رد: أمــــراء الظــلام
13-02-2008, 05:44 PM
الدكتور خالد عبيدات



جولة واسعة لتعريف الإرهاب

نظرة عامة :

مادة الكلمة " الإرهاب" في اللغة العربية هي " رهب" ثلاثية الوزن ومعناها الفزع والخوف والرعب والذعر، أما حين التوجه إلى الله فيشمل معناها إزدواجاً من " الخوف والتعظيم. وحين يُقال: أصابته الرهبة من الله يكون القصد الخوف وبنفس الوقت التعظيم والإجلال. ورهب الشيء رَهْباً و رَهَبَاً ورَهْبَةً أي خافه. وأرهبه ورهبه وأسترهبه تعني : أخافه وأفزعه، وترهَّب الانسان تعني يخشى الله وأصبح " راهباً" ( ).

وتُشْتَقُّ كلمة " إرهاب" من الفعل المزيد " أرهب" ، وحين يُقال أرهب فلان فلاناً تعني فزَّعَهُ وخوَّفَهُ . و " رَهَّبَ- أي الفعل المضعف- تحمل نفس المعنى. ويأتي في نفس المعنى، الفعل المجرد " رَهِبَ، يَرْهَبُ، رُهْبَةً، رَهْباَ.

أما حين يُزاد على الفعل " رهب" حرف "ت" ليصبح " ترَهَّبَ" يكون معنـاه إنقطع لعبادة الله في الصومعة. والراهب، والرهبانية مشتقة منه، أما حين تعَدّي الفعل: أي ترهَّبَ فلان فلاناً يكون المعنى تَوَعَّدَهُ. وحين استعمال صيغة " استفعل " أي " إسترهبه" أي " رهَّبَهُ" ( ).

ووردت لفظة " إرهاب " عند الزمخشري إذ قال " يقشعِرُّ الأَهاب إذا وقع منه الإرهاب". وأورد الزمخشري ( في القرن الثاني عشر الميلادي) مثلاً عن فعل " رهب والاسم الرهبة" يقول فيه " وهو رجل مرهوب عدوه منه مرعوب" ( ).

أتت الكلمة " الرهبةُ" من الفعل رَهِبَهُ رهباً ورهبةً بمعنى خافه، وأرهبَ فلاناً أي فزَّعَهُ وخوفه( ).

وَرَهِبَ تعني خاف، ورهب الشيء رهْباً ورَهَباً ورهبةً، خافه.وأرهبه أخافه وأفزَعه( ).

وشرحاً لمعنى الكلمة " إرهاب" كما جاء في " مختار الصحاح " أنها مشتقة من الفعل رَهِبَ أي خاف، ورَهْبَةً، ورُهْباً. وحين يُقال رجل رَهَبوت تعني أنه مرهوب. ويُقال: رَهَبَوتُ خيرْ من رَحَموت أي لأن تُرهَبَ خيرٌ من أن تُرحم. والتَّرَهُّبْ والرهبانية معناها " التعبد ". والقول ترهَّبَ فلان أي أصبح راهباً يخشى الله، ومعنى " التَرَهُّبُ" هو التعبد، ويقول إبن الأثير أن الترهيب معناه التخويف ( ).

أما " المجمع اللغوي" للغة العربية فقد أقر كلمة " إرهاب " ككلمة حديثة في اللغة العربية وأصلها " رهب" بمعنى خاف وأرهب بمعنى خوف، وكلمة إرهاب هي مصدر الفعل أرهب، وتستعمل الرهبة في اللغة العربية للتعبير عن الخوف المشوب بالاحترام وهي بذلك تختلف عن الإرهاب الذي يعني الخوف والفزع الذي يتأتى من قوة سواءً قوة حيوانية أو طبيعية أو ماليَّة. والإرهابي هو وصف يُطلق على الذي يسلك سبيل العنف لتحقيق هدف سياسي كما جاء في المعجم الوسيط الصادر عن مجمع اللغة العربية ( ).

بدأ تعبير " الترويع" يأخذ طريقه إلى بعض كتابات الرواد بدلاً من تعبير الإرهاب " ذي المفهوم المشبوه". والبعض يستعمل اليوم تعبير " العمليات الترويعية ويكتفي آخرون باستعمال تعبير " الارهاب الإجرامي" ( ). وبعد 11/9/2001 صارت كلمة إرهاب في القاموس جزءاً من تبسيط المفردات والتحريض العاطفي بحيث أصبح الارهابيون هم الأناس السيئون في حين أن الباقين الذين يصفون كل شيء آخر بالإرهاب هم الناس الطيبون ( ).

وقد وردت مشتقات كلمة رهب في القرآن الكريم إثنتي عشرة مرة بمعاني متعددة لكن المعنى بمجمله ينحصر في الخوف والتحرز وهي كما يلي : يرهبون ، فأرهبونِ في النحل "51"، وفي البقرة "40" تكررت مرتين، ترهبون، إسترهبوهم، الرهب، رهبه، رهباً، رهباناً، رهبانهم، رهبانية، وجاءت في السور والآيات التالية: سورة البقرة آية 40، المائدة آية 82، الاعراف آية 116، 154، الأنفال آية 60، التوبة، آية 31، 34 ، النحل ، آية 51، الأنبياء، آية 90 ، القصص آية 32 ، الحديد آية 27 ، الحشر ، آية 13.

أحد هذه المعاني إخافة عدو الله وعدو المؤمنين حين الجهاد ((وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ)).الأنفال 61 ، ووردت خمس مرات في معنى " مخافة الله وإجلاله"، ومرة حين وصفت حا ل الناس عندما شاهدوا ما عمله السحرة، وأربع مرات جاءت تسمية للرهبان.

وقد شرح الراغب الأصفهاني معنى رهب ومشتقاتها كما يلي:رهب: الرهبة والرهب بمعنى الخوف مع التحرز والاضطراب. قال تعالى:(( لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً)) و((جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ))،و((رَغَباً وَرَهَباً))،و((تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ))،و((إ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ)).والترهب يعني التعبد واستعمال الرهبة. والرهبانية غلو في تحمل التعبد من فرط الرهبة ، قال تعالى ((وَرَهْبَانِيَّةً ابتَدَعُوهَا )) ، وتأتي (( الرهبان)) بمعنى المفرد أو الجمع، وحين تكون مفرداً يكون جمعها رهابين ورهابنة. ( )

والارهاب فزع الأبل ومنه الرَّهْبُ من الأبل، وقالت العرب رَهبوت خير من رحموت، وقال مقاتل " خرجت التمسُ تفسير الرَّهب فلقيتُ أعرابية وأنا آكل، قالت يا عبد الله : تصدَّق عليَّ. فملأتُ كفي لأدفع إليها ؛ فقالت ههنا في رَهَبي أي كُمَّي(( ).

إن كلمة " إرهاب" تم إستعمالها بقوة وكمصطلح في الثورة الفرنسية وفي عهد الحكومة التي سُميت بحكومة الإرهاب حيث " روبسبير" ورفاقه كانوا يَرَوْنَ الإرهاب عنواناً للفضيلة إذ قال " روبسبير" أمام لجنة الصحة العامة التابعة لمحكمة الرهبة " يجب أن يكون الهدف الأول لسياساتنا هو إرشاد الشعب بالمنطق واعداء الشعب بالأرهاب؛ والارهاب ليس أكثر من العدالة الفورية والشديدة وغير المرنة ؛ لذلك فإن عنوان الفضيلة هو تحطيم أعداء الحرية بالأرهاب وسوف يقدركم الناس المؤسسون للجمهورية" ( ).

إن كلمة terreur الفرنسية أصلها لاتيني ومشتقة من الفعلين اللاتينيين : tersere و terrere ويعنيان جعله يرتعب ويرتجف، والاسم لهما terror و terroris ومنهما جاء الاسم الفرنسي terreur ومعناه اللغوي : رعب وخوف شديد؛ إضطراب تحدثه في النفس صورة شر حاضر أو خطر قريب( ). وقد وضحها قاموس الأكاديمية الفرنسية بتقديم المثال : يقال ألقى الرهبة بين الأعداء، ونشر الرهبة في جميع الأمكنة التي يمر فيها، زرع الرهبة في كل مكان. كما يقال عند الكلام عن زعيم كبير أو فاتح عظيم: إن اسمه يملأ الجو رهبة للإشارة إلى الرعب الذي ينشره حينما يذكر إسمه. إن هذا اللفظ في مراحله الأولى احتوى على عنصرين نفسي وجسدي ولم يكتسب بعداً إجتماعياً إلا في مطلع القرن الثامن عشر كما جاء في قاموس " فورتيير" ، وقاموس " ريشيليه" وقاموس الأكاديمية الفرنسية المنشور سنة 1740 ( )، ولم ترد التسمية الفرنسية terrorisme إلا مع بداية الثورة الفرنسية إذ تحول مفهومها تحولاً عميقاً فولَّدت مفهوماً جديداً ينتمي إليها بحكم الاشتقاق ولكنه مستقل عنها تماماً بالمفهوم الذي أصبح يدلُّ عليه.

هذه الكلمة " الارهاب" والتي جاءت من اللاتينية ثم انتشرت في لغات المجموعة اللاتينية وبعدها انتقلت إلى لغات أوروبية أُخرى إلى أن أصبحت الآن مستعملة ككلمة عالمية وفي جميع اللغات تقريباً. إن كلمة Terreur يقابلها باللغة العربية " رعب " أو " ذعر " أو " رهبة". كما أن كلمة terrorisme يقابلها أيضاً نفس الكلمات العربية، وبذا يتضح أن terreur، و terrorisme يقابلهما نفس المعنى باللغة العربية دون تمايز بين خصوصيات كل من الكلمتين. إن كلمة terreur الفرنسية، وكلمة terror الانجليزية تعني ذلك الترعيب المستخدم من قبل أصحاب السلطة كأداة للسيطرة . بينما ذلك الرعب المستخدم من قِبَل الذين ليسوا في السلطة - أي الضعفاء- فسمى بالفرنسية terrorisme، وبالانجليزية terrorism. وعلى كل حال فليس هناك من كلمة أكثر جدلاً واستخداماً في وسائل الأعلام العالمية منذ أحداث نيويورك وواشنطن في 11/9/2001 من كلمة terrorisme أي الارهاب( ).

حددت الأكاديمية الفرنسية في قاموسها الصادر في العام السادس من الجمهورية الفرنسية الأولى معنى " الرهبة " terreur بـ " الانفعال السيكولوجي" . ولم تورد الأكاديمية الأرهاب terrorisme إلا في الملحق لسنة 1829 وذكرت أن معناه هو : نظام نسق الأرهاب الذي ساد فرنسا خلال الثورة الفرنسية ( ).

ولتوضيح الفرق بين هاتين الكلمتين terreur، terrorisme وضعت الأكاديمية الفرنسية الفعلين( ):

الأول terrorifier ويعني " جَعَلَهُ يضطرب من الرهبةَ؛ ومن هذا الفعل يشتق الاسم terreur ويقابلها بالعربية " الارعاب" المجرد من كل معنى سياسي واجتماعي .

الثاني: terroriser ويعني يفرض نسق الرهبة أو نظامها ؛ ومن هذا الفعل يُشتق الاسم terrorisme، ويقابلها باللغة العربية الارهاب بكل معناه الاجتماعي السياسي.

ولم تستعمل كلمة " الارهاب" ذات المعنى والدلالة السياسية إلا مؤخراً إذ جاء في " المنجد" أن " الأرهابي هو مَنْ يستخدم الأرهاب لإقامة سلطة، كما أن الحكم الأرهابي هو ذاك النوع من الحكم الذي يقوم على العنف وتستخدمه حكومات أو جماعات ثورية ( ).

والأرهاب هو مصدر الفعل أرهب: أي أخاف ، خوَّف، راع، روّع، فهو الإخافة والترويع. يستعمله البعض بمعنى التخويف والتفزيع، ويستعمله آخرون بمعنى التهديد من أجل الابتزاز والأخذ. وكلمة " تهويل" أولى بهذا المعنى . كما ويستعمل بمعنى نشر الخوف الجماعي ونشر الذعر terreur، terrorisme وكلمة " رعب" أولى بهذا المعنى( ).

وفي قاموس

William Little et al. The Shorter Oxford English Dictionary (London: Oxford University Press, 1967. p. 2155-2156.

جاء معنى كلمة terrorism بأنها : سياسة أو أسلوب لإفزاع المعارضين للحكومة، بينما تعني كلمة terrorist الأسلوب الذين إستخدمه اليعاقبة وأعوانهم أثناء حكم الارهاب في الثورة الفرنسية ، كما أن كلمة إرهابي تعني الشخص الذي يسعى إلى استخدام الترويع أو الاكراه أو التهديد من أجل دعم رأيه.

- وطبقاً للمعجم القانوني الذي ألّفه " بلاك" فإن تعريف الرهبة (terror) هي الذعر أو الرعب أو الفزع، أو حالة ذهنية سببها الخوف من الأضرار التي يسببها حادث أو عمل معاد أو التهديد به، والأرهاب حسب المعجم نفسه هو : جريمة من جرائم العنف بهدف ترويع شخص أو التسبب بإرغامه على إخلاء بناء أو مكان إجتماع أو واسطة مواصلات أو غيرها لأحداث هلع عام، أو الأهمال الطائش بهدف نشر مثل هذا الهلع أو الضيق.

- وأول معنى جاء للإرهاب في قاموس اكسفورد : الحكم بطريق التهديد حسب إرادة الحزب المتولي للسلطة في فرنسا أي خلال حكم روبسبير.

هذا وحسب معتقد البعض فإن أعمالاً معينة قامت بها أنظمة دكتاتورية وخصوصاً التي اتبعت الخط الماركسي اللينيني - كالاتحاد السوفيتي سابقاً، تعد إرهابية " ولكن طبعاً الارهاب ليس هو تلك الأعمال الصادرة عن أنظمة حكم حليفة أو صديقة ..." ( ).

والارهابيون أربعة أنواع :

1- مجرم عادي يسعى لمكاسب شخصية كطلب فدية مثلاً: حين تم خطف وزراء نفط الأوبك.

2- شخص يقوم بعملية إرهابية لأنه مريض نفسياً كذلك الذي قام بقتل البنات الصغار في كليفورنيا سنة 1989 قبل أن ينتحر ، أو ذلك الذي قتل الأطفال في مدرسة إيرلندية سنة 1996.

3- شخص يعمل دعاية لمطلب ما أو يطلب إزالة ظلم ما .

4- شخص أو مجموعة ينطلق من عقيدة يُقْدِمْ على الإرهاب لأسباب سياسية واقعية أو هكذا يتصورها، وهذا هو النوع الملفت للإنتباه العالمي .

ويمكن أن يقوم بالارهاب شخص أو مجموعة أو دولة أو تحالف دول.

وفي قاموس

David Roberston , A Dictionary of Modern Politics (London, Europa Publication Limited, 1985. P314.

جاءت كلمة إرهابي وصفاً للجماعات السياسية التي تستعمل العنف لتضغط على السلطات الحكومية من أجل تأييد المطالبين بإحداث تغييرات إجتماعية عميقة( ).

وفي المنظومة :

Encyclopedia Universal (France: Soutine Tirso 1985 p.956.

نلاحظ أن الارهابي هو الذي يمارس العنف من خلال جماعة أو نظام وفقاً لاستراتيجية مرسومة .

أما في قاموس

Florence Elliot and Michael Summerskil, A Dictionary of Politics (U.S.A.: Penguin Books, 1961, p. 329.

فالإرهابي هو الذي يستعمل العنف من أجل الإطاحة بالنظام القائم ولتحقيق هدفه السياسي.

وفي قاموس( ):

Grand Larousse Encyclopedique, ( Paris, Librarie Larousse, 1964) TOME 10 " P. 261.

فالإرهابي هو الذي يستخدم العنف، والإرهاب هو أعمال عنيفة تمارسها جماعات ثورية، والإرهاب وأوصافه نشأت في حكم إرهاب اليعاقبة سنة 1793 في الثورة الفرنسية .

- والارهابي في معجم الوسيط " وصف يطلق على من يسلك سلوك العنف لتحقيق الهدف السياسي ".

- والارهابي في قاموس المنجد هو الذي يقيم سلطته بالعنف.

- وفي قاموس الرائد : الارهابي هو الذي يلجأ إلى القتل وإلقاء المتفجرات والتخريب لإقامة سلطة أو تقويضها. والحكم الإرهابي هو ذلك النوع من الحكم الاستبدادي الذي يحكم الشعب بالشدة والعنف حتى يقضي على النزاعات والحركات التحررية والاستقلالية. والارهاب رعب تحدثه أعمال عنف كالقتل أو إلقاء المتفجرات والتخريب.

- ويعرفه قاموس وبستر أنه أسلوب للحكم أو لمعارضة الحكم عن طريق التهديد ( ).





وفي القرآن الكريم جاءت لفظة " الرهبة " بمعاني متعددة ( ):

الخشية من الله : قال تعالى :

- " يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَوْفُواْ بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ". سورة البقرة آية 40.

- وقوله تعالى : " وَلَماَّ سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ وَفِي نُسْخَتِهَا هُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلَّذِينَ هُمْ لِرَبِّهِمْ يَرْهَبُونَ " . الأعراف 154.

- وقال تعالى " لاَ تَتَّخِذُواْ إِلـهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلـهٌ وَاحِدٌ فَإيَّايَ فَارْهَبُونِ " النحل 51.

- " إِنَّهُمْ كَانُواْ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَباً وَرَهَباً " الأنبياء 90.

- " لأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ " الحشر 130.

الرعب والخوف : قال تعالى :

- " وَاضْمُمْ إِلَيْكَ جَنَاحَكَ مِنَ الرَّهْبِ " القصص 32.

- " قَالَ أَلْقَوْاْ فَلَمَّا أَلْقُوْاْ سَحَرُواْ أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ ". الأعراف، 116.

الرعب في المعارك العسكرية : قال تعالى :

- " وَأَعِدُّواْ لَهُمْ مَّا اسْتَطَعْتُمْ مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ". الأنفال 60.

من الواضح أن " مهمة " اللغة، أي لغة في العالم الحضارية منها أو الأقل حضارة - مع الأخذ بعين الاعتبار قدرة وَسِعَةْ اللغة - هي إبلاغ الفكر والوجدان والأفصاح عنه، أي النقل الكامل والأمين لما يدور في خلد الانسان للبشر الآخرين. وهناك إجماع على أن اللغة هي الوعاء الحاضن ثم الناقل لإنسانية الانسان ، وكلما انتشرت اللغة وتوسعت وحضنت ونقلت كلما أصبحت أكثر إنسانية وبالتالي أكثر قبولاً في العالم. والصلة وثيقة جداً بين " المعنى" و " اللغة " وتظهر دقة ذلك عند الشخص نفسه الذي يتحدث عدة لغات بجودة وطلاقة. وحتماً سيكون العالم أفضل بكثير كلما إقترب من إستخدام لغة مشتركة أو شبه مشتركة.

