غرائز الإنسان وحاجاته العضوية ( 1 )
06-04-2007, 12:40 PM
السلام عليكم ورحمته تعالى وبركاته :

من أجل إيجاد وعي صحيح لدى كل مسلم يغار على هذه الأمة ويحمل همها، ها نحن نعود هذه المرة لنتناول موضوعا جديدا يتعلق بغرائز الانسان وحاجاته العضوية، لمحاولة الوقوف على حقيقة هذا الكائن و فهم الكيفية التي يجب أن تشبع بها هذه الرغبات في ضوء الشريعة الاسلامية السمحاء.
حين نتأمل في خلق الانسان فإننا نجد فيه جوعات فطرية كثيرة ومتشابكة تتطلب الإشباع،ومن هذه على سبيل المثال الميل الجنسي، وحب الظهور و الشعور بالخوف والجوع والعطش والشجاعة والحب والحنان والبخل والاحترام والتقديس ...وغير ذلك من الانفعالات والرغبات والجوعات. ونجد أن سلوكات الانسان وهو يمارس حياته تنحو كلها نحو إشباع هذه الرغبات والجوعات. إذن السؤال المطروح هنا هو : ما هي هذه الغرائز وماهي هذه الحاجات العضوية ؟وما هي الكيفية الصحيحة لإشباعها ؟
عند المشاهدة الحسية لأفعال الانسان والتدبر فيها نجد أن لهذا الكائن العاقل طاقات حيوية كامنة فيه تتجلى في مظهرين اثنين :
الأول يتطلب الإشباع الحتمي بحيث إذا لم يشبع هذا المظهر يموت الانسان، وهذا يتمثل في الحاجات العضوية كالجوع والعطش وقضاء الحاجة والحاجة إلى النوم والتنفس...ووو
والثاني يتطلب أيضا الإشباع، ولكن بشكل غير حتمي أي أن عدم إشباع هذا النوع من الجوعات والذي ألا وهو الغرائز لا يؤدي إلى موت الانسان وفنائه بل يصاب بنوع من الانزعاج والقلق أو الكآبة وهذه الغرائز يمكن حصرها في ثلاث أنواع : غريزة البقاء وغريزة النوع وغريزة التدين.
فإذا استثنينا ما يتعلق بالحاجات العضوية فإن كل جوعات الانسان إنما هي مظاهر لغريزة من هذه الغرائز الثلاثة : فحب الظهور مثلا، وحب التملك والتجمع والحس القومي والوطني والرغبة في الاستعمار والسيطرة...كل هذه مظاهرلغريزة واحدة هي غريزة البقاء، فهي كلها مظاهر لحرص الانسان على ذاته. وكذلك ميل الرجل لزوجته بشهوة، وميله لأمه بحنان وميله لإنقاذ الغريق وإغاثة الملهوف ومحبة الأطفال... كل هذه المظاهر هي لغريزة النوع، لأنها كلها متعلقة بالميل إلى ما يحفظ النوع الانساني وبالنفور مما يهدده، ولا علاقة لها ببقاء ذات الانسان، فعاطفة الأمومة قد تجعل الأم تضحي ببقائها من أجل أولادها، وليس ذلك لأنهم امتدادا لشخصيتها أي امتدادا لبقائها، لأنها قد تضحي بنفسها من أجل ابنها الرضيع الذي لم يكتسب شيئا من شخصيتها فتكون عاطفة الأمومة مظهرا لغريزة أخرى غير غريزة البقاء، وهي غريزة النوع،وهي غريزة مستقلة عن غريزة البقاء ولكل منهما مظاهر متميزة عن مظاهر الغريزةالأخرى. وهناك مظاهر أخرى لا علاقة لها بغريزة النوع ولا بغريزة البقاء، وذلك كالاحترام مثلا، فعندما تشعر أنك تحترم شخصا ما فإن هذا الاحترام ليس لأنك تخافه، لأن الخوف مظهره الملق أو الهروب أو الدفاع وهذا يناقض الاحترام، فالشعور بالاحترام لا علاقة له بالحرص على ذات الانسان ولا باستمرار النوع الانساني، وإنما هو مظهر لغريزة ثالثة هي غريزة التدين. والتدين غريزة طبيعية ثابتة إذ هو الشعور بالعجز الطبيعي في الانسان وبحاجته الى الخالق المدبر بغض النظر عن تفسير هذا الخالق المدبر.
