الأستاذ علي يحيى عبد النور : كيف نجمع بين جزائريين يفرق بينهم نهر من الدماء؟
26-08-2008, 01:50 PM
الأستاذ علي يحيى عبد النور لـ ''الخبر''
كيف نجمع بين جزائريين يفرق بينهم نهر من الدماء؟
يرى الأستاذ علي يحيى عبد النور، الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الحلول الأمنية لظاهرة العنف مستحيلة، وأن الحل الوحيد الممكن إنما هو تغيير النظام الحاكم نفسه. ويمر ذلك من خلال مسار ديمقراطي حقيقي، أساسه إشراك جميع الحساسيات السياسية في استراتيجية يقبلها الجميع ويساهم الجميع في تنفيذها.
ما هي قراءتكم لتصاعد العمليات الإرهابية في المدة الأخيرة؟
أندد بكل شدة بالأعمال الإجرامية التي ضربت البلاد، وأنحني أمام أرواح الضحايا وأقدم تعازي لعائلاتهم. إن الهجوم الكبير الذي تقوده الجماعة السلفية تفسر باقتراب شهر رمضان، وباقتراب الذكرى العاشرة لتأسيسها، والذكرى الثانية لانضمامها إلى القاعدة. ولا يتعلق الأمر بتصاعد العنف وإنما باستمرارية تنفيذ استراتيجية الجماعة السلفية التي نفّذت مؤخرا عشرات العمليات في عدة ولايات من القطر بوسائل هامة وباستهداف قوات الأمن بالخصوص.
ومن هنا، فإن عودة العنف بهذا الشكل يجعلنا نشك في الاستراتيجية الأمنية المتبعة، ذلك أنها عارية من أفق سياسي. فالجماعة السلفية تتمتع بدعم وسند في أوساط المواطنين، وهناك شباب منهم مراهقون ''يطرقون أبواب الجبال'' وإن وجود انتحاريين، مشكلة من الخطورة بمكان، من شأنها قلب الاستراتيجية الأمنية.
ما هي قراءتكم السياسية؟
إن مكافحة الإرهاب يعني أولا فهم أسبابه وبعد ذلك تنظيم أنفسنا للقضاء عليه. إن العنف هو الذي ولّد الأزمة على جميع المستويات.
احتكر النظام لصالحه استقلال البلاد وكانت فترة الاستقلال لصالح الذين أثّروا بطرق غير شرعية ودون أن يحاسبهم أحد. ولم تؤد السياسة المتبعة إلى مواجهة الأزمة ولا إلى حلها، فلا تغيير إلا بتغيير النظام السياسي. وبدل ذلك تحول هذا النظام إلى ملكية تراقب وتتحكم وتسيّر كل شيء في الجهاز التنفيذي، وفي هرم الإدارة التي يتحكم فيها أتباع النظام. والنظام الرئاسي يعني إذابة الشعب في شخص من يحكمه، ومن هنا تحولت السلطة إلى شخص واحد لا غير.
والنظام الرئاسي هو الطريق الذي يضمن تخلي الشعب عن ممارسة حقوقه. الرئيس يخنق الوزير الأول وليس مستشارو الرئيس سوى امتدادا له نفسه. وقد عمد بوتفليقة إلى تكوين فريق على مقاسه وعلى صورته و في خدمته.
كيف تدور لعبة السلطة اليوم، هل سيترشح بوتفليقة؟
لنلاحظ أن إحساس المرء بكونه ضروريا ولا يمكن تعويضه هو إحساس يطبع كل وظيفة تسلطية.
هل سيكون هو المرشح الذي سيخلف نفسه في الرئاسيات القادمة؟ هل يملك من القدرة الجسمية ما يسمح له بتسيير شؤون البلاد؟ ما هي أسباب ما يحيط بحالته الصحية من غموض؟
إن ثقة الرئيس في طاقته وإرادته وقدرته الثقافية ردود فعل طبيعية وإنسانية، بينما يتساءل عامة الجزائريين عن تطور السلطة ومسيرتها وعن المستقبل. يقولون نحن على مقربة من مواعيد كبيرة وأن البلاد ستشهد، دون ريب، قطيعة، وربما لا مناص من إعادة توزيع الأوراق. ويريد بوتفليقة أن يبقى سيد اللعبة إلى آخر لحظة. إنه يمقت فكرة أن يخلفه أحد غيره وهو على قيد الحياة، في وقت تخلى فيه كاسترو عن السلطة لأنه لا يملك القدرة الكافية لممارستها.
