منتديات الشروق أونلاين

منتديات الشروق أونلاين (http://montada.echoroukonline.com/index.php)
-   منتدى القصة القصيرة (http://montada.echoroukonline.com/forumdisplay.php?f=63)
-   -   رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء ) (http://montada.echoroukonline.com/showthread.php?t=116238)

هشام عزاس 15-10-2009 08:02 PM

رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
رقصة الموت



" أي قدر هذا الذي أوجدنا بهذا العالم المملوء بالتناقضات , و أي حماقة رمت بنا إلى المجهول.


المجهول , الضياع , الذات ... هذه الثلاثية التي تستقطب وجودنا , تستحضر أنفاسنا , و تستقطر إحساسنا , تجعلنا ننضد قصيدة , نتوهم أسطورة , نجعل من العدم معركة مصير .. ننأى بذواتنا فوق معطيات الواقع , نؤثر و نتأثر , نحترق كالشمع كي ننير دربا للآخرين . "




كان هذا آخر ما عثرتُ عليه من كتابات أحمد و أنا أفتشُ في أوراقه المبعثرة هنا و هناك بغرفته العلوية بذاك الفندق الحقير – فندق السيدة روزا – الذي لا يقصده سوى الباحثين عن الرذيلة و اللذات الخبيثة .


هذا الفندق الذي شاع صيته و أصبح مضرب الأمثال هو و صاحبته ذات الأصل التركي مدام روزا , و الذي ينشط للأسف بترخيص من طرف الجهات الإدارية للمدينة السابحة في الضباب .


كل المدينة استفاقت يومها على الخبر المشئوم , الذي تناقلته الألسنة تباعا على مختلف لهجاتها المتنوعة ... لقد وجدوا أحمد العربي الشاعر مشنوقا بإحدى غرف نزل مدام روزا , و قد صّرح محافظ الشرطة لبعض الصحفيين بأن كل الدلائل و القرائن تدلّ على أنه انتحر .


أحمد الشاعر هو صديق لي من أيام الدراسة, كان دائما يحلم بالعيش بباريس أو لندن, كان مولعا بالشعر و الأدب. و كنت عندما لا أجده بساحة الجامعة , أبحث عنه بالمكتبة العامة فقد كان شديد المطالعة و القراءة و لطالما كنت أجلس إليه يحدثني عن قصيدة النثر و عن الحداثة فقد كان مولعا بكل ما هو جديد , كنت دائما أنصت إليه و عيوني تفضح إعجابي بشخصيته و ثقافته و كذا طريقته الفريدة في الكلام , فقد كان يملك قدرة كبيرة في جلب انتباه و اهتمام أي كان , كانت ملامحه توحي بشيء غريب , و تجذبك في انسياب و سلاسة رهيبة . كنت أعتبره أفضل صديق منحته لي الحياة , و كان يبادلني نفس الشعور , و لطالما كان يأتمنني على أسراره و يسرد لي حتى تفاصيل أسرار حياته الخاصة , و مشاكله مع أسرته و خاصة أعمامه حول الميراث . فقد كان من عائلة ثرية و تملك أراضي واسعة و عقارات متعددة .


كان متذمرا من هذا التناحر بينه و بين أعمامه حول التركة, فمنذ وفاة والده و جدّه بحادث السيارة الملعون, وجدَ نفسه مُلزمًا بالتصدي لأطماع أعمامه الأربعة الذين ما انفكوا محاولين هضم حقوق عائلته الصغيرة.


كان أحمد يعيش مع والدته و أخته الوحيدة "كامليا", و التي كان يناديها دوما ب " كامي " فقد كنت أشهدُ روعة علاقتهما أثناء زياراتي المتعددة له بالفيلا التي يقطنها برفقتهما , و قد كانت " كامي " مدللةً جدا , و كان صديقي أحمد لا يرفض لها طلبا , كان يحسُ بمسؤوليته اتجاهها , وحاول قدر الإمكان أن يعوضها عن فقدانها لحنان الأب , و خصوصا و أنها لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها بعد .


أمّا والدته فقد كانت في منتهى الطيبة, و كانت دوما تصر عليً أن أتناول معهم وجبة العشاء كلما حللتُ ضيفا عليهم, و كانت دوما تشكو لي أحمد لأنه لا يتابع دروسه بالشكل المطلوب, و أن الشعر قد لحس مخه.


