تسجيل الدخول تسجيل جديد

تسجيل الدخول

إدارة الموقع
منتديات الشروق أونلاين
إعلانات
منتديات الشروق أونلاين
تغريدات تويتر
منتديات الشروق أونلاين > المنتدى العام > المنتدى العام

> جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. واحميدة العياشي

 
أدوات الموضوع
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. واحميدة العياشي
28-05-2016, 05:01 PM
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. واحميدة العياشي
صالح عوض

قبل أكثر من ربع قرن كنت أداوم على زيارة أسبوعية للسيد الرئيس المرحوم بن يوسف بن خده، أتعلم منه واستمع إلى حكمته وأتأمل رؤيته في السياسة والقيم والأخلاق، وكان للقاءاتي معه أثرٌ كبيرٌ في فهم معادلة المفاوضات وألاعيب الاستعمار الفرنسي..
وفي يومٍ، تطرق حوارنا إلى جمعية العلماء المسلمين، فأشار رحمة الله عليه إلى كون الجمعية تدعو إلى الاندماج، ومع عظيم حبي للمرحوم بن خده، إلا أني خالفته وقلت له: كيف يكون ذلك وفي قصيدة ابن باديس التي كانت بيانه التاريخي في بداية الثلاثينات يقول بوضوح: "ومن رام إدماجا له رام المحال من الطلب.."؟ واستعرضتُ أمامه مواقف الإمام ابن باديس المتصاعدة، وكيف انها انتهت إلى صناعة واقع مبني على ضمانات البقاء نقيض للوجود الاستعماري ومنفصل انفصالا كاملا عنه...
أتذكر هذه الجلسة وأنا أقرأ مقالا للزميل الكاتب المحترم أحميدة العياشي بعنوان "ما لم تقله الشروق عن جمعية العلماء".. وإني أتساءل معه: "ألم يحن الوقت بعد نصف قرن على الاستقلال للحديث عن تاريخ الجزائر وتاريخ الجمعية خصوصا"؟.. ولكني آخذ بيده إلى مناقشة موضوعية بعيدا عن شخْصنة الأفكار والمواقف والمسار.. فتبدو لي كثير من النقاط التي عالجها الأستاذ أحميدة ليست ذات أهمية، وفقط تحولت في مقاله إلى نوع من الإثارة من خلال الاتهام والقراءة الجزئية لذيول الموقف او الانسياق للحديث عن الشخص في بيئته وطبقته.. وهذا أسلوب لا يفيد للوصول إلى الحقيقة الموضوعية، لأنه سيجرنا إلى غير ما نريده من دراسة التجربة الباديسية بمنهجية علمية تسهم في تشكيل الوعي بالتاريخ الجزائري وسنن مسيرته.. ففضلا عن عدم الدقة في سرد الأستاذ أحميدة فهناك عدم مراعاة للظرف التاريخي الذي تحركت فيه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين لإنجاز أهدافها.. لقد نظر الأستاذ أحميدة إلى بن باديس باعتباره شاعرا او خطيبا يقول كلمته كاملة كشهادة على الواقع ويكتفي بها، ولم يلتفت الأستاذ احميدة إلى ان ابن باديس صاحب مشروع ثوري تحرّري كان عليه توفير شروط الانتصار وأسبابه ويتحرك ضمن مراحل لكل منها أهداف تنتهي بتحقيق الهدف الكبير، مما قد يعني أن عليه إجراء مهادنات هنا أو هناك لتجنب إحباط المشروع الثوري التحرري وهو القادر على التخلص من هذه المهادنات الواقعية كلما وفر عناصر إضافية لتصليب الموقف والواقع الثوري. لقد كان ابن باديس يغرس ألغامه في الواقع الاستعماري واحدا واحدا مبتدئا باللغة والتاريخ والثقافة.. هذه نقطة منهجية أردتُ الإشارة إليها قبل الدخول في مناقشة النقاط التي طرحها الأستاذ أحميدة العياشي.
