بسرعة أكبر من الأغذية الغنية بالدهون، مما يعني شعور الشخص بالجوع بعد تناوله وجبة طعام غنية بالكربوهيدرات بسرعة أكبر من حصوله على وجبة طعام غنية بالبروتينات، وتأخر ظهور الشعور بالجوع أكثر عند تناوله وجبة طعام غنية بالدهون.
عسر الهضم .
يستعمل عامة الناس لفظ عسر الهضم أو سوئه للتعبير عن الشكوى من اضطرابات صحية في المعدة والأمعاء نتيجة تناولهم الطعام، وقد يستعمل عسر الهضم أحيانا للتعبير عن عدم قدرة جسم الإنسان على هضم الطعام أو بطئه، وهو شائع الحدوث بعد الإفراط في تناول الطعام خلال الحفلات والولائم ونتيجة حدوث بعض الأمراض، وتركز اهتمام القدماء على تأثير إدخال طعام على طعام على سلامة جسم الإنسان وعقله، وكثرت تحذيرات أطبائهم عن أضرار الإكثار من الطعام، ومنها ما قاله طبيب الخليفة العباسي المأمون لا تأكل طعاما وفي معدتك طعام، إياك أن تأكل طعاما تتعب أضراسك في مضغه فتعجز معدتك أن تهضمه وقال ابن قيم الجوزية في كتابه الطب النبوي إن الأكل الكثير يفسد فم المعدة ويضعف الجسم ويولد الرياح الغليظة والأدواء العسرة، وتسبب حالة عسر الهضم شعور الشخص بحرقان في أعلى المعدة يمتد إلى حلقه ويصاحبه أحيانا التجشؤ وخروج عصارة معدية إلى تجويف فمه أو شعوره بآلام في أعلى بطنه أو الغثيان، وقد يرافقها زيادة إنتاج الغازات داخل القولون نتيجة وصول أجزاء من الطعام غير كامل الهضم إليه فتخمره الأحياء الدقيقة الموجودة طبيعيا فيه، ويؤدي تجمع أحجام كبيرة من الغازات في البطن إلى الشعور بالانزعاج وهي تضغط على الحجاب الحاجز أسفل صدره فتقلل سعة الرئتين من الهواء مما يؤدي إلى وصول أحجام أقل من الأكسجين إلى المخ وباقي خلايا الجسم، ويفيد في الوقاية من حدوث هذه الحالة الحصول على وجبات طعام صغيرة الحجم وسهلة الهضم في مواعيدها النظامية، وتفادي حدوث حالة التخمة وتناول الطعام ببطء ومضغه جيدا داخل الفم.مستوى السكر في الدميؤثر ارتفاع مستوى سكر الدم وانخفاضه على عقل الإنسان وسلوكه، فيؤدي ارتفاع تركيز السكر في الدم لمرضى البول السكري إلى شعورهم بخمول وكسل وثقل في أجسامهم، ورغبتهم في النوم تؤثر على تفكيرهم وأذهانهم وممارستهم أنشطتهم اليومية، وعلى النقيض من ذلك تؤدي حالة انخفاض مستوى سكر الدم نتيجة استعمال المريض حبوبا خافضة للسكر، أو حقن هرمون الأنسولين دون حصوله على كميات كافية من الطعام، أو عند ممارسته مجهودا رياضيا عنيفا بعدهما إلى ظهور أعراض صحية أولية على شكل رعشة في جسمه، وأحيانا شكواه من صداع في رأسه ثم اضطراب في بصره وصعوبة في تركيزه الفكري، وتتصف الأعراض الصحية المتأخرة لحدوث الانخفاض الشديد لمستوى سكر الدم بشعور المريض بارتباك وتغير في سلوكه وحالة عدم الاكتراث في الأطفال، وقد تحدث نوبات صرعية في الأطفال، وقد تنتهي حالة الانخفاض الشديد في سكر الدم إلى فقد المريض قدرته على التفكير والغيبوبة.تأثير طبق من الفولمنذ قديم الزمان شاعت القصص الفكاهية عن تأثير أكل طبق من الفول المدمس على ذهن الإنسان وتفكيره، وورد ذلك في كتابات مشاهير الأطباء القدماء، كقول عالم الطبيعة والفيلسوف اليوناني الشهير ديسقوريدس: عسر الانهضام وتعرض منه أحلام رديئة، أي عند تناول طبق الفول قبل النوم، وقال يونيوس في الفلاحة الفارسية: الباقلاء أي الفول يوهن الفكر ويمنع رؤية الأحلام الصادقة لأنه يولد رياحا كثيرة، وقال قسطس في الفلاحة: من أكله أصابته هموم وأحزان وقال الطبيب المسلم الشهير أبوبكر الرازي في هذا الخصوص يسدر ويثقل الرأس ويولد تكسرا