الشروق في زيارة لمركز علاج المدمنين على الفايسبوك!
31-05-2016, 07:05 AM

روبورتاج: ب.عيسى

صحافي، ومدير المكتب الجهوي لجريدة الشروق بقسنطينة

"لم أعد أرى ابنتي إلا نادرا، لأنها منزوية في ركن بعيد، مع عالمها الافتراضي، تبستم تارة إلى درجة القهقهة، وتحزن تارة أخرى إلى درجة البكاء، بالمختصر المفيد أحس بأن شيئا قد خطفها مني".. هذا الاعتراف المرعب الذي صرح به أحد الآباء، ما هو إلا نقطة في محيط هائج، من معاناة الكثير من الجزائريين مع هذا العالم الافتراضي، ما مهد لظهور أول مركز للعلاج على الفايسبوك في الجزائر والذي تمكن من استقطاب العديد من الحالات..
أكد الأمريكيون، منذ أكثر من عشرين سنة أن الجلوس أمام الانترنت لمدة خمس ساعات يوميا، هو إدمان قائم بذاته عبر دراسة قام بها مختصون، فإن الأمر تأخر عندنا إلى أن بلغ "الموس العظم"، فكانت الكارثة أو كادت، فظهرت خلية علاج الإدمان على النت والفايسبوك، وتم وضعها تحت مظلة المركز الوسيط لمكافحة الإدمان.
الشرق اليومي انتقلت إلى مكان الانطلاق، وحاورت صاحب فكرة معالجة الإدمان على النت والفايسبوك، الذي شغل الكثير من المراكز في العالم العربي وخاصة في الخليج، الذين ثمنوا المبادرة وباشروا التفكير في بعث مثيل له، لا يوجد لحد الآن سوى في الصين وكوريا الجنوبية.
أولا لكل مبادرة أو فكرة رجالاتها؟
اسمي رؤوف بوقفة في الـ37 سنة من العمر، حاصل على ليسانس في العلوم القانونية والإدارية، متزوج وأب لابنتين في الرابعة والتاسعة من عمرهما، وأدير حاليا المؤسسة العمومية للصحة الجوارية بمنتوري بقسنطينة، ألفت لحد الآن خمسة كتب تعنى بالتنمية البشرية وبالفكر والإصلاح، منها النجاح خطوة خطوة، وكن حكيما وغيرها.
أكيد أن لفكرة علاج الإدمان على الفايسبوك جذورا؟
معروف بأن الحاجة أم الاختراع، والقراءة السليمة لواقعنا وخاصة لواقع الشخص المفكّر تجعلنا نجزم بأننا نسير نحو المجهول من دون أي مبادرة للإصلاح، بدأتُ بنفسي، صرت أشعر بأني أهرب من أصدقائي، ويهربون مني، من غير المعقول أن تجالس أصدقاءك في مقهى وأحدهم يسبح عكس التيار في عالم آخر، بحثت في الموضوع وانتقلت إلى البحث عن إطار لمعالجته، وكانت فرحتي أنني اكتشفت بأن المركز الوسيط لمكافحة الإدمان لم يحدّد نوع الإدمان، أمر جعلني أنقل دراسة من دكتورة أمريكية تؤكد بأن الإدمان يعني أيضا الانترنت، فباشرت عملي لوضع حجر أساس لهذه الخلية بمساعدة طبيبين في الأمراض العصبية ونفسانيين ومتخصصين في العلوم الاجتماعية، وباشرنا العمل على وضع خلية لمعالجة هذا النوع من الإدمان غير المادي.
هل باشرتم العمل على عينات من الأفراد؟
المصابون بالإدمان كثيرون، ولكن المبادرة عمرها أسبوع فقط لحد الآن.
الإدمان هو مرض قائم بذاته، ما هي أعراض الإدمان على الفايسبوك؟
كثيرة جدا وخطيرة جدا أيضا، منها فقدان العامل الزمني، أنا أسميها بالكهف الافتراضي، في الحياة توجد موت صغرى وأخرى كبرى، وهي ما بينهما، أهل الكهف خرجوا يسألون: كم لبثنا؟ والخاشع في عالم الفايسبوك يفقد زمنه ولا يدري كيف مرّت الساعات والعمر في عالم من الخيال، في الزمن السابق كان يوجد التنويم المغناطيسي، وقد بلغنا الآن درجة التنويم الانترنيتي، إضافة إلى غسيل الدماغ الذي يجرّ بعض الشباب بعد تنويمهم افتراضيا إلى طلب زواج النكاح أو الإعجاب بداعش أو الإلحاد أو حتى الشذوذ.
من الأعراض أيضا الانفعال عند قطع الانترنت، أو كسر خلوة المدمن، لأنه يعيش عزلة نفسية رهيبة عن الأسرة وعن الأصدقاء وفي حقيقة الأمر عن الحياة الحقيقية، تمتعت الجزائر في الزمن الجميل، بروعة العائلة الكبيرة، ثم تم اختزالها إلى العائلة الصغيرة ونحن الآن بلغنا العائلة الفرادية المكوّنة من شخص واحد وأشباح، وبمجرد انقطاع الانترنت حتى يكره الشاب عائلته ومدينته وبلده ويلعن كل من يصادفه في طريقه، ويعيش الهلع بكل ما تعنيه الكلمة من أحزان وهلوسة.
الأمر خطير إذا؟
بل أخطر مما يتصوره البعض، هو سمك قرش أو إبليس، المدمن يشعر باهتزازات وهمية مع تعلقه الشديد بهذه الأوهام، لقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تعس عابد الدينار وتعس عابد الدرهم وتعس عابد القطيف، وقال فيلسوف: قل لي في ماذا تفكر كل الوقت، أقل لك من هو ربك. ولا أظن أن الناس تختلف معي بأن هوى الإنسان هو إلهه.
لكن العلاج ممكن؟
في السابق كنا نتسلى بالقول بأنها الشبكة العنكبوتية، لكننا لم نعلم بأننا سنتحول إلى ذباب يلتهمنا العنكبوت بخيوطه، العنكبوت تخدّر ضحاياها وتغلفهم بالشرنقة وتلتهمهم، هكذا حالنا مع الشبكة العنكبوتية أو الانترنت، العنكبوت الأنثى علميا تلتهم الذكر وأبناءها يلتهمونها، وهي في كل الأحول أوهن البيوت كما جاء في القرآن الكريم، فلا يجب أن نستسلم لها، ولأن مضارها تصيب المجتمع ونفسية الأفراد والاقتصاد وحتى الأمن، فالتجنيد ضروري لمجابهة هذا العنكبوت الخطير، حتى لا نترك للمستثمرين في الدين وفي الطب وفي الزواج وللماسونية موقع قدم، وحتى الأسئلة التي تتهاطل على غرابتها على رواد الفايسبوك مثل السؤال عن أحب الألوان والأطعمة وفرق الكرة هي في الغالب عمل استخباراتي دقيق جدا، لقد حطم الفايسبوك الكثير من القيم فصارت البنت تختلي بغريب في غرفتها افتراضيا، وهو أخطر من الوقع، وصار الناس يصورون لصالح الغرباء والمجهولين، أعراسهم الحميمية وتواجدهم في الحمامات وفي الجنازات، وحتى أثناء تأديتهم لمناسك العمرة والحج، وتبادلها على نطاق واسع فضاعت الحٌرمة والنية والخجل واحترام الآخرين وحتى الخشوع لله.

