قصة ذياب الهلايلي والجازية
01-11-2013, 04:24 PM
الفصل الاول :
كان الشيخ غانم هلايليا اصيلا وهو شيخ قبيلة ضاربة بخيامها في منطقة بوسعادة وكان متزوجا من بربرية شاوية وله معها ابن وحيد اسمه ذياب انجبه عن كبر
في يوم من الايام بينما كان ذياب يلعب خارج خيمة والده فاذا برجلين بربريين يتسللان الى القبيلة ويختطفانه ويفران به تعالت صرخات الطفل فراهما بعض من اهل القبيلة فسارعوا مباشرة الى والده الشيخ غانم يخبرونه بالامر فامتطى جواده وانطلق يقتفي اثرهم مستشيرا كل من راى في طريقه من رعاة ابل واولاد لكنه لم يجد له اثرا فرجع الى قبيلته مهموما حزينا والتف حوله رجال قبيلته وقرروا مساعدته في البحث وانطلقوا في الصباح الباكر وتفرقوا ضاربين في السباريت وكلما تصادفوا بقبيلة نزلوا فيها على انهم ضيوف وجاسوا اخبارها وفتشوا عن الطفل فيها وظلوا على تلك الحالة اكثر من شهرين الى ان عثروا عليه في احدى القبائل لكن سارقه اصر على الافتراء ونسب الطفل له وكان هناك خلاف كبير بين البربر اصحاب الارض الحقيقيون وبين قبائل بنو هلال العربية الدخيلة ولابسط الاسباب تندلع الحروب بينهم لذلك اثر الشيخ غانم وقد كان لوذعيا حكيما على التعامل مع الامر بحكمة وروية فعرض على الرجل بان يحتكما الى جمع من رجال قبيلته البربرية فلم يجد الرجل سارق الطفل بد من التهرب سوى القبول ظنا منه ان رجال قبيلته سيقفون في صفه
اجتمع رجال القبيلة وقالوا للشيخ غانم اثبت انه ولدك فقال لهم : اتركوه بعيدا يلعب مع اقرانه من اطفالكم واعطوا لكل طفل عودا وانظروا كيف يتصرف ففعلوا ما اقترحه عليهم فاذا باطفالهم يتخذون من العيدان عصيا ويشيرون بها كانهم يهشون على غنم او ابل ويصدرون اصوات الرعاة على طريقة اهاليهم بينما اخذ ذياب عوده وتمطاه وركض به كما اعتاد ان يفعل مع والده واهل قبيلته من الرجال فصاح الشيخ غانم ما تقولون يا رجال ؟ اليس هذا الطفل هلايليا ؟ ثم قال لهم لايزال هناك دليل اخر على ان الطفل ابني فنادوه هو وطفل اخر من اولادكم وكان الهلاليون يشتهرون بطلاقة اللسان والفصاحة على عكس البربر الذين كانت لغتهم هجينة بين رطانة لغتهم الاصلية والعربية الدخيلة بعد اسلامهم
فاتوا له بالطفلين وكان ذياب حينها بالكاد ابن اربع سنوات فقال لاحدهم اسألوا الطفلين السؤالين التاللين : علاه راسك كبير؟ علاه رجليك عوجين ؟
فسئل الطفل البربري فلم ينبس ببنت شفة ثم جاء دور ذياب فسئل : علاه راسك كبير : فاجاب بكل طلاقة وبديهة : من الراي والتدبير علاه ساقين عوجين : فقل لهم من ركوب الخيل .
فحكم الرجال بان الطفل هلايليا وسلموه لوالده .