وهذا الشعور يكون فطريا في الانسان من حيث هو إنسان ـ مؤمنا كان أم ملحدا ـ والمظهر الذي يظهر به هذا التدين هو التقديس، وهذا الأخير قد يظهر بمظهره الحقيقي فيكون عبادة وقد يظهر بأقل صوره فيكون التعظيم والتبجيل. ولذلك نجد الانسان متدينا، ومنذ أن أوجده الله على الأرض نجده يعبد معبودا ما، فقد عبد الله وعبد الشمس والنار والأصنام، ولا نجد شعبا في الدنيا أو في أي عصر من العصور إلا وقد عبد شيئا ما، حتى الشعوب التي قام فيها السلطان بالقوة يجبرها على ترك التدين ونبذ الدين كانت متدينة رغم التخويف والترهيب وتحملت كل الأذى في سبيل عبادتها ولن تستطيع قوة على الأرض أن تنزع من الانسان التدين، لأن الغريزة لا يمكن محوها وإنما يمكن معالجة مظهر من مظاهرها بمظهر آخر. وعلى ذلك فما يظهر على بعض الملحدين من عدم العبادة أو من الاستهزاء بالعبادة، إنما هو صرف لغريزة التدين عندهم عن عبادة الله الى احترام وتعظيم المخلوقات، وجعل مظهرها في تقديس الطبيعة أو الأبطال أو الأشياء الضخمة، واستعملت لهذا الصرف المغالطات والتفسيرات الخاطئة للأشياء كما حدث عند الماركسيين والماديين وغيرهم. ومن هنا كان الإلحاد أصعب من الإيمان لأنه صرف للانسان عن فطرته فيحتاج ذلك الى جهد كبير، وما أصعب أن ينصرف الإنسان عن مقتضى طبيعته وفطرته، ولذلك نجد الملحدين، حين ينكشف لهم الحق ويدركون وجود الله بالعقل إدراكا جازما، نجدهم يسرعون الى الإيمان ويشعرون بالراحة والاطمئنان ويزول عنهم كابوسا كان يثقلهم ويرميهم في هوة الشقاء.
هذه هي حقيقة الغرائز وحقيقة مظاهرها، فالغريزة ثابتة في الانسان وهي جزء من تكوينه لا يمكن محوها، وهي لا بد أن تظهر بأي مظهر من مظاهرها. أما مظاهر الغريزة فيمكن كبتها ويمكن معالجة مظهر بمظهر، ففي غريزة البقاء مثلا يمكن معالجة الأنانية بالإيثار ويمكن معالجة البخل بالكرم. وكذلك غريزة النوع التي من مظاهرها الميل الى المرأة بشهوة والميل الى الأم بحنان، فيمكن معالجة أو تخفيف الميل للمرأة بشهوة بالميل للأم بحنان، وكثيرا ما يكون حنان الأم صارفا عن الزوجة وحتى عن الزواج في بعض الأحيان.
وتختلف الغرائز عن الحاجات العضوية من ناحيتين :
الأولى أن الحاجة العضوية تتطلب الإشباع الحتمي وإذا لم تشبع يموت الانسان بخلاف الغريزة فإنها تتطلب الإشباع فقط، وإذا لم تشبع يسبب ذلك نوعا من القلق والإحساس بالحرمان ولكن الانسان لا يموت، فالانسان يموت إذا لم يأكل أو يتنفس ولكنه لا يموت إذا لم يتزوج أو يتعبد.
