القلب والقــــالب.
10-12-2012, 12:26 PM
كثيرا ما نشترط للإقدام على الأعمال النافعة في حياتنا توفُّرَ أمورٍ ما، وكثيرا ما نبرّر إحجامنا عن تلك الأعمال بإنعدام هذه الأمور على الرغم من أنها لا تتجاوز كونها مجرد قوالب لا يستدعي غيابُها تأجيلا أو إلغاءا للأعمال المرتبطة بها متى ما توفّرت القلوب اللازمة لها ،فعندما يحمل المرء مثلا بين جوانحه أفكارا عميقة أو عواطف جيّاشة فإنه ليس في حاجة إلى إنتظار إكتسابه لقدرة معيّنة أو لفنّ خاصّ حتى يعبّر عن أفكاره وعواطفه لأن القلب موجود ووجود القالب حتمي وتابع لوجود القلب، وكذلك عندما يؤمن الشخص بقناعة فإنه لا يحتاج إلى تعلُّم طريقة للدفاع عن قناعته وإقناع الناس بها لأن الإيمان بالقناعة هو القلب وهو موجود فلا خوف من فقدان القالب الذي خُلق ليكون تابعًا له ، فيوجد ويتوفر ( القالب) متى ما وُجد وتوفر ( القلب).
معظم حالات الإمتناع عن الإلقاء أمام الجمهور ترجع إلى توهُّم عدم توفُّر القالب المناسب لتبليغ المعلومات أو للتعبير عن الأفكار وهو القدرة على الإلقاء على الرغم من توفُّر القلب المناسب لإعتلاء منبر الحديث أمام الناس وهو المعلومات والأفكار الواضحة، وكذلك أغلب حالات العزوف عن الكتابة للتعبير عن الأفكار أو الخيالات ( في مجال الأدب القصصي) أو العواطف سببُها هو الإعتقاد بفقدان قالب التعبير الكتابي أو القدرة على التعبير بالكتابة، بينما حقيقة الأمر هي أن الضرورة الوحيدة اللازم توفرها لإعتلاء المنابر وإمساك الأقلام هي قلب الفكر والمشاعر والمعلومات والخيالات، فكلّ إنسان ذو خيال قادر على حبك أحداث ونسج شخصيات هو إنسان ذو قدرة على كتابة وسرد قصص وروايات ، وكلّ شخص يملك في رأسه أو في قلبه شيئا يقدّمه للناس فهو شخص يملك في لسانه القدرة على الخطابة .
فلو تأملنا في نصوص الكاتبين ونظرنا في خطب المتكلّمين لوجدنا أنّ سرّ جودة المكتوب والمنطوق هو مادّة الكتابة والكلام وليس شكلُها، وقلبُها وليس قالبها،فجمال أدب المنفلوطي يرجع إلى جمال نفسه ونظرته إلى الحياة أكثر مما يرجع إلى ثراء قاموسه بالمفردات والعبارات، وقوّة خطب مالكوم اكس هي من قوّة فكره وسلامة منطقه،وكلا هاذين الرجلين صاحبا قلب تبعَهُ قالبه فللمنفلوطي قلب الفكر والشعر الذي تعبه قالب الأدب ولمالكوم اكس قلب الفكر والعزيمة الذي تبعه قالب الخطابة والفصاحة ، وحتى كلمة " أدب" في لغتنا الجميلة تعبّر عن هذه السيادة للقلب على القالب فالأدب "سمات خُلقية" يعبّر بها عن "نصوص مكتوبة" .
لكن إذا كانت للقلب سيادة على القالب فالعكس غير صحيح، أي أن القالب لا يملك أن يتبعه القلب بينما يملك القلب أن يتبعه القالب، فلو أنّ رجُلا توفّر فيه قالب شيئ ما من دون أن يتوفر فيه قلب ذلك الشيئ فإنه لن يقدّم به ولن يؤخّر لأنه لا يحمل غير قشور لا فائدة حقيقية تُرجى من وجودها ،ولعلّ أفضل مثال عن حالة وجود قالب دون قلب هو ذلك الإنسان الذي يستأنس في نفسه قدرة على الكلام أمام الناس ولكنه لا يملك لا فكرا ولا قناعات تستحقّ أن يُصعد لأجل تبليغها على المنابر فيعتلي سدّة الخطابة ليقول أيّ شيئ ،و ليهرف بما لا يعرف كما يُقال ، كما هو حال كثير من السياسيين في بلداننا اليوم الذين يجرؤ أحدهم على تولّي مهمة القيادة ( أي السياسة) أو التقدُّم لها لمجرد أنه يملك لسانا حادّا وصوتا جهوريّا وشدقًا واسعًا.