ومفتاح السر يكمن دائماً في الكلمة - وهي الخلية التي تكون الجسم اللغوي- وجدليتها وحركة المعنى في داخليتها. والكلمة بحد ذاتها - إلى حد كبير ولكن ليس دائماً - بريئة فهي في الأصل لفظ وصوت يحمُّلها الانسان المعني الذي يريد فهي لا تُشع المعنى بل هي عاكس آلي وبالتالي أمين". إذن المعنى شمس يتألق في ملكوت الفكر واللفظة أو الكلمة قمر يستقبل المعنى" ، إن الإنسان نفسه هو الذي يشحن اللفظ بالمعنى ( ). فالإنسان المتحضر يُنتج " المعنى " ثم يتبعه باللفظ أي بعد أن تتولد الفكرة في ملكوت الذهن تعمد آلة التصويت والقلم في تشكيلها اللفظي والكتابي. " إن مَنْ يريد توليد المعنى من اللفظ قد ضاع وهلك" حسب رأي الفيلسوف العربي الكبير أبو حامد الغزالي. لقد وعى الامر كذلك الكاتب الاجتماعي العربي العالمي " ابن خلدون" حينما أكد ضرورة الاحتماء بفضاء الفكر حين الأشراف علىالسقوط في ضبابية الألفاظ وحمى المناقشات الصوتية المتوترة أي حين يتوقف العقل عن العمل.

والمعنى هو نفسه (وليس العكس) الذي يسعى لارتداء اللفظ والكتابة فهو الروح الداخلية للكلمة( ).

وتبقى اللغة دائماً طيعةً للإنسان تتطور تبعاً لمبتغاه، فهي ليست كائناً جامداً صلباً بل هي كائن حين ينمو ويزدهر ويتفتح ، وبنفس الوقت هي معرضة للمرض والتقهقر والجمود وحتى للموت طالماً نعرف أن هناك أجناساً قد إندثرت ولغات طمست وانتهت، ولغات حية ولغات ميتة.

وهناك من الأوصاف الكثيرة التي تسبغ على لغة دون غيرها كالفصاحة لأنها تُفصح، وبالبلاغة لأنها تُبلغ. ولكن للسياسة قدرتها الهائلة، وكلما كان السياسي أكثر قدرة وأوسع علماً ودراية وثقافة ، وذكاءاً والتزاماً وطنياً كلما كانت اللغة أكثر طوعاً لمكنوناته، وكثيراً ما ينأي عن الافصاح والأبلاغ حتى لا يفضح الطوايا والطويَّةَ، إذ ليس الفضح من حسن السياسة

وللسياسي حيله الكثيرة والمتكاثرة فلديه من طلاوة اللسان وبديع الكلام وحلاوة اللسان القدرة على إخفاء مرارة المعنى، كما أن كفاءته في براءة الصياغة تخفي لؤم المقاصد، والتاريخ زاخر بالأمثلة : منذ أن سُمي الاحتلال حمايةً أو وصايةً، أو إنتداباً والنهبُ إستعماراً. كما أن نقل التكنولوجيا لا يعني أكثر من التسويق للمنتوجات، والاعتماد المتبادل لا يعني أكثر من سيطرة القوي على الضعيف. وفي هذا المجال فإن إيراد قرار مجلس الأمن رقم 242 لسنة 1967 أكبر مثل على " ملوسة " الصياغة والألفاظ، إنها " اللوردية الكرادونية " ‍‍ ( )، نسبة إلى اللورد كرادون الذي كان حاكماً لنابلس أيام الانتداب البريطاني.

ومن أخطر الحيل السياسية والأعلامية اللغوية: التكرار من أجل التعويد، إذ يتم اللجوء إلى تكرار الكلمة بهدف تعويد المُتَلَقِّي عليها تلقائياً فلا يعود يفكر في تشريحها ولا مناقشتها فيتقبلها كوجبةٍ مطهية طازجةٍ كما شاء لها طاهيها( ). إن وسائل الأعلام تُلح منذ أربعين عاماً على كلمة " الأرهاب" فتقع على الأسماع وبالتالي تنخر في الوجدان فتستقر في باب الاتهام والشتم تشهيراً سياسياً بل وأخلاقياً ووحشياً بمن تتلبسهم أفراداً أو مجموعات أو منظمات أو دول حتى أصبحت من " أفعل" وسائل إغتيال الشخصية لتصبح مجردةً من أية فضيلة.

وفي " الارهاب " مثال رائع على تطويع السياسة للكلمة أو اللفظ. كما وأن الارهاب مثال على امتهان اللغة لأغراض السياسية . فكلمة الارهاب " أصبحت منحطة القوام تحمل طوفاناً من الاحتقار والشتائم والتهم النذلة الخسيسة يستخدمها موجهوها وبما توفر لهم من إستطاعه لنفث موجات إزدراء للخصم ليصبح الذي يدافع عن نفسه باغياً مُفترياً يحل نتف رموشه وتقليع أظافره وإستباحه دمه حتى والتشنيع بجثث الأطفال والنساء الأبرياء الذين في محيطه أو كنفه.

إن " الإرهاب هو الخطر الأعلى صوتاً في الإعلان عن نفسه وفي التخويف من سطوته، والارهاب ظاهرة موجودة في كل عصور التاريخ، ولكنه الآن - في المستقبل أكثر- أخذ وسوف يأخذ طابعاً مختلفاً من حيث مدى توسع خطورته ( ).

ولذلك فإن اللغة المشتركة هي الأساس الذي لا بد منه للأرضيه الحوارية ولا يمكن القفز عنها إذا كان الهدف الحقيقي هو إجراء حوار صحيح وصادق. إن غلبة لغة على لغة أو مفهوم على مفهوم ينسف أي أمل في حوار جاد إيجابي. كما وأن الوهم أو الانخداع أو الادعاء بفهمٍ مشترك " لن ينطلي على أحد ولا يستطيع الغاء " اللا تفاهم" القائم. إن التواطؤ المفهومي رغم إستعانته بجبروت القوة لا يمكن أن يؤدي إلى التفاهم المنشود بين الشعوب وانعدام اللغة المشتركة والمفاهيم المشتركة والإدراك المتجاوز أمور خطيرة على الانسانية ( ).

المحاولات الفقهية لتعريف الارهاب

الأرهاب: مذهب يعتمد على استخدام الذعر للوصول إلى أهدافه، ويرمي إلى القضاء على النظام الطبقي القائم وإلى تغيير الحكم رأساً على عقب ولا يتردد في ضرب ممثلي الدولة بهدف إنهيار الدولة ذاتها ( ).

الأرهاب: هو الاعتداء على الأرواح والممتلكات العامة أو الخاصة مخالفاً القوانين الدولية، وهو جريمة دولية لأنه يخترق القانون الدولي سواء تم إرتكابه من قبل دولة أو جماعة أو فرد . والتمييز العنصري إرهاب كذلك ( ).

الأرهاب: هو استخدام العنف أو التهديد باستخدامه ضد أفراد بما يعرض أرواحاً بشرية للخطر أو ينهيها أو يهدد حرية الفرد الأساسية من أحل تغيير موقفه أو سلوكه - سواء كان فرداً أو جماعةً - بغض النظر عمن هم الضحايا المباشرون( ).

الارهاب هو اللجوء إلى العنف المنظم للوصول إلى هدف سياسي من قبل جماعة أو فرد مثل عمل الانفجارات في تجمعات مدنية أو وسائط النقل العمومية أو تغيير مسار الطائرات أو الاختطاف وحجز الرهائن أو قتلهم ( ).

ومن الملاحظ أن التعريفات السابقة تُعَدُّ أعمالاً إرهابية ولكنها لا تضع تعريفاً للارهاب ( ).

- أما الفقيه Sottile فقد عرف الارهاب سنة 1938 بأنه الفعل الأجرامي المصحوب بالرعب والعنف أو فزع بقصد تحقيق هدف أو غرض معين.

وعرفه David Bikford سنة 1997 في المؤتمر الدولي لجمعية وتطوير القانون الجنائي في لندن :" تَسَبُّبْ الأرعاب والأفزاع بهدف الوصول إلى نتيجة مقصودة، وبقدر جسامة الرعب يكون مدى النجاح في تحقيق النتيجة ، ويضيف بأن الدول الإرهابية تتطلع إلى نشر الرعب في الجماهير المقصودة حتى ولو تم استخدام أسلحة الدمار الشامل. وتستخدم الجماعات الارهابية الارهاب أيضاً للوصول لأغراض سياسية أو كهجوم على السلطة أو بهدف الاجرام ( ويتحدث عن ارهاب الشركات والمشاريع التي تمارسها المنظمات الاجرامية للهيمنة على السوق المشروعة لترويج تجارتها غير المشروعة في السلع والخدمات أو للتمويه عليها( ).

- ويعرفه الفقيه Niko Gunzburg بأنه الاستخدام العمدي المنظم لأدوات ووسائل تستطيع صنع الخطر الذي يهدد الأرواح والأجساد أو الصحة أو الأموال العامة.

- أما الفقيه Lemkin فيعرف الارهاب بأنه مرتكز على إفزاع الناس باستخدام العنف.

- ويعرفه الأسباني Saldana بأنه كل جناية و جنحه إجتماعية أو سياسية تسبب نشر الخوف لما تحدثه من خطر عام.

- والفقيه Givanovitch يعرف الارهاب بأنه الأعمال التي تروع الآخرين.

- و يعرفه آخرون بأنه الرعب الذي يسببه فرد أو جماعة سواء كان ذلك لأغراض سياسية أو شخصية كما أنه يشمل إرهاب الدولة أيضاً.



- وفي نظر آخرين يشمل الارهاب:

أ- أعمال الحكومة التي تستهدف ترويع المواطنين لتخضعهم وتهيمن عليهم.

ب- الأعمال التي يقوم بها أفراد أو جماعات لأسباب متعددة، وهو أيضاً إستخدام العنف المنظم للوصول إلى هدف سياسي.

- الفقيه الفرنسي Levasseur يعرف الارهاب بأنه اللجوء المتعمد لأستخدام وسائل من شأنها نشر الأرعاب لتحقيق أهداف مقصودة، ولم يحصر الارهاب بوسائل العنف إذ هناك وسائل أخرى تسببه كالوسائل المعنوية التي من طبيعتها أيضاً إثارة الرعب والفزع.

- والأرهاب عند Thoronton هو استخدام الرعب كعمل رمزي بهدف التأثير على السلوك السياسي بوساطة وسائل استثنائية ينتج عنها استخدام التهديد أو العنف، إنه يركز على الوسائل الاستثنائية التي ينجم عنها الرعب.

- أما Walter فيعتقد أن عناصر الارهاب هي : فعل العنف أو التهديد به، وردَّة الفعل التي أثارها العنف، وإنعكاسات العنف على المجتمع.

- ولا يرى فقهاء آخرون لزومية استعمال العنف في الأرهاب، إنما لزومية توفر المضمون الأجرامي الذي يسبب رعباً وفزعاً في المجتع مثل دفن نفايات نووية تقتل الآخرين بإشعاعاتها، أو تسميم مياه الشرب أو استعمال الغازات السامة أو تلويث الأغذية بكيماويات مبيدة أو جرثومية قاتلة.

- " للأرهاب إيدولوجية استراتيجية تبرر استخدامه العنف أو غير العنف لتخويف المعارضة السياسية وردعها عن ذلك بضرب أهداف عشوائية ". ذلك ما يقوله الفقيه Turk.

- - Wardlaw يرى أن الارهاب هو استخدام العنف أو التهديد باستخدامه سواء من قبل فرد أو جماعة تعمل لصالح سلطة ما أو ضدها عندما يكون الهدف خلق حالة من القلق لدى مجموعة أكبر من الضحايا المباشرين للارهاب لأرغام الجهة المعينة على الموافقة على المطلب السياسي لمرتكبي الارهاب.

- Friedland يرى الارهاب بأنه الاستخدام التكتيكي للعنف لخلق جو من الذعر لدى غالبية الشعب.

- Mickolus يعرف الارهاب بأنه استثمار الرعب الناتج عن العنف أو التهديد باستخدامه لتحقيق مأرب سياسي بالتأثير على سلوك مجموعة استهدفها الارهاب أكثر من استهدافه للضحايا المباشرين( ).

- وعرف د. شريف بسيوني الارهاب بأنه " استراتيجية عنف محرم دولياً تحفزها بواعث عقائدية تتوخى إحداث رعب لدى شريحة محددة في مجتمع معين بهدف الوصول إلى السلطة ، أو الدعاية لمطلب أو مظلمة بغض النظر عما إذا كان مقترفو العنف يعملون من أجل أنفسهم أم نيابةً عن دولة ما( ).

- د. أحمد جلال عز الدين يقول بأن الارهاب عنف منظم ومتصل يقصد خلق حالة من التهديد الموجه إلى دولة أو جماعة سياسية ترتكبه جماعة سياسية منظمة بقصد تحقيق أهداف سياسية .

- د. محمد عبد العزيز شكري يقول بأن الارهاب الدولي عمل عنف وراءه دوافع سياسية أياً كانت وسيلته وهو مخطط بحيث يخلق حالة من الرعب والهلع في قطاع معين من الناس لتحقيق هدف بالقوة أو لنشر دعاية لمطلب أو خلافه سواء كان الفاعل يعمل لنفسه أم بالنيابة عن مجموعة تمثل منظمات كجماعات التحرر الوطني، أم نيابة عن دولة متورطة مباشرة أو غير مباشرة بالعمل المرتكب شريطة أن يتعدى العمل حدود الدولة إلى دولة أو مجموعة دول سواء ارتكب العمل في زمن السلم أو زمن الحرب ( ).

- سليم قوريشي يقول إن الأرهاب هو استخدام العنف لأحداث حالة من الخوف والاذعان لدى الضحية ، وهدف الارهاب ضمان تغيير في سلوك الضحية أو استخدامها كعبرةٍ للغير.

- Eric Moris يعرف الارهاب بأنه استخدام أو التهديد باستخدام عنف غير عادي وغير مألوف لتحقيق غايات سياسية وأفعال الارهاب عادة ما تكون رمزية لتحقيق أثر نفسي أكثر من مادي.

- وريمون آرون يقول إنه عمل من أعمال العنف ترجح فيه كفة التأثير النفسي على كفة النتائج المادية.

- ليونارد وينبرج : الارهاب هو كل جريمة ذات دافع سياسي وتهدف إلى التأثير والتعديل في سلوك المستهدفين بالعملية الارهابية.

- ليزلي جرين .. الارهاب هو كل نشاط يتضمن تهديداً لأولئك المُستهدفين بالفعل العنيف، فهو يشمل الابتزاز السياسي إذ يسعى الفاعل لتحقيق أهداف ليست مرتبطة مباشرة بالضحية ( ).

هناك تعريفات تُبَسِّط الأمر وتكشف ضحالة مطلقيها - هذا إذا لم يوصفو بسوء النية - مثل :

- الارهاب جريمة ، وهو تعريف يساوي بين الارهاب السياسي والجريمة العادية الأمر الذي ينتج عنه الضياع في تقرير أدوات مواجهته بل يحصرها في أداة واحدة وهي الأداة الأمنية. إن مواجهة الارهاب من قبل الأجهزة الامنية فقط لن يؤدي إلا إلى المزيد من الارهاب.

- الارهاب هو اليسار، الارهاب هو اليمين، الأرهاب هو العنصرية .

- الأرهاب هو قتل الأبرياء.

- الارهاب هو الأغتيال السياسي.

- الارهاب هو العنف لأغراض سياسية.

من الملاحظ أن التعريفات السابقة تعريفات قاصرة لأنها لا تحمل إلا عنصراً واحداً أو عنصرين من عناصر الارهاب.

- الارهاب عمل يستند إلى مذهب يتضمن سلوكاً غير قانوني.

- الارهاب هو الحرب. إنه تعريف قد يعني الحرب الأهلية، فيجر القوات المسلحة إلى المعمعة.

- الارهاب هو الأعمال الخفية للدولة، وهذا يناقض الرأي الذي يخـرج أي عمل للدولة من دائرة الأرهاب.

- الارهاب هو العنف السياسي المنظم وهذا التعريف يستثنى ( خطأً) الجرائم العادية من الارهاب.

- الأرهاب هو الأسلام. لقد سادت هذه النغمة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي في الدول الغربية وأمريكا حين بدأ الغرب يبحث عن عدو ليعلق عليه أسباب الفشل وليجد مبرراً لرفع الموازنات العسكرية والمخابراتية، كما أن العدائية والكره الصهيوني والغربي للعرب والاسلام والمسلمين وراء هذه النغمة أيضاً. وقد زادت الهجمة بشكل مروع بعد أحداث 11/9/2001 في أمريكا ( ).

أحد التعريفات المطولة للإرهاب بعد تجزأته وكل جزءٍ يشكل جانباً من جوانب الارهاب :

أ- هو أسلوب قتال الأمر الذي يعني أن الارهاب ليس أسلوب حوار أو اتفاق أو تعايش. طبعاً إن هذا ليس كافياً فالجيش له أسلوب قتال ولكنه يتحرك بشرعية، وكذلك الشرطة.

ب- له ضحايا عشوائية، ولكن الجرائم العادية والسياسية لها ضحايا عشوائية أيضاً.

جـ- للضحايا صفات جماعية أو طبَقَيِّة ، هذا الامر ينطبق أيضاً على جرائم متعددة .

د- ومن خلال عمليات العنف أو التهديد باستخدامها تتوسع دائرة الرهبة لأبعد من الضحايا المباشرة . وهذا يعني أن الواقعين في الدائرة الأوسع هم المقصودون أصلاً بالارهاب، إن هذه الجزئية تبرهن على أن الضحايا المباشرة مجرد ممر للوصول إلى الهدف الأوسع.

و- ويزداد تضخم أثر العملية الارهابية لدى المشاهدين بسبب بشاعة الفعل المباغت وفي مكان غير قتالي وبأسلوب يخترق قواعد القتال الدولية، ويزداد تعاظم الأثر بسبب وسائل الاعلام المرئية والمقروءة والرواة، وهدف هذا الاسلوب القتالي من توسيع دائرة الحرب هو تشتيت الانتباه أو جذب الانتباه أو التحضير لهدف ثانوي أو لتحقيق مصالح ومطالب للإرهابيين. وهذه النقطة تشرح الهدف النهائي للإرهابيين ( ).

علماء مسلمون يدعون إلى وضع تعريف للإرهاب:

انعقد مؤتمر يتمحور حول الارهاب في الرياض / المملكة العربية السعودية في 5/1/2002 بمشاركة علماء مسلمين من أجل وضع تعريف للأرهاب لمواجهة الحملة التي تستهدف إلصاق تهمة الأرهاب بالأسلام. وقال عبد الله تركي / أمين عام رابطة العالم الإسلامي في كلمة الافتتاح أن من واجب العلماء المسلمين التداعي إلى وضع تعريف جامع قاطع مانع واضح وموضوعي يتم تعميمه على الحكومات والمؤسسات الإٍسلامية التي تعمل من أجل ارساء السلام والامن في العالم حتى يكون المسلمون على بينةٍ من أمرهم لأن أعداء الأسلام في العالم سارعوا إلى الانقضاض على أسس الإسلام مُتَذَرعين بالأرهاب. وهناك دعوة لوقفة إسلامية للدفاع عن الاسلام لإزالة كل لبس من تهم وأباطيل تُلصق زوراً بالإسلام من قبل إعلام جائر وظلم يقلب الحقائق ويشنُّ حملات شرسة إجرامية ( ).

