معنى:"خير الناس قرني"لحسن فرحان المالكي
12-04-2015, 09:50 PM
ما معنى ( خير الناس قرني)؟!
للعلامة حسن فرحان المالكي
شاع عند العامة أن القرن يعني 100 سنة، وعلى هذا فأفضل الناس هم القرون الثلاثة الأولى يعني إلى سنة 300 هـ!
وهذا خطأ بلا شك، لما علمنا بالضرورة أن القرن الأول فضلاً عن غيره فيه كفار ومنافقون ومشركون ومرتدون و غيرهم ممن ذكرهم القرآن الكريم.
وسنحاول بيان معنى هذا من القرآن ثم الحديث ونورد أقوال بعض العلماء وشراح الحديث الذين راقبوا هذا الخطأ الشائع وحاولوا تصحيحه.
لنبدأ بالقرآن
القرن في القرآن لا يعني المدة الزمنية، لا 100 سنة ولا أقل ولا أكثر، وإنما يعني الجماعة المتجانسة (أقران) وغالباً تكون في الشر لا في الخير.
فمثلاً قوله تعالى ({وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثًا وَرِئْيً } [مريم: 74]
فالهلاك يأتي على مجموعة متجانسة
فإهلاك الله للقرون يأتي لمجموعة محددة متجانسة، لا دخل لها بالزمن، ولم يحصل أن أهلك الله أهل 100 سنة كلهم، إنما لجماعة محددة فهم القرن.
والقرن في اللسان العربي من مادة ( قرن) وتعني التجانس وشد الأمر بعضه بعضاً، وهو أمر يغلب عليه الحس فتقول : الأقران والقرون والقرين والقرنة
وهذا يعني أن الحديث - وهو من صحيح الآحاد- أن خير الناس (أقرانه ) وهم من كانوا أكثر مجانسة له من حيث السبق إلى الدين وغيرها من الفضائل.
ويدل على ترجيح هذا؛ أنه ورد في أحد ألفاظ الحديث ( خير الناس أقراني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ..الحديث) رواه أحمد بسند صحيح، فهو هذا.

والحديث قد تصرف فيه الرواة كثيراً وتحقيق اللفظ الذي قاله النبي يحتاج إلى حضانة قرآنية - وقد وجدناها - ولفظ أقرب للعمل من الزمن وقد وجدناه
والدليل على هذا إجماعهم بأن فلاناً قرن فلان في السن، وقرنه في التجارة، وقرنه في العلم، فيكون الاقتران في العمل الصالح هو الأصل لا الزمن.
والناس في الحديث هم الناس في عصره صلوات الله عليه لا غير، فبين أن أفضلهم من كان يليه في الإسلام والصبر وتلقي الأذى والفقر والحصار الخ.
ليس من المعقول أن يفضل النبي الناس على ( أساس زمني) أبداً، فزمنه فيه الكافر والمؤمن، المخلص والمنافق، وبعده كان المؤمن والمبدل والمرتد.

إنما تفضيل الشرع على أساس ( العمل) لا على أساس ( الزمن)، وإدخال ( الزمن) كمعيار أفضلية وحيد، إنما هو جاهلي ثم أموي ولا دخل لها بالشرع.
في الإسلام الزمن ليس معياراً، حتى السبق إنما يمدح عندما يكون السبق إلى الإسلام الحق وليس مجرد السبق، كالسبق إلى النفاق مثلاً ، فليس فضيلة
فعندما يمدح الله ( السابقين) لا يعني إلا السبق للإسلام وفضائل الأعمال، فلا يجوز فهم كلمة ( سبق) هنا على أنه سبق زمني بحت، إنما سبق بصلاح.
وهذا حق، فالسابقون إلى الإسلام والأعمال الخيرة، أفضل ممن لحق، إلا إذا ارتد السابق على عقبيه أو كانت عبادته لله على حرف ..الخ من الضوابط.
وأصحاب الزمن الذين يجعلون ( القرن) في هذا الحديث زمنياً مضطربون كثيراً، من 10 سنوات إلى عشرين إلى 30 إلى 40... إلى أ، يصلوا إلى 120 سنة!
وأغلب أهل الحديث والشراح ذهبوا إلى ( القرن الزمني) لا ( القرن العملي) وهذا أوقعهم في إشكالات عدة، لأن كل قرن زمني فيه كل الأطياف.