"المؤتمر الإسلامي" عام 1936، كان حلقة في مسيرة الجمعية منسجمة مع ما سبقها وما لحقها، جاءت في زمانها تماما، ما كان لها ان تتقدم على جهوده في التوعية الحضارية، ولا ينبغي ان تتأخر عن هذه المرحلة لئلا ينعزل عن المجموع ويترك فرصة لإثارة الصراعات الداخلية.. وتحرك لإنجاحها الإمامُ ابن باديس ولم يهمه أبدا من يكون الرئيس، وكان ابن باديس يدرك تماما أن الوفد الذي سينبثق عن المؤتمر لمفاوضة الفرنسيين سيعود بلا أي انجاز عملي، إنما كان القصد يتركز على ان يتوحد الجزائريون في مؤتمر عام يجمع إليه المكونات السياسية الجزائرية بما فيها الحزب الشيوعي والذي كان حزبا اندماجيا بالكامل ويتحرك في إطار من نظرية الصراع الأيديولوجي مع الإقطاع والبرجوازية غير آبهٍ بالمسألة الوطنية..
ويعتبر انجاز "المؤتمر الإسلامي" في حد ذاته محطة ضرورية للجزائريين، مع انه بلا شك دون طموح الإمام الذي كتب عن مهمة الوفد المنبثق عنه قبل ذهابه إلى باريس مؤكداً أنها لن تحقق شيئاً.. وكون ابن باديس دعا الاندماجيين إلى المؤتمر من شيوعيين وسياسيين مشهورين وسواهم، فإن هذا يحسب له لا عليه؛ إنه كزعيم وقائد ما كان له ان يتخذ خطوات سياسية كبيرة دون ان يحاول كل جهده ان يشدّ المشتتين إلى موقف إجماع يفضح أمامهم نوايا فرنسا ويُسقط ادعاءاتها ويظهر حقيقة منطقها وسلوكها العنصري فيوحد بذلك مقاصد الجزائريين ولا يُبقي عذرا لمعتذر.. وهنا يخفق الأستاذ احميدة في فهم موقف الإمام من عباس فرحات رغم انه اقر بأن هناك اختلافاً بين الرجلين حول موضوع التجنيس. ومن المهم هنا ان نذكِّر بموقف الإمام من التجنيس؛ إذ يعتبره ردة لا توبة منها، وهذا ردّ مفحِم على فرية الاندماجية عند ابن باديس. أما ان يكون حريصا على علاقات مع عباس فرحات فهذا منطقي وضروري؛ فعباس فرحات رجل سياسة جزائري متميز ووطني مهما كانت الاختلافات، وهذا يحسب للإمام ولا يحسب عليه.. وبالتأكيد فإن الأستاذ احميدة مطلع على مقالة الإمام بعد تشكيل الوفد وكلمته بعد ذلك، وهو يحدد ردة الفعل على الكيفية العنصرية في تعامل الفرنسيين مع حقوق الجزائريين، حيث وجّه خطابه للشعب: "أيها الشعب قد وثبتَ وثبة وبعدها وثباتٌ فإما الحياة وإما الممات"..
ان الثورية ليست كلماتٍ متشنجة مغلقة، إنما هي منهج وسلوك تراكمي يحقق الانتصار بتسجيل النقاط، لأن استعماراً كالاستعمار الفرنسي لا يسقط بضربة قاضية، إنما يسقط عندما يكبر الجزائري ثقافة وعلما وحيوية ومشاعرَ وإحساسا وإدراكا وكشفا للمؤامرة وتوفيرا متواصلا للشروط... وهذا يتطلب عملا منهجيا متطورا، وهكذا كانت ثورة التحرير المجيدة نتاجا لحراك ومواجهات مع العدو مرت بالثقافة والتعليم وامتلاك اللغة والمفاصلة الحضارية والمواجهات والمجازر والعمل السياسي لحزب الشعب والقوى السياسية الفعالة.. وفي هذا الباب لم يراع الأستاذ احميدة العلمية في مناقشة مشروع ابن باديس وذهب لاقتطاع مواقف وكلمات ويُخرجها من سياقها ويحكم بها على ابن باديس، ولعل الأستاذ احميدة يدرك ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة -وهو مرجعية ابن باديس- واجه قتل أصحابه بأن قال لهم "صبرا إن موعدكم الجنة"، فهل كان الرسول في هذا متخاذلا متواطئا متنازلا عن دم أصحابه وإخوانه؟! ويعرف الأستاذ احميدة ان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة لم يقبل مجرد كشف غطاء امرأة مسلمة من قِبل أحد الفاسدين فأجلاه ومن والاه عن المدينة..
أما التخلي عن رفيق دربه الشيخ الطيب العقبي، فلا اعرف كيف حكم الأستاذ حميدة بهذا مع انه مفترض ان يكون قد قرأ ما قاله ابن باديس أثناء محاكمة الطيب العقبي؟ لقد كتب ابن باديس يقول: ان محاكمة الطيب أقسى على قلبه من يوم فقدانه لابنه الوحيد.. وكان ابن باديس يعرف ان المطلوب من خلف التلفيقات على الشيخ الطيب رأس الجمعية التي بدأ الاستعمار يتنبه إلى خطورتها الحقيقية على المشروع الاستعماري برمته.. أما ان يبتعد العقبي عن الجمعية ويختلف مع الإمام فهذا أمر متكرر في كل الجمعيات والأحزاب والتيارات؛ فلقد تفسخت الأحزاب والجماعات في الجزائر في حزب الشعب وسواه كما في كل بلد عربي، وتنابز القادة وتصارعوا، لكن ينبغي ان لا يقود هذا إلى الطعن غير المفسَّر وغير المبرر في الخط والاتجاه بما ليس فيه.