ترعرع ذياب وسط اهل قبيلته وعني والده بتعليمه الفروسية والضرب بالسيف وعادات العرب الاصيلة وانشاه على الشجاعة والاقدام وضرورة الذود عن قبيلته واهله ورغم حبه له الا انه كان يتعمد استخدام القسوة والصرامة معه بينما كانت امه ظفر نعام تحرص على تدليله وتبالغ في الخوف عليه خاصة وانه وحيدها وكانت تفعل ذلك من وراء ظهر زوجها
شب الولد ذياب واخضر ربيع عذاره وفتلت عضلاته وصحلت حنجرته فاصبح من الواجب عليه مغادرة القبيلة وتدبير شؤونه وجلب رزقه بنفسه وحراسة حمى القبيلة والذود عنها حسب ما تقتضيه اعراف العرب انذاك
فزاد هم والدته ظفر نعام وشفقت على ابنها الوحيد ولم يهن عليها خروجه الى القفار مكابدا خطر قطاع الطرق والاعداء من البربر فجمعت اغراضه في رزمة وزاده في مكتل وطلبت منه الذهاب الى خاله بضع سنوات اخرى حتى يكبر اكثر ويصبح اكثر قدرة على تحمل المشاق
خرج ذياب من قبيلته واتجه الى قبيله خاله الذي استقبله واصبح يصطحبه معه يوميا لرعي الابل والغنم الى ان اعتاد على حياة الرعي فاصبح يتولى المهمة بنفسه .
كانت علامات الحيرة والقلق والخوف تبدو على ظفر نعام كيف لا وقد دفعت بابنها الى مخالفة اعراف القبيلة ولو علم زوجها بالامر لما نجت لا هي ولا ابنها من اعسرعقاب قد يكون فيه طلاقها خاصة لو اكتشف اهل القبيلة ذلك .
لكن الشيخ غانم كان فطنا لبيبا وحس ان هناك امر يحير زوجته ويقض مضجعها وما خاب ظنه حينما ربط ذلك بابنهما ذياب وما يحتمل ان تفعله في سبيل اعفائه مما تفرضه عليه اعراف القبيلة .وكان يعلم انها لا ملجا لها سوى اخاها وحتى يتاكد من الامر طلب منها ان تذهب لزيارة اخيها وتساله عن : الحرة في الطيور والحرة في الشجور والحرة في الحجور ؟
وكانت ظفر نعام امراة ساذجة حيلتها اصغر من ان تكتشف نوايا زوجها فخرجت من قبيلتها قاصدة قبيلة اخيها وفي الطريق صادفت ابنها ذياب يرعى الغنم والابل فاحتضنته مجهشة حامدة الله على سلامته وخلاصه من مشاق حراسة قبيلته وسالها عن وجهتها فاخبرته ان والده ارسلها عند اخيها ليستفتيه عن خبر : الحرة في الطيور والحرة في الشجور والحرة في الحجور .فاحس ذياب ان وراء سؤال ابيه غرض ان لم يكن قد اكتشف امره .
فطلب من امه ان تسلك طريقه عند عودتها
وصلت ظفر نعام الى قبيلة اخيها وقصدت خيمته فرحبوا بها واحسنوا ضيافتها وعندما همت بالرجوع الى بيتها سالت اخربت اخاها ان الشيخ غانم يساله عن : الحرة في الطيور والحرة في الحجور والحرة في الشجور ، فضحكوا عليها واجابوها ان الحرة في الطيور : هي الخطاف وان الحرة في الشجور هي الصنوبر وان الحرة في الحجور هي حجر الزناد
قفلت ظفر نعام عائدة الى قبيلتها وتذكرت ما اوصاها به ابنها فقصدت مرعاه فوجدته ينتظرها : فقال لها ما اجابك خالي يا اماه ؟ حاولت ظفر نعام ان تتذكر ما قاله اخاها لكن دون جدوى وكانت الشمس قد زالت وليس لها وقت لعودة الى قبيلة اخيها فاحتارت واغتمت وخافت من سخط زوجها فما كان ذياب سوى ان يجيبها هو عن الاسئلة فقال لها : لا تحزني يا ماه وقولي للشيخ غانم : الحرة في الطيور النحلة والحرة في الشجور النخلة والحرة في الحجور حجرة مكة ...
يتبع