وماذا عن تعديل الدستور؟
الذي أقوله أن الرئيس لا يستطيع أن يتقدم لعهدة ثالثة بعد عهدتين متتاليتين دون قيامه بتعديل دستوري وخاصة المادة .74 وأرى أن تغيير الدستور من أجل شخص واحد ليس من العدل والواقعية في شيء، كما قال فلاديمير بوتين. وقد عرفت الجزائر خمسة دساتير، مع هذا الذي تسعى إلى تغييره، في ظرف 46 سنة منذ الاستقلال، دساتير لم تطبّق إلا قليلا قبل أن تعدل، وغالبا ما تصبح بالية قبل الشروع في تطبيقها. إذا انتهى التاريخ السياسي لرجل من الرجال وعندما تنتهي عهدته الشرعية، فلا يجب محاولة القفز على الأقدار وإضافة باب آخر.
لا يمكن أن تشكل عبادة الشخصية مثلا أعلى في بلادنا، ونحن نطمح إلى التقدم العلمي والتكنولوجي وإلى العدالة والحرية، فلا عدالة دون حرية ولا حرية دون عدالة.
وعليه، فمن الأهمية بمكان إذن رفض عهدة ثالثة لبوتفليقة. أما إذا قدّر لها أن تكون، فستجلب مساندة الكثيرين وساعتها يستطيع أن يقول، كما قال ملك إسبانيا: ''ليس هناك تعسف للسلطة في هذه البلاد، هنالك تعسف في الولاء''.
وستطرح الانتخابات القادمة مشكلة جدية، فذاكرة الجزائريين لا تزال شاهدة على التزوير الذي أصبح من تقاليد الأخلاق السياسية عندنا. فليس من أهداف الانتخابات اختيار القادة، لأن الاختيار يأتي بصفة مسبقة، ثم تأتي الانتخابات لتحوّل تلك الخيارات إلى شرعية، إن إرجاع حق المواطنة للجزائريين ضرورة ملحة.
كيف تستعاد المواطنة؟
الشبيبة الجزائرية قلقة على مستقبلها، لا أفق لها، وفي كل مرة يؤجل دخولها إلى عالم الحياة النشطة، ومن شأن ذلك أن يجعل منها أول قوة للتنديد والمعارضة السياسية، ونرى المرارة والغضب والأحقاد تختمر في صفوفها. وتواصل السلطة من جهة أخرى تجاهلها درجة استياء الشبيبة وعمق إحساسها باليأس. إن هؤلاء الشباب البطالين الذين لا أمل لهم في العمل وأولئك الذين لفضهم النظام المدرسي، هؤلاء الذين يجرون بطالتهم بين مداخل العمارات العفنة، ما الذي يفكرون فيه، ما هي مطالب هذه الطبقة المقصاة في القرن الواحد والعشرين؟
يجب أن تكون المسألة الاجتماعية في قلب النقاش، فهي على أبواب الانفجار. فغضب الشعب وقلقه يدفعه إلى الثورة والشغب أمام سلطة صمّت آذانها عن مطالبه. ولا أدل على ذلك من تراجع القدرة الشرائية أو ليس هناك القطيعة بين أقلية بمستوى معيشة تساوي أو تفوق معيشة الدول الأكثر غنى، وبين غالبية تكدح لسد حاجاتها الأساسية. أكثر من ستين في المائة من الجزائريين فقراء، يضاف إليهم المتقاعدون والطبقة الوسطى الذين يجدون صعوبات في إكمال شهورهم بصفة تحفظ كرامتهم.
هل فشلت الحكومة؟
كيف نحكم على حكومة بغير الفشل إذا لم يكن الفقر هو المقياس الأول؟
هذا يؤدي بنا إلى مسألة أخرى لها علاقة بالفشل وبالمشكلة السياسية، وهي غياب العمل النقابي المستقل، لنؤكد على ضرورة وجود نقابات مستقلة ومسؤولة همها الأول الدفاع عن حقوق العمال. وإلا، فإن الغضب يتصاعد، بينما المفروض محاولة تقليص الفوارق التي تغذيها، خاصة وأننا نلاحظ بروز إرادة نقابية حقيقية لا يجوز للسلطة أن تتجاهلها لتقرر وحدها ما تريد من برامج لا يقدّرها ولا يقبلها أحد، لأنها تهمل عناصر أساسية يحملها العمال وممثلوهم.
