المجتمع الإسلامي بين التعريف والمشروع
11-04-2007, 07:17 PM
السلام عليكم وبعد :

من أجل إيجاد نهضة صحيحة ترقى بأمتنا الى مستوى يليق برقي رسالتها، يسرنا من جديد أن نساهم بهذا الموضوع الحساس، لعله يزيل الغموض ويوضح الرؤية حتى يحقق الهدف المرجو منه والذي يتمثل في الوعي على الواقع الفاسد والوعي على البديل الصالح الذي يوجد هذه النهضة الراشدة.
نعم لقد اختلف المفكرون والفلاسفة في تعريف ماهية المجتمع ، حتى تاه الانسان في التفقه في هذا الميدان حيث يجد أمامه تعاريف عدة لا تثبت على رأي واحد، والتي منها على سبيل المثال لا الحصر المجتمع البدائي والمجتمع المتحضر والمجتمع الرأسمالي والمجتمع الاشتراكي والمجتمع الصناعي والمجتمع الاستهلاكي.
إن الفرد المسلم الذي مازال يبحث عن هويته ودائرة استقراره قد مليء ذهنه بهذه المصطلحات والتعاريف دون إدراك أن الفلاسفة والمفكرين الغربيين وكذلك الشيوعيين ما كانوا ليصلوا الى هذه النظريات إلا بعد دراسة واقع شعوبهم وتاريخها. كما أن دراساتهم واستنتاجاتهم التي وصلوا اليها لم تك قط خالية من معتقداتهم ولا من تأثير بيئاتهم ، ولذا كانت كل محاولة إنزال حكم أو نظرية بهذا الخصوص ، سواء كانت غربية أو شيوعية ، على أي مجتمع في البلاد الاسلامية تؤدي حتما الى محاولة معالجة قضية إسلامية من منظور رأسمالي أو اشتراكي وهذا بعينه البلاء الذي يعاني منه المسلمون منذ أكثر من قرن.
إن تعريف المجتمع هو وصف لواقع مدرك ، أي واقع محسوس أو على الأقل له أثر محسوس ، دون إنزال أي حكم مسبق ولا وجهة نظر معينة ، كما أننا لسنا بحاجة الى أي مقاييس أومعايير فلسفية سواء كانت رأسمالية أو اشتراكية والتي للأسف الشديد خلقت عقدا عند أجيال من أبناء الأمة الاسلامية وخربت طريقتهم الطبيعية في التفكير نتيجة الغزو الفكري والسياسي لبلادنا. علاوة على كل هذا فإن بحث قضية المجتمع هو دراسة أمر محسوس وليس مجرد ، فهو إذن واقع يدركه كل عاقل.
كما قلنا في مواضيع سابقة فالإنسان كائن حي فيه غرائز وحاجات عضوية ، لا بد له من إشباعها حتى يبقى على قيد الحياة ، فالإنسان بحاجة الى الأكل والشرب كما فيه غريزة البقاء والنوع والتدين، فهو يخاف ويحب ويبغض ويقدس ما يشعره بأنه أقوى وأكمل منه كتقديس الخالق، وتقديس الكواكب أو النار ...هذه الطاقات الحيوية هي التي تدفع الانسان الى أن يؤانس الانسان الآخر لأن له نفس الدوافع التي يسعى من أجل إشباعها وهكذا. لكن هذا الإشباع لا يمكن أن يحصل بطريقة عشوائية وإلا سادت الفوضى ، فالكل يحاول إشباع حاجاته حسب تصوراته عن كيفية تحقيق هذا الإشباع. فتكون العلاقات القائمة بين الناس مبنية على تلك التصورات والمفاهيم.