أما د. عبد الناصر حريز الذي قام من جانبه بإستعراض آراء الكثيرين من الباحثين القانونيين والمختصين، فقد قام بدوره بالأدلاء يدلوه واضعاً التعريف التالي:

الارهاب هو كل استخدام أو تهديد باستخدام عنف غير مشروع لخلق حالة من الخوف والرعب بقصد التأثير أو السيطرة على فرد أو مجموعة أو حتى المجتمع وصولاً إلى هدف معين، وعناصر الارهاب التي لا بد من توافرها هي :

- إستخدام أو تهديد باستخدام عنف على وجه غير مشروع وغير مألوف، يقوم به فرد أو مجموعة أو دولة، يوجه ضد فرد أو مجموعة أو دولة، يهدف إلى خلق حالة من الرعب، يبث رسالة ما ويخلق تأثيراً نفسياً يسمح بالتأثير على المستهدفين بالارهاب، عادة ما يتجاوز العمل الارهابي الضحية التي قد لا يكون لها علاقة بالأمر( ).

ويقول " أوري أفنيري" أنه منذ سنوات عديدة أطلق تعريفاً للإرهاب مازال يفتخر به حتى الآن وهو " الفرق بين المقاتلين من أجل الحرية والأرهابيين أن مقاتلي الحرية يقفون بجانبه أما الارهابيون فيقفون في الجانب الآخر".

وأصبحت " الموضة" بعد احداث نيويورك في 11/9/2001 الحديث عن الارهاب ففقد بذلك الارهاب كل معانيه الدقيقة ( ).

- هناك حاجة إلى " عدو من أجل إبقاء همة الشعب متوقدة ومتحفزة، وعدم وجود " العدو " يؤدي إلى الاسترخاء ثم إلى الضعف مما يجعل البلد أي بلد عرضةً لأطماع الآخرين فتفقد هيبتها ونفوذها. وحال العالم من هذه الناحية كان متوازناً ومريحاً في عهد القطبين : الولايات المتحدة الأمريكية، والاتحاد السوفيتي، ولكن إنهيار الاتحاد السوفييتي أفقد العالم نعمة التوازن المريحة، وأفقد أمريكا " نعمة" وجود العدو الأمر الذي دفعها للبحث عن عدو فوجدت ضالتها " بالأرهاب" بالمعنى الذي تعرفه هي للأرهاب- والذي ثبت أنه مفيد جداً أيضاً لإسرائيل. من هذا المفهوم يمكن أن يكون " الارهاب" هو القطب الثاني أو الأول في حالة وجود القطب الآخر . طبيعي أن الأرهاب ليس دولة بالمعنى الذي نعرفه ( حتى الآن !) للدولة ولكنه قد يكون أكثر من دولة أو مجموعة عنكبوتية من أشياء أكثر أهمية( ). والارهاب بدوره ليس شخصاً بل هو معنى مجرد لم يتجسد في كائن حتى يمكن القاء القبض عليه ، ولكن الأرهاب هو هكذا الارهاب ( ).

إن التلاعب بالكلمات ومن ثم حشوها بما لا تستوعبه من معاني امر معروف في " بوكر" اللعبة السياسية، وبمقدار ما يكون هناك من توازن مقبول بين " السياسة " و " الاخلاق " بمقدار ما تشقى أو تسعد البشرية. وصحيح أن الارهاب قديم قدم التاريخ - طبعاً ليس بالمعنى الذي نكتوي به اليوم - ، ولكن بين 1970-1990 تم نشر حوالي ( 6000) كتاب ومقال وبحث عن الارهاب والارهاب المضاد كما ظهرت مجلات متخصصة ودور أبحاث ومراكز واتفاقات للموضوع نفسه . إن العدد اللامحصور في محاولات تحديده بنوعيها الهادف والمفخخ لم تحل الأشكالية - إلا إذا آمنا أن كلاً يغني على ليلاه وحلَّها فردياً -( ). وحسب الكاتب " شميد " فقد تم تسجيل 5831 مؤلفاً حتى سنة 1987 ولا شك أن أحداث11/9/2001 قد ضاعفت هذا العدد بشكل دراماتيكي( ).

ورغم كل الجهود لحصر الموضوع وتعريفه باتفاق عالمي. فالفلاح لم يحصل حتى هذه اللحظة، ولهذا الفشل مدلول كبير وتعبير واضح عن تضارب المصالح واختلاف المواقف السياسية . وبالخطوط العريضة إن دول العالم الثالث (التي اتسعت دائرتها مجازاً لتشمل ما لم يصنف يوماً ما ثالثاً) ترى الأمر ليس كما يراه ذوو الشأن في العالم . إن قرار مجلس الأمن رقم 1373 في 28/9/2001 الذي ألزم الدول بمحاربة الارهاب لم يعرف الارهاب وبقى الارهاب " مجهلاً " بدون تعريف وما زال باب الخلاف حوله مفتوحاً على مصراعيه، ولكن يبقى هَمُّ العرب والمسلمين أن ينحسر تعريف الارهاب عن " حركات التحرر الوطني " ( ).

إن الصعوبة في التعريف لها مبرراتها إلى حد كبير لأن الأسباب وراء الارهاب متعددة كما أن له أشكالاً كثيرة لا يسهل جمعها في إطار واحد كما أن موضوع " الضرب الوقائي" ضد هجمات مستقبلية محتملة أصبح أمراً جائزاً إن لم يكن مفهوماً أو مبرراً إن لم يكن مبلوعاً مجروعاً: إضافة إلى الخلاف على أفعال المقاومة ( ).

ويترتب على عدم وجود تعريف متفق عليه للأرهاب:

- إستحالة تسليم المجرمين لأن من شروط التسليم إزدواج التجريم للفعل لدي الدولتين.

- إستحالة تطبيق القاعدةة القانونية " إما التسليم أو المحاكمة .

- عدم توفر معيار دولي لمباشرة ردود الفعل ضد الأعمال الارهابية بشكل متوازن فهناك دول غالباً ما تتجاهل حقوق الانسان حينما يكون الامر إرهاباً.

- عدم تنفيذ القوانين، والامتناع عن المساعدات القضائية المتبادلة والأمر الأخطر اللجوء إلى استخدام القوات المسلحة كرد فعل.

- سيقوم الارهابيون باستغلال هذا الضعف من الروابط القانونية بين الدول( ).

على المستوى الدولي :

لقد استطاع المجتمع الدولي التوصل إلى " تعريف ومن ثم " وضع الحلول " للكثير من الموضوعات التي واجهته حينما كانت حاجته لذلك ماسة فطرح جانباً ما يجب طرحه لأن مصلحته تتطلب ذلك، إذ توفرت لديه القناعة بوجوب وضع الحلول. مثلاً - ولعل المثل الذي سأورده بعيداً عن المبالغة أو الانحياز: اختلف المجتمع الدولي بعد نشوء إسرائيل عن المجتمع الدولي قبل نشوئها بكل ما في الاختلاف من معنى. كما أن مفهوم " المقاومة " عالمياً قبل نشوء القضية الفلسطينية إختلف عنه بعد نشوئها . هناك أمثلة كثيرة أخرى متعددة ، ربما - التأكيد على ربما - معظمها ذات صلة بالقضية الفلسطينية . ويجب أن لا يفهم من ذلك أن " إسرائيل" أو " القضية الفلسطينية " تشكلان " التيار الكهربائي" الذي يُشغِّل " العقل" أو " الضمير " أو " الفاعلية " للمجتمع الدولي، ولكن منطقة الشرق الأوسط بما لها وما عليها هي محور الحدث الدولي على مر التاريخ .

إستطاع العالم التوصل - ومع المعاناة الشديدة - وبعد جهود استمرت خمسة وعشرين عاماً - بسبب ما ذكرت سابقاً - إلى تعريف " العدوان"( ).

وبسبب أن المثل الذي ذكرته أصبح متجذراً أكثر، مضى على العالم وقت أطول وهو يهيم في النفق أو الدهليز للاتفاق على تعريف محدد للإرهاب وما زال حتى الآن يهيم على وجهه كالمضبوع الذي فقد وعيه يسير طواعية وراء " الضبع " الذي خدّره "ليستدرجه إلى الموكرة" التي سيفترسه فيها( ).

إن المحاولات العلمية لتعريف الارهاب تعود إلى سنة 1930 حينما ذكر " هاردمان" أن الارهاب هو الاستخدام المنهجي للعنف لإنجاز المقصد . ثم قامت عصبة الأمم المتحدة سنة 1937 بوضع إتفاقية جنيف التي لم تر حيز النور إذ وقعها (23) دولة ولم يصدق عليها إلا الهند فقط أوردت في المادة الأولي ( ) وصفاً للارهاب - وليس تعريفاً - " إنه عمل إجرامي ضد الدولة يُفزع أفراداً بالذات، أو جماعات محددة أو الجمهور عموماً ". بينما عددت المادة الثانية أعمالاً إرهابية تهدف القضاء على أو تهدد سلامة أو حرية كلٍ من : رئيس الدولة أو عائلته أو ولي عهده أو خليفته ؛ أو الذين يشغلون مناصب قيادية ؛ أو نسف أو إيقاع الضرر بالممتلكات العامة؛ أو تعريض حياة الفرد للخطر ؛ أو محاولة إرتكاب تلك الجرائم، أو إنتاج أو إمتلاك أو توظيف الأسلحة لتنفيذ تلك الجرائم ( ).

كما أوردت الاتفاقية الأوروبية لمنع وقمع الارهاب لسنة 1977 في مادتها الأولى تسمية مجموعة أعمال تعتبرها ارهاباً:

- الجرائم المنصوص عليها في إتفاقية مونتريال سنة 1971 والمتعلقة بسلامة الطيران المدني.

- الجرائم ضد الأشخاص المتمتعين بحماية دولية.

- جرائم استعمال المتفجرات والأسلحة والرسائل الملغومة.

- محاولة ارتكاب أو الاشتراك في أي من الجرائم السابقة.

كما صاغ المجتمع الدولي إتفاقات دولية لأعمال محدودة وليس مطلقة اعتبرها إرهابية فأصبحت إرهاباً متفقاً عليه . ومن هذه الاتفاقات :

أ . إتفاقية طوكيو لسنة 14/9/1964 المتعلقة بالجرائم المرتكبة على متن الطائرة .

ب. إتفاقية لاهاي لمكافحة الاستيلاء غير المشروع على الطائرات في 16/12/1970.

ج، . إتفاقية مونتريال في 23/9/1971 لمكافحة الأعمال غير المشروعة ضد سلامة الطيران المدني .

د. إتفاقية واشنطون في 14/2/1973 ضد الجرائم الموجهة للأشخاص الذين يتمتعون بحماية دولية .

هـ. إتفاقية نيويورك في 17/12/1979 لمناهضة أخذ الرهائن.

و. إتفاقية فينا في 3/3/1980 للحماية المادية للمواد النووية.

تناولت " مجموعة الكبار " G7 سنة 1986 في المؤتمر الذي عقدته في طوكيو موضوع الارهاب وبعد أن أدانته بكافة صوره وأشكاله ونددت بالدول المساندة له أعلنت أن " ليبيا " دولة مساندة للإرهاب ( بعد قضية اسقاط الطاشرة Pan AM فوق لوكيربي ومقتل 270 راكباً عليها ) ( ).

وعلى المستوى الاقليمي تم إبرام عدة اتفاقيات لقمع الارهاب.

- الاتفاقية الأوروبية لقمع الارهاب الصادرة عن المجلس الاوروبي في 10/11/1976 التي بدأ نفاذها بعد استكمال تصديقها في آب /1978.

- إتفاقية الدول الأمريكية لمنع وقمع الارهاب المبرمة في واشنطن في 2/2/1971.

- الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب التي تم إبرامها في القاهرة بتاريخ 22/4/1998( ).

أما " لجنة القانون الدولي " فقد عرفت جريمة الارهاب في مشروع تقنين الجرائم الدولية في المادة 24 لسنة 1991 وفي مشروع إنشاء محكمة جنائية دولية لسنة 1993:-

كل شخص يكون ممثلاً لدولة أو يعمل لحسابها يرتكب أو يأمر بارتكاب أي من الأفعال الآتية : أن يقوم أو ينظم أو يساعد في تمويل أو يسمح بارتكاب أفعال ضد دولة أخرى موجهة إلى أشخاص أو أموال أو تسبب حالة من الفزع أو الرعب لدى الرسميين أو القياديين أو جماعات من الأشخاص أو الجمهور ( ).

ومن نافلة القول أن الارهاب ليس فرداً ولا حتى مجموعة من الأفراد أتفقوا على تصفية شخص مهما كانت أهميته إنتقاماً أو اتقاءاً ، كما أن الارهاب ليس جماعات يسار أو جماعات يمين من العصابات التي أرهقت مجتمعها وأنهكته. الارهاب هذه الأيام اخطبوط يتمدد عبر الحدود بل لا يعرف الحدود ولا تعيقه الثقافة أو اللغةأو الدين أو اللون أو الجنس أو السن له شبكة عنكبوتية معقدة متداخلة منتشرة رائعة الاتصال تفهم كل التكنولوجيا الحديثة وتستوعبها وتجيد تسخيرها . وهذه الشبكة فيها من البشر من شتى المشارب والمواقع من الناقمين والمحبطين والساخطين بل ومِنْ الغارقين في النعم الذين في أرجلهم أحذية من ذهب وليس فقط أفواههم المحشوة بكل ما لذ وطاب بملاعق من ألماس، وفيها " من التائهين ، في الماضي بغير عقل " ( ). شلعوا أنفسهم من الحاضر وعادوا يجذرون أنفسهم في الماضي السحيق ففقدناهم نحن وهم لم يكسبوا شيئاً، وفيها من الشاردين إلى المستقبل بدون روح. وجميع هؤلاء الذين ذكرتهم سابقاً -على اختلاف ما بينهم- كأن بينهم رباط يولد وابلاً من الزخم الضاغط والمتضارب " قد يعرف المرفوض بالنسبة له ولكنه لا يعرف ماذا يرغب. وليس من عجب أن نلاحظ تعاطف إرهابيين من الجيش الأحمر الياباني وأجنحة " بادر ما ينهوف" الألمانية وأيلول الأسود الفلسطينية وتنظيم القاعدة "الابن لادنية" والصراط المستقيم المغربي.. والمافيات الإيطالية، والجيش الإيرلندي و ... و ؟.. يجمعهم جميعاً "وحدة " الرفـض" للأمر الواقع. يقابل كل ذلك الطرف الآخر الذي بدأ يكون حلفاً بعد 11/9/2001 ليشنَّ حرباً لا هوادة فيها على هذا " الإرهاب " وتتأجج النار من باري /أندونيسيا، موسكو/روسيا، اشيشينيا، لسقوط إفغانستان، سقوط العراق، الدمار في الرياض، الدمار في الدار البيضاء/المغرب( ) والحبل على الجرار.

ونما الإرهاب كغيره بعملقة مسخراً - بل وصانعاُ - التكنولوجيا الحديثة في مجال الاتصالات والملاحظات والتجسس والتسلح والتمويه فأصبحت " يده طايلة " - كما يقول الأردنيون- بل واحتل مركز الطليعة في عصرنا.

ومع تحول العلم المعولم إلى شبكات لا متناهية، ومع البريد الإلكتروني والانهمار المتدفق للمعلومات عبر البريد الإلكتروني، فللأرهاب وسائله الميسورة للتواصل السهل بين جميع الناقمين المتمردين عبر الأوطان سواء الذين تجمعهم التنظيمات الخارجة على القانون او المتحايلين واللصوص وتجار المخدرات والبغاء وغسيل الأموال وتزييف الأوراق والمطحونين والساخطين والتائهين والمناضلين والقمعيين( ).

وليس عجباً أن نشأت مؤسسات مهمتها " صنع واستيراد وتصدير الإرهاب" عبر الدول وتطبع الكتالوجات عن الجيوش التي تمتلكها وأشخاصها وأسلحتها تبين قدرتها وتضع السعر لكل خدمة يراد تنفيذها. لقد ارتقى وتعاون منظمو الإرهاب بفضل التكنولوجيا مع الخارجين عن القانون من السياسة إلى الجريمة، التقوا على خلق كيان إرهابي يمارس الحروب بأنواعها هجوماً أو دفاعاً ضاربين عرض الحائط بالقيم والأخلاق والدين والإنسانية "( ).

واقتباساً من مرض الالتهاب الرئوي اللا نمطي - السارس - الذي انتشر في العالم هذه الأيام والذي سماه البعض " طاعون العصر " أقول إن الإهارب عمل أو فكر أو قتال لا نمطي ( ). إنه آفة العصر.

المواقف تجاه الإرهاب

هناك موقف عدائي يرفض كلياً وقطعياً الأرهاب بصورة وإشكاله المختلفة ويعمل هذا الموقف جاهداً وبجميع الوسائل لمحاربته لأنه يرى في الإرهاب مخالفة لجميع الأعراف والقوانين التي تنظم حياة البشر، ويحطم القيم الإنسائية بكل شناعة ولا أخلاقية، إنه رزء على صدر الإنسان يهدد دائماً الاستقرار والسلام. وبكل بساطة إنه الشر، إنه الهمجية. لقد وصفته فرنسا في اللجنة الخاصة التي شكلتها الجمعية العامة للأمم المتحدة 1972 بأنه " عمل بربري " ووصفته فنزويلا بأنه اغتصاب لكرامة الإنسان. ويتبين هذا الموقف بوضوح مما تعكسه جميع وسائل الأعلام العالمية كلما وقعت عملية إرهابية( ).

وهناك الموقف الذي يؤيد الإرهاب مكون من قسمين :

- القسم المؤمن بعقيدة أيديولوحية سياسية تتيح استخدام العنف من أجل إجراء التغيير.

- القسم الثاني وهو المنتمي إلىالمنظمات الإرهابية، أو أنهم هم أنفسهم إرهابيون.

أصحاب هذا الموقف يرون في الإرهاب قدرة نافدة لإنقاذ المجتمعات المُحَقَّرة والمستعبدة، كما يرون فيه " حاضنة " للشهامة والشهادة والبطولة والفداء ولا بد منه كمعين في تحريك عجلة التاريج قدماً. يقول الإرهابي الروسي " ستبنياك" : إن الإرهابي إنسان جميل، رهيب وخلاب بشكل لا يقاوم لأنه يجمع نموذجي العظمة الإنسانية، الشهيد والبطل. كما يقول مؤلف كتاب " التعليم الثوري " سنة 1869"، يجب القضاء على جميع الأفراد المضرين بالتنظيم الثوري، إن القضاء عليهم بعنف وسرعة أمر ينشر الرعب في صدور الحاكمين ، وحينما نحرمهم من أعوانهم الأذكياء - بالقضاء عليهم - تنهار قوتهم"( ).

والخطير في الأمر أن هذين الموقفين متحيزان ومنفعلان ينطلقان من نوايا سابقة ومقررة. الموقف الأول موقف رافض منطلقٌ من المنظومة الأخلاقية والقوانين السائدة. والموقف الثاني منطلق من إيديولوجية لا يرى إلا هي أو نتاج قضية سياسية محددة.