صوت العمال يقول: يجب على الحكومة أن توقف السباق الفردي للإثراء والعمل وحده هو الذي يحدد الشرط الإنساني، وخاصة شرط حرية العمل النقابي في بعديه: التعددية والانخراط الحر بعيدا عن تسييس الاجتماعات النقابية وقمع المظاهرات العمومية.
ما علاقة تصاعد العنف بفشل أو نجاح ميثاق السلم والمصالحة؟
أراد ميثاق السلم والمصالحة ترقيع النسيج الاجتماعي بعد أن مزّقه العنف، وذلك من خلال تموقعه فوق كل مستلزمات الحقيقة والعدالة. وبنفس منطق المصالحة والوحدة الوطنية يجب أن نرى في كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة أفضل دواء ضد الآثار الجانبية لإخفاء الحقيقة، توقفت المصالحة الوطنية عند جانبها الأمني دون أن تكون مشروعا سياسيا كبيرا.
كيف يمكن الجمع بين جزائريين يفرق بينهما نهر من الدماء؟ هل نختار بين العفو مقابل العدالة (ضد العدالة) أم بين السلم مع العدالة؟ إن العفو بلا حقيقة وعدالة يساوي اللاعقاب. هل يجب التضحية بالعدالة من أجل العفو؟ هل يجب الاختيار بين الحق والعفو؟
إن الآثار النفسية التي كان يبحث عنها الرئيس من خلال مشروعه، أي استسلام تام للجماعات المسلحة، وأن يأتي الإرهابيون خاضعين أمام لجان الإرجاء، ثم تنتهي الحرب بسبب فقدان من يقوم بها. أقول ذلك لم يحدث، فقد بقيت العديد من الجماعات المسلحة، تحت لواء الجماعة السلفية في الجبال، أي فشل أكبر من هذا؟
كيف تحللون الاستراتيجية الأمنية للسلطة، هل يجب تغييرها، تكييفها؟ أم هل يجب تغيير الحكومة؟
إن الاستراتيجية الأمنية للسلطة قد فشلت، في سنة 1990 لم يتجاوز تعداد الشرطة يوميا 21000 رجل، وهو الآن يقارب الـ 200000، وكان عدد أفراد الدرك 16000 وهو الآن يقترب من 120000مع ميزانية ضخمة، ومع ذلك فالنتائج نعرفها. إن السلطة هي التي يجب تغييرها، لم يحدث أن استقال وزير وليس هناك وزير يريد الاستقالة.
في نهاية زيارته لكوبا قال غورباتشوف لكاسترو: ''يجب تغيير كل ما تم فعله من قبل'' فأجاب كاسترو: ''أنا من كنت هنا من قبل''. والقياس أن مهمة الرئيس هو أن يكون رجل البلاد كلها. وعن الوضع الجزائري يحق أن نتساءل: هل من صراعات بين أشخاص أو استراتيجيات في قمة هرم السلطة؟ إن سجن الجزائريين في رباط من حديد خطأ شنيع ندفع ثمنه بانهيار البناء كله.
الشعب الجزائري لا يملك مصيره، يعاني السياسة ولا يمارسها ومطلب الكرامة هو أول ما يحس به الجزائريون في أعماقهم.
المطالب تتراكم دون أن يوليها النظام أدنى اهتمام والمقياس الذي نحكم به على نجاح سياسة معينة هو نجاعتها ونتائجها لا نواياها. وعندما ننظر إلى واقعنا، فإن حالة الطوارئ قد أضعفت كثيرا مصداقية البلاد وأفسدت ثقة الشعب.