أما تأسيس الجمعية، فإن كلام الأستاذ احميدة حقيقة يحتاج سؤالا وهو: من كنت تتوقع ان يقود الجمعية من بين التيارات المحتشدة فيها لحظة التأسيس؟ أتتوقع ان تقودها مجموعات طرقية؟ او شخصيات دينية لا مشروع عندها ولا رؤية؟ أم ان مجموعة من الشباب المجددين المتفتحين أصحاب مشروع وتنظيم وخطة؟ ثم ان غمز الأستاذ أحميدة إلى عملية انتخاب ابن باديس رئيسا للجمعية في غيابه أمر محير حقا.. ما هذه المناورة البراغماتية التي لا وجود لها إلا في تصور الأستاذ احميدة؟ فماذا كان ينقص المؤامرة لو حضر ابن باديس بشخصه الانتخابات وتكلم وفسر وشرح وهو المفوّه المحترم؟
أما التأخر عن الانخراط في الثورة، فهذه يا أستاذ أحميدة قولة مخالفة للواقع التاريخي؛ فإن بيان جمعية العلماء المسلمين قد صدر من القاهرة بتوقيع الشيخ الإمام البشير الإبراهيمي في 2 نوفمبر 1954 مؤيدا للثورة وداعيا إلى الانخراط فيها، وكان الشيخ العربي التبسي زعيمها الروحي في الجزائر يرد عنها سفسطة الشيوعيين والسياسيين "العقلاء" ويدعو إلى الانخراط فيها ومعه الشيخ عبد اللطيف سلطاني، حيث نزل الإثنان إلى العاصمة بناء على تفاهم بدورهما مع قيادة الثورة في أيامها الأولى.. ولعل الأستاذ أحميدة عياشي يعرف ان رجال الجمعية منذ انطلاقة الثورة شغلوا مواقع قيادية في اكثر من صعيد جهادي عسكري وإعلامي وسياسي وهذا قبل ان يلتحق عبان رمضان رحمه الله بالثورة.
عجبتُ كثيرا كيف تتحول المواقف البطولية إلى مشهد ساخر، وحزنت كيف يتم تكسير رمزية القادة الكبار الذين صنعوا طريقا لخلاص الشعب بكيفية هازلة، حيث حول الأستاذ أحميدة العياشي موقف الإمام عندما ساومه الحاكم الفرنسي بأن عليه ان ينسحب من جمعية العلماء مقابل الإفراج عن أبيه المخالف لقوانين الضريبة الفرنسي، وكيف غادر الإمام مقر الحاكم الفرنسي إلى مقر الجمعية لا يلوي على شيء، وعندما وصل أرسل إلى الحاكم الفرنسي رسالة من كلمتين فقط "اذبح أسيرك"، وعقّب الإمام على الموقف قائلا: أدركتُ اليوم فقط نعمة اليتم!
الأستاذ احميدة رأى في نشأة الإمام ابن باديس مثلبة تشينه، وكرر ذلك مرارا، ولكن عندما رأى في انفصال ابن باديس عن بيئته غمز إلى كون ذلك عقابا وبراءة من العائلة وسوى ذلك من اشارات لتقليل قيمة ابن باديس في الحس والوجدان.. ما يعرفه الأستاذ احميده او قد لا يعرفه ان ابن باديس عاف الدنيا كلها وأوقف نفسه من اجل الجزائر والإسلام وانه هجر الملذات ونعيم الحياة المرفهة وألزم نفسه غرفة في مسجده قضى فيها حياته، الأمر الذي لم تطِقه زوجته فطلقها معتكفا في محراب الوطن، وكان مثالا للأخلاق والقدوة وعفة النفس والطهارة..
اكتفيت هنا بالاقتراب بهدوء من حديث الأستاذ احميدة عن الجمعية وابن باديس، ولكني اؤكد ان الموضوع فعلا يحتاج إلى اثراء لكي تعرف اجيال الجزائر عناصر عظمة قياداتها التاريخية التي صنعت المفاصلة مع الاستعمار ثقافيا وروحيا والذين كان على رأسهم بلا شك الإمام ابن باديس معجزة الحياة في الجزائر.
  • ملف العضو
  • معلومات
أمازيغي مسلم
شروقي
  • تاريخ التسجيل : 02-02-2013
  • المشاركات : 6,081
  • معدل تقييم المستوى :