وصحيح أن الإنسان عموماً يعرف الشر والخير بمقدار ما ينعكس على حياته من نفع أو ضرر، والمصلحة لها الأثر الأكبر في مسيرة الأفراد، والمجتمعات والدول هي كالأفراد في هذا المجال. ومن هنا تتباين المواقف حسب تباين المصالح وصدق من قال ليس هناك مواقف دائمة بل هناك مصلحة دائمة. والموقف تجاه الإرهاب يقع في هذا الإطار، وكذلك الموقف تجاه أي شيءً أخر، لذلك فمن البديهي أن تختلف المواقف أو تتناقض أو تتناحر تجاه موضوع ما بل وتتعاظم تبعاً لأهمية الموضوع، وهل من موضوع أخطر وأهم من موضوع الإرهاب في الزمان الحاضر ! فتشابكت المفاهيم والتعريفات والتصرفات وتلوَّن مفهوم ومعنى الإرهاب تبعاً للغرض والمصلحة كما يتلون الماء القراح بلون الزجاج الذي ينساب فيه. وعليه فلا يمكن أن يُطلب من أية جهة أن تقف مرحبة بالهجوم عليها ومن العجب أن يطلب إليها ذلك! وفي الوقت نفسه لا يمكن للمقاوم حقاً أو باطلاً لأية سلطة أن يقوم هو بتجريم ذاته. وبين هذين الموقفين تنهمر كل الموبقات. ( ).

إن حياد الحق تجاه هذين الموقفين لدى المُنَظِّر الذي يحاول أن يصطاد تعريفاً للإ رهاب محايداً حياد العلم ومستقيماً استقامة المنطق أمر لا يتاح إلا لكائن قادم من كوكب آخر يبعد عنا ملايين السنين الضوئية! ولذلك فإن الحديث عن الإرهاب يتم تناوله وابتلاعه حسب ملاعق وشوك وسكاكين وكؤوس وأطباق طهاة وسائل الإعلام بكل ما فيها من أفكار وأقلام. وبالتالي فالإرهاب الوجبة التي تقدمها وسائل الإعلام ليس طبقاً طارئاً أو ظاهرة مفاجأة فلم يخلُ منه زمان أو مكان، فأرتال الخارجين على إرادة السلطان أو الذين يتحدون المجتمع بسبب الحرمان ظاهرة منذ أقدم الحضارات، في مصر، وروما ، وأثينا، وبابل والصين، وبلاد المسلمين. وفي زماننا لها ألوان واشكال كثيرة بمسمياتٍ متعددة والكل يدعم رأيه، وليس هناك حتى الآن سبيل إلى رأي قاطع مانع، وتبقى " إدانة" الإرهاب ليست محل نقاش ولكن كل طرف يلصقها بالآخر مبرئاً نفسه فتقوم حرب إعلامية وتضيع الحقائق. ( ).

ولم يتوحد العالم كما يتوحد اليوم في مخاوفه وآلامه تحت وطأة الإرهاب، ولم تنصهر الأسوار الشائكة بين الحضارات أو تنهار القلاع التي تتأسس وراءها الثقافات لتقف عارية من كل خرقها وجهاً لوجه كما هو اليوم في مسعى للفهم والتفاهم بعد وقوع الكوارث الإرهابية المروعة( ). ولم تتردد لفظه الإرهاب على الألسن العالمية كما تردد الآن ... ورغم ذلك لم تعِ الإنسانية بعد الدروس وتستفد منها لأنها لم تتحرك إيجابياً للحفر على جذور الإرهاب وبواعثه تمهيداً للقضاء علهيا واجتثاثها، وبدلاً من تسخير العقل والعلم والمعرفة التي يتمتع بها الإنسان، تم اللجوء إلى مواجهته بردَّة الفعل الغريزية - كباقي الكائنات الحية الحيوانية - وجوبه الإرهاب بارهاب أشد منه ودخل الجميع في الحلقة المفرغة والنفق المظلم.

هل هذه " التعرية للإرهاب نعمة أم نقمة على الإنسان ؟ وهل كان من الضرورة كل هذا السفك والدمار لتتكسر أصدافه وتنخلع أسماله المقنعة ؟ هل الوصول الى الحقيقة يتطلب كل هذه المجارف والفؤوس والمطارق لإخراجها من شرنقتها ليظهر وجهها ( ).

ما الذي يدفع الى ارتكاب الإرهاب ؟

الجواب لأول وهلة هو قصر النفس وفعالية الوسيلة القادرة على التكييف مع الظرف السياسي القائم. فالإرهاب وسيلة يتم اللجوء إليها في علم السياسة لفعاليتها. فالقوة هي الوسيلة النوعية في إطاعة السياسة مع ترك الأخلاق جانباً. لأن هاجس السياسة هو " الفعالية للوصول إلى النجاح والنجاح هو تحقيق المصلحة. وبقدر فعالية الوسيلة يتحقق النجاح – ولكن لا أخلاق فيه – وأصبحت السياسة في أبرز وجوهها عبارة عن مكاسرة إرادات.

إن المأزق الذي لا خروج منه يتجسد في أن السياسة هي فنيَّة استخدام وسائل تضمن الوصول إلى نتائج من نفس طبيعتها - طبعية الوسائل - في معزل عن الأخلاق وبذا تفقد الأخلاق معناها لأنها أصبحت رهينة مجال السياسة الذي شوه طبيعتها فانتفت كل علاقة بين الأخلاق والسياسة. وبالتالي فإن السياسة تنحط إلى مستوى الأعمال الهدامة العدمية المتزمتة.

وبصراحة ووضوح أين هي السياسة وأين هو السياسي الذي يختار الوسيلة إلا بمعزل عن الاخلاق؟ وأين هي السياسة أو السياسي الذي لا يلجأ إلى القوة حيـن الضرورة لتحقيق النجاح المرغوب فيه ؟ أين هو السياسي غير الانتهازي وغير الميكافيللي؟ لقد أصبحت الأخلاق مجرد وسيلة من الوسائل التي تستخدمها السياسة وتستعير قيمها فيما يتنافى مع القيم الذاتية للأخلاق.

ونتيجة لهذا المأزق هناك من يؤمن - وهم الكثرة الساحقة وهم الواقعيون - أن السياسة غير أخلاقية بخلقتها فتهوي وتنحط الى النشاط اللا أخلاقي . وعلينا أن نرى الأمور بعين ثاقبة فالأخلاق غير سياسية بطبيعتها فهي طوباوية خيالية ( ).

قبل إحداث 11/9/2001 كان النقاش في الإرهاب - لدى الكثيرين- ترفاً أكاديمياً فنيرانه لم تكن تصلي البعيد وتُفحِّم القريب. إن الإرهاب أصبح كل شيء في العلاقات الدولية المعاصرة. إننا نعيش هوس الإرهاب وليس التمييز العنصري، وليس " إبادة الجنس " ، وليس سباق التسلح، وليس سحق حقوق الإنسان والحريات الأساسية وحق تقرير المصير، -وبكل سخرية وحتى قهقهة - وليس التدخل غير المشروع في الشئون الداخلية للدول الأخرى، وليس الاستعمار الجديد .. إننا نعيش الإرهاب الذي أصبح الخطر الأكثر شيوعاً ووراء اللفظة تنحشد كل الجرائم والآثام( ). إن الإرهاب شر ومكافحته فضيلة.

ومع ذلك هناك انقسام عميق حوله على الرغم من انه يشكل تهديداً وخطراً لأمن وسلامة المجتمع الدولي كما أنه استفزاز عارم للضمير الإنساني ولمشاعر البشرية، إنه عامل التوتر في العلاقات الدولية.

والاختلاف في وجهات النظر حوله ليست العقبة الوحيدة في الوصول إلى تحديده إذ أن هناك صعوبات أخرى منها:

- تعدد البواعث والدوافع لارتكاب الإرهاب

- تنوع صور وأشكال الإرهاب.

- إختلاف نظرة القانون الجنائي الدولي لظاهرة الإرهاب عن نظرة القانون الجنائي المحلي للدول المختلفة بدورها( ).

وهناك في أوروبا من يحاول أن يلصق صفة الإرهاب بجميع الذين يتطلعون إلى تهديم النظام السياسي القائم وبالذين يعمدون إلى وسائل غير محددة بدقة في سبيل الإساءة إليه أو تدمير البنى السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد. وحسب المنطق الأمني - البوليسي - لا يعود " الفعل " هو مادة التجريم الإرهابي بل " النيَّة " أو حتى "الفرد " نفسه باعتباره إنساناً خطراً . هذا التجريم للأرهاب الذي تسعى إلى تشريعه بعض الدول - الأوروبية - من شأنه أن يجرح الديمقراطية ، لأن تشريعاً مثل هذا سيستهدف الذين يطمحون إلى التغيير بصورة شرعية في البنى السياسة او الاجتماعية او الاقتصادية لأنهم لن يلاحقوا بسبب أفعالهم - التي لم يقوموا بها بعد - بل سبب الشكوك في نواياهم على القيام بها( ). هذا بالإضافة إلى أن هناك تجاهل كامل ومقصود للعنصر الوحيد الذي يميز العمل الإرهابي عن الجريمة العادية وهو العنصر السياسي الأمر الذي يجعل من المستحيل تعريف الإرهاب أو تحديده .

هناك نصان حديثا العهد ظهرت بهما عبارة " إرهاب " للمرة الأولى في القانون الدولي، ولكن العبارة فيهما بقيت غير محددة وهما :

- المعاهدة الدولية لمكافحة الاعتداءات الإرهابية باستعمال المتفجرات الموقعة في نيويوك في 15/12/1997.

- المعاهدة الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب - نيويورك 9/12/1999.

وحسب المعاهدة لمكافحة تمويل الإرهاب فإن توفير الاموال أو جمعها مباشرة أو غير مباشرة بطريقة غير مشروعة أو عن سابق تصميم بهدف استخدامها أو عن معرفة باستخدامها في ارتكاب أي فعل وارد في المعاهدتين السابقتين يشكل " خرقاً" - ولم تذكر عبارة إرهاباً - وكذلك كل فعلٍ من شأنه التسبب بالموت أو أي ضرر جسدي خطير يطال المدنيين أو أي أشخاص آخرين لا يشاركون في النزاع - في حال المواجهة المسلحة- عندما يهدف هذا العمل إلى ترويع السكان أو إرغام الحكومات أو المنظمات الدولية على القيام بأعمال معينة أو الامتناع عنها. إن هذه المحاولة لتعريف الإرهاب مستنبطة من القانون البريطاني الذي يعتبر الإرهاب " بأنه عمل حربي غير مشروع لأنه يتعرض للمدنيين الذين من المفترض إبقاؤهم بمنأى عن النزاع المسلح. وهكذا يعتبر الإرهاب " جريمة حرب " وفقاً لمباديءٍ محكمة نورمبيرج. وجريمة الحرب هي:

خرق قوانين الحرب وتقاليدها التي تشمل بصورة غير حصرية : الاغتيالات، وسوء المعاملة والإبعاد مع الأشغال الشاقة، وسوء معاملة سجناء الحرب أو الأفراد في عرض البحر، تصفية الرهائن، سلب الأملاك العامة أو الخاصة، التدمير المتعمد للمدن أو القرى أو أعمال الإجتّياح التي لا تبررها الضرورات العسكرية ( ).

الأممية الإرهابية

من المؤكد أن الإرهاب من الناحية العملية والواقعية هو الخطر الأساسي الذي يهدد أمن العالم واستقراره - نظرة سريعة في هذا اليوم 2/5/2003 إلى المملكة العربية السعودية والمملكة المغربية والى الدول الأوروبية التي أخذت تتسارع لعقد مؤتمر بدعوة إيطالية، وإلى الولايات المتحدة التي أغلقت مؤقتاً ممثليتها في السعودية، وتصريح الأمير بندر/ السفير السعودي في واشطن الذي لديه شعور بأن ضربة قادمة ستحصل في السعودبة أو في أمريكا تبين مدى الهلع المهيمن، وهذا الهلع هو الإرهاب بعينه - ( ) ليس في بعض المناطق من الكرة الأرضية وإنما فيها جميعها. ولذلك يستطيع المرء أن يقول وبكل قناعة أنه قد تشكل في العالم نوع من " الأممية الإرهابية" التي تخطت جميع الحدود وتتوسع باستمرار. ولقد بينت الممارسات الإرهابية أنه ليس لها سقفاً بل لها فضاء لا نهائي وهذا ما أكدته تفجيرات المنازل في روسيا وأحداث 11/9/2001 في أمريكا وعملية الشيشان لاحجتاز (700) من الرهائن في احد المراكز الثقافية في موسكو انتهت بمصرع المئات( ).

وكان الحديث - في مرحلة قريبة جداً - عن الإرهاب يتجدد تحذيراً منه وإدانة له وبحثاً عن الوسائل الفعالة لمكافحته وبالتالي القضاء عليه كلما هبَّت كارثة إرهابية، ثم لا يلبث أن يخفت الحديث بعد أن تكون الحكومات او الشعوب قد تخيلت أنها نجحت في استئصال الإرهاب - بعد ان يكون قد تم القاء القبض على بعض الفعالين الذين أدلوا باعترافات إيجابية، أو بعد وضع اليد على بعض الأسلحة والمتفجرات- فيسترد الناس أنفاسهم والمجتمع إحساسه بالأمن فترة ما ثم فجأة يعود الحال مجدداً حين تهب كارثة جديدة( ). الآن الأمر مركز تماماً على الإرهاب وباستمرار فليس هناك فترة راحة لا للمجتمع ولا للإرهابين من الإرهاب؛ إذ لم يحظ أي سلوك إنساني بالمناقشات والجدل الذي حظي به الإرهاب والإرهابيون.

ورغم ذلك فما زال الباحثون يتلمسون تعريفه . وتبقى الضرورة قائمة للسباحة في محيط هذه الكارثة لتلمس الطريق. وهناك المئات من المحاولات التي وضعها المحاولون في شكل كتل متراصة من الكلمات التي لا فواصل بينها ولا نقاط بين جملها الامر الذي يضع المتلهف للمعرفة والمتطلع إلى وضع الحل في حيرة من أمره ( ).

في مرحلة ما كان عدد المحاولات الجادة لتعريف الإرهاب (109). وعدد المحاولات لوضع " مفهوم " له (19)، وطبيعي أن أعداد التعريفات والمفاهيم قد تراكمت أكواماً، وكادت الإحصاءات أن تسقط في يدها وتعلن عجزها. طبيعي أن هناك من يؤكد على أنه من غير المنطقي الأخذ بالمواقف الرسمية الحكومية تجاه " التعريف " أو " المفهوم " بصفة مطلقة فيصفونها بأنها ليست ذات معنى، بينما البعض الآخر يؤمن بها ويرتكز عليها. إن القاريء لكتاب يتحدث عن الإرهاب لا بد أن يلاحظ ماذا في ذهن المؤلف عند استخدامه لهذا المصلطح !! وحينما تزداد الكتب وتزداد القراءات سيلاحظ أيضاً بأن ليس هناك حتى الآن ما عليه إتفاق( ).وللمرء أن يتساءل إما مستنكراً أو مؤيداً هل صحيح أن في داخل كل أيديولوجي إرهابي ينتظز من يوقظه".

لقد وجدت بعض الدول مقتلها في الإرهاب لأنه لا يستخدم بل لا يحتاج لجيوش عسكرية جراره لا بد لها من أموال طائلة، ولا يحتاج مثل الجيوش لكل " الرقميات- رغم أنه يجيد استعمالها واستغلالها وهي عند غيره - ، بل إن عُدَّته الأساسية أفراد لدى الواحد منهم الرغبة والاستعداد للموت في سبيل هدف أغلى عليه من حياته حسب ثقافته وحسب إعداده ( ).

" ولا نخطيء" أو نضل الحقيقة حين الإشارة إلى أن الإرهاب هو " عدو دولي" وهو خادع لا وجه له ولا يخص دوله بذاتها يعززه التقدم السريع الذي حققته تكنولوجيا الاتصالات، قد تختلف دوافع الإرهابيين ولكنهم يميلون للعمل معاً تحقيقاً لأهدافهم المدمرة والفوضوية( ).

والإرهاب ليس له قيود أو حدود إنه حر يمارس تدميره في أي وقت وأي ظرف يقوم بالمفاجأة في أي مكان وأي وضع فينشر ذعره وتصبح الضحية على رأي المثل - كما يقول الكاتب الساخر محمود السعدني - " اللي لسعته الشوربة بينفخ في الزبادي " ويضيف " وعلى رأي عمنا المتنبي الذي وصف مقاتلاً لحست الحرب عقله فقال: كلما رأي غير شيءٍ ظنه رجلاً. مسكين لم يعد يميز بين الحجر والشجر والبني آدم فكلهم مقاتلون وكلهم يريدون قتله ( ).

ربما أن الإرهاب هو الذي تُعرِّفه غرفة العمليات " في واشنطن وليس ما يعرفه وزراء الداخلية العرب، أو منظمة المؤتمر الإسلامي، أو مجموعة عدم الانحياز، أو مجمع العلماء المسلمين في السعودية، أو مؤتمر المسلمين في بيروت أو ... أو .. أو الاتحاد الأوروبي. ولعدم إدراك هذه الحقيقة ورفض تصديق ما تراه العين وتلمسه اليد "فإننا نرى الكارثة التي وقعت في فلسطين والكارثة التي وقعت في العراق، كما أننا نلمس طلائع ومؤشرات كوارث تحوم حولنا "( )، كما نلاحظ الضغط الهائل على سوريا والذي تَمَّتْ الاستجابة إليه تدريجياً بإغلاق مكاتب فلسطينية، وطرد قياديين عراقيين.. " ومن سيبقى يُصِرُّ على المكابرة والمناكفة سيدفع الثمن والسعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه. هذا الكلام تشخيص للواقع وليس لتثبيط العزائم".

يتضح من ذلك لزومية العلاقة الوثيقة بين الإرهاب والإعلام فالإرهابي بحاجة ماسة إلى الأعلام لأنه يخدم أهدافه وينشر أقواله وأفعاله ويضخم قوته.

لأن هدف الإرهاب دائماً هو :

- نشر الذعر والإضطراب وعدم الاستقرار داخل الدولة لأن مثل هذا المناخ المضطرب يفسح المجال للإرهابي بالتسلل إلى مقصده.

- نشر القضية أو ما يعتقد أنه قضية على نطاق واسع ( ).

وفي المحاولات الفقهية لتحديد الإرهاب :

هناك إتجاهات في محاولات التحديد :

- اتجاه يُضَيِّقُ مفهوم الإرهاب إلى الحد الأدنى بحيث يتم استبعاد أعمال عنف من الخطأ استبعادها ، إنه اتجاه حصري".

- اتجاه واسع تندرج فيه أعمال عنف لا تدخل في مفهوم الإرهاب بالمعنى النوعي لهذه الظاهرة . إنه إتجاه شمولي.