آمال مدمنة على الفايسبوك:
"مستعدة لدفع أموالي والتخلص من العالم الإفتراضي"
قالت الآنسة آمال البالغة من العمر 28 سنة بأنها ستكون أول مريضة تطلب العلاج من خلية معالجة الإدمان على الفايسبوك، بعد أن ظهرت عليها كل الأعراض التي أسمتها بالمأساوية، آمال التي أنهت دراستها الجامعية منذ ثلاث سنوات في علم النفس، وجدت نفسها في حاجة إلى عالم نفساني ينتشلها مما هي فيه، فلم يعد يضحكها في الدنيا إلا ما يأتيها من العالم الافتراضي، صارت تكره عالم الواقع، وكلما ارتفع صوت شقيقها عليها ارتمت في أحضان المجهول، واعترفت للشروق اليومي بأنها ترتكب الحرام ولكن في العالم الافتراضي، وأحيانا من دون أن تسال عن هوية الصديق، تروي له ما تخفيه عن والدتها.

صابر مدمن على الفايسبوك:
"تخلصت من المخدرات فوقعت في شباك الأنترنت"
من دون تردّد يقول صابر للشروق اليومي: في رمضان 2014 تخلصت من إدماني على المخدرات، كنت أستعين بالانترنت، ومن حسن حظي وسوئه أيضا أنني تخلصت من المخدرات عبر أصدقاء من الأنترنت والآن أقع في جحيم النت، إلى درجة أني صرت أفكر في العودة للمخدرات، لقد انقطعت عن أبنائي، كنت مدمنا على التفرج على الفضائيات، لكني الآن أنقل هاتفي النقال إلى كل أماكن خلوتي بما فيها الحمام، ولا أنام طوال اليوم أكثر من ساعة زمن، هي معاناة نفسية ومعنوية وحتى جسدية، الذين لا يعتبرونها إدمانا هم مخطئون، والذي لا يطلب العلاج من هذا الإدمان، كمن يلقي بنفسه في التهلكة مع سبق الإصرار والترصد.