وحديث ( خير الناس قرني = أقراني) روي من طرق عدة، أبرزها عن ابن مسعود وعمران بن حصين وأبي برزة الأسلمي وعائشة والنعمان بن بشير - يتبع-
وأبي هريرة وعمرو بن شرحبيل وجعدة بن هبيرة ونبيط بن شريط ( وصحيفته أول صحيفة ذكرت الحديث) ، ولكن أسانيد هؤلاء وألفاظهم متفاوتة صحة وضعفاً.
والخلاصة: أن المراد بالقرن الجماعة المتجانسة من الناس، وليس لها علاقة بالزمن، حتى من كلمة ( قرن) الشائعة اليوم زمنياً إنما تعود إلى هذا.
بمعنى أن ( القرن الزمني) سمي قرناً لأن الناس فيه مقترنون في العمر، فعاد الزمن هنا إلى معنى آخر وهو الاقتران المادي ( مجموعة مادية مقترنة)
والجماعة المتجانسة الواسعة (القرن) كأتباع الدين الواحد، قد تحتوي على جماعات متجانسة أقل ( قرون) كالمذهب ثم التيار داخل المذهب وهكذا.
ومادة ( قرن) أصلها مادي، وقد تستعار للزمن وليس العكس.
ومن نماذج ذلك ، قرون الثور = مادية
قرون المرأة = أي ضفائرها = مادية
مقرون الحاجبين
والأقران، والقرين، والقرن - بالفتح والكسر- والبعير يقرن بالبعير بحبل، كلها مادية، وقد يستعار منه المعنوي لا العكس.
إذاً فالقرن في القرآن لا يعني الزمن، إنما المجموعات المتجانسة.
والقرن في اللغة يرجع للأمور المادية، ويفيد التجانس وشد بعضه بعضاً
وعلى هذا فالقرون الثلاثة في الحديث هم طبقات من الناس، ويمكن معرفة سمات كل ( قرن منهم - أشباه ، أقران) من خلال معرفة لسيرة وقرائن الحديث.
لأن في حديث نبيط بن شريط ( وصحيفته أول من ذكر الحديث) قد ذكر أن بعد القرون الثلاثة يكون الهرج، أي القتل، فالقرون كلها قبل قبل فتنة عثمان.
وعلى هذا فخير الناس أقران النبي الذين سبقوا إلى الإسلام والدعوة وواجهوا مع النبي التكذيب والسخرية والأذى،ورأس هؤلاء العترة النبوية نفسها
(خير الناس قرني) المراد بهم ( الأقران) الذين هم الذين أسلموا مبكراً وشدوا من أزر النبي صلوات الله عليه وعلى آله في أول الأمر، فكانوا =
فكانوا كالأقران للنبي انسجاماً وصبراً وظروفاً وإيماناً..الخ، ورأس هؤلاء المسلمون من أهل بيته كعلي وخديجة وجعفر بن أبي طالب وحمزة وزيد =
= بن حارثة وآل أبي أهالة وأبو طالب – على الراجح من أنه كان مؤمناً يكتم إيمانه كمؤمن آل فرعون وبنات النبي وعماته – فهذه هي الدائرة الأكثر=
اقتراناً بالنبي صلوات الله عليه، فهم الأقران الأوائل وهم صفوة (العشيرة الأقربين)، فقد عانوا ما كان يعانيه النبي من تكذيب وسخرية وبغضاء =
وفقر وحصار الخ، ثم الذين يلونهم ( أي يتبعونهم في هذا الهدى والتضحية ) والأقرب أنهم كل من وجد تعذيباً واقترب مما قاساه قرابة النبي وأهله
كالمستضعفين مثل بلال وآل ياسر ( عمار وأبوه وأمه) وصهيب ووخباب بن الأرت ومصعب بن عمير العبدري..الخ ويظهر أنه يدخل في هذه الطبقة الثانية =
السابقون إلى الإسلام ممن تعرض للأذى والتعذيب واضطر للهجرة وفراق الأوطان والأقربين، وأشهر هؤلاء ( مهاجرة الحبشة) ثم الطبقة الثالثة وهم =
المسلمون الأوائل من قريش والأنصار الذين لم يتعرضوا لتعذيب ولا تهجير ولكنهم كانوا أيام الضعف والذلة ولحقهم من الأذى والفقر بقدر أقل =
من الدائرتين السابقتين، ثم أتى بعد ذلك الطلقاء والأعراب وزعماء القبائل الذين دخلوا في الإسلام للغنائم ولتأليف القلوب ثم شاركوا في الفتوح=
وظهر فيهم الأمور المذكورة - التي لم تكن في القرون الثلاثة - يشهدون ولا يستشهدون و...الخ ويظهر فيهم السمن، ثم كان الهرج (وهو القتال).
