منع تداول عدد من المنشورات والمطويات الدينية في المساجد
30-03-2007, 11:00 AM
جاء قرار السلطات الجزائرية أخيرا بمنع تداول عدد من المنشورات والمطويات الدينية في المساجد عقب العثور على كتيب يبيح حرق بيوت الله، ليفتح النقاش مجدداً حول ظاهرة الانتشار الهائل للكتاب الديني الذي يشهد إقبالاً منقطع النظير بين الشباب. والأمر مشابه بالنسبة للشريط الديني، الذي يلقى رواجاً بينما تعرف أشرطة الراي - تراجعاً ملحوظاً.


تصدرت عناوين الصحف الجزائرية في الأيام الأخيرة، أعمال التخريب التي مست بعض المساجد الجزائرية، وكان آخرها المسجد المركزي في منطقة البليدة على بعد كيلومترات من العاصمة. استيقظ الجزائريون على خبر وصفوه بالفاجعة والسابقة الخطيرة عقب إقدام أحدهم على حرق مسجد وتلف عدد من المصاحف. ولم تمر أيام، حتى انتشر مجدداً خبر العثور على كتيب ديني في أحد المساجد يبيح حرقها.

وكانت الحادثة فرصة لبعض الأطراف المحسوبة على التيار العلماني في الجزائر، لإعلان الطوارئ، والتحذير من أن الكتيب المنشور هو بمثابة مؤشر خطير لعودة المتشددين إلى السيطرة على المساجد. وردت الوزارة بأن ما حدث هو فعل فردي معزول، وليست اعتداءات منظمة، وأن أسلوب الحرق هو انتقام من إقامة الحلقات، لأن هؤلاء المعتدين - في نظر الوزير - يحاولون الانتقام من إقامة الحلقات في المساجد، وأفعالهم مستمدة من مضامين كتب مستوردة من الخارج تهدف إلى نشر البدع داخل الجزائر.


ومهما كانت خلفيات تلك الأحداث، فإنها أعادت فتح النقاش حول انتشار الكتاب الديني الذي أصبح يشكل أعلى المبيعات في كل المعارض الوطنية والدولية التي دأبت الجزائر على تنظيمها في السنوات الأخيرة. وبات الشباب من مختلف التوجهات الفكرية يقبلون بكثافة على الكتب الدينية المستوردة من مصر والأردن وسورية، ولبنان خصوصاً، إلى جانب الأشرطة السمعية التي تستورد من دول الخليج وتتضمن دروساً في الوعظ والإرشاد وتلاوة القرآن الكريم.

وعرفت الدورة التاسعة للمعرض الدولي للكتاب الذي نظم أخيراً في الجزائر، إقبالاً كثيفاً على أجنحة دور النشر الجزائرية والعربية التي جاءت محملة بأطنان من الكتب الدينية. تهافت عليها الشباب طيلة أيام المعرض، بينما بقيت بعض الأجنحة شبه فارغة.


والغريب في الأمر، أن الشباب الجزائري الذي اعتاد أن يشكو من غلاء الكتب المعروضة، لا يطرح هذا الإشكال كلما تعلق الأمر بالكتاب الديني. ويبرر كمال الدين (24 عاماً)، طالب في معهد الشريعة في الخروبة تلك المفارقة قائلاً: «سعر الكتب الدينية لا يزال مرتفعاً إلا أنني أشتريه، لأن الأمر يتعلق بواجب ديني، فأنا مسلم وعلي أن أسعى للتفقه في الدين مهما كلفني الأمر».

لكن عمر (26 عاماً) لديه رأي آخر: «لا تنس أيضاً أن الكثير من هواة اقتناء الكتب الدينية يفعلون ذلك من باب التقليد فقط، فهم يحبذون تزيين مكتباتهم المنزلية بها، حتى دونما أن يقرؤوها، وآخرون يفعلون ذلك لأنهم يخشون أن يعيب عليهم غيرهم خلو منازلهم منها».

ويرى عبد الوهاب (27 عاما)، الذي يعمل في دار الأصالة للكتاب «إن إقبال الشباب على الكتاب الديني بدأ من بداية التسعينات مع بروز ما يسمى بالصحوة الإسلامية وتأسيس عدد من الأحزاب الإسلامية».

وبحسب عبد الوهاب الذي يعمل بائعاً في أحد محلات «دار الأصالة» في حي باب الواد الشعبي الذي يكتظ بالشباب، ويعد أهم معاقل حزب «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» المحظور، فإن المبيعات من الكتب الدينية تبلغ أرقاماً قياسية خلال شهر رمضان، وخلال الكوارث الطبيعية والسياسية، إذ تثير تلك الأزمات لدى الجزائريين، وبخاصة الشباب منهم، شعوراً بضرورة التقرب إلى الله وتذكرهم بالموت فيتهافتون على اقتناء الكتب والأشرطة الدينية.