و أنها قد ملت من أشرطة الشعر التي يستمع لها كل ليلة , و من كومة الأوراق التي تجدها مبعثرة كل صباح بغرفته و لفائف التبغ المحترقة .


كنتُ دوما أبتسم في وجهها, و أخبرها بأن أحمد أصبح رجلا و يمكن الاعتماد عليه, و أنًه بلا شك يعرف كيف يوّفق بين دراسته و جنونه.


لم أتصور يومًا أن نهايته ستكون بشعة, و بحبل معلق بسقف إحدى الغرف الحقيرة بفندق من فنادق الدرجة الثالثة بلندن.


يتبع ...

نبض غزة 16-10-2009 01:18 PM

رد: رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
بداية جميلة جدا فقد شوقتنى لاعرف المزيد عن هته القصة

aNiSSa09 16-10-2009 02:13 PM

رد: رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
السلام عليكم أخي هشام..
مرحباً بعودتك القوية.. بعد الغياب..
ذكرتني هذه الرواية برواية أخرى..
ننتظر التتمة ..
لك مني أخلص التحية و التقدير..

هشام عزاس 20-10-2009 02:32 PM

رد: رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبض غزة (المشاركة 856700)
بداية جميلة جدا فقد شوقتنى لاعرف المزيد عن هته القصة

مرحبا بك في روايتي المتواضعة و أتمنى أن تنال استحسانك و تثير تشويقك أكثر في أجزائها القادمة .
شكرا جزيلا

هشام عزاس 20-10-2009 02:36 PM

رد: رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
اقتباس:

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة anissa09 (المشاركة 856843)
السلام عليكم أخي هشام..
مرحباً بعودتك القوية.. بعد الغياب..
ذكرتني هذه الرواية برواية أخرى..
ننتظر التتمة ..
لك مني أخلص التحية و التقدير..

و عليكم السلام أختي أنيسة
أتمنى أن تكوني بخير و عافية .
سعدتُ بمرورك و أتمنى أن تروقك الرواية مع العلم أنني لم أنتهي بعد من وضع خاتمة لها .
ودي و تقديري

هشام عزاس 20-10-2009 02:37 PM

رد: رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
 
كانت السيدة " روز " واقفة عند عتبة باب الغرفة ترمقني بعينيها, و أنا أفتش هنا و هناك علني أعثر على دليل ما, يقودني إلى معرفة السبب الحقيقي وراء انتحار صديقي , كان هناك إحساس قوي بداخلي يخبرني بأن انتحار أحمد وراءه سر كبير , فأنا أعرفه جيدا – ايمانه بالله قوي _ و لا يمكن أن يُقْدِمَ على جريمة كهذه و هو بكامل قواه العقلية , لا بد أن هناك شيء خارج عن إرادته دفعه إلى هذا الفعل الشنيع , و ربما لم ينتحر , لعلها جريمة قتل نُسِجَت خُيوطها بدقة لِتوحي بأنه أقدم على الانتحار , كانت هذه التساؤلات لا تفارق خَلَدِي و أنا أجتهد في البحث بين أشياءه و مستلزماته عن أي خيط يُؤكّد لي شكوكي التي بدأت تنمو بداخلي بسرعة رهيبة .

خطوات نظرات السيدة " روز " تتبعني أينما وضعت يداي , أحس بنظراتها تترقب كل حركة أقوم بها , حاولت أن أتجاهل تلك النظرات و لكنني لم أستطع , طلبتُ من رجل عون الشرطة الذي رافقني أن يغلق باب الغرفة , اعتذر من السيدة بلطف و أغلق الباب , ثم بادرني بالسؤال : هل هناك ما يزعجك سيدي ؟؟ أجبت بالنفي و اصطنعت بسمة خفيفة , مع أنني كنت أشعر باختناق كبير فلم أحب ذاك المكان مطلقا , كان جوه كئيبا يوحي بالوحشة و الغرابة , و كنت أشعر بنوع من الكره تجاه هذا المكان و أصحابه , لعل هذا الكره ما جعلني لا أحتمل نظرات تلك " الروز" و هي تحدق بي و ترقب حركاتي .

فتحت الخزانة و رحت أُقلّب جيوب ملابس صديقي , هذه قطعة نقدية و هذه علبة سجائر أمريكية ... لم يدخن منها الكثير فقط سيجارتين ...
أخيرا عثرتُ على شيء له معنى .. إنها صورة فوتوغرافية لفتاة جميلة , يبدو من ملامحها أنها ليست عربية , و قد كُتِبَ على ظهر الصورة كلمة " أحبك أحمد " بالإنكليزية .