وبهذا المعنى يرتفع كل إشكال في الحديث، وتزول كل الإشكالات التي تحول دون تفضيل الناس في القرن الأول ( الزمني)، ويصبح المعنى معقولاً جداً
تفضيل الناس في القرن الأول على من بعدهم - وفيهم الكفار والمنافقون والمرتدون ودعاة النار والخوارج - أمر مشكل جداً واستشكله أكثر من فقيه.
بينما عندما يكون المعنى أن خير الناس أقران النبي - إسلاماً وصبراً ومعاناة - ثم الذين يلونهم في هذا، ثم الذين يلونهم، يصبح المعنى صحيحاً.
ولأن الناس غرامهم بالحديث أكثر من القرآن فمن المستحسن ذكر بعض ألفاظ الحديث المتفقة مع ما ذكرناه، فقد روى الإمام أحمد في المسند (7/ 74):

حَدَّثَنَا أَزْهَرُ بْنُ سَعْدٍ، أَخْبَرَنَا ابْنُ عَوْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ اللهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " خَيْرُ النَّاسِ أَقْرَانِي الَّذِينَ يَلُونِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ
- قَال...- ثُمَّ يَخْلُفُ بَعْدَهُمْ خَلْفٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ " فالمعنى واضح
والسند صحيح.
فقوله (أقراني الذين يلوني) واضح أنه لا يريد القرن الزمني، وإنما أهل بيته ومن في حكمهم ممن أسلم في أول الإسلام وكانوا يلون النبي في كل شيء
وهذا الالتفاف على هذه الفضيلة لأهل البيت لها نماذج كثيرة جداً، وهي نتيجة لما زرعه الأمويون من ثقافة تشتت فضائل أهل البيت في غيرهم.
ومن قرائن هذا لفظ أبي بكر بن أبي شيبة شيخ البخاري ومسلم ( خير أمتي قرني الذين يلوني، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) فالمعنى واضح.
كيف؟
لأنه لو كان النبي يريد الزمن هنا لكان الشهداء الذين استشهدوا في عهده كشهداء بدر وأحد الخ، خارج هذا الحديث!
لأنهم لم يلونه زمنياً!
فتنبه!
وكذلك بعض ألفاظ مسلم في صحيحه (خَيْرُ أُمَّتِي الْقَرْنُ الَّذِينَ يَلُونِي، .الحديث) فليس المراد الزمن، والشهداء في عهده لن يلوه زمنياً!
فمعنى (يلوني) أي الأقرب إليّ في سبقهم إلى الإسلام ونصرتهم وصبرهم ..الخ،
مثلما تقول فلان الأفضل والأعلم و(يليه ) فلان في الفضل أو العلم.

ويؤكد هذا المعنى لفظ ابن أبي عاصم في السنة ( قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ أُمَّتِكَ خَيْرٌ؟ قَالَ: "أَنَا وَأَقْرَانِي) .. الحديث.
والألفاظ التي تدل على أن القرون مجموعات من سابقي أصحابه،كثيرة، أي بعضهم أفضل من بعض، أفضلهم أهل بيته ثم المستضعفون ثم بقية السابقين.
ثم ذكروا صفات من يأتي بعد هؤلاء الأصناف الثلاثة وهي - كما في صحيح البخاري- (ثُمَّ إِنَّ بَعْدَكُمْ قَوْمًا يَشْهَدُونَ
وَلاَ يُسْتَشْهَدُون، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يَفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ)

وتستطيعون معرفتهم!
ولكن المكر الكبار نزع هذا الحديث من معناه الشرعي الذي أراده رسول الله، وتم توظيفه في الدفاع عن الصنف الرابع الذين ذمهم الرسول!
