رقصة الموت ( رواية مشوقة بأجزاء )
15-10-2009, 08:02 PM
رقصة الموت
" أي قدر هذا الذي أوجدنا بهذا العالم المملوء بالتناقضات , و أي حماقة رمت بنا إلى المجهول.
المجهول , الضياع , الذات ... هذه الثلاثية التي تستقطب وجودنا , تستحضر أنفاسنا , و تستقطر إحساسنا , تجعلنا ننضد قصيدة , نتوهم أسطورة , نجعل من العدم معركة مصير .. ننأى بذواتنا فوق معطيات الواقع , نؤثر و نتأثر , نحترق كالشمع كي ننير دربا للآخرين . "
كان هذا آخر ما عثرتُ عليه من كتابات أحمد و أنا أفتشُ في أوراقه المبعثرة هنا و هناك بغرفته العلوية بذاك الفندق الحقير – فندق السيدة روزا – الذي لا يقصده سوى الباحثين عن الرذيلة و اللذات الخبيثة .
هذا الفندق الذي شاع صيته و أصبح مضرب الأمثال هو و صاحبته ذات الأصل التركي مدام روزا , و الذي ينشط للأسف بترخيص من طرف الجهات الإدارية للمدينة السابحة في الضباب .
كل المدينة استفاقت يومها على الخبر المشئوم , الذي تناقلته الألسنة تباعا على مختلف لهجاتها المتنوعة ... لقد وجدوا أحمد العربي الشاعر مشنوقا بإحدى غرف نزل مدام روزا , و قد صّرح محافظ الشرطة لبعض الصحفيين بأن كل الدلائل و القرائن تدلّ على أنه انتحر .
أحمد الشاعر هو صديق لي من أيام الدراسة, كان دائما يحلم بالعيش بباريس أو لندن, كان مولعا بالشعر و الأدب. و كنت عندما لا أجده بساحة الجامعة , أبحث عنه بالمكتبة العامة فقد كان شديد المطالعة و القراءة و لطالما كنت أجلس إليه يحدثني عن قصيدة النثر و عن الحداثة فقد كان مولعا بكل ما هو جديد , كنت دائما أنصت إليه و عيوني تفضح إعجابي بشخصيته و ثقافته و كذا طريقته الفريدة في الكلام , فقد كان يملك قدرة كبيرة في جلب انتباه و اهتمام أي كان , كانت ملامحه توحي بشيء غريب , و تجذبك في انسياب و سلاسة رهيبة . كنت أعتبره أفضل صديق منحته لي الحياة , و كان يبادلني نفس الشعور , و لطالما كان يأتمنني على أسراره و يسرد لي حتى تفاصيل أسرار حياته الخاصة , و مشاكله مع أسرته و خاصة أعمامه حول الميراث . فقد كان من عائلة ثرية و تملك أراضي واسعة و عقارات متعددة .
كان متذمرا من هذا التناحر بينه و بين أعمامه حول التركة, فمنذ وفاة والده و جدّه بحادث السيارة الملعون, وجدَ نفسه مُلزمًا بالتصدي لأطماع أعمامه الأربعة الذين ما انفكوا محاولين هضم حقوق عائلته الصغيرة.
كان أحمد يعيش مع والدته و أخته الوحيدة "كامليا", و التي كان يناديها دوما ب " كامي " فقد كنت أشهدُ روعة علاقتهما أثناء زياراتي المتعددة له بالفيلا التي يقطنها برفقتهما , و قد كانت " كامي " مدللةً جدا , و كان صديقي أحمد لا يرفض لها طلبا , كان يحسُ بمسؤوليته اتجاهها , وحاول قدر الإمكان أن يعوضها عن فقدانها لحنان الأب , و خصوصا و أنها لم تتجاوز الثالثة عشرة من عمرها بعد .
أمّا والدته فقد كانت في منتهى الطيبة, و كانت دوما تصر عليً أن أتناول معهم وجبة العشاء كلما حللتُ ضيفا عليهم, و كانت دوما تشكو لي أحمد لأنه لا يتابع دروسه بالشكل المطلوب, و أن الشعر قد لحس مخه.
و أنها قد ملت من أشرطة الشعر التي يستمع لها كل ليلة , و من كومة الأوراق التي تجدها مبعثرة كل صباح بغرفته و لفائف التبغ المحترقة .
كنتُ دوما أبتسم في وجهها, و أخبرها بأن أحمد أصبح رجلا و يمكن الاعتماد عليه, و أنًه بلا شك يعرف كيف يوّفق بين دراسته و جنونه.
لم أتصور يومًا أن نهايته ستكون بشعة, و بحبل معلق بسقف إحدى الغرف الحقيرة بفندق من فنادق الدرجة الثالثة بلندن.
يتبع ...
لم أتصور يومًا أن نهايته ستكون بشعة, و بحبل معلق بسقف إحدى الغرف الحقيرة بفندق من فنادق الدرجة الثالثة بلندن.
يتبع ...
عـاشـق سـيرتـا