ولا ننسى أن أي تعريف هو تصور ذهني للواقع المحسوس وبمجرد أن يتم تطبيقة على الواقع سرعان ما تتكشف تفاصيل أو عناصر لم تكن ورادة في التعريف رغم قيمتها وأهميتها في التعريف بفعلٍ إنسانيٍ يغصُّ بالثقل النوعي والكثافة كالإرهاب السياسي المتشعب ذو الأشكال المتعددة المتغيرة والمتطورة والمتبدلة والمتناقضة التي يصعب حصرها في تذهنية مشتركة . كما أن محاولة وضع تعريف لا يعني رفض ما سبق منها أو ما يلحق فهي بالتأكيد سترتكز على ما سبق وستستشعر ما سيلحق تحاول الابتعاد عن الانتقائية وتحاول الالتزام بالموضوعية. وليس بخاف على المحلل التعريف المتحيز الذي يتدثر ستاراً من العلمية دفاعاً عن وجهة نظرهِ السياسية - وهو الأمر الواسع الانتشار-، وهنـاك –والله أعلم- التعريف الموضوعي يتبع النزاهة العلمية والارتقاء بها.

عندما بدأت الجمعية العامة في دورتها الثامنة والعشرين بحث موضوع الإرهاب اعتبر المندوب الأمريكي( ): الإرهاب فعلٌ قام به " كل شخصٍ قتل شخصاً آخر خرقاً للقوانين أو سبب ضرراً جسدياً بالغاً له أو قام بخطف شخص أو حاول خطفه أو شارك في مثل هذه الأعمال( ). وسرعان ما يلاحظ على مثل هذا التعريف أنه يُسقط الصفة السياسية للإرهاب ويحصره في أفعال فردية ينطبق عليها القانون الجنائي، كما أنه يسقط أيضاً "إرهاب الدولة " لأنه يعتبر أن ما يصدر عن الدولة أمراً مشروعاً، ولا يتطرق إلى الشعوب المقهورة ، ولا إلى الأقليات المضطهدة. فالتعريف الأمريكي يُلصق إرهاب الدولة بالآخرين إذ ليس هناك من دولة تعترف بأنها إرهابية بل الإرهاب في نظرها عند الآخرين وما تفعله هي هو من باب المقاومة للإرهاب. المعروف أن أمريكا هي الأقوى إذن فهي المعرضة للانتقاد والمعارضة والتمرد والثورة في وجهها وحتى للإرهاب. وهذا الأمر هو الذي يفسر التعريف الأمريكي للإرهاب وتبسيطه واقتصار الإرهاب على مجرد جريمة فردية بهدف النيل من هذه الجريمة وتحقيرها ومسخ أهميتها ومسخ قيمتها من أجل اللجوء إلى القوة لقمعها ومنع انتشارها. إن أمريكا ترى الحل الناجح للوقاية من الإرهاب هو القضاء عليه واستئصاله بالقوة( ).

وللانتقال إلى خطوة أكثر تطوراً من التعريف الأمريكي السابق، الإرهاب هو " القيام بأشكال من القتال قليلة الأهمية مثل قتل السياسيين أو الإعتداء على الممتلكات . ويشكل الإرهاب نسقاً صراعياً يرسمه جهاز أركان وينفذه أتباع يتم انتقاؤهم. وهنا يبرز عنصر جديد في مفهوم الإرهاب " النسق" فالإرهاب نسق في النزاع السياسي يتميز عن غيره من نُسُق الصراعات الأخرى. وهذا التعريف يبين أن الإرهاب السياسي يقوم به " الضعفاء" ضد " السلطة الرسمية" واستثنى بذلك " إرهاب الدولة " الذي تمارسه بأجهزتها العسكرية والأمنية ( ).

وللانتقال من جديد إلى خطوة أوسع ، فلا بد من أن يفصل عن التعريف الحالات الإرهابية التي ترنو إلى تحقيق مكاسب فردية، فالإرهاب إذا هو " الاستعمال المنسق للعنف أو التهديد باستعماله من أجل بلوغ أهداف سياسة". وبذا فإن كلا من الحكومات أي الدول والجماعات والأفراد يمكن أن يلجأوا إلى الارهاب فالعناصر التي يحتويها الارهاب هي: العنف والنسق بوجود تنظيم يسعى لتحقيق هدف سياسي محدد( ).

ولكن الحرب والثورة هما أيضاً لهما نسق وعنف، فما زلنا إذن في البحث عن الخاصية النوعية للإرهاب السياسي . إن " مالسيون " قد ساهم في إبراز العنصر السيكولوجي في الإرهاب، حينما استعمل عبارة " التهديد بالعنف لأن التهديد بالعنف هو تماماً كاستخدامه يخلق حالة من الهلع لدي المقابل. فالقتل مثلاً بالنسبة للإرهابي لا يشكل هدفاً مرغوباً بذاته إلا بقدر ما يشكل هلعاً أي عنصراً سيكولوجياً يمكن استغلاله من أجل بلوغ المقصد. يقول " ريمون آرون" إن ما نسميه فعلاً إرهابياً هو فعل العنف الذي تجاوز اهمية تأثيراته السيكولوجية أهمية نتائجه المادية البحتة" ( ).

وللتقدم أكثر فإن الإرهاب يقوم على إستعمال العنف دون تقدير أو تمييز بهدف تحطيم كل مقاومة وذلك بإنزال الرعب في النفوس. فالإرهاب لا يهدف فقط كما يهدف العنف إلى القضاء على الكائنات وتدمير الممتلكات بل أيضاً إخافة النفوس أي يستخدم جثث الضحايا الأبرياء التي يحققها العنف ليزرع اليأس في قلوب الأحياء ( ).

والإرهاب هنا لا يهدف إلى نتيجة بناءه وإيجابية بقدر ما يهدف إلى القضاء على إمكانيات الأفراد في التفكير والمقاومة.

تجمَّع لدينا حتى الآن العناصر التالية للإرهاب : العنف المنسق ، نسق النزاع السياسي النوعي، أداة سيكولوجية للتخويف، والعنصر الفاعل لأفراد أو جماعات، ويبقى عنصر الهدف النهائي الذي يرمي إليه الإرهاب.

وكل تعريف للإرهاب يغفل الهدف النهائي له، يفقد الأمر قيمته ومعناه ويحوله إلى عبث أو يقذف به إلى مستنقع الأجرام الرخيص أو في مصاف السـادية المرضية( )، يجب أخذ الإرهاب دائماً بكليته وإدخال عنصر الهدف النهائي المكون الأساسي للأرهاب.

في هذا قدم القانوني البولوني تعريفاً جاء فيه : الإرهاب السياسي هو منهج فعل إجرامي يرمي إلى السيطرة بالترويع على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية معينة أو من أجل تغييرها او تدميرها ( ). هذا التعريف ركز على الصفة الإجرامية للأرهاب السياسي دون غيرها وهذا يعني أن الإرهاب مشروع إذا مارسته الحكومة، وهو إجرامي إذا مورس ضد الدولة.

يتمم د. أدونيس العكره العرض السابق بأن وضع هو شخصياً في النهاية تعريفه للإرهاب:

" الإرهاب السياسي منهج نزاع عنيف يرمي الفاعل بمقتضاه وبواسطة الرهبة الناجمة عن العنف إلى تغليب رأيه السياسي أو إلى فرض سيطرته على المجتمع أو الدولة من أجل المحافظة على علاقات اجتماعية عامة او من أجل تغييرها أو تدميرها".( )

والفقهاء بدورهم تختلف نظرتهم للموضوع إذ لكلٍ مشاربه وثقافته ووجهة نظره في تحديد تلك الظاهرة والعناصر المكونة لها( ).

يعرف " ويلكنسون " الإرهاب بأنه " العنف المتطرف الذي يرتكب من أجل الوصول إلى أهداف سياسة معينة يضحي من أجلها بكافة المعتقدات الإنسانية والأخلاقية. وأنواع الإرهاب في نظره هي الإرهاب الحربي، والقمعي، والثوري - لهدم النظام السياسي والاستيلاء على السلطة - وشبه الثوري( ).

" وثورنتون " يرى أن الإرهاب هو استخدام الرعب كعمل رمزي الغاية منه التأثير على السلوك السياسي بواسطة وسائل غير اعتيادية تستلزم اللجوء إلى التهديد والعنف. ويلاحظ أنه يهتم بالوسائل غير الاعتيادية في تعريف الإرهاب ويضع العنف الذي يهدف إلى إثارة الاضطراب السياسي في مرتبة أسمى من العنف المجرد، إن الطبيعة غير الاعتيادية لعنف الإرهاب هي التي تميزه عن أشكال العنف الأخرى ولكنه لم يقدم أية محددات للتمييز بين العمل غير الاعتيادي للإرهاب والعمل الاعتيادي الذي لا يشكل عملاً إرهابياً حسب مفهومه. ويتميز الإرهاب عنده بطبيعته الرمزية التي تجعل الحدث أكثر تأثيراً وفاعلية ( ).

والإرهاب السياسي حسبما يرى " واردلو " : استخدام العنف او التهديد باستخدامه من قبل فرد أو جماعة تعمل لصالح سلطة قائمة أو ضدها بهدف خلق حالة من الهلع الشديد لدى الضحايا المباشرين وإجبارها - السلطة - على الموافقة على المطالب السياسية لمرتكبي الحدث ( ).

أما " جروس " فيفرق بين الحالات التي يستخدم فيها العنف ومنها : النضال ضد حاكم متسلط، أو ضد الغزاة على الدولة واستعباد الشعب، أو أعمال على طريقة الأحزاب النازية او الفاشية.

ويقسم جروس العنف إلى أنواع : 1- عنف تكتيكي لتحقيق مكسب انتهازي كالإنتقام أو العقاب 2- عنف أعمى بدون هدف أو غاية. 3- عنف أعمى بطبيعته ولكن من أجل هدف محدد. 4- اغتيالات سياسية. 5- عنف في إطار واسع وشامل( ).

ويعرف " لاكور " الإرهاب بأنه عمل سياسي يتم توجيهه إلى هدف محدد، وهو يشمل التهديد المبالغ فيه ويتم تنفيذه للحصول على التأثير المادي، وضحاياه مجرد رموز ليست مقصودة لذاتها. والأرهاب يحتم الاستخدام المقصود للعنف أو التهديد باستخدامه ضد الهدف يؤدي فيما بعد إلى تهديد هدف أكثر اهمية، وهو بذلك يهدف إلى إثارة الخوف والقلق لكي يتم إجبار الهدف على الاستسلام أو تعديل موقفه ( ).

بينما الأرهاب لدى د. عبد العزيز سرحان هو في معظمه إستخدام غير شرعي للقوة ويقول " إن الإرهاب هو كل اعتداء على الحياة أو الممتلكات سواء العام أو الخاص منها خرقاً للقانون الدولي العام بمصادره المتعددة بما في ذلك المبادئ الأساسية لمحكمة العدل الدولية. ولأن للأرهاب طابع دولي فخرقه للقانون الدولي يُعتبر جريمة دولية الأمر الذي سبق واستندت إليه محكمة طوكيو ونورومبرغ حين محاكمة المجرمين الدوليين إثر الحرب العالمية الثانية. وإذا كانت دوافع الارهاب نصرة حقوق الأفراد والشعوب وحقوق الانسان وتقرير المصير ومقاومة الاحتلال فهي إستخدام مشروع للقوة حسب مبادئ القانون الدولي وبالتالي فلا عقاب عليها ( ).

والدكتور صلاح الدين عامر يرى الارهاب بأنه الاستخدام المنظم للعنف لتحقيق هدف سياسي وبصفة خاصة أعمال العنف التي تقوم بها منظمة سياسية لتخلق جواً من الفوضى مثل أخذ الرهائن واختطاف الأشخاص وقتلهم ووضع المتفجرات في أماكن تجمع المدنيين والتخريب وتغيير مسار الطائرات " ( ).

والدكتور عبد العزيز مخيمر " يصف الارهاب بأنه استخدام العنف لخلق جو من الرعب بهدف تحقيق أهداف محددة سياسية أو اجتماعية أو مذهبية ، سواء تم استخدامه من داخل الدولة أو قادماً من خارجها وسواء تم من قبل أفراد أو مجموعات أو دول. ويُدخل في نطاق الإرهاب حوادث الارهاب التي لها أهداف شخصية أو إجرامية كالخطف واحتجاز الرهائن حيث تعاقب هذه الأعمال طبقاً للقوانين المحلية إذا كانت لا علاقة لها بالتعاون الدولي والعلاقات الدولية ولم تشكل إنتهاكاً لحقوق الانسان ، كما لا يعتبر الأعمال الاجرامية التي ترتكب أثناء الأعمال الحربية العسكرية إرهاباً( ).

وحسب د. نبيل حلمي فالإرهاب هو استخدام غير مشروع للعنف أو التهديد باستخدامه من قبل مجموعة أفراد أو دولة ضد فرد أو جماعة أو دولة ينتج عنه رعب يعرض للخطر أرواحاً بشرية أو يهدد حريات أساسية ويهدف إلى الضغط على الجماعة أو الدولة لتغيير موقفها في الموضوع المطلوب( ).

و د. أحمد جلال عز الدين يقول إنه " عنف منظم متواصل بهدف صنع حالة من التهديد ترتكبه منظمة ضد جماعة أو دولة بهدف تحقيق مقاصد سياسية"( ).

وجورج سعد الذي يؤكد أن العالم لم يتوصل لوضع تعريف موضوعي محدد للإرهاب، يُرضي جميع الفرقاء، يرى أن الأمر إزداد صعوبة بعد أحداث 11/9/2001 في أمريكا كما يرى أن عدد الضحايا لا يؤثر على التحديد القانوني متسائلاً مَنْ قال إن إرهاب المساجين أقل إرهاباً من القتل الأعمى؟ لو كان الأمر كذلك لما إنتحر عشرات المساجين السياسيين الأتراك. وبإنتظار التوصل إلى تعريف عقلاني سيبقى الإرهاب . " مفهومة" Concept فلسفية سياسية بل " تقنية" سهلة الاستعمال في يد المتربعين على زمام الأمور في البلاد ذات الأنظمة الديمقراطية المتقدمة على حد سواء مع البلدان العالمثالثية ، ويتم اللجوء إلى هذه " المفهومة" بصورة انتقائية براغماتية :

" أنا أقمع الارهاب إذن فإن وجودي شرعي ومشروع في الحكم" . إن ذلك يفسر العمليات الارهابية التي تضخمها أو ترتكبها بعض الدول لا سيما في العالم الثالث. فالإرهاب مدوٍ والناس لا يعودون يلتفتون إلى الديمقراطية أو الاقتصاد بل إلى جبروت الحاكم البطل " رامبو" القامع للإرهاب والإرهابيين المزعومين .

لذا فالحاجة ماسة للتعريف العقلاني خاصة وأن التيار العقلاني في الفقه الدولي يتململ ليفرض نفسه ليعتمد التفسير التوسعي للإرهاب إذ لم يعد الارهاب يتمثل في خطف الطائرات بل له أشكال كثيرة لا تُحصى . ومن هذا المنظور التوسعي فالإرهابي هو أيضاً من يبيع السلاح، ومَنْ يُساعد نظاماً إرهابياً؛ وربما من يرهب إقتصادياً! ( ).

د. أحمد رفعت، د. صالح بكر الطيار، يعتقدان بأن نقطة البداية في دراسة موضوع الارهاب من قبل المجتمع الدولي من أجل مكافحته والقضاء على فاعليه واستئصال أساساته تنطلق من تحديده. فالإرهاب في نظرهما : استخدام العنف كوسيلة لنشر الرعب للإرغام على اتخاذ قرار مطلوب أو العدول عنه، وملامح الارهاب مختلفة عن الجرائم الأخرى ، ويتأجج الارهاب حين وجود مشاكل سياسية مثل الاعتداء على حقوق الأقليات، خرق حق تقرير المصير، وحقوق الانسان وحرياته الأساسية ؛ وبذا فإن الإرهاب ليس هو عمل عنف يولد الرعب فقط بل هو أيضاً وبمفهومه القانوني كل الأعمال التي تهدف إلى إحداث ضرر مادي في مكان الواقعة نفسها أو بالرهائن أو قتلهم أو تعذيبهم.

وجريمة الارهاب في نظرهما تختلف جوهرياً عن جريمة العدوان ضد سلامة واستقلال الدولة تقوم به دول أو دولة أخرى. كما يرى د. رفعت و د. طيار أن ليس هناك دولة إرهابية فليس هناك إذن ما يُسمى " بإرهاب الدولة" والدولة تكون " معتدية " وليس " إرهابية ". والأفراد لا يرتكبون جريمة " العدوان " بل جرائم أخرى منها الارهاب. " والعدوان" عندهما أشد خطراً من الارهاب.

وإذا وقع عدوان " وتهديد للسلم أو إخلال به فعلى " مجلس الأمن" مسؤولية التدخل لحفظ السلم. أما إذا وقعت عملية إرهابية من قبل ما يُسمى " بإرهاب الدولة" فإنه يصعب القول إن لمجلس الأمن إختصاص أصيل في هذه الحالة ( ).

د. عبد الوهاب حومد يرى " الارهاب مذهب يلجأ إلى إحداث الذعر للوصول إلى أهدافه. ولهذا المذهب وجهان: الأول إجتماعي يهدف إلى إزالة النظام الطبقي القائم كلياً وبمختلف أشكاله. والوجه الثاني وجه سياسي يهدف إلى قلب نظام الحكم رأساً على عقب والتنكيل بممثلي الدولة نفسها ( ).

وينظر الأستاذ Aloisi إلى الارهاب على أنه كل فعل يرمي إلى قلب الأوضاع القانونية والاقتصادية التي تقوم عليها الدولة.

والارهاب عند د.عصام رمضان هو إستخدام أو التهديد باستخدام العنف ضد الأفراد ويعرض للخطر أرواحاً بشرية بريئة أو يهلكها أو يهدد الحريات الأساسية للأفراد ، كل ذلك بهدف التأثير على سلوك أو مواقف مجموعة مستهدفة بغض النظر عن الضحايا المباشرين ( ).

أورد د. طيار ود. رفعت المجموعة التالية لتعريف الإرهاب من قبل أشخاص أوربيين ( ):

• إريك دافيد: الارهاب هو كل عمل من أعمال العنف المسلح بهدف تحقيق مطلب سياسي أو فلسفي أو إيديولوجي أو ديني.

• فريدلاند: الارهاب هو استخدام تكتيكي للعنف لخلق جو عام من الخوف والذعر لدى القسم الأكبر من الناس.

• ميكولوس: الارهاب هو استخدام أو التهديد باستخدام العنف غير العادي لخلق ذعر عام لتحقيق مطلب سياسي وذلك بالتأثير على سلوك الضحايا.

• تورك: الارهاب إستراتيجية إستخدام العنف ضد أهداف عشوائية وترويعها بقصد ردع الخصم السياسي.

• فيراكوتي: الارهاب جزء من النضال السياسي بهدف التأثير على سلطة الدولة أو السيطرة عليها، ويتضمن الارهاب أيضاً إستخدام العنف ضد أبرياء مسالمين.

• سوتيل: الارهاب عمل إجرامي مصحوب بالرعب والهلع بقصد تحقيق الهدف( ).

• الفقيه لومكين: يقوم الارهاب على تخويف الناس بواسطة أعمال العنف.

• جبانوفيتش: الارهاب هو أعمال من طبيعتها أن تثير لدى الفرد الإحساس بالتهديد والخوف ( ).

• سالاداني: الارهاب منهج لتطويع الجماهير وشل حركة زعمائها بواسطة الاكراه السيكولوجي والترهيب الإجرامي( ).