إذاً فحديث ( خير الناس قرني) هو حديث ( خير الناس أقراني) وهو حديث ( خير الناس الذين يلوني) وهو في فضل من تلا النبي في لإسلام سبقاً وهدىً
ليس الحديث في فضل الناس في القرن الزمني الأول ولا الثاني ولا الثالث.. إنما في فضل المجموعات التي سارعت للإسلام وتحملت الشدائد في سبيله.
والعاقل البسيط يعرف أن القرن الأول فيه الكافر والمنافق والمرتد والبغاة ودعاة النار والخوارج والظالمون ..الخ، فلا يصح أنهم أفضل منا اليوم.
والله عز وجل لا يفضل على أساس زمني أبداً، إنما على أسس أخرى، من العلم والعمل والصبر والدعوة والجهاد والإخلاص ..الخ
فعضوا على هذا بالنواجذ
اليوم - بفضل الله وتعليمه - أزحت عنكم معنى خاطئاً لحديث صحيح، طالما كان هذا المعنى - لا الحديث- محل إشكال في عقول الناس قديماً وحديثاً!
الحديث يحتاج للتدبر كما القرآن، وذلك بجمع طرقه، وتحريرمعنى اللفظة، بالبحث عن اللفظ المطابق للمعنى القرآني، وترك الألفاظ الأخرى.. الخ.
لو تمت دراسة الحديث بهذا التدبر والجمع والتحرير ومعرفة ظروف النقل الشفهي لتمكنا من تصحيح كثير من الحديث بدلاً من العجلة في رده.
العجلة ضارة.
وللأسف أن المشتغلين بالحديث أنفسهم هم السبب في رد أكثر الحديث، لأنهم يصححون معاني للأحاديث تتعارض مع البدهيات،ويتركون المعاني الصحيحة مهملة
لذلك نكرر وكررنا ، لسنا من منكري السنة ولا الحديث -بغض النظر عن اللفظين- إنما نتأنى، فننظر للحديث ونجمع طرقه وننظر ألفاظه ونعرضه على القرآن.
المشتغلون بالحديث للأسف لا يعرضون الحديث على القرآن
والقرآن هو النور الكاشف الذي يدلك على ما يشبهه.
أهل الحديث يعرضون الحديث على الحديث فقط
الحديث مظلوم بين فريقين
فريق يرده كله
وفريق يدرسه منفصلاً عن النور الكاشف ( القرآن)
والقليل جداً من يتوسط بعلم وبحث، فالقرآن أولاً ثم الحديث
المشتغلون بالحديث أيضاً لا يدرسون أثر السلطة والمذهب والرأي العام على الرواية، ولا طبيعة الرواية القديمة، ولا يدرسون الإنسان كإنسان.
فأدى هذا كله إلى تقوقع أهل الحديث في السند والرجال والحماس لما صححوه بمعايير ناقصة ، مع عدم الالتفات لأي تناقض ولا لأي منهج نقدي علمي.
هذه الخصومات في الحديث لا داعي لها كلها
فلو أن المشتغلين بالحديث تركوا التقليد وأحكموا الثقافة القرآنية، لوجدوا أكثر الحديث يسير في ضوئها
وأقصد بأكثر الحديث هنا أنك ستجد في الحديث ألفاظاً أخرى تدل على الصواب، فأكثر الحديث مروي بالمعنى، ولابد من تحرير اللفظ الصحيح وترك المتوهم.
طبعاً ليس كل الحديث الذي يصححه أهل الحديث صحيح، فبعضه باطل قطعاً ومخالف للقرآن، إلا أن كثيراً منه صحيح، ويتفق مع القرآن إذا تم تحريره بعلم.
المشتغلون بالحديث أكثرهم يجهل الحديث، لأن معاييرهم قاصرة جداً،- على أكثر من مستوى- فلذلك يصدمون الناس بمعاني لا تتفق مع قرآن ولا عقل.
المشتغل بالحديث لابد أن يمتلك الخطوط العامة من الثقافة القرآنية مع الوعي التاريخي ودراسة الآثار المؤثرة في التوثيق والتجريح والتصحيح الخ
ليس المسألة معرفة من صحح سماعه شعبة ولامن وثقه يحيى بن معين ولا من أعلّه علي بن المديني - هذا تفصيل صغير جداً-
لابد من مقدمات قبل هذا
لو تمت قراءة هذه المقدمات، من الثقافة القرآنية وإزاحة الأثر السياسي والمذهبي وأثر الرأي العام، ودراسة مسيرة الرواية القديمة لاتفق الناس.