من أين للشعب بالثقة في جو تكتل العصب، الوجه الآخر للقبيلة التي لا تعترف إلا بمصالح أفرادها؟ ومن أين له بالثقة والرشوة قد تجاوزت كل ما يمكن تخيله؟
لا ديمقراطية إلا مع شعب حر في اختيار ممثليه، من تخيف الديمقراطية ولمذا؟ يجب على السلطة أن تتحلى بالواقعية السياسية من خلال فتح آفاق سياسية، وأن تتفتح على الأجيال الجديدة. الشرط الحاسم في عملية التغيير أن يعيد السلطة القضائية إلى أهلها ويفرض احترام حرية التعبير والصحافة، شروط ضرورية لمحاربة الرشوة والتعسف اللذان أصبحا نموذجا في الحكم والحياة.
هل من سبيل إلى التغيير؟
العدالة في قلب الأزمة والسلطة تذكّر بضرورة استقلاليتها عندما تكون في صالحها، بينما تستعملها كوسيلة من وسائل الجهاز التنفيذي.
حان الوقت أن يفيق النظام إلى أن الطرائق التسلطية في ممارسة الحكم قد ولّت بسبب غياب مشاركة حقيقية للمواطنين في السياسة الوطنية، تحولت الدولة من دولة القانون إلى دولة اليمين. سلطة لا تمنح المواطنين الشيء الوحيد الذي يريده الجزائريون، الحرية والعدالة.
يجب ألا ننسى البعد الإنساني للمشاكل التي نميل إلى طرحها في قالب سياسي أو اقتصادي. فلكي نربح معركة لا يكفي أن نحسن القتال، بل يجب أن نحسن اختيار المكان والوقت المناسب لخوضها.
إن ثقل الأفكار والحاجة إلى الحرية أمور من شأنها أن تحدث التغيير الديمقراطي من خلال تأثيرها في المجتمع.
أنظر مثلا، هناك صحوة إسلامية في كل العالم الإسلامي الذي يعيش عقيدته وحياته اليومية حسب المبادئ الإسلامية. والهاجس الكبير في الغرب هو الإسلام وما يجده الإسلام هناك من إهانة أمر لم يعد يطاق، وبينما يساند قادة العالم العربي وكلهم شموليون متسلطون، السياسات الأمريكية، ثم الأوروبية، نرى الجماهير المسلمة في أغلبها تنضوي تحت لواء الإسلام ومن يدافع عنه. وهكذا يجد حكامنا أنفسهم في حالة توازن غير مريح بين ولائهم للغرب أو شعوبهم. للرؤساء العرب أولويتان: إضعاف الأصولية الإسلامية وتوابعها الإرهابية وقمع الشغب الاجتماعي الذي يعكس قلق جموع الجماهير المعدمة.
كيف يمكن تصور طبيعة الحل: أمنية سياسية، أم هناك خيارات أخرى؟
ليس هناك حلول أمنية ومن السبل التي يجب اتباعها العمل على صقل الروح الوطنية من خلال الاستعانة بالمناضلين الذين يحبون خدمة بلادهم والذين تشكل الأمانة عندهم فضيلة سياسية. بإمكان هؤلاء أن يضعوا كفاءاتهم وخبراتهم والتزامهم في خدمة البلاد، كما أن بإمكانهم أن يتفتحوا على المجتمع كشرط وحيد تواصل لإعادة بعث البلاد.
لا بد أن يكون هناك تفكير جماعي يقودنا إلى إرادة سياسية وذكاء استراتيجي قادر على تقدير المشاكل وآثارها ومناقشتها وشرحها لنكون قادرين على تجنيد الجميع.
أما والحالة هذه، فالجزائر تزحف إلى الهاوية، الأمل لا يصرف في الماضي، بل في الحاضر والمستقبل. إن السلم أكبر ما يجب أن يفكر فيه المجتمع واستعادته أولوية الأولويات. إن حقن الدماء مسألة استراتيجية يجب أن تسكت ليس السلم وليد القوة ولكنه ثمرة الفضيلة والتسامح والتضامن والسخاء بين الرجال.
وفي الأخير لا يتحقق السلم إلا عن طريق حوار شامل وعام مع مشاركة جميع الحساسيات السياسية، الاجتماعية والثقافية.
2008-08-26
http://elkhabar.com/quotidien/?idc=30&ida=120668
كيف نجمع بين جزائريين يفرق بينهم نهر من الدماء؟
يرى الأستاذ علي يحيى عبد النور، الرئيس الشرفي للرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن الحلول الأمنية لظاهرة العنف مستحيلة، وأن الحل الوحيد الممكن إنما هو تغيير النظام الحاكم نفسه. ويمر ذلك من خلال مسار ديمقراطي حقيقي، أساسه إشراك جميع الحساسيات السياسية في استراتيجية يقبلها الجميع ويساهم الجميع في تنفيذها.