بعبارة أخرى تكون الكيفية التي يتم بها تحقيق هذا الإشباع هي ما يسمى بالمصلحة المشتركة التي تبنى عليها هذه العلاقات ، فإن تركت هذه الأخيرة دون تنظيم كامل ومنسق فإن الباب سيفتح على مصراعيه أمام اصطدام المصالح بعضها ببعض ، لأن التفاوت طبيعي في تقدير الحاجات بين الناس ، فالدافع المادي عند فرد ما ، هو أقوى منه عند فرد ثان، وحب السيادة والزعامة عند فرد ثالث يفوق نفس الدافع عند فرد آخر، وهكذا، فالإنسان يواجه كما هائلا من الدوافع سواء كانت حاجاتية أو غرزية ، ويريد تحقيقها وهذا لا يتم إلا بناء على نظام كامل يحقق الطمأنينة لكل إنسان وبذلك يتم استقرار هذه ( المجموعة من الناس ). لذا يصبح النظام جزءا لا يتجزأ من مقومات هذا الواقع وهو الذي يوجد العرف العام الذي تدور مشاعر الناس من ( رضى وسخط ) حوله. فإذا توحدت الأفكار مع المشاعر أصبحت هذه" المجموعة البشرية " مجتمعا مكونا من ناس تربطهم علاقات مبنية على أفكار ومشاعر وأنظمة ، فإذا وجدت هذه المقومات الأربعة وجد المجتمع.
وإذا كان الناس يعتنقون عقيدة معينة لها أحكام تنظم كل جوانب الحياة الإنسانية وإذا كانت أفكارهم ومشاعرهم وأنظمتهم منبثقة عن هذه العقيدة كان المجتمع مبدئيا، له هوية خاصة به وطراز في العيش خاص به ورسالة عالمية يحملها ، لذلك نجد أن المجتمعين الرأسمالي والإشتراكي السابق مجتمعان مبدئيان.
أما المجتمع الإسلامي فهو مجتمع مبدئي أيضا ، فهو مركب من أناس مسلمين يأخذون أفكارهم وأنظمتهم من عقيدتهم وتكون مشاعرهم هي التي ترضى بما يرضي الله وتغضب لما يغضب الله.
وبإلقاء نظرة على واقع المجتمعات في بلاد المسلمين المفككة ، فإننا لا نجد للأسف أي مجتمع نستطيع إطلاق اسم مجتمع إسلامي عليه. حقيقة أن الأغلبية الساحقة في هذه البلاد مسلمون ، لكن المشكلة تكمن في الأفكار والمشاعر والأنظمة التي تؤطر هذه المجتمعات والتي هي خليط من الإسلام والعلمانية والرأسمالية والقومية والوطنية...ولتوضيح الأمور أكثر نرى مثلا أن :
المسلم في مجتمعات البلاد الإسلامية يؤمن بما تقتضيه العقيدة الإسلامية من أن الله تعالى حق وأن القرآن حق وأن الرسول عليه الصلاة والسلام حق، وأن سنته المطهرة هي جزء لا يتجزأ من الوحي ، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن عقيدة هذا الفرد المسلم هي عقيدة سليمة لا شبهة فيها. لكن إذا نظرنا الى طريقة التفكير وإلى الناحية العملية التي تقتضيها العقيدة والتي تحوي ( التشريع، المعاملات، الخصومات والعقوبات علاوة على العبادات والأخلاق ) نجد التناقضات السافرة التي أضحت المميزات الرئيسية للمجتمعات القائمة في البلاد الإسلامية دون تمييز ، مع طريقة التفكير التي سممت وعكرت عقيدة المسلمين لأنها مستمدة من المفاهيم والأفكاروالفلسفة العلمانية الغربية.