    19

  • أمازيغي مسلم has a spectacular aura aboutأمازيغي مسلم has a spectacular aura about
أمازيغي مسلم
شروقي
رد: جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.. واحميدة العياشي
28-05-2016, 05:03 PM

لمن لا يعلم.. هذه هي جمعية العلماء المسلمين الجزائريين
صالح عوض

ليس سهلا أن تجد نفسك مضطرا لإثبات أن الشمس هي التي تملأ الكون ضياءً ونوراً، وليس مريحا أن تذهب لإثبات الأوليات في حياة الفرد والمجتمع، ولكن ما الحيلة وأنت ترى أن الأمر ضروري خشية أن تتسلل إلى الأذهان مقولاتٌ وروايات تحجب مع الزمن الرؤية فتحمل أولادنا أثقالا وعراقيل؟
جمعية العلماء المسلمين والثورة.. جمعية العلماء المسلمين والاستعمار.. إن العناوين على هذه الشاكلة إنما تشير إلى أن هناك حديثا لابد أن يقال، وبالفعل ما كاد مقالي السابق عن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين يرى النور حتى غمرتني رسائل القراء الكرام من أساتذة ومهتمين وطلبة تعزز في نفسي روح الصمود وتدعوني إلى المواصلة، وفاجأني أحدهم بأن أرسل لي وثيقة عن لقاءات بين الشيخ ابن باديس وشيخ زاوية مولى القرقور في بلدة "بويَخْفاون" بسطيف العالي الشيخ علي بن محمد بن الطيب.. وفي الوثيقة رسالة بخط الإمام ابن باديس للشيخ علي بن محمد وفيها أيضا ثبوتاتٌ لأقوال الشيخ بن باديس له حيث كان من المقربين للشيخ والمرافقين له في رحلاته في جهات الأوراس. ويروي الشيخ علي بن محمد بن الطيب أن الشيخ بن باديس كان كلما نظر إلى جبال الأوراس وإلى الأرض المترامية يقول: "إن الجزائر لا تحصل على حقها إلا بالدم" كان ذلك قبل نهاية 1929.
وفي آخر عمره المبارك كان يطوف بأماكن عديدة، ويروي أصدقاؤه المقربون أنه زار سطيف وطلب منهم أن يأخذوه لمعاينة القاعدة الاستيطانية العسكرية في عين أرنات، ودعا بعضهم إلى تجميع السلاح.. وقال رحمة الله عليه: لو اجتمع لي عشرة من عقلاء الجزائر فإنني سأعلن الثورة.. سأله أحد المقربين في جلسة خاصة: وإلى متى سننتظر يا شيخ؟ فرد عليه: عندما يحتلّ النازي باريس..
منذ البداية؛ بداية عمله الدؤوب في نشر الوعي والمعرفة وتعليم اللغة وحتى سنة 1940، كانت الطريق واضحة أمامه كما أشار بذلك الشيخ البشير الإبراهيمي في حديثه عن الأشهر الثلاثة التي جمعته مع الشيخ ابن باديس في المدينة المنورة درسا فيها وضع الجزائر كأنها كتاب مفتوح كما يقول، ووضعا لها الخطط والتصوُّرات والاحتمالات للنهوض بالجزائر وطرد الاستعمار وثقافته ووجوده.