ما هي قراءتكم لتصاعد العمليات الإرهابية في المدة الأخيرة؟
أندد بكل شدة بالأعمال الإجرامية التي ضربت البلاد، وأنحني أمام أرواح الضحايا وأقدم تعازي لعائلاتهم. إن الهجوم الكبير الذي تقوده الجماعة السلفية تفسر باقتراب شهر رمضان، وباقتراب الذكرى العاشرة لتأسيسها، والذكرى الثانية لانضمامها إلى القاعدة. ولا يتعلق الأمر بتصاعد العنف وإنما باستمرارية تنفيذ استراتيجية الجماعة السلفية التي نفّذت مؤخرا عشرات العمليات في عدة ولايات من القطر بوسائل هامة وباستهداف قوات الأمن بالخصوص.
ومن هنا، فإن عودة العنف بهذا الشكل يجعلنا نشك في الاستراتيجية الأمنية المتبعة، ذلك أنها عارية من أفق سياسي. فالجماعة السلفية تتمتع بدعم وسند في أوساط المواطنين، وهناك شباب منهم مراهقون ''يطرقون أبواب الجبال'' وإن وجود انتحاريين، مشكلة من الخطورة بمكان، من شأنها قلب الاستراتيجية الأمنية.
ما هي قراءتكم السياسية؟
إن مكافحة الإرهاب يعني أولا فهم أسبابه وبعد ذلك تنظيم أنفسنا للقضاء عليه. إن العنف هو الذي ولّد الأزمة على جميع المستويات.
احتكر النظام لصالحه استقلال البلاد وكانت فترة الاستقلال لصالح الذين أثّروا بطرق غير شرعية ودون أن يحاسبهم أحد. ولم تؤد السياسة المتبعة إلى مواجهة الأزمة ولا إلى حلها، فلا تغيير إلا بتغيير النظام السياسي. وبدل ذلك تحول هذا النظام إلى ملكية تراقب وتتحكم وتسيّر كل شيء في الجهاز التنفيذي، وفي هرم الإدارة التي يتحكم فيها أتباع النظام. والنظام الرئاسي يعني إذابة الشعب في شخص من يحكمه، ومن هنا تحولت السلطة إلى شخص واحد لا غير.
والنظام الرئاسي هو الطريق الذي يضمن تخلي الشعب عن ممارسة حقوقه. الرئيس يخنق الوزير الأول وليس مستشارو الرئيس سوى امتدادا له نفسه. وقد عمد بوتفليقة إلى تكوين فريق على مقاسه وعلى صورته و في خدمته.
كيف تدور لعبة السلطة اليوم، هل سيترشح بوتفليقة؟
لنلاحظ أن إحساس المرء بكونه ضروريا ولا يمكن تعويضه هو إحساس يطبع كل وظيفة تسلطية.
هل سيكون هو المرشح الذي سيخلف نفسه في الرئاسيات القادمة؟ هل يملك من القدرة الجسمية ما يسمح له بتسيير شؤون البلاد؟ ما هي أسباب ما يحيط بحالته الصحية من غموض؟
إن ثقة الرئيس في طاقته وإرادته وقدرته الثقافية ردود فعل طبيعية وإنسانية، بينما يتساءل عامة الجزائريين عن تطور السلطة ومسيرتها وعن المستقبل. يقولون نحن على مقربة من مواعيد كبيرة وأن البلاد ستشهد، دون ريب، قطيعة، وربما لا مناص من إعادة توزيع الأوراق. ويريد بوتفليقة أن يبقى سيد اللعبة إلى آخر لحظة. إنه يمقت فكرة أن يخلفه أحد غيره وهو على قيد الحياة، في وقت تخلى فيه كاسترو عن السلطة لأنه لا يملك القدرة الكافية لممارستها.