• نومي جال أور: الارهاب طريقة عنيفة للمعارضة السياسية تستخدم العنف أو التهديد به – العنف البدني أو النفسي . وقد تمارس ضد أبرياء أو أهداف لها إرتباط مباشر بالقضية التي يعمل الإرهابيون من أجلها ( ).

• د. مصطفى الفقي: لقد أثبتت أحداث 11/9/2001 في الولايات المتحدة بروز سلاح جديد يستجيب لوضع عدم التكافؤ في موازين القوى العالمية، رغم أن أمريكا هي الأقوى عسكرياً على مستوى العالم في زماننا القائم، لكن برز ميدان آخر بسلاح آخر يتناسب مع إمكانيات الطرف الأضعف الذي يستطيع أن يُحول جسده لقنبلة في أي وقت يشاء. إن ذلك يمثل نقلة نوعية في أسلوب تفكير الأضعف في مواجهة الأقوى وفتح باباً لا يُغلق ذلك هو الارهاب الآن ( ).

• د. أسامى الغزالي حرب: الارهاب كما سماه محمد سيد أحمد " القطب الجديد" لا يمثل ظاهرة جديدة فهو قديم قدم المجتمعات البشرية . كما أن الارهاب لا ينطوي على " قيمة " في حد ذاته، والارهاب شكل من أشكال العنف لا يقصد به الضرر فقط وإنما أيضاً ترويع البيئة المحيطة من احتمال تكرار هذا الضرر مرة أخرى . إستخدمته قوى وجماعات شديدة التباين: إستخدمته قوى ولم تُنتقد على ذلك لأن الطرف الأقوى عادة هو الذي يحدد العمل المشروع من غير المشروع . والارهاب نظراً لضآلة تكلفة ممارسته كما يقول د.بطرس غالي صار هو سلاح الطرف الأضعف في مواجهة الطرف الأقوى.

وحين التساؤل عن السبب الحقيقي اليوم لاعتبار تلك الظاهرة القديمة تهديداً جديداً، فالجواب ليس فقط بسبب ما أصبح يمتلكه الارهاب من أدوات جديدة، بل لأن تأثيره طال الدولة الأقوى عالمياً مما تحتم الوقوف ضده وتجريمه وردعه، خلافاً لما كان عليه الحال في الماضي حينما كانت دول العالم الغربي نفسها هي التي تمارس الارهاب. أصبحت النظرة إلى الارهاب أنه كمذهب يعرض مرتكبه للوصف بالاجرام. وبما أن العرب والمسلمين هم الطرف الأضعف وقامت جماعات منهم باستخدام الارهاب لتحقيق أغراضها أُلصق بهم الارهاب كرذيلة نابعة من أعماقهم، وأصبحت قضاياهم التي يدافعون عنها عرضة لترذيلها في ذاتها. ذلك هو الخطر الحقيقي لعدم وجود تعريف محدد للارهاب مما قد يسهل الصاقه كتهمة بأي عمل لا يتفق مع مصالح الأقوياء( ).

ووصف د. بطرس بطرس غالي الارهاب قائلاً:

• الارهاب هو دولي لأن قيادته في دولة وأمواله في دولة أخرى وأتباعه في دولة بعيدة وعملياته في دولة أبعد. ولم توفق الأمم المتحدة في وضع تعريف للإرهاب بسبب تضارب المصالح حول حق الشعوب في تقرير المصير ورغبة الدول الكبرى في السيطرة، وأصبح الإرهاب سلاحاً أقوى من جميع الأسلحة التي عرفتها البشرية إذ أن طائرة مدنية تتحول إلى صاروخ( ).

وصحيح أن جورج بوش الابن يغطي مفهوماً محدوداً للغاية من الارهاب -في عالم أحادي بعد زوال الاتحاد السوفيتي- إذ أنه يرى الارهاب شكلاً عنيفاً من أشكال الرفض للقيادة الأمريكية. وحين تحدث في خطاب له يصف أحداث 11/9/2001 قائلاً" قد عرف بلدنا اليوم الشر وخبر أسوأ ما في طبيعة الانسان "، وعلى الشعب الأمريكي أن يعرف أن العدو الذي يواجهه اليوم – الارهاب- مختلف تمام الاختلاف عن أعداء الماضي، إنه عدو يلبد في الظل ويستخف بحياة الانسان، عدو يجفل من الناس الأبرياء الذين هم فريسته، وحين ينجح في مهمته يهرع إلى مخبأ يحتمي به". ولكن الرئيس بوش يتوعد هذا العدو مؤكداً أنه لن يتمكن من الهروب إلى الأبد ( ).

• جاك شيراك/الرئيس الفرنسي : كان جاك شيراك / الرئيس الفرنسي قد صرح بأن الارهاب هو الحرب. ولم يكن أحد يعتقد أن عملية إرهابية مهما كانت ضخامتها تستوجب وبمجرد الشك إعلان حرب رسمية ضد مرتكبيها وأن تتحول أفغانستان بعد 11/9/2001 إلى مسرح عمليات حربية تقترف فيها باسم مكافحة الارهاب جرائم أشد وأفظع ( ).

الولايات المتحدة الأمريكية:

مازالت أمريكا غير راغبة بوضع تعريف للأرهاب تاركة المجال للتشريع الداخلي التصدي له . أمريكا تعلن حرباً عالمية ضد الارهاب دون أن تعطي مفهوماً له وها هي حشدت قوى تحالف دولي في حربها على الارهاب ضد أفغانستان فاسقطت نظام الحكم فيها وبعد ذلك احتلت العراق وأبادت نظام الحكم فيه دون أن تضع تعريفاً للارهاب وهي مستمرة في حربها ضد الارهاب بدون حدود.

لم يصبح الارهاب ذا صبغة دولية فقط ولكنه أصبح بمثابة "منظمة دولية" جديدة لها شخصية وسمات خاصة بدليل إن الولايات المتحدة أعلنت حرباً ضده بل وشكلت تحالفاً دولياً من أجل القضاء عليه. إن هذه الحرب يمكن تسميتها " بالحرب غير المتناظرة"، ويظهر عدم التناظر جلياً من الطبيعة الجديدة لأسلحةِ هذه الحرب ومن تكاليفها الهائلة، لم تكلف عملية 11/9/2001 تدريباً وتخطيطاً وحشداً وتمويلاً وتنفيذاً سوى أقل من نصف مليون دولار إلا أن الأضرار التي نتجت عنها تقدر ببلايين الدولارات، هذا بالإضافة إلى كلفة أخرى على العلاقات الدولية فقامت أمريكا باستبعاد هيئة الأمم المتحدة وهمشت دورها في مواجهة التهديد العالمي المتمثل بالارهاب والارهابيين بل وكذلك همشت دور حلفائها إضافة إلى تهميش دور روسيا والصين والهند. إن أحداث 11/9 ساعدت على زيادة الشرخ بين الشمال والجنوب لأن المواجهة بين العالم الغربي والإسلامي ستؤدي إلى تعزيز الشرخ بين الشمال والجنوب( ).

ولا بد من الاعتراف أن التيار المعادي لوضع تعريف للارهاب ما زالت له الغلبة بحيث تم كبح جميع الجهود وتعطيلها وترك الحرية للدول أن تكيف ما يقع على الساحة الدولية كل حسب هواها لتصف بعض الأعمال بالارهاب والآخر دفاعاً عن النفس أو "ضربه إستباقية" لتضيف مصطلحاً عالمياً جديداً على قاموس المصطلحات. وما إخراج الارهاب من اختصاص المحكمة الجنائية الدولية إلا مؤشر على قوة هذا التيار.

إن الدوافع السياسية لذلك التيار حالت دون التوصل إلى وضع تعريف ليبقى الارهاب مصطلحاً سياسياً معناه: الارهاب هو ما يفعله الأشقياء فقط أما يفعله الأصدقاء- ولو كان من نوع فعل الأشقياء – فله كل الأسماء الأخرى ما عدا الارهاب . ومن ثم انطلقت دول تلك التيار – أي المعارضة لوضع تعريف – للتعامل مع ما تعتبره إرهاباً بوضع اتفاقيات قطّاعية بلغت اثنتي عشرة اتفاقية بعضها يتعلق بجرائم الطيران وعلى ظهر السفن (حادثة اكيلالارو) وبعضها بالجرائم المتعلقة بالرهائن، وبجرائم إستخدام المتفجرات البلاستيكية، وبعضها بجرائم الارهاب عن طريق القنابل وأرادوا تمرير اتفاقية عن الارهاب النووي فتم حصرها بارهاب الأفراد النووي ( وليس إرهاب الدولة النووي). وتم التوصل إلى إقرار اتفاقية مكافحة تمويل الأرهاب سنة 1999. وبالفعل تم التوصل إلى اثنتي عشرة اتفاقية قطاعية لمحاربة الارهاب.

ويقول د. عبد العزيز شكري " ما دام أن التيار الغالب يرفض وضع تعريف للارهاب ويحدد له عقوبة معينة فلماذا لا نسمي الأفعال باسمائها ؟ فالقتل قتل والحرق حرق، ونسف المنشآت هو نسف المنشآت… وهكذا.

ويبقى الارهاب مجرد مظلة تظلل تحتها جميع هذه الجرائم وما قد يتفتق عنه ذهن الانسان من جرائم إذا كان من الأعداء؛ أما إذا كان منا أو من أصدقائنا فهو قتل مجرد قتل ، أو حرق مجرد حرق ( ). ويتساءل هل نحتاج إلى اتفاقية جديدة كلما تفتق ذهن الانسان عن أداة جديدة للترويع ؟ إن ذلك منتهى الاعتباطية في السياسة الدولية. إن التعريف بأسلوب التعداد والإضافة الذي تتبعه الدول المعارضة لوضع تعريف لا يخدم مكافحة الارهاب والخشية إنه إذا ترك الأمر دون رادع قانوني أو أخلاقي سيدفع خصومه لتأجيج حمأة العنف.

وما دام أن المجتمع الدولي لم يوافق على وضع تعريف للارهاب من الناحية القانونية فليس هناك جريمة إرهاب مستقلة يمكن أن يوصم بها أحد بل هناك جرائم يمكن تجاوزاً تسميتها جرائم ذات صفة ترهيبية( ).

لكن سمو الشيخ حمد آل ثاني/ أمير قطر ورئيس منظمة المؤتمر الاسلامي يدعو إلى وجوب العمل على تفعيل دور الأمم المتحدة التي من الواجب عليها أن تقوم بالدعوة إلى عقد مؤتمر دولي ينعقد تحت مظلتها لوضع معاهدة دولية لمكافحة الارهاب تحدد تعريف الارهاب والعقوبات التي يستحقها والتمييز بينه وبين حق الشعوب في المقاومة والنضال؛ والتركيز على حق الشعب الفلسطيني وانقاذه من "ارهاب الدولة" الاسرائيلي، لأن إرهاب الدولة هو الذي يخلق إرهاب المنظمات ولن تنكسر هذه الحلقة إلا بتحقيق حقوق الشعب الفلسطيني وتوفير الحماية الدولية له( ).

وفي خطاب لنائب رئيس وزراء ماليزيا / وزير الداخلية في اجتماع لمنظمة دول " الآسيان" / جنوب شرق آسيا أشار إلى أن هناك صعوبات تعترضهم وهم يحاولون وضع تعريف للارهاب يوافق عليه الجميع إنه أمر ليس سهلاً غير أن دول الاسيان تشترك في شيء واحد وهو التزام الجميع بمكافحة الارهاب ، وأنه ليس هناك ما يمنع من تفعيل التعاون بينها في هذا الشأن طالما أنه لم يتوفر بعد المفهوم المشترك للارهاب الذي يحظى بقبول الجميع ( ).

الباعث السياسي :

إن سبب هذا الاهتمام اللامحدود في الارهاب هو " المضمون السياسي" ، وما يمتُ إليه ذلك المضمون بأية صلة كالعقيدة والأيديولوجيا و… فمثلاً إذا قام " مختطف بخطف طائرة لدوافع شخصية كالحصول على مال أو حق الاقامة أو اللجوء السياسي، فإن هذا " الاختطاف" لا يُعد عملاً "إرهابياً" حسب التفكير القانوني السائد مع ما في عملية الاختطاف من العنف الذي ينشر الذعر – على الأقل لدى ركاب الطائرة الأبرياء-. إن ما يجعل العمل ارهابياً هو الدافع السياسي أو الأيديولوجي أو العقائدي للفاعل. فعملية اختطاف الطائرة تصبح " عملية ارهابية " حينما يكون الخاطف يستهدف أمراً سياسياً .

وهناك تساؤل: لماذا يجري التركيز على الحالة الشخصية والذهنية للفاعل بدلاً من التركيز على الماهية الموضوعية للفعل بحد ذاته؟ يجري كل ذلك في الوقت الذي يتم فيه التشديد والتأكيد على " تسييس" الجريمة الإرهابية " ولكن فقط في مرحلة التجريم وبعد ذلك تنزع منها " التسيسة" في مرحلة العقاب حتى يمنع "المُجرم" من الاستفادة من الحقوق الدولية التي تُمنح للمجرم السياسي أي لحرمانه مثلاً من "حق اللجوء السياسي". إنه أمر إن لم يوصف بإعجازية فهمه، فهو متناقض جداً!!

وخلاصة هذا الرأي:

- حتى يمكن وصف جريمة بأنها إرهابية، لا بد أن يكون حافزها سياسياً محضاً (أي تسييس الجريمة).

- وحتى يمكن إيقاع العقوبة القصوى بالمجرم على الجريمة التي حركتها بواعث سياسية يجب معاملة الفاعل كمجرم عادي ( أي نزع الصفة السياسية عن الجريمة).

- ولتوفير إمكانية إجراء محاكمة أسرع – والأصح أسهل – فلا بد من " ولاية دولية" الأمر الذي يستدعي توصيف الجريمة بأنها " دولية " ( أي إعادة التسييس للجريمة).

إنه توصيف متغير ومحير وغير منطقي للفعل نفسه، كل ذلك من أجل إجراء محاكمة أسهل منالاً لجرائم دُفِشَتْ عنوةً تحت بيرق " الارهاب" .

والأمر يتطلب بالفعل إجراء مقاربة شاملة لهذه الظاهرة السياسية وإلا فلن يتمكن الباحث الموضوعي أن يصون موضوعيته( ).

الجهود الدولية المستمرة لتحديد الارهاب

قام " إرهابيون" من منظمة " الأستاذا" المكدونية الانفصالية بإغتيال ملك يوغوسلافيا الكسندر الأول ووزير خارجية فرنسا حين زيارته لفرنسا في الجنوب في مدينة مرسيليا بتاريخ 9/10/1934 مما كان لهذه الجريمة أثر مروع في العالم الأمر الذي دفع فرنسا لطلب عقد إجتماع " لعصبة الأمم المتحدة" للتدارس في الموضوع. فكونت العصبة لجنة خاصة لأعداد ميثاق دولي حول الارهاب مكونة من (14) دولة منها بلجيكا، بريطانيا، إسبانيا، فرنسا، إيطاليا، بولندا، يوغسلافيا، رومانيا سويسرا وروسيا. وتم التوصل إلى اعداد هذا الميثاق الذي وقعت عليه 29 دولة في 16/11/1937 والميثاق مكون من اتفاقيتين الأولى لقمع الارهاب والثانية لمحاكمة مرتكبي هذه الجرائم أمام محكمة جنائية دولية على أن يكون اختصاص هذه المحكمة اختيارياً للدولة صاحبة الشأن ( ).

وجاء في المادة الأولى للاتفاقية الأولى أن المقصود بالارهاب هي الأفعال الجنائية المرتكبة ضد الدولة بهدف إثارة الفزع والرعب لدى شخصيات رسمية أو جماعات من الناس أو الجمهور، وبينت تلك الأفعال وهي:

1- الاعتداء المتعمد ضد سلامة أو حرية أو سمعة المذكورين تالياً:

‌أ. رؤساء الدول والحكومات أو ولي العهد أو خلفاؤهم بالوراثة أو التعيين .

‌ب. زوجاتهم.

‌ج. الأشخاص المكلفون بمهام عامة.

2- التخريب أو الحاق الضرر العمدي بالأموال العامة أو الأماكن التي يستخدمها الجمهور .

3- الخلق عن قصد لخطر عام يعرض حياة الانسان للخطر كاستخدام المتفجرات والمادة الحارقة أو تسميم الغذاء والماء.

4- الشروع في ارتكاب تلك الجرائم.

5- انتاج أو امتلاك أو الحصول أو تقديم أسلحة أو ذخائر أو مواد متفجرة بقصد تنفيذ جريمة من تلك الجرائم أينما كان.

6- المشاركة في العمل الارهابي سواء بالانتماء إلى جمعية ارهابية وبالاتفاق مع من يرتكب عملاً إرهابياً أو بالتحريض على إرتكابه.

كما أن الاتفاقية أسبغت "الدولية" على الجريمة الارهابية الموجهة ضد " دولة" أو مُرتكبةٌ من قبل دولة أو إذا تعددت الأماكن الحاضنة لأعداد العمل الأرهابي أو تنفيذه أو الأماكن التي لجأ إليها الفاعلون أو تعددت جنسياتهم أو جنسيات شركائهم. ووصفت الاتفاقية العمل الاجرامي الذي على صلةٍ بالعمل الارهابي بأنه عمل تحضيري للعمل الارهابي يتخذ صفته .

لم يكتب لهذا الميثاق النجاح ولم يدخل حيز التنفيذ بسبب نشوب الحرب العالمية الثانية وبسبب الضغوط السياسية الهائلة، أو بسبب أن الأغلبية الساحقة من ضحاياه لم يكونوا من البشر اللذين يسمع المجتمع الدولي أناتهم فلا تهتز أحاسيسه لقتلاهم ولا يجزع للدمار الذي حلَّ بهم لأنهم من العالم الثالث فلا يأبه لهم أصحاب الكلمة المسموعة دولياً( ).

ويؤخذ على الميثاق بأنه يرى الارهاب هو فقط الموجه ضد الدولة رغم أنه قد يقع ضد كيانات لم تكتمل دوليتها، أو قد يقع ضد شعوب شردت من أراضيها أو ضد حركات تحرر أو حركات ثورية( ).

وهناك الاتفاقية الأوروبية لسنة 1977 التي بدورها لم تقدم تعريفاً محدداً للارهاب بل قامت بتعداد أعمال إرهابية منها ما كان قد حُرم باتفاقات سابقة أو كان التعامل الدولي قد حرمها وأضافت عليها " كل الأفعال الخطرة" التي تسبب خطراً عاماً أو تخاطر بحياة الأشخاص وأموالهم، ثم أخرجت تلك الأعمال والأفعال من توصيف " الجريمة السياسية كي لا تنطبق عليها بنود الاتفاقية الدولية لتسليم المجرم السياسي لسنة 1957 حتى تحول دون تطبيق مبدأ " عدم تسليم المجرم السياسي".

هذا وقد جاءت الاتفاقية العربية التي وقعها وزراء الداخلية العرب لسنة 1998 بالتعريف التالي للارهاب حسب المادة الأولى:

" كل فعل من أفعال العنف أو التهديد أياً كانت بواعثه أو أغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي، ويهدف إلى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حرياتهم أو أمنهم للخطر؛ أو الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو إحتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر"( ).