في البدن ويعزى تأثير تناول الشخص كمية كبيرة من الفول المدمس على ذهنه مثل حصوله على أي وجبة طعام أخرى غنية بالبروتين والدهن نتيجة بقائها فترة طويلة داخل المعدة لهضم مكوناتها، وبالتالي انصراف جزء كبير من الدم عن المخ إليها لتسهيل عملية هضمها، فيؤدي قلة حجم الدم الوارد إلى الدماغ إلى شعور الشخص بثقل في رأسه ورغبته في النوم، وقضى الطبيب الإغريقي الشهير هيبوقراط الملقب بأبي الطب بجودة غذائه وبحفظ الصحة به وهو مصدع ضار بجميع من يعتريهم الصداع وقال الملك المظفر يوسف الغساني التركماني عن أكل الفول في كتابه المعتمد في الأدوية المفردة يبلد الحواس وينفخ ويري أحلاما رديئة فأصلح استعماله بالملح والصعتر والكمون والدارصيني القرفة والفلفل.
البطنة وشهوات النفس.
كما تؤثر البطنة على نفسية الإنسان وسلوكه مع الآخرين، وكثرت أقوال القدماء بهذا الخصوص، ومنها قول لقمان الحكيم عليه السلام يابني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة، وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إياكم والبطنة فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف، وإن الله ليبغض الحبر السمين رواه أبو نعيم. والحبر: العالم الجليل الصالح، وكان يطلق على رؤساء الكهنة من اليهود، وقال صاحب القانون ابن سينا في هذا الخصوص أيضا: من اكتفى بدون الشبع حسن اغتذاء بدنه وصلح حال نفسه وقلبه ومن تملأ من الطعام ساء غذاء بدنه وأشرت نفسه وقسا قلبه، فإياكم وفضول الطعام فإنه يوسم القلب بالقسوة ويبطئ الجوارح عن الطاعة ويصم الأذن عن سماع الموعظة.
التخمة والنوم .
يشتكي الأشخاص الذين ينامون مباشرة بعد تناولهم وجبة طعام كبيرة من رؤية الأحلام المزعجة، وعرف ذلك القدماء وذكر علماؤهم ذلك في مؤلفاتهم ومنها ما قاله كتاب الطب من الكتاب والسنة لموفق الدين البغدادي في هذا الخصوص: من ملأ بطنه كثر شربه وثقل منامه، ومن ثقل منامه محقت بركة عمره وذاع المثل الشعبي القائل تعشى وتمشى بهدف ترك فرصة من الوقت لهضم طعام العشاء قبل النوم.
نشر في مجلة (المعرفة) بتاريخ (ذوالحجة هـ -أبريل م)
ســـؤال متخـم:أيهــا البـطنــاء: أيـن ذهبت الفطن
الأردن - محيـي الــديـن لبنيــة
جاء نهي الله تعالى عباده عن الإسراف في الطعام والشراب لما قد يسببه من أضرار على أجسامهم وعقولهم في قوله وكلوا واشربوا ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين، وكذلك جاء هدي الرسول ص في الاحتماء من التخم، والأكل على قدر الحاجة في المسند وغيره في قوله: ما ملأ ابن آدم وعاء شرا من بطنه بحسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه فإن كان لابد فاعلا فثلث لطعامه وثلث لشرابه وثلث لنفسه . وكثرت أقوال نصح الأطباء القدماء عن تجنب الإكثار من تناول الطعام والشراب لأضرارهما على صحة الجسم والعقل، وسئل الحارث بن كلدة طبيب العرب ما الدواء؟ قال: اللازم يعني الجوع، وقيل ما الداء؟ قال: إدخال طعام على طعام، وقال صاحب القانون، ابن سينا: احذر طعاما قبل هضم طعام واعلم أن الشبع بدعة، ومن أمثال العرب البطنة تذهب الفطنة وعهد الإنسان قديم بالبدانة وهي نقيض هزال الجسم، وقيل معنى يتسمنون: يحبون التوسع في المآكل والمشارب وهو من أسباب حدوثها، وشاع حدوث البدانة في المجتمعات البشرية نتيجة الإفراط في تناول أصناف الطعام والشراب وحصول جسم الشخص فيها على طاقة في صورة سعرات حرارية تفوق بشكل كبير احتياجاته الضرورية في ظروف قلة نشاطه العضلي المبذول في حياته اليومية.