وضعت الصورة مع باقي الأشياء بوسط كيس ورقي , و طلبت من عون الشرطة أن نغادر المكان , أغلق الباب بالمفتاح الذي كانت تحتفظ به الشرطة من يوم الحادث و هممنا بالانصراف , و إذ بصاحبة الصورة تظهر أمامي فجأة بنهاية الرواق و هي ترتدي سترة سوداء , بدت لي شاحبة الوجه , مرتجفة من الوهن , تقدمت نحوها بخطى وئيدة و ألقيت عليها التحية , فأومَأت برأسها و ردت التحية بصوتٍ خافت كِدتُ لا أسمعه , و لكن هدوء المكان جعله يصل إلى مسمعي بنقاء , تأملتها جيدا... تبدو عليها علامات التعب و الإرهاق الشديد , و كأنها لم تنم من فترة طويلة , بادرتها بالسؤال : أنا كريم صديق أحمد فمن تكونين ؟؟ و هَمَمْتُ بإخراج صورتها من الكيس و لكنّ صوتها عاد ليخفق بأذني من جديد ... أهلا كريم أنا " كاترين " عشيقة أحمد لقد حدثني عنك كثيرا ... أحْسَسْتُ من صوتها أنها ستنهار قريبا , لم تعد لها القدرة حتى على الكلام , تقدمتُ منها أكثر و طلبت منها أن ننزلَ لبهو الفندق و نتحدث هناك , و لكنها تهاوت بين ذراعي , لقد خارت كل قواها و قدماها لن يحملاها أكثر من هذا , هَرَعَ عون الشرطة الذي كان يقف بعيدا منّا بعض الشيء لمساعدتي في حملها , لم يكن وزنها ثقيلا , بل كانت رشيقة , ممشوقة القامة , و رغم الْنَصَب الشديد إلاّ أنّ وجهها بقى محتفظا بملامحه الجميلة .

لم ننتظر كثيرا حتى وصلت سيارة الإسعاف , و لحسْنِ حظي أن عون الشرطة كان برفقتي و شهد ما حدث , فقد تولّى مهمة شرح ما حدث للآخرين و للممرضة التي قامت بالإسعاف السريع " لكاترين " , تَمَّ حمَلُها و وَضْعِها بالسيارة و طلب مني عون الشرطة أن أرافقها للمستشفى , فقد كان مرتبطا بمهام أخرى .

طلبت من السيدة " روز " أن تعيد لي التصريح الذي حصلت عليه من محافظة شرطة المنطقة بعد عناء طويل , و رافقتُ " كاترين " إلى المستشفى .

جلستُ بجانبها أرقُبُها عن كَثب , أتأمل ملامحها الطفولية و أتساءل في قرارة نفسي , ترى من تكون ؟؟ و ما وظيفتها بالحياة , و ما سر علاقتها بأحمد , هل حقا كانت عشيقته أم هناك شيء آخر يجمع بينهما ؟؟ هل حقا أَحبّت أحمد ؟؟ و لما أحمد لم يخبرني عنها في رسائله ؟؟ و لم يكن يخفي عنيّ شيئا أبدا يتعلق بحياته الخاصة , لما أخفى عني هذه العلاقة بالذات ؟؟؟

سيل جارف من الأسئلة التي لا أجد لها جوابا مقنعا تعصف بعقلي الذي لم يعد يحتمل كل هذا الغموض , فجأة لمحت حركةً بجفنيها , يبدو أنها ستستفيق من غيبوبتها , مددت يدي نحو أصابعها التي بدأت تتحرك في بطء شديد و ضغطت عليها برفق .. ها هي تفتح عينيها و تعيد إغلاقهما مجددا , و بعد برهة فتحت عيونها و نظرت إليّ ثم جالت بهما محاولة أن تكتشف المكان .

عرفتُ أنها تود معرفة ما حدث لها و أين هي الآن , ابتسمتُ في وجهها و قلت لها في رفق : لا تكترثي , فقد أُغميّ عليك فجأة , يبدو أنكِ أجهدت نفسك كثيرا خلال الأيام الماضية , ستكونين بخير إن شاء الله , لم تنبس ببنت شفة , و عادت لتغرق في نومها من جديد .

يتبع ....


الساعة الآن 03:45 AM.

Powered by vBulletin
قوانين المنتدى