ترى المسلمين يغضبون إذا نال أحدهم من عقيدتهم أو سفه صلتهم بالله أو نال من نبيهم كما حدث العام الماضي ، لكنهم للأسف يسكتون على تطبيق الأحكام التي تحلل الربا وتحلل بيع الخمور والسفور وبيوت الليل الماجنة. وتراهم أيضا يعلمون بأن كل من دعى الى عصبية الجاهلية أي التعصب الى القوم أو الوطن مثل ( القومية والوطنية )، وإلى الكفر البواح من مثل فصل الدين عن الحياة أي ( العلمانية التي هي عقيدة الرأسمالية ) أو كل من دعى الى المادية والإلحاد وهي العقيدة الشيوعية إنما يدعو الى الكفر، ولكن رغم علم المسلمين بكل هذا فإنك تراهم يسكتون على تطبيق هذه الأنظمة والأفكار المنبثقة عن مثل هذه العقائد الباطلة، بل تجد فيهم من قد أفتى بجواز تطبيقها في حياة المسلمين ( مثل من ادعى زورا وبهتانا أن الاشتراكية من الإسلام، ومن المهزومين نفسيا الذين يدعون أن الديمقراطية من أو لا تخالف الإسلام لأن مثلها مثل الشورى) كما ترى من أفتى بجواز أخذ مال الربا واعتبره أرباحا... وبناء على ما ذكرنا فإننا نستطيع القول بأن المجتمعات القائمة في بلادنا ليست مجتمعات إسلامية ويعود هذا الى غياب الأحكام الشرعية التي يتحكم إليها في كل مجالات الحياة، وقد نجد بعض العلاقات ترجع الى الشرع من مثل الأحكام الشخصية المتعلقة بالزواج والطلاق، أما باقي المجالات فهي تخضع للرأسمالية كنظام الحكم ، وقوانين التجارة وقوانين السياسة الخارجية وقوانين المنظومة التربوية وسياسة التعليم والسياسة الإقتصادية وقوانين الأحزاب والدستور وغيرها من القوانين المستمدة من عقيدة فصل الدين عن الحياة أي اللائكية أو ما يسمى بالعلمانية.
ولهذا نقول بأن المجتمع الإسلامي هو مجتمع فريد من نوعه ويتميز عن غيره في معتقدات أفراده ( أي عقيدتهم عقلية ـ أي مبنية على العقل كما قلنا في موضوع طريق الايمان ـ تقر ما في فطرة الإنسان )، ويكون هذا المجتمع في أفكاره ( التي مصدرها الروح وهي العقيدة الاسلامية وأنظمة الاسلام ومقياسه في الأعمال هو الحلال والحرام فقط وليس النفعية البراغماتية أو الميكيافيلية ) ، ويكون هذا المجتمع في حضارته (أي تكون كل مفاهيمه عن الحياة ووجهة نظره فيها منبثقة عن عقيدة الاسلام ) ، كما تكون فلسفة الحياة في هذا المجتمع هو مزج الفعل عند القيام بالعمل أي عمل بإدراك الصلة بالله أي الالتزام بأوامر الله ونواهيه وليست أوامر القوانين الوضعية الفاسدة.
فالأولوية الآن هي في إيجاد هذا المجتمع في أي قطر من أقطار المسلمين حتى يكون هذا نواة لدولة الاسلام ، كما لايخفى عنا أننا حين نسعى لهذا فإننا لا نسعى لتحقيق مصلحة آنية كتحقيق الرفاهية أو التقدم الاقتصادي وإن كانت هذه الآشياء هي تحصيل حاصل ، ولكن ما ينبغي وضعه نصب العينين هو غاية الغايات أي نوال رضوان الله باستئناف الحياة الاسلامية في بلاد المسلمين وصهرها كلها في دار واحدة هي دار الاسلام ، تحت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله. حينئذ فقط نكون قد وضعنا أرجلنا في طريق النهضة الصحيحة التي ستخرج أمتنا من هذا الظلام الدامس الى نور يسطع في الأفق ينير طريق الحيارى ويأخذ بيد المستضعفين من المسلمين وباقي شعوب العالم الثالث المقهورة الى بر الأمان. هذا هو التعريف وهذا هو المشروع الذي أردنا لفت النظر اليه والله ولي التوفيق. من أراد الإضافة أوالنقاش أو التعقيب أوالنقد البناء فليتفضل وهو مشكور ، وفي فرصة أخرى ودمتم في رعاية الله وحفظه. أهـ
التعديل الأخير تم بواسطة عبيد الله ; 11-04-2007 الساعة 07:21 PM