امتلاء المعدة بالطعام .
عرف القدماء أضرار الإسراف في تناول الطعام والشراب، قال الطبيب اليوناني الشهير هيبوقراط الملقب أبو الطب: استدامة الصحة ألا تعب الماء وتترك الامتلاء من الطعام والشراب وقال في موضع آخر الإقلال من الضار خير من الإكثار من النافع ومن جوامع كلماته كل كثير فهو معاد للطبيعة، وقيل للطبيب جالينوس الذي كان من أشهر أطباء روما في زمانه: مالك لا تمرض؟ فقال: لأني لم أجمع بين طعامين رديئين، ولم أدخل طعاما على طعام ولم أحبس في المعدة طعاما تأذيت منه، كما قال لأصحابه حكمة مأثورة هي اجتنبوا ثلاثا وعليكم بأربع، ولا حاجة لكم إلى طبيب، اجتنبوا الغبار والدخان والنتن، وعليكم بالدسم والطيب والحلوى والحمام، ولا تأكلوا فوق شبعكم يؤدي تناول طعام على طعام إلى حد التخمة والامتلاء إلى توسع المعدة وزيادة حجمها فتضغط على الحجاب الحاجز الذي تقع وراءه الرئتان فيقل حجم ما يدخل إليها من الهواء مما يعني قلة غاز الأكسجين الذي يحمله الدم إلى خلايا الجسم بما فيها الدماغ، مما يسبب شعور الشخص ممتلئ البطن بالرغبة في النوم، وقلة قدرته على التركيز في تفكيره ومواجهة مشكلاته اليومية، ويعاني عادة الأشخاص الذين يعانون بدانة مفرطة من قلة التهوية hypoventilationلصغر حجم الهواء الذي يدخل رئاتهم وتزداد شدة هذه الحالة المرضية عند تناولهم وجبات طعام كبيرة الحجم، وينصح عادة مرضى القصور القلبي بتناول وجبات طعام صغيرة الحجم، وكثيرة العدد توفر احتياجاتهم الغذائية تفاديا لصغر حجم تجويف صدورهم وقلة حجم الهواء الذي يدخل رئاتهم .
إفراغ المعدة من الطعام .
يخزن الطعام بعد وصوله إلى معدة الإنسان ويهضم جزئيا فيها، كل من البروتين والدهن، ويمتص جزء من الماء وحموض عضوية مثل حمض السلسليك الأسبرين، ويصل الدم إلى المعدة للمساعدة على الهضم بأحجام تتناسب مع كمية الطعام الموجود فيها، وتتوقف سرعة إفراغ الطعام من المعدة في الاثنا عشر بالأمعاء على عوامل معينة مثل: طبيعة الطعام وتأثيرات العصب الحائر Vagus nerve على المعدة وآليات التغذية الاسترجاعية Feedback mechanisms وبما يخص تأثير طبيعة الطعام المأخوذ على إفراغه من المعدة، تخرج السوائل من المعدة بسرعة أكبر من المواد الصلبة، وتتناسب سرعة حدوث ذلك مع الاختلاف في مستوى الضغط النسبي بين المعدة والاثنا عشر وعكسيا مع شدة مقاومة فتحة البواب ضد خروج الطعام منها، ويعتقد أن يكون الضغط داخل الاثنا عشر ومقاومة فتحة البواب ثابتين، ويحدث الضغط في قعر المعدة الذي له تأثير رئيس على إفراغ السوائل منها، ويتناسب معدل حدوث ذلك مع مربع جذر حجم السوائل المتبقية في أي وقت داخل المعدة، وعندما يكون الشخص في وضعية الوقوف تطفو الدهون على قمة السائل داخل معدته، وتترك الدهون المعدة في وقت أطول من السوائل المائية بعد تحولها إلى حالتها السائلة، ولا تخرج المواد الصلبة من المعدة إلا بعد