وليس الإلقاء والأدب إلا أمثلة عن علاقة القلب بالقالب وأفضلية الأول وسيادته على الثاني ، فغيرُ ذلك من القلوب والقوالب كثير،فعلى سبيل المثال يكون الإنسان عندما يواجه خطرا مخيَّرا فطريًا ما بين أمرين فإما " الفايت" ( القتال) وإما " الفلايت" ( الفرار) فإن توفّر في ذلك الموقف قلبُ غريزة البقاء مع غريزة العدوان فإن القالب سيكون جاهزا وسيجد الإنسان ما يُقاتل به بشراسة ولو كان امرأة ضعيفة ، وكذلك سيجد قالب القدرة على الجري بسرعة للفرار بجلده في حالة توفُّر قلب غريزة البقاء مع غريزة الخوف ولو كان شيخًا كبيرا، وعندما نقول ما قاله آباؤنا قبلنا :" الخوف يجرّي الشيوخة" فإننا نستخدم عبارة أخرى للجملة التي تلخّص هذا المقال..." القلب يُوجِد القالب".
معظم حالات الإمتناع عن الإلقاء أمام الجمهور ترجع إلى توهُّم عدم توفُّر القالب المناسب لتبليغ المعلومات أو للتعبير عن الأفكار وهو القدرة على الإلقاء على الرغم من توفُّر القلب المناسب لإعتلاء منبر الحديث أمام الناس وهو المعلومات والأفكار الواضحة، وكذلك أغلب حالات العزوف عن الكتابة للتعبير عن الأفكار أو الخيالات ( في مجال الأدب القصصي) أو العواطف سببُها هو الإعتقاد بفقدان قالب التعبير الكتابي أو القدرة على التعبير بالكتابة، بينما حقيقة الأمر هي أن الضرورة الوحيدة اللازم توفرها لإعتلاء المنابر وإمساك الأقلام هي قلب الفكر والمشاعر والمعلومات والخيالات، فكلّ إنسان ذو خيال قادر على حبك أحداث ونسج شخصيات هو إنسان ذو قدرة على كتابة وسرد قصص وروايات ، وكلّ شخص يملك في رأسه أو في قلبه شيئا يقدّمه للناس فهو شخص يملك في لسانه القدرة على الخطابة .
فلو تأملنا في نصوص الكاتبين ونظرنا في خطب المتكلّمين لوجدنا أنّ سرّ جودة المكتوب والمنطوق هو مادّة الكتابة والكلام وليس شكلُها، وقلبُها وليس قالبها،فجمال أدب المنفلوطي يرجع إلى جمال نفسه ونظرته إلى الحياة أكثر مما يرجع إلى ثراء قاموسه بالمفردات والعبارات، وقوّة خطب مالكوم اكس هي من قوّة فكره وسلامة منطقه،وكلا هاذين الرجلين صاحبا قلب تبعَهُ قالبه فللمنفلوطي قلب الفكر والشعر الذي تعبه قالب الأدب ولمالكوم اكس قلب الفكر والعزيمة الذي تبعه قالب الخطابة والفصاحة ، وحتى كلمة " أدب" في لغتنا الجميلة تعبّر عن هذه السيادة للقلب على القالب فالأدب "سمات خُلقية" يعبّر بها عن "نصوص مكتوبة" .
لكن إذا كانت للقلب سيادة على القالب فالعكس غير صحيح، أي أن القالب لا يملك أن يتبعه القلب بينما يملك القلب أن يتبعه القالب، فلو أنّ رجُلا توفّر فيه قالب شيئ ما من دون أن يتوفر فيه قلب ذلك الشيئ فإنه لن يقدّم به ولن يؤخّر لأنه لا يحمل غير قشور لا فائدة حقيقية تُرجى من وجودها ،ولعلّ أفضل مثال عن حالة وجود قالب دون قلب هو ذلك الإنسان الذي يستأنس في نفسه قدرة على الكلام أمام الناس ولكنه لا يملك لا فكرا ولا قناعات تستحقّ أن يُصعد لأجل تبليغها على المنابر فيعتلي سدّة الخطابة ليقول أيّ شيئ ،و ليهرف بما لا يعرف كما يُقال ، كما هو حال كثير من السياسيين في بلداننا اليوم الذين يجرؤ أحدهم على تولّي مهمة القيادة ( أي السياسة) أو التقدُّم لها لمجرد أنه يملك لسانا حادّا وصوتا جهوريّا وشدقًا واسعًا.
وليس الإلقاء والأدب إلا أمثلة عن علاقة القلب بالقالب وأفضلية الأول وسيادته على الثاني ، فغيرُ ذلك من القلوب والقوالب كثير،فعلى سبيل المثال يكون الإنسان عندما يواجه خطرا مخيَّرا فطريًا ما بين أمرين فإما " الفايت" ( القتال) وإما " الفلايت" ( الفرار) فإن توفّر في ذلك الموقف قلبُ غريزة البقاء مع غريزة العدوان فإن القالب سيكون جاهزا وسيجد الإنسان ما يُقاتل به بشراسة ولو كان امرأة ضعيفة ، وكذلك سيجد قالب القدرة على الجري بسرعة للفرار بجلده في حالة توفُّر قلب غريزة البقاء مع غريزة الخوف ولو كان شيخًا كبيرا، وعندما نقول ما قاله آباؤنا قبلنا :" الخوف يجرّي الشيوخة" فإننا نستخدم عبارة أخرى للجملة التي تلخّص هذا المقال..." القلب يُوجِد القالب".