سُودُوه..
29-10-2017, 09:38 AM
يوما ما منزلنا كان صغير، فيه حجرة لأبي و أمي، و حجرة واحدة لي و لجميع إخوتي، و صالة معيشة مساحتها لا تزيد عن مساحة بيت قصديري. حجرتنا التي كانت رغم ضيقها إلا أنها إتسعت لنا جميعا، الإخوة الذين كانت أعدادهم كبيرة. كما أننا لم نكن إخوة من أم واحدة، فقد كبرتُ و عرفت أن بعض إخوتي الكبار هم من أم أخرى لا تحمل اسم أمي ولا شكل أمي ولا حتى طباع أمي. لكنهم كانوا يناموا معنا في تلك الحجرة، و يأكلون معنا في صحن واحد، كما أنني لم أشعر يوما بأننا نختلف.
كنا نملك حظيرة كبيرة فيها بعض الماشية و الدجاج، و كان لدينا ديك يوقظنا كل يوم، و ينقر أصابعنا حين يرانا نُدخل أيادينا لقفص الدجاج لنأخذ البيض.
كانت ثمة دجاجة لونها أسود تعيش معنا ، كنا نسميها( جميلة) ، و كنا نغني لها أغنية و نحن نصفق : جميلة يا جميلة ، ما أحلى جميلة، ما أحلى جمالك.
و حين نغضب منها نقول : سُودُوه و هي إشارة إلى لونها الأسود.
كانت رائعة، أستطيع تذكرها الآن بوضوح، أتذكر كيف حاولت الطيران و القفز خارج البيت، كيف طارت و ارتفعت أمامنا و استقرت على جدار البيت وبدأت تمشي بخيلاء. في العادة الدجاجات لا يمكنهن أن يقفزن و يجلسن على الجدران كما يفعل الديك، خاصة إن كان الجدار مرتفعا نوعا ما، لكن جميلة كانت قوية جدا، وكان تستطيع الطيران.
ذات مرة هجم عليها الحصيني ثعلب الصحراء ، لم تستسلم له، قاومته، لكنه لم يرحمها. وماتت جميلة.
لم نعد نحن الإخوة ننام في غرفة واحدة؛ فقد كبرنا، و ذهب كل واحد إلى حيث يريد أن يذهب، لا نملك حظيرة الآن، كما أن لا ديك لنا و لا دجاجات ، حتى الثعلب لم يعد يتسكع كما كان يفعل كل مساء باحثا عن دجاجة أو ديك.
تذكرتُ جميلة حين أسميت الدمية الجديدة التي جلبتها لي أختي , ب( مزوري) و تعني جميلة باللغة السواحيلية. الدمية سوداء ، لكنها ليست كسواد جميلة الدجاجة الشجاعة التي لم تكن ترضى أن تكون خاتمتها عادية.
بعض النهايات هي مجرد بدايات سحيقة تحاول جعلنا دمى لضعف لكن أليس الضعف بعده تتولد منه شراسة؟ هذه هي القوة التي علينا ان نتمسك فيها كمصالحة الذات هي فرصة تتكرر على عدة سقطات وفرضية ذهبية لكل من لا يستسلم بدون مقابل.
إني اذوب في الجحيم صديقي أو ما أطلقته عنك الوتين ..أراني أنحدر في الهاوية أتمنى يا صديقي أن تغفر لي الندوب الظاهرة واللاظاهرة لم أتعمد إحداث كل هذه الكوارث العابرة لديك .
كنت تظن بانك تستطيع إخفاء الوجع لكنك مخطئ، مثلما أخطأُتُ_أنا_كثيرا يوم هربت و مازلت أهرب ظنّا مني أن ما نهرب منه لا يظهر على أجسادنا ، و أنه يمكننا أن نُخفي كل الثقوب بثوب أو قطعة قماش أو حتى كريم من كريمات التجميل القذرة.