تكسيرها إلى جزيئات صغيرة، وبالتالي تتوقف سرعة إفراغ المعدة من الطعام على حجم جزيئاته وحدوث العمليات التي تسهل ذلك، وهذا يعني أن الأغذية الصلبة مثل الثريد والبطاطس المهروسة تخرج من المعدة أسرع من القطايف أو العجة، لأنها أكثر التصاقا بها، بينما يكون فطر عش الغراب Mushroom أكثر مقاومة للهضم في المعدة، ويحتاج إلى البقاء فيها عدة ساعات لتحلله قبل خروجه إلى الاثنا عشر.كما يؤثر العصب الحائر الذي يتصل بالمعدة بشكل متباين على سرعة إفراغها من المواد الصلبة بالمقارنة بالسوائل فيها، ويؤدي تنبيهه للمعدة إلى زيادة شدة تقلصها، مما يعجل افراغها لمحتواها من المواد الصلبة وينعكس من ناحية أخرى تأثير تنبيه العصب الحائر لقعر المعدة في إبطاء إفراغها السوائل إلى الاثنا عشر، ويؤدي قطع العصب الحائر بعملية جراحية إلى تقليل إفراز الحامض في معدة مريض قرحة الاثنا عشر وبطء إفراغ المواد الصلبة من معدته والإسراع من إفراغ السوائل منها.كما يؤثر التركيب الكيميائي للعصارة الهضمية في معدة الإنسان على عملية إفراغ الطعام منها عن طريق المستقبلات الموجودة في الجزء العلوي من المعي الدقيق، ويؤدي وجود سوائل عالية التركيز وحامض ودهن والحمض الأميني تربتوفان Tryptophan في الاثنا عشر إلى تنشيط آليات التغذية الاسترجاعية التي تنظم شدة وتكرار حدوث التقلصات في جيب المعدة وقاعها ومقاومة فتحة البواب بين المعدة والاثنا عشر لخروج الطعام عبرها، ويعتقد أن تشمل هذه الآليات انعكاسات عصبية وإفراز الهرمونات، وتخرج السوائل الحامضية من فتحة البواب للمعدة بشكل أسرع من المحاليل المتعادلة نتيجة وجود مستقبلات الـ PH الحساسة للحامض في الاثنا عشر بالأمعاء، وتفيد هذه الآلية في تأكيد انتقال الحامض من المعدة إلى الاثنا عشر بسرعة ثابتة، كما تؤثر المستقبلات الحساسة للتغيرات في الإسموزية بالاثنا عشر على عملية إفراغ الطعام من المعدة، وعموما كلما ازدادت إسموزية السائل داخل المعدة بطئ إفراغه منها، لكن يترك السائل الملحي المتعادل المعدة بسرعة أكبر من الماء، ويعزى تأخير إفراغ الطعام من المعدة بواسطة الدهون إلى احتوائه على حموض دهنية غير مشبعة تحتوي جزيئاتها على ذرة فحم، وهي أكثر فعالية من الحموض الدهنية الأخرى، كما يؤدي وجود الحامض الأميني تربتوفان إلى إبطاء إفراغ الطعام من المعدة عن طريق تفاعله مع مستقبلات متخصصة في الاثنا عشر، ويمتاز هذا الحمض الأميني لوحده بهذه الخاصية، وعموما هذا يعني سرعة خروج وجبات الطعام المحتوية على كربوهيدرات من المعدة أكثر من المحتوية على كميات كبيرة من البروتين، وهي تخرج بدورها بسرعة أكبر من الأغذية الغنية بالدهون، مما يعني شعور الشخص بالجوع بعد تناوله وجبة طعام غنية بالكربوهيدرات بسرعة أكبر من حصوله على وجبة طعام غنية بالبروتينات، وتأخر ظهور الشعور بالجوع أكثر عند تناوله وجبة طعام غنية بالدهون.
عسر الهضم .