وماذا عن تعديل الدستور؟
الذي أقوله أن الرئيس لا يستطيع أن يتقدم لعهدة ثالثة بعد عهدتين متتاليتين دون قيامه بتعديل دستوري وخاصة المادة .74 وأرى أن تغيير الدستور من أجل شخص واحد ليس من العدل والواقعية في شيء، كما قال فلاديمير بوتين. وقد عرفت الجزائر خمسة دساتير، مع هذا الذي تسعى إلى تغييره، في ظرف 46 سنة منذ الاستقلال، دساتير لم تطبّق إلا قليلا قبل أن تعدل، وغالبا ما تصبح بالية قبل الشروع في تطبيقها. إذا انتهى التاريخ السياسي لرجل من الرجال وعندما تنتهي عهدته الشرعية، فلا يجب محاولة القفز على الأقدار وإضافة باب آخر.
لا يمكن أن تشكل عبادة الشخصية مثلا أعلى في بلادنا، ونحن نطمح إلى التقدم العلمي والتكنولوجي وإلى العدالة والحرية، فلا عدالة دون حرية ولا حرية دون عدالة.
وعليه، فمن الأهمية بمكان إذن رفض عهدة ثالثة لبوتفليقة. أما إذا قدّر لها أن تكون، فستجلب مساندة الكثيرين وساعتها يستطيع أن يقول، كما قال ملك إسبانيا: ''ليس هناك تعسف للسلطة في هذه البلاد، هنالك تعسف في الولاء''.
وستطرح الانتخابات القادمة مشكلة جدية، فذاكرة الجزائريين لا تزال شاهدة على التزوير الذي أصبح من تقاليد الأخلاق السياسية عندنا. فليس من أهداف الانتخابات اختيار القادة، لأن الاختيار يأتي بصفة مسبقة، ثم تأتي الانتخابات لتحوّل تلك الخيارات إلى شرعية، إن إرجاع حق المواطنة للجزائريين ضرورة ملحة.
كيف تستعاد المواطنة؟
الشبيبة الجزائرية قلقة على مستقبلها، لا أفق لها، وفي كل مرة يؤجل دخولها إلى عالم الحياة النشطة، ومن شأن ذلك أن يجعل منها أول قوة للتنديد والمعارضة السياسية، ونرى المرارة والغضب والأحقاد تختمر في صفوفها. وتواصل السلطة من جهة أخرى تجاهلها درجة استياء الشبيبة وعمق إحساسها باليأس. إن هؤلاء الشباب البطالين الذين لا أمل لهم في العمل وأولئك الذين لفضهم النظام المدرسي، هؤلاء الذين يجرون بطالتهم بين مداخل العمارات العفنة، ما الذي يفكرون فيه، ما هي مطالب هذه الطبقة المقصاة في القرن الواحد والعشرين؟
يجب أن تكون المسألة الاجتماعية في قلب النقاش، فهي على أبواب الانفجار. فغضب الشعب وقلقه يدفعه إلى الثورة والشغب أمام سلطة صمّت آذانها عن مطالبه. ولا أدل على ذلك من تراجع القدرة الشرائية أو ليس هناك القطيعة بين أقلية بمستوى معيشة تساوي أو تفوق معيشة الدول الأكثر غنى، وبين غالبية تكدح لسد حاجاتها الأساسية. أكثر من ستين في المائة من الجزائريين فقراء، يضاف إليهم المتقاعدون والطبقة الوسطى الذين يجدون صعوبات في إكمال شهورهم بصفة تحفظ كرامتهم.
هل فشلت الحكومة؟
كيف نحكم على حكومة بغير الفشل إذا لم يكن الفقر هو المقياس الأول؟
هذا يؤدي بنا إلى مسألة أخرى لها علاقة بالفشل وبالمشكلة السياسية، وهي غياب العمل النقابي المستقل، لنؤكد على ضرورة وجود نقابات مستقلة ومسؤولة همها الأول الدفاع عن حقوق العمال. وإلا، فإن الغضب يتصاعد، بينما المفروض محاولة تقليص الفوارق التي تغذيها، خاصة وأننا نلاحظ بروز إرادة نقابية حقيقية لا يجوز للسلطة أن تتجاهلها لتقرر وحدها ما تريد من برامج لا يقدّرها ولا يقبلها أحد، لأنها تهمل عناصر أساسية يحملها العمال وممثلوهم.