ابن باديس الذي يصل به الحد إلى إصدار فتوى لم نسمع مثيلا لها في السابقين ولا اللاحقين بأن المتجنِّس بجنسية فرنسا مرتدّ عن الإسلام ردة لا توبة منها.. ويصل به الموقف إلى القول جازما بأن فرنسا لو طلبت منه قول لا إله إلا الله فإنه لن يقولها.. ابن باديس الذي كان خارجا من المسجد بعد صلاة العشاء فمرّ برجل في حالة سُكر يهتف "تحيا الجزائر" فيقول: والله لولا أنزِلَ فيها نهيٌ لأمرت بشربها.. ابن باديس الذي يشرح ويفسِّر كيف أن الجزائر ليست فرنسا ولن تكون فرنسا، ويدعو الشعب إلى أن يعرف قيمة نفسه ويثب نحو كرامته وحريته، فإما الحياة وإما الممات.
بكل صدق لا أعرف من أين جاءت فِرية الاندماجية وهو الذي صرخ في اليوم الأول: "ومن رام إدماجا له رام المحال من الطلب" يبدو لي أن هناك مشكلة في فهم اللغة العربية. أما عندما ذهب إلى باريس ليلتقي بالفرنسيين حاملا مطالب الجزائريين وهو يعلم يقينا أن الاستعمار الفرنسي لن يقبل من الجزائريين إلا الخضوع وقبول الحال على ما هو عليه، ذهب الشيخ ابن باديس ليقول لدلاديه عندما أشار إلى مدافع فرنسا: "إن لنا في الجزائر مدافعَ أطول" وعندما سأله دلاديه الفرنسي عن ماهيتها؟ قال له إنها مدافع الله.. وبعد أن عاد إلى الجزائر صرخ في الشعب أن هبُّوا لنيل العلا وإن قيمتكم التي تجوهلت من قبل غيركم أنتم الأولى برفع شأنها، وإن عليكم الاتحاد في مواجهة استحقاقات الكفاح الذي ليس عنه بديل لنيل الكرامة والحرية ورفع شان الإسلام في البلاد، فعليك أيها الشعب وثبات وإما الحياة وإما الممات.
على طول ربع قرن، كانت دروس الإمام وشروحه في القرآن الكريم والحديث الشريف وكتب الفقه والتاريخ القديم والحديث بما فيه تاريخ الجزائر وعلماء الجزائر تؤسس لمرحلة كفاح واسعة، وهو يدرك أن ليس المطلوب إبراز بطل، إنما المطلوب صنع جيل، فكان الجيل الجميل الرائع الذي أنتجته جمعية العلماء المسلمين جيلا متميزا لم يجتمع في حيز زماني ومكاني في أي قطر من أقطار العرب والإسلام؛ من فضيل الورتلاني والبشير الإبراهيمي ومحمد عيد آل خليفة والتبسي وبيوض والميلي وتوفيق المدني والقافلة الكريمة... جيل أصبح بلا شك هو الأمين على عهدة العروبة والإسلام في الجزائر وهو القدوة الرائدة لنهضة شعب سرت في دمائه من جديد روحٌ جديدة من الإحساس بضرورة خلع الاستعمار وإلقائه خارج الوطن.
لقد كان ابن باديس ثوريا كاملا، وكان مشروعه ثوريا بإتقان، وإن لم يكن مشروع ابن باديس ثوريا فما معنى الثورة إذن؟ ابن باديس مشروعٌ لتغيير الأفهام والسلوكات والأوضاع والقيم السائدة وإحداث القطيعة النفسية والعملية مع الحالة الاستعمارية على طرفيها القابلية للاستعمار والمعامل الاستعماري جملة وأداته الأساسية الأولى هي الوعي والمعرفة.. فإن لم تكن هذه ثورية فماذا يعني أن يكون الرجل ثوريا؟ هل يعني أن يُلقي خطابا ناريا ويمشي وإذا حان حين الثورة ينقلب عليها؟ أم أن عليه أن يشتم ويسبّ ويعلن تحمّله أعباء أكبر من إمكانياته؟ إن الثوري والثورة هي عملية منهجية تراكمية للقضاء على كل الكيان الاستعماري وأول عناصره هي الثقافة والقيم.. وآخرها الوجود المسلح المستبد.