يستعمل عامة الناس لفظ عسر الهضم أو سوئه للتعبير عن الشكوى من اضطرابات صحية في المعدة والأمعاء نتيجة تناولهم الطعام، وقد يستعمل عسر الهضم أحيانا للتعبير عن عدم قدرة جسم الإنسان على هضم الطعام أو بطئه، وهو شائع الحدوث بعد الإفراط في تناول الطعام خلال الحفلات والولائم ونتيجة حدوث بعض الأمراض، وتركز اهتمام القدماء على تأثير إدخال طعام على طعام على سلامة جسم الإنسان وعقله، وكثرت تحذيرات أطبائهم عن أضرار الإكثار من الطعام، ومنها ما قاله طبيب الخليفة العباسي المأمون لا تأكل طعاما وفي معدتك طعام، إياك أن تأكل طعاما تتعب أضراسك في مضغه فتعجز معدتك أن تهضمه وقال ابن قيم الجوزية في كتابه الطب النبوي إن الأكل الكثير يفسد فم المعدة ويضعف الجسم ويولد الرياح الغليظة والأدواء العسرة، وتسبب حالة عسر الهضم شعور الشخص بحرقان في أعلى المعدة يمتد إلى حلقه ويصاحبه أحيانا التجشؤ وخروج عصارة معدية إلى تجويف فمه أو شعوره بآلام في أعلى بطنه أو الغثيان، وقد يرافقها زيادة إنتاج الغازات داخل القولون نتيجة وصول أجزاء من الطعام غير كامل الهضم إليه فتخمره الأحياء الدقيقة الموجودة طبيعيا فيه، ويؤدي تجمع أحجام كبيرة من الغازات في البطن إلى الشعور بالانزعاج وهي تضغط على الحجاب الحاجز أسفل صدره فتقلل سعة الرئتين من الهواء مما يؤدي إلى وصول أحجام أقل من الأكسجين إلى المخ وباقي خلايا الجسم، ويفيد في الوقاية من حدوث هذه الحالة الحصول على وجبات طعام صغيرة الحجم وسهلة الهضم في مواعيدها النظامية، وتفادي حدوث حالة التخمة وتناول الطعام ببطء ومضغه جيدا داخل الفم.مستوى السكر في الدميؤثر ارتفاع مستوى سكر الدم وانخفاضه على عقل الإنسان وسلوكه، فيؤدي ارتفاع تركيز السكر في الدم لمرضى البول السكري إلى شعورهم بخمول وكسل وثقل في أجسامهم، ورغبتهم في النوم تؤثر على تفكيرهم وأذهانهم وممارستهم أنشطتهم اليومية، وعلى النقيض من ذلك تؤدي حالة انخفاض مستوى سكر الدم نتيجة استعمال المريض حبوبا خافضة للسكر، أو حقن هرمون الأنسولين دون حصوله على كميات كافية من الطعام، أو عند ممارسته مجهودا رياضيا عنيفا بعدهما إلى ظهور أعراض صحية أولية على شكل رعشة في جسمه، وأحيانا شكواه من صداع في رأسه ثم اضطراب في بصره وصعوبة في تركيزه الفكري، وتتصف الأعراض الصحية المتأخرة لحدوث الانخفاض الشديد لمستوى سكر الدم بشعور المريض بارتباك وتغير في سلوكه وحالة عدم الاكتراث في الأطفال، وقد تحدث نوبات صرعية في الأطفال، وقد تنتهي حالة الانخفاض الشديد في سكر الدم إلى فقد المريض قدرته على التفكير والغيبوبة.تأثير طبق من الفولمنذ قديم الزمان شاعت القصص الفكاهية عن تأثير أكل طبق من الفول المدمس على ذهن الإنسان وتفكيره، وورد ذلك في كتابات مشاهير الأطباء القدماء، كقول عالم الطبيعة والفيلسوف اليوناني الشهير ديسقوريدس: عسر الانهضام وتعرض منه أحلام رديئة، أي عند تناول طبق الفول قبل النوم، وقال يونيوس في الفلاحة الفارسية: الباقلاء أي الفول يوهن الفكر ويمنع رؤية الأحلام الصادقة لأنه يولد رياحا كثيرة، وقال قسطس في الفلاحة: من أكله أصابته هموم وأحزان وقال الطبيب المسلم الشهير أبوبكر الرازي في هذا الخصوص يسدر ويثقل الرأس ويولد تكسرا في البدن ويعزى تأثير تناول الشخص كمية كبيرة من الفول المدمس على ذهنه مثل حصوله على أي وجبة طعام أخرى غنية بالبروتين والدهن نتيجة بقائها فترة طويلة داخل المعدة لهضم مكوناتها، وبالتالي انصراف جزء كبير من الدم عن المخ إليها لتسهيل عملية هضمها، فيؤدي قلة حجم الدم الوارد إلى الدماغ إلى شعور الشخص بثقل في رأسه ورغبته في النوم، وقضى الطبيب الإغريقي الشهير هيبوقراط الملقب بأبي الطب بجودة غذائه وبحفظ الصحة به وهو مصدع ضار بجميع من يعتريهم الصداع وقال الملك المظفر يوسف الغساني التركماني عن أكل الفول في كتابه المعتمد في الأدوية المفردة يبلد الحواس وينفخ ويري أحلاما رديئة فأصلح استعماله بالملح والصعتر والكمون والدارصيني القرفة والفلفل.