الثانية أن الحاجة العضوية تتحرك للإشباع داخليا من ذاتها و لا تثار من الخارج، فالجوع يأتي من الداخل طبيعيا ولا يحتاج وجوده الى أي مؤثر خارجي، فالانسان يحس بالجوع ولو لم يخطر الطعام بباله أبدا. صحيح أن منظر الطعام أو الحديث عن الطعام أو التفكير بالطعام يثير شعوره بالجوع ولكنه ليس من الضروري أن يرى الطعام أو يفكر به حتى يشعر بالجوع، بل قد يشعر بالجوع دون أي مؤثر خارجي. وهذا بخلاف الغريزة فإنها لا تتحرك من ذاتها مطلقا ولا يحصل الشعور بالحاجة للإشباع إلا بمؤثر خارجي، فغريزة البقاء مثلا لا تظهر بمظهر الخوف الا بوجود ما يخيف أو تخيل الانسان لما يخيف، وكذلك لا تتحرك الشهوة الجنسية الا إذا رأى الانسان واقعا محسوسا يثير هذا الشعور أو تحدث إنسان أمامه عما يثير هذا الشعور أو تداعت في مخيلته صور تثير هذا الشعور، وما لم يوجد الواقع المحسوس أو الفكر لا يمكن أن يثار هذا الشعور. ولهذا لا يسبب وجود الغريزة من حيث هي في الانسان قلقا وإنما إثارة الشعور الذي يتطلب الإشباع هي التي تسبب القلق حين لا يتأتى الاشباع، فإذا لم يوجد شعور الإشباع بعدم وجود ما يثيره لا يوجد أي قلق مطلقا. ولذلك كان من الحماقة وقصر النظر عند الغربيين والرأسماليين أن توضع بين الناس المؤلفات والروايات الجنسية، وكان من الحماقة وقصر النظر أيضا أن يفسح المجال لإيجاد الواقع المحسوس الذي يثير غريزة النوع باختلاط النساء بالرجال أو بخروج النساء متبرجات، لأن هذا يعني إيجاد ما يثير شعور الجنس وايجاد القلق الذي يثيره مرة أخرى، فيتحرك للإشباع دائما وهذا ما أوجدته مدرسة التحليل النفسي الفرويدي أو الفلسفة الإباحية، فيكون الانسان مشغولا بالعمل لتحقيق هذا الإشباع أو قلقا مضطربا حين لا يحقق هذا الإشباع، وهذا هو الإنحطاط الفكري والشقاء المضني.
ولنا في بلدنا الجزائر خير مثال مما تعرضه القنوات العربية والغربية من كشف للعورات وإباحة للمحرمات حتى أصبح الشباب والشابات يلهثون وراء سد الشهوات بكل الوسائل كالإغتصاب وزنا المحارم واللواط والإعتداء على أملاك الناس واستباحة ما حرم الله...ووو.
نكتفي بهذا القدر في إظهار حقيقة الغرائز والحاجات العضوية وسنتناول كيفية إشباع هذه الرغبات إشباعا صحيحا بعيدين كل البعد عن الإملاءات الفلسفية الغربية التي صالت وجالت حتى وصلت الى تفسيرات خدمت تكريس اللبيرالية الرأسمالية فجعلت الانسان عبدا لنزواته، يلهث وراء إشباع كل الرغبات دون قيد أو وازع من دين على حساب راحته واطمئنانه سواء كان هذا الانسان يعيش في الغرب أو في الشرق، فهو بحق ضحية للمفاهيم الخاطئة التي وجدت (بضم الواو) حول الغرائز والحاجات العضوية للانسان.
ولنا في تتمة هذا الموضوع ما يظهر الحقيقة أكثر ويقنع العقل ويوجه الانسان نحو باب الآمان. وأخيرا وليس آخرا يشدوني الأمل في إثراء هذا الموضوع من طرف الإخوة والأخوات الأعضاء والزوار في هذا المنتدى ودمتم في رعاية الله وحفظه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. ( يتبع )
التعديل الأخير تم بواسطة عبيد الله ; 06-04-2007 الساعة 12:51 PM