ويلاحظ أن هذا التعريف لم يذكر شيئاً عن البعد السياسي للارهاب، وطبيعي أن ذلك يعكس رغبة الدول الموقعة فمثلاً بقيت الجزائر ردحاً طويلاً – بعد إندلاع الارهاب فيها – تنكر البعد السياسي في أزمتها وتعيدها فقط إلى البعد الاقتصادي والاجتماعي رغم أنها كانت تصفها بأنها أزمة متعددة الجوانب – ما عدا الجانب السياسي – والمعروف أن الجزائر كانت تدفع الدول العربية باستمرار للوصول إلى اتفاقية ضد الارهاب وكذلك وضع مدونة للسلوك ، فالجزائر تلظت على نار الارهاب أكثر من غيرها – على الأقل حتى سنة 1995 ( ).

إن تجاهلها للبعد السياسي يعني أنها تساوي بين كل أعمال العنف أياً كانت بواعثها إذا كانت تخلق الرعب بين الناس؛ فهناك الكثير من الجرائم تسبب الرعب مثل قتل العجائز الوحيدات للإستيلاء على أموالهن وسرقتهن وأعمال الجريمة المنظمة كذلك ، لا تدخل في مفهوم الارهاب. كما اعتبرت الاتفاقية احتلال المرافق العامة والخاصة عملاً إرهابياً بينما الاحتلال يُعتبر عدواناً والاحتلال جريمة أخطر من العدوان( ).

وبرأي " جميل مروة" أن قمة منظمة المؤتمر الاسلامي المنعقدة في الدوحة في نوفمبر /2001 قد أضاعت الفرصة لوضع تحديد لمفهوم الارهاب، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا لا تقوم مؤسسات فكرية في هذه المهمة كأن تقوم جريدة الحياة اللبنانية بالدعوة إلى عقد مؤتمر لهذه المهمة، إن تجربة كهذه هي تطور بحد ذاتها( ).

وجاء في المادة الأولى من مشروع الاتفاقية التي أنتجتها " لجنة الارهاب الدولي سنة 1980 كتعريف للارهاب:

" جريمة الارهاب الدولي هي كل عمل عنيف خطير، أو التهديد به، يقوم به فرد أو مجموعات، موجه ضد الشخصيات أو الهيئات أو المقرات أو وسائط أو أنظمة النقل والاتصالات بقصد الموت أو الجرح للشخصيات أو تعطيل فعاليات الهيئات أو الحاق الخسائر أو الأذى أو الهدم للمقرات للوصول إلى تقويض علاقات الود والاحترام بين الدول أو مواطني الدول أو ابتزاز تنازلات من الدول ، وكذلك فإن التخطيط للقيام بأحد الجرائم السابقة أو القيام بها أو التحريض أو المشاركة بالقيام بها تعتبر جريمة إرهاب دولي. وهذا التعريف مهتم بالشخصيات المحصنة دولياً وكذلك المقرات الرسمية: البعثات الدبلوماسية والقنصلية والمنظمات الدولية أو المرافق الرسمية العامة ولا يهتم بالمجموعات البشرية التي تعاني من العدوان والفصل العنصري وإبادة الجنس، ومع ذلك فإن مشروع الاتفاقية لم يلاق رضاءاً من الدول القوية التي لا تؤيد وضع تحديد للارهاب إذ تحبذ أن يبقى عائماً للاستعانة به عند الحاجة ضد " الرجل الموجود في البيت المجاور" كما يقال ( ).

مجموعة دول عدم الانحياز

من المفروض أنها المجموعة التي يجب أن تبدي إهتماماً كبيراً في الموضوع لانعكاساته المباشرة عليها، وجاء تحديدها للارهاب معدداً أنواعه على النحو التالي:

• وبديهي أن يحتل قمة الأفضليات لتصنيفها للموضوع أعمال العنف التي تقوم بها الأنظمة الاستعمارية وما تمارسه من قهر وتمييز عنصري ضد الأمم التي تناضل للحصول على إستقلالها وحريتها- الاستقلال والحرية بالمعنى الحقيقي وليس الشكلي-( ) الأساسية.

• الأعمال التي تقوم بها الحشود من "الجنود المرتزقة" ، لحساب مستأجرها- ضد الدول ذات السيادة، والقارة الافريقية تزخر بمثل هذه الأمثلة، إذ هناك شركات متخصصة تقوم بذلك ( ).

• أعمال العنف التي تقوم بها مجموعات أو أفراد تعرض نفوساً بريئة أو الحريات الأساسية للخطر ما عدا تلك الأعمال الموجهة للدفاع عن الحق وإحقاقه كحق تقرير المصير الذي تسعى إليه الشعوب المحرومة منه، أو للوقوف ضد أشكال السيطرة الأجنبية أو دعماً لحركات التحرر الوطنية وخاصة نضال الشعب الفلسطيني في كفاحه المرير ضد الغزاة المستوطنين.

• العنف المرتكب من قبل أفراد أو مجموعات بهدف الحصول على مكاسب شخصية إذا عبر تأثيره الحدود السياسية للدولة( ).

مجموعة دول أمريكا اللاتينية:

ترى المجموعة أن الارهاب هو التهديد باستخدام العنف أو استخدامه ويعرض حياة الانسان البريء للخطر أو ينهيها أو حرياته الأساسية، سواء قام بذلك فرد أو مجموعة أفراد على أرض أجنبية أو في أعالي البحار أو على طائرة في الأجواء الدولية، بهدف نشر الرعب لتحقيق هدف سياسي. كما أن من الارهاب الأعمال القمعية التي تمارسها القوى الاستعمارية أو العنصرية، وكذلك كل الأعمال التي تقوم بها قوة أجنبية للسيطرة على غيرها وانكار حقها في الاستقلال وتقرير المصير والحقوق والحريات . وكذلك عمليات الاغتيال والجروح والاعتقال والرسائل المفخخة والخسائر في الممتلكات سواء أرتكبت على أرض أجنبية أو قام بها أجانب أو موجهة ضد أجانب بهدف الترويع لتحقيق مآرب سياسية لأن هذه الأعمال اعتداء على القيم الاجتماعية وانتهاك لكرامة الانسان ( ).

دول المجلس الأوروبي

أورد المجلس تعريف الارهاب في الميثاق الأوروبي " لمنع وقمع الارهاب" الموقع في 10/11/1976 وذلك بإجراء سرد للأعمال التي يراها إرهابية وهي : الجرائم الواردة في اتفاقيات دولية سابقة مثل ميثاق طوكيو حول الطيران 1962 ، ولاهاي سنة 1970 ، ومونتريال سنة 1971 وكذلك الجرائم الواردة في اتفاقيات المحافظة على حياة وسلامة وحرية الأشخاص الذين يتمتعون بالحصانة الدولية، وفي اتفاقية منع استعمال المتفجرات والأسلحة التي تعرض حياة الانسان للهلاك أو الخطر. كما أن الميثاق اعتبر الشروع في أيٍ من الأعمال السابقة أو التخطيط لها أو المشاركة فيها عملاً إرهابياً.

ملاحظات على "تعريف المجموعات" السابقة للإرهاب:

تميل مجموعة أمريكا اللاتينية " إلى " حصر" الارهاب الدولي على العمل الاجرامي الذي يقوم به " فرد " أو "مجموعة" داخل إقليم دولة أجنبية أو ضد رعايا دولة أجنبية.

بينما قامت دول عدم الانحياز بالربط بين الارهاب وأسبابه والتي هي الممارسات العنصرية والهيمنة السياسية والاقتصادية والتغريب. وطبيعي أن تستثني كل من مجموعة دول عدم الانحياز ، والمجموعة العربية، ومنظمة المؤتمر الاسلامي أعمال الكفاح والنضال الوطني من التوصيف الارهابي( ). من المعروف أن الموقف الغربي عموماً – طبعاً بما في ذلك إسرائيل- يعتبر أي عمل تحرري نضالي عملاً إرهابياً – يتضح ذلك من التعريف الذي وضعه المجلس الأوروبي-. وهنا يكمن جوهر الخلاف الذي سيشكل دائماً استحالة للاتفاق على تعريف. مثلاً لم يتم الاتفاق على تحديد معنى الارهاب في مؤتمر الأمم المتحدة المنعقد في القاهرة من 29/4-8/5/1995 في الوقت الذي تم فيه الاتفاق على ربط الارهاب بالجريمة المنظمة لتطابقهما في السمات. والهدف من ذلك نزع المضمون السياسي من الجريمة الارهابية ومساواته بالجريمة المنظمة لإباحة تسليم المجرم بحرمانه من الميزات التي يعطيها القانون الدولي للجريمة السياسية. وستبقى المشكلة موجودة ما لم يتم الاتفاق على المعنى.

وصحيح أن الارهاب يمكن أن يرتكبه فرد أو مجموعة أفراد أو هيئة أو منظمة أو " قاعدة ". والصحيح أيضاً أنه يمكن أن يرتكب من قبل دولة وحينها يطلق عليه " إرهاب الدولة " أو إرهاب تسانده أو ترعاه الدولة، فالدولة قد تقمع مواطنيها- وما أكثرها – فهي دولة استبدادية ، أو تقمع المقاومة ( فهي استعمارية أو عنصرية أو استيطانية ، ( وما أكثرها أيضاً) . ولكن إرهاب الدولة حسب رأي أكثرية الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة فإنه العمل العسكري أو شبه العسكري أو السري – الذي تقوم به الأذرع الأخطبوطية العنكبوتية الشبكاتية الاستخبارية.

لذلك فإن الفعل الاجرامي الذي يقوم به أشخاص والعابر للحدود والذي دوافعه سياسية هو الفعل الذي أصبح موضع إهتمام المجتمع الدولي ليس فقط من قبل " السياسة" بل و " القانون" أيضاً. أما الأشكال الأخرى للعنف فلا بأس من تجاهلها وإخراجها من الذاكرة فهي غير ذات بال بل وحتى غير موجودة!!.

إذن فالقصد واضح بيّن من التمسك والأصرار على " أن الارهاب هو صنع فرد أو أفراد وليس صناعة دول" ، أو هو عمل مدنيين ضد آخرين من المدنيين وليس من قبل عسكريين، ولا صفة سياسية له بل ولا تحركه بواعث سياسية ( ) ولا يفوت على البال أن " العنف" هو وسيلة للقهر تستخدم لتغيير الفكر والسلوك، أما " الدعاية " فهي أيضاً وسيلة لتغيير الفكر والسلوك ولكن بطريق " الاقناع". إذن فهما وسيلتان لاصقتان بالعمل الارهابي، فالدعاية أو الأعلام من الجانب الارهابي هي التي تكشف هوية العمل الارهابي فيما إذا كان جريمة عادية أم جريمة إرهابية سياسية، وطبيعي أن المجتمع سيتخذ التدابير للتعامل مع كل نمط حسب " وقع " هذا النمط عليه.

والملاحظ أن " المشرع الداخلي" استطاع أن يعرف الارهاب وأن يقنن فهمه للارهاب، لذلك هناك تعريف وطني للارهاب في معظم دول العالم بما فيها أمريكا أو فرنسا أو انجلترا أو مصر أو سوريا أو لبنان أو الأردن ، ولكن الأسرة الدولية فشلت حتى الآن في وضع مفهوم موحد له متفق عليه( ). ومن المعلوم أنه في ظل النظام العالمي الثنائي القطبية استطاع العالم التوصل إلى وضع تعريف للعدوان ولكن في ظل القطب الواحد استحال وضع تعريف للارهاب. لذا فإن المرء يستطيع أن يستنتج إن عدم الرغبة في توحد التعريف تعبر عن طبيعة الحال السياسي في العالم( ).

فالارهاب رد فعل مزدوج:

- فهو من ناحية رد فعل على القهر والظلم.

- وهو من جهة ثانية محاولة لكبح جماح رد ذلك الفعل.

إنه رد فعل تقوم به شعوب مغلوبة على أمرها من حكم استبدادي داخلي أو من هيمنة أجنبية، وهو رد فعل الحاكم المستبد الداخلي أو المهيمن الخارجي ضد المقاومة التي تشنها جماعات انتحارية أو استشهادية – سمها ما شئت-. فهو إذن " حلقة مفرغة" رد على رد وهكذا فلا يمكن للعالم أن يخرج من هذه الحلقة المفرغة إلا حينما يُرغم على ذلك! ولكن كيف؟ هل يتم ذلك بأن يُزيل طرف الطرف الآخر، يبدو أن ذلك هو الدارج حتى الآن ولكن الأمر يزداد تأججاً واشتعالاً، أم أن ذلك يمكن أن يتم بإزالة أسباب الظلم والقهر عن طريق علاجها، والأمر أيضاً يزداد تأججاً واشتعالاً حين يكون العلاج خطأً.

إن التحدي أمام الباحث للوصول إلى تعريف للإرهاب بوصفه ظاهرة سياسية هو أخذه مأخذ الجد ورفض التحريف المنتشر، وعليه بالاستقلال فالحاجة ماسة إلى موقف مستقل. إن من له علاقة بالوضع في إيرلندا، أو الوضع في الشرق الأوسط أو أي نزاع عرقي أو عقدي، يدرك تعقيد الارهاب وخطورته ابتداءاً من عدم وجود تعريف له؛ فإن ما يشكل ارهاباً لدى جهة ما، تفهمه جهة أخرى على أنه نضال مشروع وعمل بطولي . بالإضافة إلى أن هناك مَيْلٌ لتضخيم المسألة وتشويهها. فهناك من يرى الارهاب على أنه تهديد للعالم ( ). وهناك حكومات استغلته للبطش بالخصم أو التستر به كغطاء حين تمارس هي الارهاب الحقيقي ( ). ولا يستطيع أحد انتشال الارهاب من تلك البرامج السياسية إلا حين التوصل إلى توضيح مفهومه والتعمق في تاريخه، الارهاب هو مسألة " عرف" وليس شيئاً "معطي تلقائياً بالحقائق والتاريخ ولهذا العرف أربع جوانب:

1- الجانب الأول – إرهاب سيادة القانون أو ارهاب الحكومات أو إرهاب الدولة، فغالبية الأعمال الارهابية اقترفتها السلطة ضد من لا سلطة له سواء داخل إقليمها أو خارجه.

2- هناك أعمال عنف إرهابية منعزلة يقصد بها فقط إشاعة الارهاب كالأعمال التي ترتكب في بلد ثالث لا علاقة سياسية له بموضوع ذلك الارهاب من قريب أو بعيد كعمل تقوم به منظمة الجيش الجمهوري الايرلندي خارج انجلترا، أو كعمل فلسطيني خارج منطقة الشرق الأوسط. تلك طبعاً هي أعمال يتجسد فيها الارهاب الدولي بوضوح فهو ارهاب منظم بحد ذاته وعابر للحدود وله شبكة عالمية تقوم إما بمساعدته أو تقف وراءه أو تسانده.

3- الجانب الثالث: هناك جانب فضفاض واسع للإرهاب يلف تحت ردائه مثلاً أعمال العنف من حرب أهلية أو أطراف نزاع لا يتفق معها مطلق الأوصاف الارهابية. لذا فإن هذا المصطلح كثيراً ما يطلق هذه الأيام على أية حركة غير مستحسنة من قبل بعض الأشخاص أو الدول ( ).

4- الجانب الرابع: أصبح الارهاب قلقاً معولماً، وبالتالي أصبح هماً عاماً وقضية من قضايا الدولة وموضوعاً يفرض نفسه على الندوات ومؤسسات البحث أشبه ما يكون " بالسحر" أو " الجاسوسية" أو " الإباحية" وتم تضخيمه ليرمي خلفه العديد من الظواهر الأخرى، ولتبرير العمل السياسي وتوجيهه"( ).

لذا يقع ضمن " الارهاب" الموضوعات التالية : العنف الذي تقوم به السلطة الرسمية ضد مواطنيها؛ أعمال العنف المعزولة" حركات التحرر، وأخيراً تضخيم الارهاب من أجل أهداف سياسية.

إن النقطة الأساسية تبقي هي الاتفاق على معنى محدد وموحد. وهذه مشكلة تحصل في كل التجمعات الدولية التي تتعمد إثارة مسألة التعريف الجامع المانع للأرهاب لتبخر فيما بعد كل الجهود وتعصف بها وبفرص النجاح. يرى البعض أن التمسك بضرورة وضع تعريف أمر المقصود منه إعاقة الجهود المخلصة السليمة للقضاء على الارهاب حتى يبقى الوضع مناسباً تحركه الأهواء المتبدلة والسياسات المعلنة والسياسات المخفيِّة. وحتى يُترك المجال للأعمال القذرة التي تقوم بها الأجهزةُ الخفية. وبما أن وضع التعريف الجامع المانع أمر دونه القتاد وتختلف حوله الآراء، فلماذا – كما يرى البعض الآخر – لا نكتفي بضبط الأمر عن طريق تحديد العناصر والسمات الخاصة به وبواسطتها وعن طريقها يمكن تسمية الموضوع. وهنا يمكن القول بأن العمل الارهابي، "فعل إجرامي؛ تحركه دوافع دنيئة؛ يرتكبه فرد أو جماعات، بأسلوب يتعمد نشر الرعب في النفوس بغية تحقيق هدف أياً كان هذا الهدف" ( ) إن عنصر الرعب هو جوهر الفعل الارهابي ولا يعني أن الفعل الارهابي يُشترط أن يكون عنيفاً ورغم أن معظم الحالات تتوسل العنف لكن الوسيلة تبقى الوسيلة وليست الجوهر، فقد يحصل عمل إرهابي أشد فتكاً وبدون عنف حتى ولا التهديد به مثل تلويث مصادر المياه بالأوبئة ( ) والجراثيم والكيماويات أو إرسال الرسائل المغبرة بالانتراكس كما وقع في أمريكا بعد أحداث 11/9/2001 (أو المؤامرة التي تمَّ الكشف عنها بالأمس 22/5/2003 بأنه تم ضبط طرد مرسل إلى الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من الشرق الأقصى مغبراً بالمسحوق الأبيض الجمرة الخبيثة فخضع مرافقوه وحراسه منذ أسبوعين لتعاطي المضادات الحيوية كما أعلن الوزير نبيل شعث( )) أو دفن النفايات النووية أو تسحيب الأجواء بالغمام المشبع بالإشعاع النووي فوق المدينة كما حدث في قبرص سنة 1987 ( ).

هناك أحداث تاريخية أثبتت أن الارهاب بدأ بدون عنف، إذ بدأ بالدعاية بالقول ثم تحول فيما بعد إلى الدعاية بالعمل فكانت أشد خطراً وترويعاً. وكمثل على ذلك: في التاريخ العربي الخوارج والأزارقة والحشاشون والقرامطة (إذ اختطف زعيمهم الحجر الأسود من الكعبة لمدة عشرين عاماً وقتل معظم حجاج بيت الله الحرام في ذلك العام ورمي جثثهم في بئر زمزم ) ( ). وكمثل من تاريخ أوروبا إرهاب " النارونايا نوليا" الروسية، ثم الثورة الفرنسية وحكم اليعاقبة ، ثم الثورة البلشفية ، وإبان الحركة الفوضوية" والحركة " العدمية". وفي الفترة المعاصرة لاحظنا بعض " اللاعنف" في الارهاب مثل " الرعب الكيمائي" و" الرعب البيولوجي أو الجرثومي" ، وبشكل صارخ " إرهاب رأس المال" وغيرها من الأشكال التي لا تعتمد على العنف ولكن يبقى عنصر الرعب النفسي فيها جميعاً هو القاسم المشترك وكعنصر جوهري للإرهاب( ).