البطنة وشهوات النفس.
كما تؤثر البطنة على نفسية الإنسان وسلوكه مع الآخرين، وكثرت أقوال القدماء بهذا الخصوص، ومنها قول لقمان الحكيم عليه السلام يابني إذا امتلأت المعدة نامت الفكرة وخرست الحكمة وقعدت الأعضاء عن العبادة، وقال عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) إياكم والبطنة فإنها مفسدة للجسم، مورثة للسقم، مكسلة عن الصلاة، وعليكم بالقصد فإنه أصلح للجسد وأبعد عن السرف، وإن الله ليبغض الحبر السمين رواه أبو نعيم. والحبر: العالم الجليل الصالح، وكان يطلق على رؤساء الكهنة من اليهود، وقال صاحب القانون ابن سينا في هذا الخصوص أيضا: من اكتفى بدون الشبع حسن اغتذاء بدنه وصلح حال نفسه وقلبه ومن تملأ من الطعام ساء غذاء بدنه وأشرت نفسه وقسا قلبه، فإياكم وفضول الطعام فإنه يوسم القلب بالقسوة ويبطئ الجوارح عن الطاعة ويصم الأذن عن سماع الموعظة.
التخمة والنوم .
يشتكي الأشخاص الذين ينامون مباشرة بعد تناولهم وجبة طعام كبيرة من رؤية الأحلام المزعجة، وعرف ذلك القدماء وذكر علماؤهم ذلك في مؤلفاتهم ومنها ما قاله كتاب الطب من الكتاب والسنة لموفق الدين البغدادي في هذا الخصوص: من ملأ بطنه كثر شربه وثقل منامه، ومن ثقل منامه محقت بركة عمره وذاع المثل الشعبي القائل تعشى وتمشى بهدف ترك فرصة من الوقت لهضم طعام العشاء قبل النوم.
نشر في مجلة (المعرفة) بتاريخ (ذوالحجة هـ -أبريل م)
وكأنّ هذا البحث ... يقول لنا أن الموعظة ليست شعرا .
هَلْ أتى عَلى الإنْسان حينً من الدَّهر لمْ يَكنْ شيئًا مذكورًا
سورة الإنسان الآية 1
من مواضيعي
0 ماهو أدق وأبلغ تعبير حين تأمر بهذا الفعل ؟
0 علماء السعودية ينقلبون على الإنقلابيين
0 هل أنت ... ممن هم على ما كان عليه صلى الله عليه وسلّم في هذه ؟
0 مشروعية الاحزاب في الاسلام
0 لن أخرج معك ... يا طالوت !!!
0 السياسة بدعة !!! وكأنها داء عضال او طاعون قتّال.
0 علماء السعودية ينقلبون على الإنقلابيين
0 هل أنت ... ممن هم على ما كان عليه صلى الله عليه وسلّم في هذه ؟
0 مشروعية الاحزاب في الاسلام
0 لن أخرج معك ... يا طالوت !!!
0 السياسة بدعة !!! وكأنها داء عضال او طاعون قتّال.
التعديل الأخير تم بواسطة محمد البليدة ; 05-09-2012 الساعة 07:37 AM