صوت العمال يقول: يجب على الحكومة أن توقف السباق الفردي للإثراء والعمل وحده هو الذي يحدد الشرط الإنساني، وخاصة شرط حرية العمل النقابي في بعديه: التعددية والانخراط الحر بعيدا عن تسييس الاجتماعات النقابية وقمع المظاهرات العمومية.
ما علاقة تصاعد العنف بفشل أو نجاح ميثاق السلم والمصالحة؟
أراد ميثاق السلم والمصالحة ترقيع النسيج الاجتماعي بعد أن مزّقه العنف، وذلك من خلال تموقعه فوق كل مستلزمات الحقيقة والعدالة. وبنفس منطق المصالحة والوحدة الوطنية يجب أن نرى في كشف الحقيقة ومعاقبة الجناة أفضل دواء ضد الآثار الجانبية لإخفاء الحقيقة، توقفت المصالحة الوطنية عند جانبها الأمني دون أن تكون مشروعا سياسيا كبيرا.
كيف يمكن الجمع بين جزائريين يفرق بينهما نهر من الدماء؟ هل نختار بين العفو مقابل العدالة (ضد العدالة) أم بين السلم مع العدالة؟ إن العفو بلا حقيقة وعدالة يساوي اللاعقاب. هل يجب التضحية بالعدالة من أجل العفو؟ هل يجب الاختيار بين الحق والعفو؟
إن الآثار النفسية التي كان يبحث عنها الرئيس من خلال مشروعه، أي استسلام تام للجماعات المسلحة، وأن يأتي الإرهابيون خاضعين أمام لجان الإرجاء، ثم تنتهي الحرب بسبب فقدان من يقوم بها. أقول ذلك لم يحدث، فقد بقيت العديد من الجماعات المسلحة، تحت لواء الجماعة السلفية في الجبال، أي فشل أكبر من هذا؟
كيف تحللون الاستراتيجية الأمنية للسلطة، هل يجب تغييرها، تكييفها؟ أم هل يجب تغيير الحكومة؟
إن الاستراتيجية الأمنية للسلطة قد فشلت، في سنة 1990 لم يتجاوز تعداد الشرطة يوميا 21000 رجل، وهو الآن يقارب الـ 200000، وكان عدد أفراد الدرك 16000 وهو الآن يقترب من 120000مع ميزانية ضخمة، ومع ذلك فالنتائج نعرفها. إن السلطة هي التي يجب تغييرها، لم يحدث أن استقال وزير وليس هناك وزير يريد الاستقالة.
في نهاية زيارته لكوبا قال غورباتشوف لكاسترو: ''يجب تغيير كل ما تم فعله من قبل'' فأجاب كاسترو: ''أنا من كنت هنا من قبل''. والقياس أن مهمة الرئيس هو أن يكون رجل البلاد كلها. وعن الوضع الجزائري يحق أن نتساءل: هل من صراعات بين أشخاص أو استراتيجيات في قمة هرم السلطة؟ إن سجن الجزائريين في رباط من حديد خطأ شنيع ندفع ثمنه بانهيار البناء كله.
الشعب الجزائري لا يملك مصيره، يعاني السياسة ولا يمارسها ومطلب الكرامة هو أول ما يحس به الجزائريون في أعماقهم.
المطالب تتراكم دون أن يوليها النظام أدنى اهتمام والمقياس الذي نحكم به على نجاح سياسة معينة هو نجاعتها ونتائجها لا نواياها. وعندما ننظر إلى واقعنا، فإن حالة الطوارئ قد أضعفت كثيرا مصداقية البلاد وأفسدت ثقة الشعب.
من أين للشعب بالثقة في جو تكتل العصب، الوجه الآخر للقبيلة التي لا تعترف إلا بمصالح أفرادها؟ ومن أين له بالثقة والرشوة قد تجاوزت كل ما يمكن تخيله؟
لا ديمقراطية إلا مع شعب حر في اختيار ممثليه، من تخيف الديمقراطية ولمذا؟ يجب على السلطة أن تتحلى بالواقعية السياسية من خلال فتح آفاق سياسية، وأن تتفتح على الأجيال الجديدة. الشرط الحاسم في عملية التغيير أن يعيد السلطة القضائية إلى أهلها ويفرض احترام حرية التعبير والصحافة، شروط ضرورية لمحاربة الرشوة والتعسف اللذان أصبحا نموذجا في الحكم والحياة.