إن مشكلة الارهاب تبقى في هذا الكم الهائل من المصطلحات التي غالباً ما تطغي على المفهوم الجرمي مما يؤكد التركيز على مفهومه السياسي سواء على الصعيد الداخلي أو الخارجي. إن استمرار استخدام هذه الكثرة من المصطلحات من قبل السياسيين الرسميين في الفضائيات التي اخترقت كل الحواجز للوصول إلى أعماق المشاهد أمر يعود إلى عدم وجود اعلام مضاد يهديء من الروع أو يفرض صيغاً أخرى لِتُزيل اللبس المخيم في المفهوم " ويبدو أن ضعف دول المحيط مقارنة بدولة المحور ومن لف حولها هو سبب هذا الضياع والتخبط"( ).

تعريف بواسطة تحديد العناصر

وفي محاولة لتعريف الارهاب عن طريق ترتيب عناصره حسب أهميتها، يمكن إيراد العناصر التالية:

1- العنف واستخدام القوة(2) العنصر السياسي (3) الخوف والفزع والرهبة (4) التهديد باستخدام القوة أو التلويح بها(5) إحداث أثر نفسي ورد فعل أوسع لا ينحصر في الضحايا أو المشاهدين (6) اختيار الضحية من أجل ضمان تأثير أكبر لتحقيق الهدف (7) التخطيط والنظام (8) أسلوب القتال الاستراتيجية والتكتيك (9) خرق القوانين النافذة وتجاهل المبادئ الإنسانية (10) نشر الشعور بالاذعان باستخدام القهر (11) التركيز على الدعاية والاعلام (12) العشوائية وبدون تمييز (13) الضحايا مدنيون محايدون وغير مقاتلين بل هم خارج النزاع (14) تأكيد براءة الضحايا (15) وجود تنظيم جماعة أو حركة (16) جانب رمزي (17) المفاجأة وعدم اعطاء الفرصة للطرف المقابل للتنبؤ (18) السرِّية في العمل والموقف والتوقيت (19) التكرار واحداث مسلسل من العنف (20) ارتكاب جناية (21) الهدف له علاقة بطرف ثالث ( ).

ولكن رغم سرد هذه العناصر فإنها ليست كافية لوضع تعريف للارهاب لأنه ما زال تحت البحث والدراسة، ويجب أن لا تحول صعوبة الأمر دون المسعى العلمي. والنقد الموجه إلى هذا التعريف:

- رغم الاشارة إلى الجانب الرمزي- في البند السادس عشر- في الضحايا، فكثيراً ما يتم القتل لأشخاص معينين.

- ورغم الاشارة إلى العشوائية في البند (2) إلا أن معظم ضحايا الارهاب في احداث الصعيد في مصر مثلاً كانوا من الشرطة، الأمر الذي يستلزم الوعي بالتفريق بين الارهاب والاغتيال السياسي والتخريب.

- لم يعط الاهتمام الواجب للعمل التحضيري للارهاب مثل تأمين التمويل والتسليح ، وترسيخ المصداقية للمجموعة الارهابية، وتجنيد الانصار، وضمان الغطاء الشرعي.

- لم يذكر أن الارهاب يقوم به أفراد أو مجموعات أو حكومات.

- التعريف يعتبر أن الدولة لا تمارس الارهاب لأن ما تقوم به من استخدام للعنف هو من متطلبات الحكم.

- لم يتطرق ولم يبرز أن الارهاب يمكن أن يستخدم السلاح الكيماوي أو البيولوجي أو النووي لأن الدول النووية لا تقبل ربط الارهاب بالردع النووي في مواجهة شعوب ودول لا حوزة لها من تلك الاسلحة.

- الارهاب ليس قتالاً لأنه لا يلتزم بقوانين الحرب، بل هو مجموعة مسلحة في مواجهة مدنيين – غير مسلحين – تواجدوا بالصدفة وغير قادرين على ابداء أية مقاومة( ).

لقد أقدم Alex Shmid بعد أن درس عدداً من التعريفات للارهاب بلغت 109 على مغامرة بوضع تعريف يحتوي – حسب رأيه – جميع العناصر المشتركة في تلك التعريفات وهو ( ):

" الارهاب اسخدام العنف أو التهديد باستخدامه ضد ضحايا أفراد وجماعات منتقاة تم اختيارها بمواصفات محددة يسبب لها الهلع ويفقدها الاحساس بالأمن كهدف للارهاب. وهذا العنف مرفوض من قبل المشاهدين لفظاعته ولأنه وقع في زمن السلم وفي مكان غير ميدان القتال ولم يلتزم بقوانين القتال التقليدية. هذه الانتهاكات تنتشر لدى جمهور خارج نطاق الهدف، ويهدف الارهاب التأثير على هذا الجمهور إما لشل حركة الهدف أو لارباكه أو لاذعانه أو لفرض مطلب من السلطة مثلاً، أو لشد الانتباه أو لاحداث تغييرات على الموقف أو السلوك ليصبح متعاطفاً مع المطالب القصيرة المدى أو البعيدة لمرتكبي هذا الاسلوب من الصراع( )".

وطبقاً للاحصاءات التي أوردها " شميدت" ، و"جونجمان" سنة 1998 للمنظمات الارهابية في العالم. فإن عددها بلغ 2176 منظمة : منها 506 في آسيا، 229 في أفريقيا، 378/ في أمريكا اللاتينية، 655 في تركيا، 319 في البلاد العربية. وتشير الدراسة التي أجراها د. حسين شريف سنة 1997 إلى أن 25.4% من مجموع المنظمات الارهابية موجودة في الدول المتقدمة. ونصيب الدول الاسلامية منها 17.5%، ونصيب العالم الثالث 13%.

وتكمن المشكلة الرئيسية في تعريف الارهاب حتى الان في جملة من الأفعال حرمتها القوانين الوطنية في معظم الدول ، بالاضافة إلى أفعال محددة حرمتها اتفاقات دولية. وإذا كان الارهاب جريمة بحد ذاته في القوانين الوطنية، فهو ليس كذلك في القانون الدولي حيث يبدو أنه مجرد مظلة يندرج تحتها عدد من الجرائم المُعرّفة ( ).

وفي الحقيقة لقد كثر الحديث عن الارهاب مِن كل مَن هبَّ ودب وكثر حشوه بالمعاني بأكثر مما يحتمل كجميع المصطلحات التي برعت في استخدامها حقبة الحرب الباردة الآفلة التي ألقت القبض على كثير من الألفاظ وعبّأتها بالمعاني وحولتها إلى قذائف وجَّهتها ؛ ثم عادت لتصهرها من جديد بعد كل استعمال وتحشوها أيضاً من جديد بمعاني متجددة وتعيد توجيهها حتى أضاع اللفظ معناه وفقد صلته بمعناه الأول الذي في الأصل جرى نحته من أجله. إن ما جرى في الولايات المتحدة في 11/9/2001 هو عمل جنوني والجنون يمكن أن يكون إرهاباً، ولكن الارهاب ليس جريمة بالمعنى العادي للجريمة إذ لا علاقة شخصية بين الجاني والضحية وبالتالي لا توجد مصلحة مباشرة بينهما. فألارهاب فعل عام وليس فعلاً خاصاً وهذا ما يميزه عن الجريمة ( ).

والارهاب لم يحدث في أيامنا الحالية فقط مع نشوء القضية الفلسطينية أو الافغانية على سبيل المثال، وإنما تاريخه طويل إذ أصبح في القرن العشرين شكلاً من أشكال الثورة استخدمه المقهورون غير القادرين على شن حرب لعجز إمكاناتهم كما انهم لم يستطيعوا أن يشعلوا ثورة ضد جبروت الطغيان، فلم يبق أمامهم إلا الأقدام على أعمال يائسة فقبلوا بدفع حياتهم ثمناً للدفاع عن مطالبهم. وكذلك مارس الروس الارهاب في القرن التاسع عشر ضد القياصرة، والأرمن في وجه العثمانيين، والايرلنديون والهنود والمصريون واليهود ضد بريطانيا في النصف الأول من القرن العشرين. لقد كان الارهاب وسيلتهم الوحيدة للتعبير عن مطالبهم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية ومهما كانت التكلفة الحياتية عليهم وعلى غيرهم. وكان الارهاب الذي مارسوه يهدف إلى :

- إشهار القضية والاعلان عن أنفسهم باستخدام القوة.

- تأكيد النيّة في تحقيق الهدف مهما كانت التضحية.

- توجيه ضربة مفاجأة من قبل الضعيف إلى الخصم القوي ترهبه وتقلقه.

- دفع الخصم إلى الاضطرار إلى ارتكاب أعمال قمع ضد الشعب الأمر الذي يثير الشعب ضده وينفر منه، مما يشعر الارهاب بأن الجمهور قد تعاطف معه.

ويقول محمد حسنين هيكل: إذا كان الارهاب ثورة اليأس ضد القوة، فإن عصر العولمة نقل ظاهرة الارهاب من حدود الأوطان إلى اتساع القارات بحيث يمكن القول إن معظم أزمات زمننا الراهن وعقده الفكرية والنفسية ومعظم حركات التمرد والعصيان فيه هي بمثابة نوع من الحرب أو نوع من الثورة – لم يقل نوعاً من الارهاب ولكنه يقصده – يقوم بها قاع العالم ضد قمته "( ).

اعتبارات لا بُدَّ منها حين تعريف الارهاب:

1- الارهاب ليس وقفاً على فكر يساري أو يميني إنما هو " تقنية " يستعين بها كل من له مصلحة فيها، وليس بالضرورة أن يكون " إيديولوجية " لجماعة ما حتى تلجأ إليه، بل هو أسلوب عمل في مرحلة معينة.

2- لا ينتسب الارهاب إلى مرحلة تاريخية محددة، فالتاريخ على طوله حافل بالحركات الارهابية التي عرفتها البشرية.

3- يتعايش الكثيرون مع " الطغيان" والفقر والبطالة والاستبداد، بينما يغرقون في خوف كبير من الارهاب، الأمر الذي يُثبت أن الانسان يمكن تمرينه على قبول بعض المفاهيم ورفض الأخرى دون تفكير أو تحليل.

4- الارهاب شيء، والتقييم الاخلاقي لأسبابه شيء آخر.

قام بعض الفلسطينيين باختطاف الطائرات خرقاً للقانون الدولي في نهاية الستينات وبداية السبعينات، إن هذا العمل الارهابي لا يغير من عدالة القضية الفلسطينية ( ). ومن جهة أخرى قامت إسرائيل بتصفية عناصر فلسطينية وهم نيام آمنين في بيوتهم ولم تُتهم بأنها ارتكبت جرائم إرهابية.

فالعمل الارهابي ليس المقوم الحقيقي لدرجة عدالة القضية، هذا بالاضافة إلى " نسبية" مفهوم العدالة( ).

5- الوصف الجرمي للارهاب لا يتغير تبعاً لحجم الأضرار – أو عدد الضحايا. قد يكون هناك عمل " إرهابي" بدون أي ضحية ؛ وقد يكون هناك ضحايا عديدة وخسائر كبيرة من عمل لا يوصف بالارهاب.

6- العمل الارهابي ليس مقتصراً على آثاره المباشرة من خسائر وأرواح أو هلع؛ بل هناك الهدف الحقيقي- قد يكون الانتقام أو التهديد المبطن- وهو غير المباشر الذي قد يكون الدعاية لموضوع أو هدف ما. يعتمد الارهابي على إثارة فضول الرأي العام للبحث عن هدفه الجوهري.

7- قد يكون باعث الارهاب دنيئاً أو نبيلاً ، لكن ذلك لا يؤثر على موقف الدولة من حرمان الارهابي من التمتع بالحقوق التي تمنح للمجرم السياسي.

8- إن القضاء على الفقر والقهر والظلم وانهاء الاحتلال وضمان حق تقرير المصير وعدم التدخل في شئون الغير تساعد كثيراً للحد من الارهاب.

9- كل جرمٍ يولد ذعراً- ولكن محدوداً-، ولكن الذعر المهول من أكثر المظاهر المصاحبة للعملية الارهابية.

10- العامل السياسي هو الدافع للارهاب ولا يمكن فصل السياسة عن الارهاب وخاصة في حالة " ارهاب الدولة".

11- الارهاب هو " مفهوم Notion" أي أنه يشمل فعلاً أو أكثر حرّمه القانون الداخلي والقانون الدولي( ).

12- وفي غياب تعريف محكم للإرهاب سيتهم كل خصم خصمه بالارهاب وبذلك تدب الفوضى ويختلط الحابل بالنابل ويسهل اتهام المناضلين بانهم ارهابيون( ).

تعريف للارهاب في بعض التشريعات الوطنية:

على العموم إن عقدة تعريف الارهاب على المستوى الدولي ، قد تعافى منها المجتمع على المستوى الوطني هذا إن لم نقل لم يُصَب بها أصلاً. فهناك حوالي نصف دول العالم قد وضعت نصوصاً تشريعية لتجريم الارهاب والجرائم الارهابية سواء كانت هذه النصوص في قانون العقوبات أو في قوانين جنائية خاصة.

جمهورية مصر العربية:

ورد نص تعريف الارهاب في القانون رقم 97 لسنة 1992 حسب المادة 86 من قانون العقوبات على النحو التالي:

يقصد بالارهاب كل استخدام للقوة أو العنف أو التهديد أو الترويع يلجأ إليه الجاني تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي بهدف الاخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك إبادة الأشخاص أو القاء الرعب بينهم أو تعريض حياتهم وحرياتهم أو أمنهم للخطر والحاق الضرر بالبيئة أو بالاتصالات أو المواصلات أو الأموال أو المباني أو بالاملاك العامة أو الخاصة واحتلالها والاستيلاء عليها أو منع أو عرقلة ممارسة السلطات العامة أو دور العبادة أو معاهد العلم لأعمالها أو تعطيل الدستور أو القوانين أو اللوائح.

جرائم الارهاب في القانون المصري جرائم غير سياسية وهي من اختصاص محكمة أمن الدولة( ).

جمهورية لبنان

ورد تعريف الارهاب في المادة 314 من قانون العقوبات اللبناني لسنة 1943:

" الأعمال الارهابية هي جميع الأفعال التي ترمي إلى ايجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد المحرقة والمنتجات السامة أو الوبائية أو الميكروبية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً ( ).

الجمهورية العربية السورية

ورد في القانون الجنائي السوري لسنة 1949 حسب المادة 304 المضافة لسنة 1978 : "يقصد بالأعمال الارهابية تلك الأفعال التي ترمي إلى ايجاد حالة الذعر وترتكب بوسائل كالمواد المتفجرة والأسلحة الحربية والمواد الحارقة والمنتجات السامة والمحرمة والعوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً ( ).

الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب

الارهاب هو كل فعل من أفعال العنف أو التهديد به أياً كانت بواعثه وأغراضه يقع تنفيذاً لمشروع إجرامي فردي أو جماعي ويهدف إلى القاء الرعب بين الناس أو ترويعهم بإيذائهم أو تعريض حياتهم أو حريتهم أو أمنهم للخطر أو الحاق الضرر بالبيئة أو بأحد المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو احتلالها أو الاستيلاء عليها أو تعريض أحد الموارد الوطنية للخطر( ).

في المملكة الأردنية الهاشمية

كان تعريف الارهاب قد ورد حسب المادة 147 من قانون العقوبات كما يلي: جميع الأفعال التي ترمي إلى ايجاد حالة ذعر ترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة والمنتجات السامة أو المحرقة أو العوامل الوبائية أو الجرثومية التي من شأنها أن تحدث خطراً عاماً.

وقد تم استبدال ذلك التعريف بتعريف جديد بـ " القانون المعدل لقانون العقوبات – قانون مؤقت رقم 54 لسنة 2001 فأصبح الارهاب: " استخدام العنف أو التهديد باستخدامه تنفيذاً لعمل فردي أو جماعي يهدف إلى الإخلال بالنظام العام أو تعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر إذا كان من شأن ذلك القاء الرعب بين الناس وترويعهم أو تعريض حياتهم وأمنهم للخطر، ويشمل الافعال التي تلحق الضرر بالبيئة أو المرافق أو الأملاك العامة أو الخاصة أو الدولية أو البعثات الدبلوماسية أو باحتلال أي منها أو الاستيلاء عليها أو تعريض الموارد الوطنية للخطر أو تعطيل تطبيق أحكام الدستور والقوانين( ).

هذا القانون جاء تقريباً مماثلاً للتعريف العربي للارهاب الذي ورد في الاتفاقية العربية لمكافحة الارهاب ( ). ومنظمة العفو الدولية شعرت بقلق من استخدام كلمة " التهديد" لأنها تفتح الباب لاتهام الأشخاص بممارسة الارهاب مثلاً بسبب انتمائهم التنظيمي المزعوم إلى الجماعات المعارضة التي تستخدم العنف. إن عبارة الأفعال التي تلحق الضرر بالبيئة " عبارة غامضة يمكن أن تشمل الأضرار الطفيفة التي يتسبب بها المتظاهرون المسالمون.

كما أن عبارة " الاستيلاء على البعثات الدبلوماسية أو احتلالها" في غياب أي تعريف واضح للدرجة التي يعتبر فيها العمل عندها إرهاباً يمكن توجيه التهمة به ضد الذين يتظاهرون أمام احدى السفارات. إن ذلك يشكل خطراً على حرية التعبير وحرية الاشتراك في الجمعيات الأمران اللذان كفلهما الدستور الأردني.

هذا بالاضافة إلى أن المادة 147-2 تعتبر فعلاً من أفعال الارهاب أي فعل يتعلق بأي عملية مصرفية وبصورة خاصة إيداع أموال لدى أي بنك في المملكة أو أية مؤسسة مالية أو تحويل هذه الأموال من قبلها إذ تبين أنها أموال مشبوهة ولها علاقات بنشاط إرهابي.

وبموجب المادة 147-2-ج، ، فإن الإداري المسؤول في البنك أو المؤسسة المالية الذي أجرى العملية وهو عالم بذلك يعاقب بالحبس وتتم مصادرة الأموال التي تم التحفظ عليها.

كما ساور القلق منظمة العفو الدولية من إمكانية إدراج دعم الأنشطة السلمية تحت تعريف الارهاب وبالتالي تجريمه. كما أن القانون يوسع الجرائم الارهابية التي يُعاقب عليها القانون بالموت أو السجن المؤبد. في حين أن المادة 148-4(جـ) تقضي بعقوبة الاعدام إذا تم ارتكاب الفعل باستخدام المواد المتفجرة أو الملتهبة أو المنتجات السامة أو المحرقة أو الوبائية أو الجرثومية أو الكيميائية أو الاشعاعية أو ما شابهها سواءً أدى ذلك إلى الوفاة أم لا . ومن بين الأفعال التي يعاقب عليها القانون بالسجن المؤبد تعطيل سبل الاتصالات أو أنظمة الحاسوب أو اختراق شبكاتها أو التشويش عليها كما جاء في المادة 148-3(هـ) ( ).