ابن باديس ثورة على أفهام واعتقادات سائدة في المجتمع، وكان ثورة على الأمِّية والجهل والتوحُّش، وثورة على وضع المرأة المستَلَب فحررها بالعلم، وثورة على بني "وي وي" وسياساتهم العرجاء، وثورة على الأفهام الاستعمارية العنصرية وعلى شروط القابلية للاستعمار، وثورة على القيم الهابطة والسلوكات المنحرفة التي مكَّنت للاستعمار في البلاد.. وكانت كل هذه المفاهيم والممارسات منضبطة في برنامج ثوري تصاعدي بدأ من كلمة السر "اقرأ" إلى إعلان عن مطالب الجزائر كاملة والمتلخِّصة بالحرية والسيادة والاستقلال، لأن الجزائر ليست فرنسا ولن تكون فرنسا..
إن دراسة المشاريع تلتزم السياق العام والأحداث الكبرى ومفاصل الأفكار والمشاهد وتطورها والمعيار فيها.. وتتجنّب الدراسة الموضوعية العلمية السقوط في البحث عن مثالب غير مرئية في سلوكات الناس الشخصية.. من هنا أؤكد مجددا إن ابن باديس اعتبر الجزائر محرابه والإسلام نوره والشعب كل الشعب أهله الأقربين. وكان ذلك مكثفا كما قال: لمن أعيش؟ وأجاب: إنني أعيش للإسلام والجزائر.
أما جمعية العلماء المسلمين بعد وفاته، فلقد تعرضت لهجوم واسع من قبل الإدارة الاستعمارية التي قامت بنفي البعض، وفرض الإقامة الجبرية على البعض الآخر، وأغلقت المدارس، وسجنت الشيوخ والمدرٍّسين، وصادرت الأملاك.. إلا أن الجمعية لم تتوقف واستمرّ نضالُها مع حزب الشعب لتكوين حركة أحباب البيان مواصلة نضالها السياسي والتعليمي والمعرفي حتى كانت في كل ميادينه رائدة مؤثرة بعمق في أجيال الشباب. والملفت أن الجمعية اتخذت عامي 1953 و1954 شاهدين على نشاط دؤوب لشعراء الجمعية وشيوخها في مهرجانات وحشود تهيئة للناس لعمل ثوري يقلع الاستعمار وينهي حقبته السوداء، الأمر الذي دفع بشاعر الجزائر الكبير مفدي زكريا إلى القول في قصيدة مشهورة له عام 1953 "جمعية العلماء المسلمين ومن للمسلمين سواك" معلنا أن الشعب قد ألقى ببيعته في أعناق رجالها..
انطلقت الثورة المجيدة؛ ثورة نوفمبر المباركة، فانخرطت فيها منذ يومها الأول قياداتُ الجمعية من الشيخ العربي التبسي الذي اغتالته أجهزة الأمن الفرنسة في 1955 وعبد الرحمن شيبان وعبد اللطيف سلطاني وتوفيق المدني... كما كانت غالبية الشباب الأوائل المنخرطين في قيادة الثورة ومجاهديها قد تخرّجوا من مدارس الجمعية.. رحم الله ابن باديس والرجال الذين صدقوا معه العهد، ورحم الله شهداء الجزائر وفلسطين وتولانا الله برحمته.
يروي الشيخ علي بن محمد بن الطيب أن الشيخ بن باديس كان كلما نظر إلى جبال الأوراس وإلى الأرض المترامية يقول: "إن الجزائر لا تحصل على حقها إلا بالدم" كان ذلك قبل نهاية 1929.
مواقع النشر (المفضلة)

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 


الساعة الآن 08:20 PM.
Powered by vBulletin
قوانين المنتدى