هل من سبيل إلى التغيير؟
العدالة في قلب الأزمة والسلطة تذكّر بضرورة استقلاليتها عندما تكون في صالحها، بينما تستعملها كوسيلة من وسائل الجهاز التنفيذي.
حان الوقت أن يفيق النظام إلى أن الطرائق التسلطية في ممارسة الحكم قد ولّت بسبب غياب مشاركة حقيقية للمواطنين في السياسة الوطنية، تحولت الدولة من دولة القانون إلى دولة اليمين. سلطة لا تمنح المواطنين الشيء الوحيد الذي يريده الجزائريون، الحرية والعدالة.
يجب ألا ننسى البعد الإنساني للمشاكل التي نميل إلى طرحها في قالب سياسي أو اقتصادي. فلكي نربح معركة لا يكفي أن نحسن القتال، بل يجب أن نحسن اختيار المكان والوقت المناسب لخوضها.
إن ثقل الأفكار والحاجة إلى الحرية أمور من شأنها أن تحدث التغيير الديمقراطي من خلال تأثيرها في المجتمع.
أنظر مثلا، هناك صحوة إسلامية في كل العالم الإسلامي الذي يعيش عقيدته وحياته اليومية حسب المبادئ الإسلامية. والهاجس الكبير في الغرب هو الإسلام وما يجده الإسلام هناك من إهانة أمر لم يعد يطاق، وبينما يساند قادة العالم العربي وكلهم شموليون متسلطون، السياسات الأمريكية، ثم الأوروبية، نرى الجماهير المسلمة في أغلبها تنضوي تحت لواء الإسلام ومن يدافع عنه. وهكذا يجد حكامنا أنفسهم في حالة توازن غير مريح بين ولائهم للغرب أو شعوبهم. للرؤساء العرب أولويتان: إضعاف الأصولية الإسلامية وتوابعها الإرهابية وقمع الشغب الاجتماعي الذي يعكس قلق جموع الجماهير المعدمة.
كيف يمكن تصور طبيعة الحل: أمنية سياسية، أم هناك خيارات أخرى؟
ليس هناك حلول أمنية ومن السبل التي يجب اتباعها العمل على صقل الروح الوطنية من خلال الاستعانة بالمناضلين الذين يحبون خدمة بلادهم والذين تشكل الأمانة عندهم فضيلة سياسية. بإمكان هؤلاء أن يضعوا كفاءاتهم وخبراتهم والتزامهم في خدمة البلاد، كما أن بإمكانهم أن يتفتحوا على المجتمع كشرط وحيد تواصل لإعادة بعث البلاد.
لا بد أن يكون هناك تفكير جماعي يقودنا إلى إرادة سياسية وذكاء استراتيجي قادر على تقدير المشاكل وآثارها ومناقشتها وشرحها لنكون قادرين على تجنيد الجميع.
أما والحالة هذه، فالجزائر تزحف إلى الهاوية، الأمل لا يصرف في الماضي، بل في الحاضر والمستقبل. إن السلم أكبر ما يجب أن يفكر فيه المجتمع واستعادته أولوية الأولويات. إن حقن الدماء مسألة استراتيجية يجب أن تسكت ليس السلم وليد القوة ولكنه ثمرة الفضيلة والتسامح والتضامن والسخاء بين الرجال.
وفي الأخير لا يتحقق السلم إلا عن طريق حوار شامل وعام مع مشاركة جميع الحساسيات السياسية، الاجتماعية والثقافية.
المصدر :الجزائر: محمد بوازدية
2008-08-26
من مواضيعي
0 التغذية: نصائح وحيل حول الأكل الصحي اهمالها قد يسبب لنا مشاكل صحية لا نعرف اين سببها؟
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة
0 فوضى سينوفاك الصينية.. لقاح واحد و3 نتائج متضاربة
0 "نوع آخر مثير للقلق".. سلالات كورونا المتحورة تنتشر في 50 بلدا
0 إجراء تغييرات إيجابية: نصائح وحيل للتغذية السليمة ولتقوية الاعصاب
0 هل لديك وزن زائد؟ نستطيع مساعدتك
0 يؤثر نظامك الغذائي على صحتك: كيفية الحفاظ على التغذية الجيدة