وإذا كان معظم أصحاب المكتبات يرفضون الكشف عن حجم مبيعاتهم وأرباحهم من الكتب الدينية، خشية أن تتعقبهم مصالح الضرائب، فإنهم يعترفون بأنهم يحققون خلال رمضان ومواسم الأزمات ما لا يحققونه خلال أشهر من العمل! ويقول مسؤول في «دار الأصالة»: «كتب ابن القيم الجوزي تحقق أعلى المبيعات لكونها تمس بالعقيدة وتتضمن دروساً تخيف صاحبها من النار وعذاب القبر، إلى جانب تفسير ابن كثير للقرآن الكريم، ويقبل الشباب من الذكور على الكتب بشكل أكبر، بينما تميل الفتيات إلى الأشرطة الدينية. ولا يقتصر الإقبال على المحجبات فقط، بل حتى السافرات يقبلن على الأشرطة الدينية لعمرو خالد خصوصاً بعد أن ذاع صيته في إقناع الكثير من الفنانات بارتداء الحجاب».


غير المحجبات يقبلن على الأشرطة الإسلامية أيضاً

وتفسر إيمان (16 عاماً)، طالبة محجبة في معهد التخطيط والإحصاء، ميل الفتيات إلى الأشرطة بدل الكتب بقولها: «أحبذ الأشرطة لأنني أجد سهولة أكبر في متابعة الدرس الديني عن طريق السمع الذي يؤثر في الإنسان، إلى جانب أشرطة الفيديو، كما أن الأشرطة تقدم خلاصة البحث في مجموعة من الكتب».

ولا يختلف الأمر بالنسبة إلى الشريط الديني الذي يعرف رواجاً كبيراً في السوق الجزائرية، وأصبح يباع فوق الأرصفة وفي المساجد وعلى هامش المعارض والندوات الفكرية والملتقيات.

ويقول عزيز، المسؤول في «شركة القدس لتسجيل الأشرطة الدينية»، إن «الشريط الديني لا يضاهي شريط الغناء من حيث المبيعات، لكنه يزاحمه على رغم اختلاف الإمكانات التي تتوافر لشركات توزيع أشرطة الغناء»، مضيفاً: «هناك ملاحظة مهمة، فالشباب الذين يقتنون الشريط الغنائي تعثر في منازلهم على أشرطة للقرآن الكريم أو دروس الوعظ، لأن الجزائري بطبعه لا يقبل أن يخلو منزله من مصحف أو كتاب ديني، ومعظم الشباب الذين يسمعون أغنية الراي مثلاً، يقبلون على شراء الشريط الديني في شهر الصيام، بينما لا تجد عند الشباب المتدينين من يقتني منهم الكاسيت الغنائي لأنه يعتبر الغناء حراماً».

من جهته يقول عمار، أحد مسؤولي محلات بيع كاسيت الغناء، «إن أشرطة الراي لا تزال تحقق أرباحاً وإن تراجعت، وهذا لا يعود لاكتساح الشريط الديني للسوق، بل ناجم عن انتشار ثقافة الهاتف النقال لدى الشباب، بخاصة الفتيات اللائي يعتبرن الزبون الأول لنا، لكنهن أصبحن اليوم يفضلن ادخار المال لشراء بطاقة تعبئة للهاتف بدلاً من شريط غنائي، مما أثر على مبيعات الكاسيت، إلى جانب قرصنة الأشرطة الغنائية».

وفي نظر عزيز، الذي تعتبر شركته أكبر وأشهر شركات تسجيل الأشرطة الدينية في الجزائر، فإن تلك الشركات تشتري النسخة الأصلية من الشريط الديني من دول الخليج، ثم تعيد إنتاجه بعد الحصول على رخصة من وزارة الشؤون الدينية التي تراقب السوق. لكن عزيز يرفض تقديم أرقام عن حجم مداخيل الشريط الديني خوفاً من «قمع» مصالح الضرائب، ويكتفى بالقول: «نحن نحقق في موسم رمضان والكوارث الطبيعية ما لا نحققه خلال الأيام العادية».

ولدى نسيم لكحل (26 عاماً)، صحافي وطالب ماجستير في معهد علوم الإعلام والاتصال رأي مخالف لتفسير ظاهرة رواج الكتـــب والأشـــرطة الدينـــية: «هناك العديد من التجار الجزائريين الذين يحصلون على بعض الكتب الدينية والمطويات والنشريات والأشرطة مجاناً من الجمعيات الخيرية المنتشرة في دول الخليج ثم يعيدون بيعها في الجزائر».

ويرى سمير (30 عاماً) طالب في معهد الترجمة أن «إقبال الشباب الجزائري على الكتب والأشرطة الدينية، وإن كان منتشراً في الأحياء الشعبية والمدن الداخلية، فإننا نكاد لا نعثر على محل واحد لهذه الكتب والأشرطة في بعض الأحياء الراقية التي يقطنها شباب منغمسون في أغاني الراي والروك ومتابعة مسلسلات القنوات الفرنسية، وهم أيضاً يشكلون صنفاً آخر من الشباب الجزائري، ومعظمهم من الأثرياء وأبناء المسؤولين