تبريرات عدم التحاكم الى الشريعة اليوم تشبه تبريرات كفار قريش لعدم دخول الاسلام
21-07-2008, 10:47 PM

تبريرات عدم التحاكم الى الشريعة اليوم تشبه تبريرات كفار قريش لعدم دخول الاسلام

من المفارقات العجيبة أننا اعتدنا منذ عقود على سماع الاتهامات التي يوجهها الإسلاميون للأنظمة العربية وحكامها بعدم تحكيم الشريعة وقرأنا في عشرات الكتب ومئات المقالات لمفكرين ودعاة إسلاميين الإنكار الشديد على هؤلاء الحكام الذين نبذوا التحاكم إلى الشريعة وتنكروا لها وتحاكموا إلى القوانين الوضعية الكفرية المستوردة من الشرق والغرب.

وقد دار الزمان دورته في بعض بلاد المسلمين ليرى الله صدق الصادقين من كذب الكاذبين في دعواهم { َقالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } (الأعراف:129 ) وجاءت اللحظة المنتظرة منذ ثمانين سنة وأمسك “الإسلاميون” بمقاليد الحكم الإدارية والعسكرية في بعض البلاد وصاروا مطالَبين بتنفيذ الاستحقاق المتوجب عليهم بالتحاكم إلى الشريعة ونبذ التحاكم إلى القوانين الوضعية الكفرية فإذا بالمفارقة والصدمة الكبرى أنهم لا يختلفون عن الحكام العرب في شيء فأولئك نبذوا التحاكم إلى الشريعة وهؤلاء تنكروا لها!
بل فاق هؤلاء أولئك في الإثم فالحكام العرب كانوا علمانيين في نشأتهم وتربيتهم وثقافتهم وصنعوا على عين الغرب الكافر والشرق الملحد فلم يفهموا حقيقة الإسلام حتى يحتكموا إليه ، أما هؤلاء “الإسلاميون” فقد تربوا على موائد القرآن! وأصول الدين والشريعة الإسلامية وترنموا طوال سنين بالشعارات الإسلامية !
فأيهم أشد جرماً وإثما في تنكره لتحكيم الشريعة؟!
لا شك أنهم هؤلاء “الإسلاميين” لسابق علمهم بالدين وأحكامه ولسابق إدعائهم أنهم يعملوا من أجل تحكيمه!
ولا تستوي معصية العالم بأوامر الله بمعصية الجاهل الغافل عنها { وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِيَ آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَـكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ذَّلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ } (الأعراف 175-176)

ومما يزيد الجرم فظاعة أنهم لم يكتفوا بعدم تحكيم الشريعة على أرض الواقع بل إنهم يعيدون ويكررون بمناسبة وبدون مناسبة أنهم يلتزمون بالتحاكم إلى القانون “الوضعي” المعمول به ويعملون على أساسه! هذا القانون الذي ينص في أحد بنوده بكل صراحة وكفر وتبجح أنه “ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني” فالكفر والزنا والربا والسحر وشرب الخمور وغيرها من الكبائر والمكفرات الموبقات المهلكات ليست جرائم في نظر هذا “القانون” ولا عقوبة لها لأن “القانون” لم ينص عليها صراحة! بينما ضرب الأب لطفله لتاديبه وتربيته فيه “نص قانوني” صريح يعاقب الأب ويجرّمه!!.

وبسؤالنا هؤلاء المتنكرين للتحاكم إلى الشريعة عن سبب تنكرهم يرددون أسطوانة مشروخة بأنهم يخافون امريكا وجبروتها وحلف الاطلسي وقواته وإسرائيل وجيشها وأنه من الحماقة إعلان تحكيم الإسلام لأنه سيجلب الضرر والحصار -وكأن الحصار غير واقع بالفعل ،وهل سترضى امريكا يوما عن الإسلام!- وفي ترديدهم لاعذارهم القبيحة هذه لا يختلفون عن العلمانيين الذين يقولون أن الشريعة غير صالحة للتطبيق في هذا الزمان.

لقد شابه هؤلاء “الاسلاميين” في تنكرهم للتحاكم إلى الشريعة كفار قريش الذين رفضوا الدخول في الإسلام بحجة وعذر قبيح مشابه { وَقَالُوا إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا } (القصص:57) أي نخشى إن اتبعنا ما جئت به من الهدى وخالفنا من حولنا من أحياء العرب المشركين, أن يقصدونا بالأذى والمحاربة, ويتخطفونا أينما كنا، فقال الله تعالى مجيباً لهم: {أو لم نمكن لهم حرماً آمناً} يعني هذا الذي اعتذروا به كذب وباطل, لأن الله تعالى جعلهم في بلد أمين وحرم معظم آمن , فكيف يكون هذا الحرم آمناً لهم في حال كفرهم وشركهم, ولا يكون آمناً لهم وقد أسلموا وتابعوا الحق ؟ (تفسير ابن كثير)
“قالوا: قد علـمنا أنك رسول الله, ولكنا نـخاف أن نُتَـخطف من أرضنا” (تفسير الطبري)
وقد شابهوا بتنكرهم للتحاكم إلى الشريعة المنافقين الذين رفضوا الاستجابة لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم للخروج للجهاد وتعللوا بأن الحر شديد وان عليهم الانتظار للوقت المناسب ثم يخرجوا فقال الله تعالى مخبراً عن سوء فعلهم وقبح عذرهم { وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ } فرد الله عليهم { قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرّاً لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} (التوبة:81)
وقد شابهوا أهل الكتاب السابقين الذين قال الله فيهم : { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوْتُواْ نَصِيباً مِّنَ الْكِتَابِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِّنْهُمْ وَهُم مُّعْرِضُونَ }(آل عمران28)
وقد رأى الناس عاجل العقاب والبلاء والضنك في المعيشة جراء إعراضهم عن حكم الله وزعمهم أنهم أرادوا الخير فشابهوا بذلك اهل النفاق الذي قال الله فيهم : { فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَآؤُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلاَّ إِحْسَاناً وَتَوْفِيقاً} (النساء62).